مؤازرة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 7
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

إيتالو كالفينو

ترجمة ناصر الحلواني

توقفت لأشاهدهم.

كانوا يعملون ليلا، في شارع منعزل، مشغولون بالباب الحديدي لأحد المتاجر.

كان الباب ثقيلا؛ فكانوا يستعملون قضيبا من الحديد كرافعة، لكن الباب لم يتزحزح.

كنت أتجول في الأنحاء، أمضي إلى غير وجهة، وحدي. أمسكت بالعتلة الحديدية لمساعدتهم. أفسحوا لي.

لم نكن ندفع معا. قلت: “هيلا هوب!”. لكزني الرجل على يميني في جنبي وقال بصوت خفيض: “صه! هل أنت مجنون! أتريد أن يسمعوننا؟”

 هززت رأسي وكأني أقول له إنها هفوة لسان.

استغرقنا الأمرُ بعض الوقت حتى انثال عرقنا، ولكننا، في النهاية، تمكنا من رفع الباب بدرجة تكفي لأن يتسلل المرء من تحته. نظرنا إلى بعضنا البعض، يغمرنا السرور. ثم انسللنا إلى الداخل. أعطوني جوالاً لأمسكه. وجلب الآخرون أشياء ووضعوها فيه.

“سنواصل حتى يظهر أولئك المقرفين من رجال الشرطة” كانوا يقولون.

“هو كذلك” قلت، “إنهم مقرفون حقا!” “أصمت، هل تسمع خطو أقدام؟” كانوا يسألون كل بضع دقائق. أرهفت سمعي، والخوف يعتريني إلى حد ما. “لا، لا، ليسوا هم” قلت.

“هؤلاء الرجال يظهرون دوماً في اللحظة التي لا تتوقع مجيئهم فيها” قال أحدهم.

هززت راسي. “عليهم اللعنة جميعا، هو كذلك” أجبته.

حينئذ، طلبوا مني الخروج للحظة، وأن أذهب حتى ناصية الشارع، لأرى إن كان هناك أحد قادم. ذهبت.

في الخارج، عند الناصية، كان هناك آخرون، يلتصقون بالجدران، يختبئون في مداخل البيوت، ويتجهون نحوي.

انضممت إليهم.

“الضوضاء تأتي من هناك، قرب ذلك المتجر” قال الرجل إلى جواري.

مددت رأسي وألقيت نظرة.

“اخفض رأسك، أيها الأحمق، سيروننا ويهربون مجددا” قال هامسا.

“كنت أنظر” وضَّحتُ له، ثم جثمت ملتصقا بالجدار.

“إذا  تمكنا من الإحاطة بالمكان من دون أن يشعروا بنا” قال آخر “فسنكون قد نلنا منهم، فهم ليسوا كثيرين”.

تحركنا في دفعات، على أطراف أصابعنا، وقد حبس الجميع أنفاسه؛ وكل عدة ثوان، نتبادل النظرات بعيون لامعة.

“لن يتمكنوا من الفرار الآن” قلت.

“على الأقل سنقبض عليهم متلبسين” قال أحدهم.

“حان الوقت” قلت.

“أوغاد قذرون، يقتحمون المتجر هكذا!” قال آخر.

“أوغاد، أوغاد” رددت بانفعال.

أرسلوا بي أمامهم، لأراقب. عدت مرة أخرى إلى داخل المتجر.

“لن يتمكنوا منا الآن”، كان أحدهم يقول، وهو يرفع الجوال إلى كتفه.

“أسرعوا” قال آخر. “لنخرج من الخلف! وبهذا سنهرب من تحت أنوفهم”.

على شفاهنا جميعا ارتسمت ابتسامة النصر.

“سيشعرون بألم شديد” قلت. وتسللنا عبر الجانب الخلفي للمتجر.

“لقد خدعْنا هؤلاء الحمقى مرة أخرى” قالوا. ولكن عندئذ انبرى صوت قائلا: “توقف، أنت هناك” وأضيئت الأنوار. جثمنا خلف شيء ما، شاحب، وكلٌ يمسك بيد الآخر. دخل الآخرون إلى الحجرة الخلفية، لم يرونا، واستداروا عائدين. انطلقنا خارجين، ركضنا كالمجانين. “لقد فعلناها” صرخنا. تعثرت لمرتين، فسبقوني وبقيت خلفهم. وجدت نفسي مع الآخرين أطاردهم.

“هيا”، قالوا، “سنلحق بهم”.

وانطلق الجميع مندفعا خلال الشوارع الضيقة، يطاردونهم. “أركض من هذا الطريق، اقطع عليهم هذا الطريق” قلنا، ولم يكن الآخرون قد بعدوا كثيرا، لذا كنا نصرخ: “هيا، لن يهربوا منا”.

تمكنت من اللحاق بأحدهم. قال: “أحسنت، لقد فررت منهم. هيا، من ذلك الطريق، سنفلت منهم” ومضيت معه. بعد قليل، وجدت نفسي وحيدا، في أحد الأزقة. جاء أحدهم راكضا من زاوية الزقاق وقال: “هيا، من ذلك الطريق، لقد رأيتهم. لا يمكنهم الفرار بعيدا”، ركضت بعده قليلا.

ثم توقفت، وأنا أرشح بالعرق، لم يكن هناك أحد، لم اعد أسمع صياحا. وقفت، ويداي في جيوبي، وبدأت في المشي، مع نفسي، أمضي إلى غير وجهة.

 

مقالات من نفس القسم