لم تكن أنت !!

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

بقلم محمد إبراهيم محروس *

ألم تكن اللحظات كافية بيننا كي أفهم لماذا اليوم بالذات تعانى من هذه الحالة؟ ولماذا ترفض الحضور؟

 علاقتي بها منذ سنوات مستمرة وطبيعية بدرجة كافية، بل ناضجة أكثر من اللازم..

كثيرا ما قلت لها: يجب أن تجنح علاقتنا قليلا إلى الطفولة، فأنت تملكين طاقة حث رائعة، وتملكين طاقة إبداعية خارج الحدود..

تطلعت وقتها للوحة التي رسمتها لها منذ زمن وأجهشت بالبكاء، لسبب لا أعلمه كنت شديد الرفق بها.. حاولت أن أوضح لها أن ذلك الحادث لم يؤثر في علاقتي بها، بل هي تزداد جمالا في عينيّ يوما عن يوم، ولكنها رفضتْ كلماتي الوجلة، ورفضتْ عباراتي قالت: إنها غير جديرة بالرثاء الآن، بل هي ظل لإنسانة محطمة، وكلماتي تزيد من تحطيمها.

لم يكن في استطاعتي أن أماطلها أكثر من هذا، ولم يكن عقلي وذكائي يشفعان لديها. فهي تفهمني أكثر من نفسي، بل هي جزء لا يتجزأ من وجداني.. رفضتْ أن تجلس أمامي لأرسمها مرة أخرى برغم كثرة التحايل منى ولكنها نظرت إلى وقالت: لا تحاول..

وقتها انتبهت لشيء هام في علاقتنا التي امتدت لسنوات أنني لم أقل لها في يوم ما إنني أحبها، بل كنت أتصرف معها بتلقائية نابعة من شعوري نحوها بالامتلاك.. وكم أرهقها هذا الشعور!

 ولكني كنت أحمق، فلا تطلبوا من أحمق أن يبرر لكم أسباب حماقته وإلا أصبحتم أنتم الحم.. آسف أعتذر عن التطاول الغير مقصود..

فأنتِ تعرفين أنني لم أبغ حقًّا أن أسيء إليك، ولكن الأمر خرج عن سيطرتي لأدواتي، وعند لوحة الرسم المعتادة.. أتسمحين أن تخلعي هذا الإيشارب عن وجهك، فأنني أريد أن أرى ملامحك واضحة.. تصوري رغم كل هذه السنوات لم أحفظ ملامحك بعد.. ورغم فوز لوحتي التي رسمتها لك بالجائزة الأولى، ولكن دائما ما تأتى ملامحك غامضة، وكأني أراها من خلف شبورة من الضباب الكثيف.. آسف أزعجك معي دوماً.. فهل تخلعين الإيشارب الآن؟..

ماذا كان حالنا الآن؟.. وماذا كان حالنا منذ زمن؟..

فأنتِ دوماً الظل الحقيقي لجسدي.. هل تتذكرين يوم أن قابلتك لأول مرة، يومها أظن أنني انتبهت لملامحك جيدا، بل رأيت فيك الصورة الكاملة لفتاة عاقلة، وفوق هذا موديل جميل أستطيع أن أرسمه لسنوات دون ملل.. قال مراد يومها: موديل جميل.. هل تبغي حقا أن تكون لوحتك القادمة عنها؟.. ولكن احذر لا وجود للموديل العاري الآن.. أنها موضة قد انتهي وقتها، ولا أظن لمثلها أن تخلع ملابسها أمامك مهما حدث..

لم يكن مراد يعرف المستقبل ولم يكن من المتنبئين، ولكنه أدرك طبيعتك منذ أول نظرة ،تلك الطبيعة التي لم أفهمها أنا ؛برغم مرور سنوات على علاقتنا..

 حينما أردتُ أن تتعرى أمامي، رفضتِ بشدة، رفضتِ لدرجة تخيلتُ عندها أنني طلبتُ منك المستحيل، ولكن تلك الورقة وتلك الاحتفالية الغريبة التي أصررتِ عليها، وتلك الشكلية العجيبة من الارتباط بمجرد ورقة عند شخص معمم هي من أعطتك الإذن؛ كي تتعرى أمامي، نعم تلك الصورة الغريبة التي لم أجد لها مبررًا داخليًا؛ سوى أنني أردتُ امتلاكك، وكنت أنتِ شديدة الحرص على إرضائي بعدها..

مستحيل أن يكون هذا هو تفكيرك، وأنت خريجة الجامعة الأمريكية وأستاذة في علوم اللغة، كيف لم أفهمك ؟!..وكيف لم أفهم حجم علاقتنا بتلك الورقة؟!

لم يكن يوم زفافنا يوما عاديًا.. أتذكرين؟.. بل أنتِ وقفتِ تنظرين إلى في وجل، ونظرات الخجل..احمرار خديك يفوق الوصف، لم يدر بذهني وقتها أن خريجة الجامعات التي تدرس اللغة تكون بهذا الخفر.. ساعات طويلة انتظرتِ منى أن أقوم بأي فعل تجاهك، فعل مشروع في ليلة كهذه، ولكنني كنت أنظر إلى ما أبعد، أنظر إلى خلاياك وجسدك الذي أريده أن ينطبع الآن على تلك اللوحة البيضاء، وعندما أمرتك بخلع ملابسك دهشتِ، بل دهشتك كانت غامضة بالنسبة لي، لماذا ؟! ألم يكن شرطك لتتعرى أمامي هو هذه الورقة وهذا الاحتفال؟!

همستِ وقتها في خفوت: هنا..

نعم كنت أريد أن تخلعي ملابسك عنك هنا في الصالة، أكان لابد من غرفة نوم حتى أرى جسدك؟!

 لا هنا في الصالة.

ارتجف جسدك بشدة وأنا أخلع عنك ملابسك بهدوء وآدمية، كنت إنسانا، أتذكرين؟..

لستّ ساعات وأنتِ تقفين أمامي عارية في الصالة ليلة زفافنا؛ لأرسمك، لا تقولوا إنني مجنون.. بل كنت أريدها، أريد تفاصيل الجسد الذي أخفته عنيّ، ذلك الجسد الذي عشقته بجنون، عشقت كل ثناياه، عشقت نتف الزغب الخفيف من الشعر الذي لم تنجح الماشطة ناجحا كاملا في تخليصك منه ليلة زفافك، عشقت كل جسدك الحي، الذي وهبه لك الله، وماذا في هذا؟! .. كنت مجنونًا، ليكن، ولكن كانت ارتجافتك تعطيني الحياة، وأنا أواصل رسمك بدقة متناهية.. ستّ ساعات ليلة زفافك تقفين أمامي أنا زوجك كما تقول تلك القسيمة التي تحتفظين بها للزمن، هل بالفعل عذبتك؟!.. هل بالفعل كانت تلك الساعات الستّ هي أقسى لحظات حياتك ألماً؟!.. لماذا لم تنطقي وقتها؟ لماذا لم تقاومي جشعي لهذا الجسد الذي هو أنتِ، مازال لديك القسيمة، ومازال لدى اللوحة الأولى لك.

بعد هذه الفترة وهذا الزمن وبرغم كل اللوحات التي رسمتها لك لم أفهمك، وظلت صورتك كأنها ذكرى تأتى إلى من ماض بعيد.. اللعنة.. لماذا تعترضين هذه المرة ولماذا تهجرينني..أبعد كل هذه السنوات تهجرينني ؟!.. أكل هذا من أجل مساحيق التجميل، ومن أجل هذا الطبيب الغبي الذي قال لك: إن ما حدث لوجهك هو من تأثير كثرة المساحيق التي كنت أطلب منك وضعها أثناء رسمك..

أتصدقين هذا، لوحتك فائزة عزيزتي.. لماذا هذا الرفض الذي بداخلك، أتقولين:

إنني عريتك أمامي، وأمام العالم.. أنني كنت السبب في فضحك أمام الطلبة في الجامعة، لسنوات وعدتك أن أحتفظ بهذه اللوحة الأولى مدة الحياة ولن أعرضها على أحد، ولكني بشر ،طمعتُ بالفوز، فكان يجب أن أظهر هذه اللوحة للناس، أنتِ من رفضتِ أن أرسمك عارية مرة أخرى بعد ليلة زفافنا، والمسابقة كانت عن لغة الجسد وماذا كنت أفعل، جسدك هو اللغة الوحيد التي أتقنتها بشدة وجشع.. أنني أنتظرك، أنتظرك أن تعودي لي ولكنك تصرين على رفضك.. لماذا ؟!

ـــــــــــــــــ

قاص مصري

 

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون