لماذا ذهبت إلى تورنتو.. وماذا حدث هناك؟

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

يسري نصر الله *

قد يكون من المفيد توضيح التسلسل الزمنى لكل ما أحاط بموضوع الاحتجاج على تظاهرة «مدينة لمدينة» وتباين المواقف بين مقاطعة مهرجان تورنتو والاحتجاج على تظاهرة «مدينة لمدينة» وعلاقتها بحملة «تجديد صورة إسرائيل»، التى قامت بها وزارة الخارجية الإسرائيلية والقنصلية الإسرائيلية فى كندا.

البيان الأولى صدر فى نهاية شهر أغسطس وقمت بتوقيعه يوم 1 سبتمبر، وهو بيان يحتج على تظاهرة «مدينة لمدينة» المخصصة لتل أبيب كـ«مدينة منفتحة وحديثة ومتعددة الثقافات» بتجاهل تام لما حدث فى غزة فى بداية العام وللطابع العنصرى لإسرائيل، وقد جاءنى البيان موقعاً بأسماء عشرة سينمائيين 9 من كندا منهم جون جريسون ونعومى كامبل، ومخرج إسرائيلى وهو أودى آلونى.

ولم يرد فيه أى ذكر لمقاطعة المهرجان ككل، ولم يكن المشاهير من أمثال جين فوندا وكين لوتش وفيجو مورتنسن قد قاموا بتوقيعه بعد.

فى يوم 2 سبتمبر أعلن الآتى أسماؤهم عن انضمامهم إلى الاحتجاج على التظاهرة: كين لوتش، دافيد بيرن، جين فوندا، والاس شون، دانى جلوفر.

وركز بيان الاحتجاج على التالى:

«إننا لا نحتج على أشخاص السينمائيين الإسرائيليين المتواجدين فى تظاهرة «مدينة لمدينة» كأفراد، ولا نقترح بأى شكل من الأشكال عدم الترحيب بالأفلام الإسرائيلية فى مهرجان تورنتو، ولكننا نحتج على استخدام مهرجان دولى بهذه الأهمية لإقامة حملة دعائية لصالح نظام فصل عنصرى».

ورداً على اتهام الموقعين على البيان إدارة المهرجان بتلقى تمويل لتظاهرة «مدينة لمدينة» من قبل الدولة الإسرائيلية، صرح كاميرون بايلى بالآتى:

«لم نتعرض لأى ضغط من مصدر خارجى، التركيز (على تل أبيب) هو نتيجة قرار من لجنة البرامج فى مهرجان تورنتو، إننا نثمن استقلاليتنا ولن نعرضها بأى شكل من الأشكال للخطر».

وقد اتضحت عدم دقة هذا الكلام، فمن نتائج الحملة أن عمدة تل أبيب صرح ـ على الأرجح لإحراج المهرجان والتلويح بأن نفى ذلك قد يدفع بعض رعاة وممولى المهرجان لسحب تمويلهم ـ بأن إسرائيل مولت التظاهرة.

ونشر جون جريسون «المخرج الكندى الذى بدأ حركة الاحتجاج بسحب فيلمه القصير من المهرجان» بتاريخ 7 سبتمبر الرسالة التالية:

جميعنا الذين قد وقعنا على بيان تورنتو قد دعونا السينمائيين والجمهور للاحتجاج وليس المقاطعة، بل طلبنا منهم الاعتراض على التظاهرة نفسها، وليس على السينمائيين الإسرائيليين الذين تشملهم.

ففى الوقت الراهن، فى هذه المدينة، تصبح أفضل وسيلة للمشاركة هى إثارة الجدل حول دعم مهرجان تورنتو لحملة Brand Israel وحول إنماء حركة تدعم مقاطعة وتعرية ومعاقبة إسرائيل، وفقاً لما أفهمه فإن اللائحة التوجيهية الخاصة بـ«الحملة الفلسطينية للمقاطعة الثقافية والأكاديمية لإسرائيل»، تنص على أن المقاطعة هى فعل استراتيجى يتحدد وفقاً لكل ظرفية، وفى هذه الحالة نظن أنه مهم بشكل خاص أن يعرض كل الفلسطينيين والعرب أفلامهم فى مهرجان تورنتو بالأسبوع المقبل.

هذه الأصوات لابد أن تكون مسموعة لجمهور تورنتو، لا أن يتم إخمادها.

فى يوم 10 سبتمبر نشرت «اللجنة الفلسطينية لحملة المقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل» البيان التالى:

فى يوم 27 أغسطس نشرت اللجنة الفلسطينية لحملة المقاطعة الثقافية والأكاديمية لإسرائيل بياناً رسمياً دعت فيه لمقاطعة التظاهرة الخاصة بتل أبيب فى مهرجان تورنتو، سواء عن عمد أو عن غير قصد فإن هذه التظاهرة هدفها تبييض وجه إسرائيل وغسل خرقها لحقوق الإنسان الفلسطينى، والتغطية على جرائمها البشعة فى غزة، عبر تقديمها تل أبيب كمدينة طبيعية، غربية الطابع، وليس كحقيقتها كمركز السياسات الاستعمارية والعنصرية الإسرائيلية وكى يكون موقفنا واضحاً: أعلنا أن دعوة لجنتنا للاحتجاج والمقاطعة موجهة بشكل محدد للتظاهرة الخاصة بتل أبيب، ولم ندع لمقاطعة عامة لمهرجان تورنتو.

فى هذه الأثناء وصل عدد الموقعين على بيان الاحتجاج إلى ما يزيد على 1500 اسم من المشاهير فى العالم الأكاديمى والسياسى والفنى.

سأوفر على القارئ عناء قراءة كم التشويه العنصرى من قبل مؤيدى التظاهرة، الذين اتهموا الموقعين على عريضة الاحتجاج بالهمجية (العرب ليس لديهم سينما أو فن وكل ما يملكونه هو القنابل، الموقعون على البيان هم مجموعة من المعادين للسامية واليهود الكارهين لأنفسهم، مجموعة فاشية تريد فرض رقابة على عروض المهرجان.. إلخ»، وسأحاول تفسير قرارى بحضور مهرجان تورنتو.

منذ زمن طويل لم يحدث أن احتشد رأى عام عالمى بهذه الأهمية لإدانة عنصرية إسرائيل ومعنى احتياج إسرائيل لتمويل حملات من هذا النوع هو إدراكها أن التأييد المطلق وغير المشروط الذى كانت تحصل عليه من الغرب أصبح مهدداً، ومن ثم فإن الوقت – فى تصورى- موات للتواجد بشكل هجومى وفعال فى المحافل الدولية واستخدامها لتوسيع رقعة إدانة دولة الفصل العنصرى وعدم ترك لها فرصة الانفراد بالجمهور الذى يحضر هذه المحافل بكثافة.

ووجود نهضة حقيقية فى المجال السينمائى العربى بشكل عام والمصرى بشكل خاص ولهفة المهرجانات على أفلامنا فرصة عظيمة لإفساد رغبة إسرائيل فى تحسين صورتها عبر تمويلها لتظاهرات مثل «مدينة لمدينة» وعلى حساب عزلنا عن المحافل الدولية لتتيح لنفسها فرصة تصوير نفسها على أنها الدولة الحضارية الوحيدة فى الشرق الأوسط التى لديها سينما وأدب وبحث أكاديمى، ويكفينا أن أفلامنا تعرض لأنها جيدة، وليس لأن حكوماتنا تمول تواجدنا كى تبيض وجهها.

فى يوم 14 سبتمبر وصلت أنا وإليا سليمان إلى تورنتو، وفور وصولنا شاركنا فى مؤتمر صحفى أذيع على جميع محطات التليفزيون الكندية للتنديد بتظاهرة «مدينة لمدينة» ولفضح سياسات إسرائيل الوحشية وعنصريتها، بعد المؤتمر الصحفى، عقد مؤتمر عام حضره أكثر من ستمائة شخص فى جامعة رايرسون، للتضامن مع الشعب الفلسطينى وللتنديد بتظاهرة «مدينة لمدينة» وللتضامن مع الفنانين والأكاديميين الكنديين والأمريكيين الذين يتعرضون لضغوط رهيبة لمنعهم من تأييد الحقوق العادلة للشعب الفلسطينى،

وقد كان لتواجدى وإليا سليمان أهمية لإنجاح المؤتمر (كل مداخلات «المشاهير» جاءت عن طريق رسائل مكتوبة أو عن طريق شرائط فيديو)، واقتراح مقاطعة إسرائيل مثلما حدث فى جنوب أفريقيا قبل انهيار نظام الفصل العنصرى.

وأثناء هذا المؤتمر جاءنا خبر سحب جين فوندا لتوقيعها على عريضة الاحتجاج، وتردد أن السبب وراء ذلك هو أن ممولى الجمعية التى تديرها لمساعدة الأمهات السود غير المتزوجات فى أتلانتا قد هددوا بسحب تمويلهم للجمعية، ألا ينبغى أن نتوقف هنا بعض الشىء لنناقش كيفية دعم من يتضامن مع حقوق الشعب الفلسطينى فى الغرب.

لم تكف الجرائد يوماً أثناء تواجدنا فى تورنتو عن إثارة موضوع التمويل الإسرائيلى للتظاهرة ما بين مؤيد ومعارض، وطلبت منا أكثر من مرة حوارات حول هذا الموضوع.

فى المناقشة التى تلت عرض «إحكى يا شهرزاد» (حضر العرض ما يزيد على ألف متفرج) وأمام ما يزيد على مائتى شخص حضروا المناقشة سألتنى سيدة قدمت نفسها على أنها من منظمى مهرجان تل أبيب السينمائى عما إذا كنت أوافق على عرض الفيلم فى تل أبيب، وأضافت أن فكرة مقاطعة إسرائيل عبثية وأشبه بفكرة مقاطعة أمريكا لاضطهادها للسود وللمذابح التى ارتكبتها بحق السكان الأصليين.

وكانت فرصة جيدة للرد على ما تعتبره عبثياً:

اضطهاد وذبح وطرد وتشريد الفلسطينيين لم يحدث فى القرون الماضية، ولكنه يحدث الآن بينما نتحدث وينشر فى جميع الجرائد وعلى جميع محطات التليفزيون، وبالتالى لا يمكن لأحد أن يتحجج بأنه لا يعرف لقد اعتذرت أمريكا عن مذابح الهنود الحمر وعن العنصرية ضد السود وانتخبت رئيساً أفريقى الأصل، بينما تنتهك إسرائيل الآن ويومياً كل المواثيق الدولية وترفض تطبيق أى من قرارات الأمم المتحدة وتستمر فى احتلالها للأرضى العربية، وفى التوسع فى إقامة المستوطنات وفى تهديد الفلسطينيين بالطرد من البلاد إذا لم يقروا بيهودية دولة إسرائيل. لذلك أرفض الذهاب لإسرائيل وأدعو الحضور للأخذ بحذوى.

لا أظن أن الحجج ولا الأفلام ولا الأعمال الأدبية أو الأكاديمية تنقصنا لمواجهة إسرائيل فى أى محفل دولى. إسرائيل لن تكف عن تمويل تواجدها الإعلامى والفنى فى المهرجانات ولن تكف عن محاولة استبعاد مثقفينا وفنانينا عن التواصل مع العالم، وموقفنا ليس ضعيفاً ورأيى أن الظرف ملائم لأن نكون أكثر هجومية فى طرحه أمام المحافل الدولية، وذهابى لتورنتو كان نابعاً من هذا التقييم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* مخرج سينمائي مصري

 

مقالات من نفس القسم