لصوص النوم… اللعب مع الحكاية

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 320
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أحمد عبد العاطي 

في الشارع رقم 18، حاول زجاج واجهة محل قديم، تجاوَز السبعين عامًا، أن يمتلك القدرة على التنبؤ بالموت، لكنه أصيب بشرخ، جراء حجر قُذف فيه بقصد تام.”

بهذه الجملة يبدأ الكاتب المصري “أمجد الصبان” قصته “حكاية المزهرية القاتلة” في مجموعته القصصية الأولى “لصوص النوم”. ربما أول ما يستطيع القارئ ملاحظته هو الخيال الجامح الذي اعتمد عليه الصبان لينسج قصصًا غارقة في التأمل والرمزية دون التورط في محاكاة الواقع. ومن اللافت أيضًا في قصص المجموعة المكونة من ست عشرة قصة قصيرة تتراوح في طولها وعالمها هو التشظي الذي تم استخدامه ليبلغ عن حالة التفكك المسيطرة على ذهنه، ومن ثَمَّ، النص.

فالصبان لا يعني في كتابته بالإمساك بحكاية لها بداية وحبكة ونهاية، رغم أن قصصًا قليلة مثل “لصوص النوم” و”2990″ و”ثلاث حكايات لمقهى وحيد” يمكن إدراجها، بحالتها ومراوغتها، إلى عالم القصة التقليدية، كأنها توسطت المجموعة لتشكل رهانًا عقده الكاتب بينه وبين نفسه على اختياره لترك الحكاية دون قيد أن مسوغات.

في التقدمة الخاصة بالمجموعة يقول “أمجد”: “أفكر في كتابة قصة.. عني.. عن قصة غير مكتوبة ترغب في كتابة قصة عن رِجلها اليُسرى المُقيَّدة بسرير في غرفة معتمة، وتدرك أنها تشبه مضرب البيسبول، ليس عن طريق الوقوف عارية أمام المرآة؛ بل حين أرى للمرة الأولى، النصف السُفلي للفتاة التي ظللتُ لسنة كاملة أحب نصفها العلوي. أوقِف التفكير في القصة، أحبُّ أن أتقافز لا أن أكون خاضعًا للتقييم

هنا يحتفي الصبان بغواية اللعب، بكتابة نص غير ممسوك، يشتغل على العناصر المتفرقة ويصنع منها رغبة أو حلمًا أو تجربة. ففي قصة “الفيل وليس الكانجرو يا وودي” يُبنى النص على محاورة ذهانية بين ذات الكاتب وبين (وودي آلن) الذي ينصحه منذ البداية باستخدام الفيل كحبكة لقصته وليس الكانجرو. ومع استدعاء شخصية المخرج الشهير، تبدأ قصة من وراء القصة التي سيشرع الكاتب في سردها، فنجده يداوم على مساءلة وودي، ويستفسر منه عن جدوى استخدام الفيل، وهي الحبكة ذاتها التي سيستخدمها آلن في فيلمه ليقدمها إلى جمهوره. وبلغة سهلة ومستساغة يبني الصبان عالمًا فريدًا يسعى فيه إلى التجريب دون تخطي الحد الفاصل بين النزوع لفن التجريب، وبين التهلهل أو الغرابة الممسوخة، فالقصة عنده لا تقدم قيمة أو لحظة تنوير. وتضع، في الوقت ذاته، الإنسان وتساؤلاته موضع تهديد بالشك في هويته وذاته. وانطلاقًا من حداثة النص فإن كل تجربة من تجارب الصبان لها عالمها الخاص، دون أن تلقي قصة بظلالها على أخرى، بدءًا من العناوين وحتى اللغة المستخدمة في البناء. في قصة “2990” يستهل السارد حكايته:
تلقيتُ إشعارًا بأن أمي ماتت وهي في السادسة من عمرها إثر حادث لم يكن في الحسبان، ذلك يعني أنني لن أجد رحمًا أولَد فيه” هنا الدهشة مصنوعة سلفًا قبل أن يتغلغل القارئ في النص، بإمساك ذكي بعقل القارئ مع الوعد الضمني بتقديم حبكات لا عدد لها، ومع التقدم في القصة نجد الراوي وقد تلقى إشعارًا بتقديم طلب التماس ليولد في رحم آخر لكن الطلب تم رفضه. بهذه التوليفة يرمي أمجد شباكه، وبتقنية لعوب يختار الموقف التالي بعناية حتى لا تتسرب القصة من بين يدي القارئ، وفي الوقت ذاته يتحايل على وحدة النص والبناء والنهاية. وربما تتشابه حبكة القصة مع قصة أخرى وهي “ثلاث حكايات لمقهى وحيد” حيث تبدأ القصة بمقهى غير موجود على الإطلاق: “كان المقهى غير موجود على الإطلاق، ولن يوجد في القريب العاجل، لم يكن يقع على أحد الطرق الزراعية النائية بين عدة أكشاك متراصة بطول فرع النيل” تنشغل الشخصيتان الرئيسيتان في القصتين الماضيتين بموقعهما المُتخيل من العالم (رحم غير موجود/ مقهى غير موجود) الانشغال الذي ولَّد رغبة في النجاة حتى مع عدم واقعية التيه، فإن الإنسان في شخصيات الصبان دائمة البحث، ربما عن مكان موجود ولا تستطيع الوصول إليه، أو ربما هو غير موجود فتسعى لاختلاقه. جدير بالذكر أن المجموعة “الفائزة بمنحة آفاق للكتابة الإبداعية” هي الأولى لكاتبها وتحمل في طبقاتها بداية تجريبية موفقة للكاتب، حيث استدعى الحالة المغلفة للنص، ثم نجح بسردها دون جهد أو عناء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روائي وكاتب مصري 

مقالات من نفس القسم