“كيرياليسون” نحو خطاب سوسيو سياسي

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

د. هاني إسماعيل محمد إسماعيل*

مقدمة

شهد المجتمع المصري – في الآونة الاخيرة – تحولات خطيرة مسَّت كيانه وجوهره، غير مقتصرة على سطحه الخارجي، وهي تحولات ارتبطت ارتباطًا كبيرًا بالمستوى الاقتصادي، والبناء الاجتماعي، المتصلين بتحولات المجتمع، وطموح فئاته، وأفراده إلى ارتقاء سلم اجتماعي أرقى، والصعود إلى طبقة أعلى. وقد ارتبطت هذه التحولات، واتصل هذا الطموح بمبدأ قد تتحقق فيه مقولة: الغاية تبرر الوسيلة([1]).

ورواية كيرياليسون لهاني عبد المريد تعبر عن ذلك المجتمع المصري المتغير، الذي اكتسى برداء السطحية والفهلوة، وتغيرت فيه كثير من سمات أصيلة، كانت راسخة داخل هذا الإنسان صاحب التدين الواضح والثقافية الأصيلة القادرة على الاحتواء والهضم.

لم يكتف المؤلف بالتعبير عن المجتمع المتغير النفس، إنما راح يعيد إنتاج الخطابات الأيديولوجية السائدة بالمجتمع المصري بأشكال مختلفة، تغلف بالنص الروائي، وبتقنيات سردية، استطاعت أن تدل دلالة قاطعة على هذه الأيدلوجيات السائدة، والمشكِّلة للمجتمع المصري، هذا المجتمع الذي انسحقت ثقافته وأيديولوجيته الوسطية، مع انسحاق كرامته عبر نظام سياسي بغيض، رسَّخ لمبدأ الغاية القبيحة تبرر لوسائل وأساليب أكثر قبحًا.

ولقد ارتكز البحث في دراسته لهذه الرواية على المنهج السوسيولوجي الهادف إلى تحديد شبكة القوى الاجتماعية والطبقات التي نمذجتها الشخصيات الروائية، والقصصية والعلاقات الاجتماعية والطبقات التي نمطتها.([2]) رابطًا بينها وبين النظام السياسي القمعي، الذي أفرز كل سلبيات المجتمع الحيوية، وكذلك مهتمًا بالظروف المختلفة والعوامل المساعدة في ظهور النص الروائي ” كيرياليسون ” ( بيئة، نشأة، اجتماعية، نظم سياسية، تاريخ وحضارة).

إن هذه الدراسة تحاول رصد محاولات النظام السياسي لتغيير التركيبة الاجتماعية والسلوك الاجتماعي عبر ثورة فكرية مضادة، استهدف منها ” عقل الشعب وروحه وثقافته، وتراثه الثوري والفكري، ليقوم بغسيل المخ، ويحاول قولبة الإنسان العربي في مصر، وتطهيره من فكر الثورة ومن ثم بث القيم المضادة للثورة، وإعادة تشكيل وعيه في الاتجاه المضاد لها([3]) وسيقف البحث عند نقاط سياسية واجتماعية مهمة، كانت قد ترسخت داخل النفس المصرية المقهورة، واستطاعت أن تشغل تفكيره العميق، وتدفعه لسلوكيات اجتماعية قميئة، هددت السلام الاجتماعي لمصر، ويمكن إجمالها في النقاط التالية:

    قضية الحرية.

    العدالة الاجتماعية

    الآخر الديني / الآخر الثقافي

    العلاقة بين السلطة السياسية / الاجتماعية والشعب.

    التغير الثقافي والديني.

    الانفلات النفسي والأخلاقي.

لقد اهتمت الدراسة بالخطاب discourse الاجتماعي / السياسي / النفسي لكيرياليسون، هذا الخطاب الذي سعى للتأثير في المتلقي ودفعه نفسيًا ووجدانًا للتفاعل معه ومقاومة الثورة المضادة للإنسان داخل المجتمع المصري، ورفضها والثورة عليها، وهذا ما يجعل هذه الأداة المنهجية للخطاب، تتجاوز أداة تحليل المضمون إلى تحليل مؤثرات ومسببات إنتاج النص السياسية والاجتماعية النفسية والتاريخي، وستنطلق المعالجة السوسيو سياسية للرواية في ضوء تعانق كبير بين الرواية والخطاب والسياقات والأنساق الاجتماعية والثقافية والسياسية والتاريخية والنفسية المنتجة لهذه الرواية.

العنوان : المفارقة والآخر

لقد عني النقد الحديث بالعنوان ورآه نصًا موازيًا حافلا بالدلالة، فالعنوان الروائي مفتاحًا للولوج داخل النص السردي، فهو الواسطة المركزية في عملية ربط الخطاب الموجه للقارئ، بنقطة ارتكاز موجهة، تظل تلاحق وعي وانتباه القارئ، وتجمع شتات تأويلاته إلى دائرة محكمة بأطر الموضوع والمجال المعرفي والثقافي، والرغبة الأولى في فعل صناعة الخطاب، فكل قراءة للنص تبقي مرتبطة بنواة مداخل ومفاتيح النص المشكلة ابتداء في العنوان، وعلى هذا يمكن تصور حالة الوعي وهو يقرأ أيضا بلا عنوان فهو انشقاق وشرخ كثيف في البنية الانطولوجية للفهم، وتفكك لمواقع تأشير المعنى وترميمه في عمل الدلالة. إن قراءة مؤَلف ما تظل مرهونة باللحظة التأسيسية الأولى لدلالة العنوان، وهي اللحظة التي تعمل منذ البداية على الإحاطة بكامل النص وكل ما يمكن أن يلقي على هوامشه ، فيظل موسوما به([4])

ومن هذا المنطلق يعد العنوان في رواية هاني عبد المريد ” كيرياليسون ” ذا قيمة كبرى ومفتاحًا حقيقيًا للنص بكامله، وبرغم أن العنوان هنا قد لا يشير ولا يدل بأية علاقة إلى المعنى العام للرواية المطروح بداخلها، ولا بتشكيلاتها اللغوية والفنية، لكن هذا العنوان يمكن تأويله من خلال قراءة الإشارات العامة والخاصة عبر نشاط رمزي مجازي في دلالة العنوان الذي لا يعبر فقط عن النص إنما يخبرنا كذلك برؤية المؤلف وثقافته.

إن دلالة كيرياليسون دلالة عميقة اجتماعيًا وسياسيًا ونفسيًا، فهي تعبر عن المجتمع المصري المتناقض، لذلك فالمؤلف يوظف العنوان عبر مفارقة لغوية دلالية كبرى، تتجلى في أهميتها وقوتها، فهي عنصر تكويني فهم من عناصر الرواية، التي تعكس أو ينعكس من خلالها ومن خلال بنيتها السردية الواقع المصري المعاش، والأدب وما يحمله من مضامين منعكسة على الواقع، إن المفارقة هنا تعبر عن حياة المصريين وأدبهم، وتعكس الطائفية الكامنة داخل وعيهم المستحدث، فكما يربط ” وين بوث ” بين المفارقة والحياة العامة، حين يقرر لدى قراءتنا أي مفارقة تستحق الجهد فإننا نقرأ الحياة نفسها، نقرأ الشخصية والقيمة ونشير إلى أعمق معتقداتنا([5]) إلى المكبوت داخل نفوس المصريين أو المسكوت عنه خوفًا أو تسامحًا.

يلاحظ المتمعن في عنوان ” كيرياليسون ” اعتمادها المفارقة الصارخة، وهذه المفارقة التلقائية نجحت في إكساب الرواية ثوب الغموض الإبداعي، غير المستغرب، فهي أشبه بإنسان يكتشف كهفًا مظلمًا مليئًا بالقلق والخوف والغموض، لكنه لا يقاوم مثير، كل جزئياته تدفعه إلى التعمق بداخله، وهذه المفارقة تقصد كما يخبرنا : ماكس بيويوم” إحداث أبلغ الأثر بأقل الوسائل تبذيرًا، فالمفارقة تخضع لمبدأ الاقتصاد اللغوي والتكثيف الإشاري، كما تنطوي على مبدأ آخر هو مبدأ عدم التوقع الذي يثير الدهشة، التأمل([6])

المتأمل لكلمة كيرياليسون يقف كثيرًا أمام العنوان المثير الغريب غير المفهوم، لقطاع كبير من القراء، فالقارئ المسلم سيقف حائرًا أمام هذا العنوان، ويدفعه فضوله الفكري إلى توقع العنوان والمضمون معا، لكنه سيفشل في ذلك، لأن المؤلف اعتمد تقنية كسر أفق التوقع لدى المتلقي، الذي ستصيبه الدهشة عندما يفاجأ بأن العنوان كلمة لاتينية يستخدمها المسيحيون في صلواتهم، فيتجه مرة أخرى إلى توقع المضمون، بأنه رواية دينية مسيحية، تتحدث عن تعاليم المسيحية وطقوسها، وهذا التوقع هو الدافع لقراءة المتلقي للرواية؛ لاكتشاف أسرارها التي ستحطم توقعه للمرة الثانية، لأنها رواية اجتماعية سياسية لا علاقة لها بتعاليم المسيحية كما ظن أو توقع.

ولتكتمل المفارقة للمتلقي المسيحي الذي يفهم عنوان الرواية، لكنه لا يستطيع الوقوف على كنهها وجوهرها لاندفاعه نحو توقعه، بكونها رواية مسيحية تتحدث عن معاناة المسيحيين من الاضطهاد داخل مصر، لكنه سرعان ما يقف على الحقيقة المدهشة للرواية، بكونها بعيدة كل البعد عن التعمق في الواقع المسيحي، إنما هي تعبير عن واقع مصري أصيل، انعكس داخل النص الروائي من خلال تقنيات السرد الحديثة.

لا تكتمل المفارقة العنوانية إلا إذا ربطنا بين الصورة التعبيرية المرسومة على الجانب الأيسر للغلاف التي توازي العنوان ويسيران بلا تعارض في اتجاه واحد، وهذه الصورة التجريدية الرمادية الداكنة، التي تظهر إنسانًا خفيًا، ترمز إلى الإنسان المصري المقهور، الذي يطلب الرحمة من الله عز وجل، وكأنه يتوسل بالعنوان ” كيرياليسون ” ارحم يا رب أو أو الرحمة يا رب ” لهذا الكائن الذي أصابه العقم والتشويه والاضمحلال الفكري والثقافي والإنساني ، فبات مسخًا إنسانيًا له أصول عريقة، ضاعت عبر أزمنة القهر السحيقة، ولأن المتلقي متنوع الثقافة العامة والدينية، فكلاهما سيسقطها على ذاته الطائفيةـ فالمسلم سيعبر من خلال دلالة العنوان، ورمزية الصورة على مدى القهر الذي أصابه جراء استسلامه وابتعاده عن دينه، ومدى سيطرة الآخر المسيحي، وعلوه على المسلم في وطنه، وكذلك ستنسحب دلالة العنوان ورمزية الصورة على الاضطهاد الديني المزعوم الذي يشعر به المسيحي تجاه الآخر المسلم، غير أن الدلالتين تعدان دلالتين خاطئتين وقرتا في ذهن المتلقي من خلال كراهيته للآخر، هذه الكراهية التي رسخ لها النظام السياسي السابق في مصر كي يضمن تهميش الذات المصرية، وانشغالها عن أخطائه الجسيمة وسرقته للوطن بأكمله.

عزف هاني عبد المريد على هذا الوتر الرمزي الدلالة محاولا قتل هذا الشعور بداخلنا، واستحضار صورة المصري المتسامح عبر نصه الروائي.

تميزت العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في مصر طوال التاريخ – ما عدا الثلاثين عاما الأخيرة- بأنها علاقة متينة وقوية وسوية، حتى وصل الأمر إلى حد القول بأن المسيحيين في مصر، وخاصة الأرثوذكس منهم ليسوا أقلية، بل جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني المصري والعربي والإسلامي (…) ولكن الامور تغيرت فيما بعد وخاصة منذ عام 1972، وبدأت أحداث الفتنة الطائفية تتكرر بدءًا من حادث الخانكة عام 1972م وحادث الزاوية الحمراء 1981م([7]) وتزداد توغلا داخل المجتمع المصري، وبدأ الاحتقان يهيمن على نفوس المصريين، ولعبت الحكومة المصرية دورًا مهمًا في ذلك، من أجل حماية نفسها، والتغطية على المشاكل الاقتصادية، والفساد المالي والسياسي لها، وبدأ الاستقواء بالأجنبي يزيد، والتوتر؛ ليصبح جوًا عامًا من الغيظ، وانعدام الثقة، وانتظار الأخطاء العابرة للتعبير عن هذا الاحتقان، فاستحال كل ذلك إلى ثقافة خاصة بالمجتمع المصري الذي يعيش حالة من الرغبة في الإلغاء، أو تطبيق ثقافة الإلغاء، إلغاء الآخر ويمارسها بطرق مختلفة، ويقصد بثقافة الإلغاء ذلك النشاط الفكري الذي يعتمد إلغاء الآخر لتأكيد الوجود الذاتي أو الشخصي داخل المجتمع الواحد، وفيه نفي للموضوعي. فالإنسان المصري يشعر أنه صاحب الوطن، ومركز إشعاعه، ولا يتحقق وجوده إلا بنفي الآخر، والغريب حقا أن نفي الآخر يرتبط بشعور بالنقض والضآلة والقهر، الذي يرغب المصري في إسقاطه على الآخر، والسعي للانتقام منه ظنا أن هذا الآخر هو السبب الرئيس في معاناته وشعوره بالقهر، النقص، التضاؤل؛ وسعيًا للتعويض لا يعترف المصري بوجود الآخر وحقه في الحياة في هذا الوطن.

وزاد ظهور العولمة وما تمخض عنها من محاولة لتفتيت الكيانات القومية والوطنية وعدم تصدي الحكومات والأحزاب لذلك، جعل من السهولة بمكان اختراق البناء الثقافي للمجتمع وزرعه بالأفكار الطائفية والممارسات الطائفية، وكلها عوامل سواء منها الظاهر أو العميق([8]) تؤدي لمزيد من التوتر والاحتقان.

أراد الأديب هاني عبد المريد من خلال المفارقة في العنوان أن يحطم ذلك الشعور بنفي الآخر، فالعنوان الصادم الذي يدفع للقراءة ويكسر أفق التوقع لدى المتلقي، ويدفعه للتساؤل عبر النص عن ماهية العنوان، والطائفية، والتسامح، المصري المعروف قديما وحديثا، لقد قصد المؤلف عبر رحلة الرواية أن يرسخ ويؤسس للتسامح ويقتل عبر السرد الفني الطائفية والشعور بالاضطهاد.

رصد عبد المريد تلك الحالة المصرية وقصد التعبير عنها عبر تقنيات السرد الحديثة موضحا رأيه ونظرته الخاصة لهذه المشكلة الطارئة على المجتمع المصري، وبنائه الثقافي، لكنه وهو يعبر عن هذه الحالة، أراد أن يضع علاجًا لهذه المشكلة، فلجأ إلى إعلاء روح التسامح والمواطنة والتعايش السلمي التلقائي للمجتمع، ولجأ للتعبير عنه في أكثر فئات المجتمع المصري فقرًا وانسحاقًا للكرامة الوطنية، وتوغلا للروح الدينية المتنامية؛ ليؤكد أن الأصل في مصر التسامح والتوافق والسلام الاجتماعي، وأن الطائفية ونبراتها لا تعرف طريقها إلينا إلأ من خلال مؤجج أجنبي شخصًا أو فكرًا.

لقد قصد النص الروائي التأكيد على أن الشخصية المصرية – رغم كل ما تعانيه من انسحاق واختراق – قادرة على هضم الآخر إنسانيًا وثقافيًا، قادرة على التعايش السلمي الفطري الذي يميز تلك الشخصية عبر آلاف السنين. فاختار صورة تسامحية مهمة رصدها بطريقة سردية وصفية قصد من خلالها التعبير عن ذلك التوافق المجتمعي المتأصل داخل الذات المصرية فيقول:

” إذا سمعت هذه الكلمات ثم ذهبت للزرايب، حتما ستتذكرها وسيظل داخلك يرددها، وأنت فوق المطلع تنهج وتحاول مقاومة الجاذبية حتى تستوي الأرض من أمامك ، تهدأ تدريجيا دقات قلبك ويقابلك “دكان البطل الروماني ” لتصليح الساعات، دكان صغير متهالك، يمكث بداخله، خلف المكتب المحاط بالزجاج عم ” منطاوي ” محدقا بالمنيكول في بطن ساعة مفتوح فوق كفه([9]).

يوضح الراوي هنا تاريخ مصر الطويل بالتعبير دلاليا بقوله ” وأنت فوق المطلع” فهو يقصد أن الذات المصرية الأصيلة قادمة من أعماق التاريخ؛ لتعيش وتتعايش، وتؤكد المعاني الإنسانية واحتواء الآخر، لكنه مع هذا يوضح مدى المعاناة الطويلة التي عاشها المصري، اختراق ثقافي وفكري واحتلال، بقوله تنهج وتحاول مقاومة الجاذبية” لقد أصابنا نحن المصريين الإرهاق من شدة المقاومة، ورفض الاستغراب والاختراق، ورغم قوة الجاذبية وشدة الاحتلال والاختراق، فإن الذات المصرية تقاوم كل محاولات الوقيعة والاختراق، وتطهير العقلية المصرية من موروثها المتسامح الإنساني، ليستبدلوا بالتسامح الطائفية والانحراف، وتبدو قوة التعايش المصري في أن يتصدر دكان البطل الروماني تلك المنطقة مؤكدا أنه لا فرق بين هذا وذاك هنا، وليكثف الراوي من دلالة السرد يلقب منطاوي ب ” عم منطاوي ” وهذا يدل دلالة واضحة على مدى التعايش والتداخل الإنساني بين المصريين بغض النظر عن الدين.

ولتعميق دلالة التعايش وقتل فكرة أن الحكومة وأمن الدولة يميزون المسيحيين، أو أن التمويل الأجنبي يدفعهم للثراء، يصف دكان عم منطاوي بأنه ” دكان صغير متهالك” وكأنه يخبرنا بأننا جميعا نعاني من ظلم الحكومة وقهرها. أما شائعات اختراق الفكر الأجنبي للمسيحيين، وكل ما يشاع ما هو إلا محاولات للوقيعة يرفضها الواقع والنص.

ويستمر النص السردي في محاولاته إيقاظ الموروث الإنساني العميق داخل وعي المصري؛ فيؤكد الراوي على حقيقة المواطنة والتسامح والإخاء بين المسلم والمسيحي والترابط وتشابه الظروف الحيوية بين المصريين عموما دون تمييز، فيقول ” في بداية الشارع يهل عم جرجس، يتلمس بعصاه الضريرة الأرض كإجراء روتيني، كان يدرك تماما مكان كل خطوة بالشارع

يمر علي لا يشعر بوجودي، دائما أبادره كلما أراه

إزيك يا عم جرجس

وتأتي الإجابة باسمة

أهلا إزيك يا ناجح

أفرح لأن عم جرجس عرفني من صوتي([10])

وهكذا تضافر التموج السردي بالتموج اللغوي وامتزاج الذاتي بالموضوعي في عرض أحداث هي في صميمها الوجد والفيض الاغترابي في ملحمة ” الأنا ” والآخر” ([11]) الأنا المغترب في وطنه والآخر المقتنص للوطن من وجهة نظر الاحتقان الطائفي المهيمن على الذات، لكن اللغة تتكفل بقتل كل احتقان داخلي، لأنها تستدعي الروح الوطنية الواحدة، وتعلو وتسمو فوق روح الطائفية، فيأتي معجمها ليعبر عن البهجة والمودة والألفة الشديدة، بين الأنا / الراوي / ناجح، الآخر / عم جرجس، أو بطريقة معكوسة الأنا / عم جرجس ، الآخر / الراوي / ناجح، فتنطلق كلمات المعجم ” يهل ” لتؤكد قدوم الفرحة والألفة، إزيك: المودة، باسمة: تواصل إنساني، أهلا: لتؤكد الترابط الأسري بين الشخصيتين الأنا والآخر، الآخر والأنا، ولأن بداية السرد بداية دائرية تؤدي بطبيعة الحال إلى النهاية فكما بدأ اللقاء بيهل انتهى بالفرحة ” أفرح لأن عم جرجس يعرفني من صوتي”.

ولنر الأنا والآخر من خلال عدسة المكان وصلته بالظروف المعيشية والبطالة المستشرية بين شباب مصر ” عندما أصرت على الرفض قال لها أبي مدعيا الحكمة

    الحلاليف حرام عشان بتآكل الزبالة، وناجح منقوع طول النهار في الزبالة، يعني

         العملية مش فارقة

    نصمت يتعلق نظري بشفتيها، أنتظر أن تقول نعم، فالعمل بدون ميلاد لا يطاق  

       وسنعمل بمزرعة عمه، براتب أكبر

    العمل كما قال ميلاد سيكون سهلا، أسهل بكثير من فرز القمامة

    …… يا ستي ميلاد صاحبي والنبي يا ستي([12])

تسهم اللغة في تأكيد الألفة والمودة بين المسيحيين والمسلمين” العمل بدون ميلاد لا يطاق” ،

” كما قال ميلاد سيكون سهلا ” ، ” يا ستي ميلاد صاحبي” والنبي يا ستي” ، وسنعمل بمزرعة عمه “. فالمعجم اللغوي يؤكد عمق العلاقة والترابط، كما يؤكد أنه لا فرق في الظروف المعيشية بين الأنا المسلم، والآخر المسيحي، فكلاهما سيعمل في مزرعة ” الحلاليف ” وكلاهما سبق وأن عمل في جمع القمامة، وكلاهما يحتاج لراتب أكبر، يساعد على المعيشة والاستقرار.

وتربط كيرياليسون بين الطائفية وبين الهجرة غير الشرعية؛ لتؤكد أن كل ما يعانيه المسلم يعانيه المسيحي حتى في الرغبة في الهرب من جحيم الوطن، إلى جنة الغربة والبحث عن حياة كريمة، وعمل ملائم في أوروبا ف”العفش ” يذهب للدير، يحتك برواده من الأجانب، يحادثهم، يكتسب لغتهم، لكنتهم، يعيش بين أهل الزرايب ولا يعنون له سوى أنهم مجموعة ديدان محكوم عليها بالفناء، وينتظر الفرص التي تنتشله من بينهم ….. حتى تقابل مع جوزيف عرف منه الكثير عن فرنسا.. نظافة، فرص عمل حقيقية، حرية …. تحدد هدفه … أخذ ثمن الذهب ورحل عبر الحدود المغطاة بالوحشة والجليد بعدما تعرض للموت مرات([13]).

إنها حال الوطن التي فرضت على أبنائه مسلمين ومسيحيين الرحيل والهروب منه، بحثًا عن كرامة، وحرية، ولقمة عيش يستوي في ذلك العفش المسيحي وغيره من المسلمين، الذين فضلوا الهرب للمجهول.

في إشارات سريعة عبر النص السردي عن حالة الاحتقان الطائفي في مصر، وأسباب هذه الحالة، لكنه اكتفى بعرضها عرضًا متداخلا مع الحدث السردي الرئيس، وهذا التداخل فرض عليه التواري والتخفي وراء الحدث الرئيس، وكأن الراوي قصد منه التأكيد على أنه كما هو متوار ومتخف في النص السردي، فهو كذلك في الواقع المجتمعي لمصر، يأتي سريعا لكنه يجد من يؤججه، ويذكي نار الفتنة من خلاله، غير أنه داخل النص السردي لن يستطيع أحد أن يؤجج أو يبرز الحدث العابر، فيضيع مع تبعات الحياة الأكثر حضورًا وتواجدًا، فرؤية النص السردي هنا تؤكد سطحية الاحتقان الطائفي وتفاهته.

” نصبت الشراك ولم يقع سوى وليم الذي قبلته دون تردد، رغم أنه لا يملك سوى الدكان الذي سيئول إليه – بعد عمر طويل- إلا أنه بطوله الفارع، ويديه النظيفتين، ونظارته التي تجعله كطبيب أقنعها، تذكرت ” منى ” التي كانت تود أن تهرب معه مضحية – من أجله – بالأهل والملة([14])

يشير الراوي هنا إلى سبب رئيس من أسباب الفتنة الطائفية، إنه العنصر النسائي، والعلاقات بين فتاة مسلمة وشاب مسيحي، تشعل الوطن، وتهدده بالاحتراق، وبذكاء سردي تأتي الإشارة إلى هذا السبب عابرة، لا تؤسس لحدث سابق أو آخر لاحق، إنما مناجاة نفسية تبرر قبول جوليا الزواج من وليم، وينطلق الراوي مؤكدًا عبر رؤيته السردية أن هذا السبب ضئيل ولا قيمة له، وإنه سرعان ما يزول، وينكشف الجميع، الفتاة والفتى، فالفتاة هنا لم تهرب ووليم الوسيم بلا رجولة، فهو ليس كما تظنه النساء فحلا.

” تقترب منه تناوشه، وعندما يعلم بقصدها.. يفر… ويغط في نوم عميق……. دخلت فجاة تجده يئن تحت جسد ضيفه([15]).

إن الحدث السردي يخاطب وجدان المصريين محاولا تغيير الواقع المحتقن، عبر رؤية روائية لابد أن يفهمها كل المجتمع المصري، وهي ضرورة التغلب على هذا الاحتقان وأسبابه التافهة. فكل ما يحدث مراهقة صبيانية تنتهي يوما بكارثة.

تحتاج الفتنة من يحركها ويشعلها من الداخل أو الخارج، وهذا ما يؤكده النص السردي في حديث أبي عامر عن مسجده قائلا:

” أبو عامر صرح في جلساته الخاصة أن الموضوع يخالف كل هذه التوقعات فما حدث أنه عرف أن هذه الأرض كانت ستبنى كنيسة، وعندما علم بذلك قال: دا يكون على جثتي ….. يحكي أبو عامر بعد أن يزيد اقترابًا منك ويخفض صوته أن أمن الدولة استدعاه يومها، وبعد حوار طويل هدد فيه أبو عامر المحقق بأنه علم بموضوع الكنيسة، ولو هدم المسجد من أجل بناء كنيسة ستكون فتنة لا يعرف عاقبتها إلا الله ….. أنت أذكى واحد حققت معاه يا أبو عامر حقتك تتفاوض مع إسرائيل على فلسطين([16]).

الحوار ينطق مؤكدا أن جهاز أمن الدولة هو مصدر الفتنة الطائفية وصانع أسبابها، فهو الذي يصطنع قصص بناء الكنائس ويذكيها عبر شائعات، تواترت إلى أبي عامر الذي أطلع المحقق عليها، فأكدها له ضمنيا بجملة ” أنت أذكى واحد حققت معه ” وكأنه يعترف له بما وصل إليه من شائعات، والنص يطلعنا على حقيقة الأمر وهو ان الدولة عبر نظامها القمعي وجهازها التجسسي يصطنع الأزمات؛ لتصبح رأيًا عامًا يغطي على قضايا الفساد والتوريث.

وللعنصر الخارجي دوره في إذكاء نيران الفتنة الطائفية في مصر، وفي إشارة سردية عابرة، يشير النص إلى الأيدي الخفية الخارجية وراء الفتنة المفتعلة في مصر ” ولحيتك التي تعطيك سمة الجماعات الإسلامية لدينا، قيل إنك شديد التدين، وأنك – في الأصل – تابع إرسالية تنصير تستهدف الأماكن الفقيرة، بعض الخبثاء أكدوا أنك من المخابرات الأمريكية([17])

الأيدي الخارجية تعبث بأمن مصر، تبث رجالها هناك في الأماكن الفقيرة، توظفهم لخدمة أهدافها الدنيئة، فتنة طائفية، وتجسس، وتنصير، جماعات هي في حقيقتها وقود الفتنة الحقيقي.

أكدت البنية السردية في كيرياليسون أن عناصر عدة لعبت دورها في الاحتقان طائفيا تبدأ بالسذاجة المجتمعية والمراهقة وأيدي أجهزة الدولة الساعية إلى توطيد أركان قمعها وفسادها، والأيدي الخارجية التي تسعى إلى تقسيم مصر، ونشر الفوضى .

كل هذا ارتبط بالمفارقة التي قصدها المؤلف من خلال عنوانه الذي يؤكد غرابة كل مشاكل الاحتقان الطائفي عن بساطة المصريين وتسامحهم، وأنها سرعان ما تزول لو حدث التغيير، وأُسقط نظام الحكم الفاسد، الذي نشر الجهل والسذاجة وجعلنا فريسة سهلة في يده ويد غيره.

الاستهلال السردي… ورؤية النص

يمثل الاستهلال قيمة كبرى، تؤدي وظيفة سردية مهمة للنص القصصي، فالاستهلال يـ ” جلب انتباه القارئ أو السامع أو المشاهد، وشده إلى الموضوع، فبضياع انتباهه تضيع الغاية. فالاستهلال فن البدايات في النص الأدبي([18]) من النص السردي ، فالاستهلال يحمل رؤية النص، وأيدلوجيته التي يسعى إلى تعميقها. ويرتبط الاستهلال ارتباطًا وثيقا بمكونات البنية السردية الأخرى للقصة، وخاصة عناصر الزمان والمكان ورؤية العالم، ولهذا فإن كانت بنية النص مكانية، رأيت تفوق المكان على الزمان في الاستهلال، وإذا كانت زمانية رأيت تفوق الزمان على المكان فيه، توافقًا مع استراتيجية القص وموضوع الراوي والمروي له([19]) ورؤية العالم، وبنية الاستهلال في رواية كيرياليسون زمانية مكانية، قصد منها المؤلف الربط السياسي والاجتماعي الواضح بين مصر مكانًا وعصرين زمانين مختلفين، لكن الحدث السردي واحد وهو التزيف والقمع والقهر.

يوفر الاستهلال فضاء متاحا لتشكيل الشفرة التأويلية التي يعدها بارت العنصر الخالق للأسئلة داخل النص الأدبي، والموجد الحلول لها أيضا، فإذا ما كان الاستهلال متقنًا ذكيًا، أمكن أن يقود إلى شفرة القصة التي تثير الحكاية بموجبها الأسئلة، وتخلق التشويش والغموض قبل حلها فمن يتقن الابتداء يحسن المعالجة والاختتام، فبهذا يخلق الاستهلال عنصرًا استقبالًيًا عالي الكفاءة وهو إطار لا غنى عنه، ينظم عملية الرواية والتلقي معًا؛فيتشارك المؤلف و المتلقي في خلق النص، وتلك مزية العمل الأصيل؛ الذي يصل بالنص المبدع عبر مستويات السيميولوجيا والإشارات… والإيقونات ثم الرموز التي تتنوع فيها الدلالة وتتكشف، وتصبح العلاقة بين الدال والمدلول افتراضية تأويلية مفتوحة([20]).

يؤكد الاستهلال رؤية النص الخاصة، التي يسعى إلى تأصيلها داخل الذات القارئة، وهذا ما سعى إليه النص السردي في كيرياليسون عندما افتتح الفصل الأول بصدى صوت يقول:

” المجد للشيطان معبود الرياح

من قال لا في وجه من قالوا نعم …

شيطان يا بن الكلب، يا بايظ .. دي كتب تقرأها

الناس تقول إيه!

ابن الشيخ تيسير من عبدة الشيطان؟! ”    

“صدى صوت”([21])

 

يوظف الاستهلال السردي ليعبر عن واقع مصر المعاش، ويكشف عن العلاقة بين العالم الروائي والعالم المعاش، القائمة على الاتصال والانفصال في الوقت نفسه، ويمكن تأكيد ذلك من خلال الاسئلة التي ترسمها الرواية في أثناء القراءة، وبعدها، ومن خلال الرموز الكثيرة المتنوعة([22]) فصدى الصوت يربط بين مصر مكانًا وزمانًا وعصرًا، سلطة وشعبًا، ويستشرف المستقبل من خلال الماضي، فالنص السردي يستدعي تاريخ إنشاء النص الشعري لأمل دنقل؛ ليربط بين زمن القول في النص الشعري، في عصر عبد الناصر من ستينيات القرن الماضي، وبين مصر الحاضرة والمستقبل؛ ليؤكد أن الواقع والثقافة والرؤية السياسية الحاكمة لنظام مصر الحالي تساير نظام عبد الناصر، وأنها امتداد حقيقي له، نظام عبد الناصر الذي زور الانتخابات لنفسه وحصل فيها على 99.9%. وينبيء النص السردي برؤيته لعالمه عن مستقبل التزوير في مصر، وبعد عامين من صدور كيرياليسون تتم أكبر عملية تزوير انتخابات 2010م لصالح النظام بنسبة تتجاوز 97% وتقارب نسبة نظام عبد الناصر، والنص السردي يسعى من خلال الاستهلال وعنوان الفصل الأول إلى إحداث الثورة على هذا القمع، على النظام الأبوي المتسلط، الذي يرفض الإبداع والحرية والعدالة الاجتماعية، فيقول بلسان الأب / الحاكم ” شيطان يا بن الكلب يا بايظ دي كتب تقرأها الناس تقول إيه، ابن الشيخ تيسير من عبدة الشيطان” ، والشيطان هنا هو الحرية التي يسعى إليها الشعب المصري، الراغب في الحياة، وتنطق جملة دي كتب تقرأها بدلالة القهر والقمع ومصادرة الكتب، والأفكار التي كان يمارسها النظام الحاكم في مصر، عبر ستين عاما انقضت، ويأتي لسان الثورة في عنوان الفصل ” ذي القرنين ” الذي ثار على الظلم والقهر، والطغيان، على إدعاء المعرفة، الوصاية على الفكر والعلم والحياة، وكسر الواقع بأفعال مبتكرة ورؤية مستقبلية أسهمت في إضاءة الحاضر والمستقبل، وكأن النص يسعى لإنتاج ذي قرنين جديد، يخلص من مصر من أزمتها، ويبني جدار بينها وبين الفساد والاستبداد.

ويستمر صدى الصوت في الاستهلال المعبر عن واقع سياسي واجتماعي مرير ” الحق يالا!!!

الواد ناجح ميعرفش إن أبوه بيروق

شريفة في المخزن([23])

إن رؤية الرواية رؤية شمولية لكل عناصر المجتمع المصري، فهي لا تمس جانبًا واحدًا فقط، إنما تمس كل الجوانب: السياسية، الاجتماعية، التاريخية، الثقافية، والدينية، ففي النص السابق يشير إلى الجهل المطبق الذي طغى على الإنسان المصري، ففقد معه الوعي والرؤية والبصيرة، حتى أنه لم يشعر بما يمارس معه وضده في آن واحد، فثقافته الدينية تسحق بنشر الفساد الأخلاقي، وسحق تدينه الوسطي، وكذلك حالة الغيبوبة السياسية للمصريين فلم يستطيعوا رؤية كم الفساد والقمع الذي يمارسه ضده النظام البوليسي، فبدا ناجح / المصريين في عالم غير العالم، يعاني من التغييب الذي فرضه علي وعليهم نظام الحكم، حتى إنه لم يستطع معرفة علاقة أبيه / رجال الأعمال مع شريفة / ثروة مصر وعرضها، فلقد كان العالم كله يرى ما يحدث من نهب منظم وقمع وفساد، ونحن المصريين فقط لا نرى، لا نعلم.

يرتبط هذا بعنوان الفصل ودلالته، فلقد صارت مصر الوطن مجرد مقهى يجلس عليه الحائرون، التائهون، المغيبون، لا يملكون منه شيئا، فهم فقط رواده، لدقائق أو ساعات، وفيه كل جالس لا يشعر بالآخر، لأن هموم الحياة قد فصلته عن الواقع وهكذا أراد النظام، فهم يسيرون دون دراية وفق خطة النظام. أصبحت مصر الوطن قبرًا، لا صوت فيه، لا حياة، ولا مقدرة.

” وشش .. وششششش.. وششششششش ” صدى صوت”([24])

ارتفعت فقط الغرائز التي رسخ لها النظام، حتى يلهي الشعب عن واقعه، فكانت الحياة ” جهاز تناسلي” فمهمة المصري أن يحيا؛ ليرى مفاتن النساء، وأجسادهن، ويتحسر على ضياع رجولته.

ومع هيمنة الغريزة والشهوة والفساد تتداعى الذكريات للبحث عن الذات الشريفة النبيلة الغائبة، الحائرة، المخبوءة فينا، ” خالي يقول” لكن صوت الحاضر يأتي ليكشف سوءاتنا عبر صدى صوت

” ما هي البلد مليانه ناس بتعرف تظبط وتداري،

وتعمل مش شايفه..

محدش قال عليهم معرصين ليه؟!([25])

إن البنية اللغوية والسردية تؤكد علو صوت الغريزة والفساد، بكل أنواعهم، حتى فقدت مصر أعز ما تملك، شرفها وعرضها، ونبلها، وأصالتها؛ فأضحى المجتمع المصري، يعيش حياة شاذة، يرضى فيها بالذل والهوان، ويأتي التغير الثوري؛ فيتحرك تدريجيا وببطء” ويبحث في الحقيقة الغائبة عنه

” يا بني ريحني ..

بجد العفش كان مرافق الخواجة..

وكان ناوي يسافر معاه سياحة

ويتجوزه هناك عشان الإقامة   “صدى صوت” ([26])

والتساؤل الحائر الآن هل نظام الحكم القمعي الخائن / العفش قد باع شرفه ودينه ووطنه ورافق الغرب ونافقه من أجل الإبقاء على ديكتاتوريته وتوريثه لنجل الرئيس” يتجوزه هناك عشان الإقامة” والإقامة هنا تعني المكوث في الحكم، الإقامة في سرقة مصر، وسحق كرامة أبنائها، فبدا الوضع شاذًا غريبا ينافي ناموس الكون والكرامة الإنسانية.

تجسد رواية كيرياليسون لونًا خاصًا من ألوان الرواية الجديدة، تعكس الواقع الاجتماعي والسياسي لمصر، عبر تقنيات سردية مبتكرة، فبنية الرواية الاستهلالية تتميز بالمرونة والانسيابية والثراء التعبيري، والرمزية الخلاقة، وهذا ما يفسر تماهي الأزمنة وثبات المكان، كما يمثل الانفتاح على الموروث الشعري تفسيرًا واضحا لرؤية النص للواقع السياسي والاجتماعي. كذلك تقوم بنية النص في مقام آخر استعمال الجمل الاسمية لعناوين الفصول، لتؤكد ثبات القهر، وعدم مقدرة النظام أو الشعب على الحركة نحو المستقبل، وكأنهما النظام والشعب يقاومان حركة الحياة نحو الحرية، العدالة، والتقدم.

الأب وسلطوية الحاكم

تعد السلطوية من أهم تلك الأمراض التي يعانيها الجسم المصري، المثخن بالجراح؛ لأن معظم المشكلات والتحديات والأزمات التربوية ليست إلا من أعراض ذلك المرض أو نتائجه([27]) والمجتمع المصري يعاني من سلطوية متعددة سياسية، اجتماعية، ثقافية، تركت نتائجها السلبية تدفع المصري إلى الموبقات النفسية والدينية والاجتماعية والوطنية.

إن السلطوية تتفشى في كثير من نظم التربية والتعليم في الوطن العربي، فتعمل على الحد من كفايتها، فاعليتها، وتسهم في إعاقة تحقيقها أهدافها، فالجو الذي يسيطر على عدد كبير من المؤسسات التربوية العربية هو جو الكبت الفكري الذي يعمل على تعطيل طاقات النمو ” … ” كما أن التربية العربية: ببنيتها، وتوجهاتها، وأساليبها، تعمل في كثير من الأحيان على تكريس مناخ السلطوية، والسلطوية هي الخضوع التام للسلطة ومبادئها بدلا من التركيز على الحرية، أو هي استخدام القوة لذات القوة، ومن صورها الشدة، والعقاب، وإلقاء الأوامر والتهديد، والتوبيخ، والإحراج، والعنف، والتمييز، والحرمان من الحقوق والفرض بالقوة، ومصادرة الحرية وعدم مراعاة إنسانية الإنسان.([28]).

تبدو السلطوية الأبوية المرتبطة بالسلطوية السياسية بادية في رواية كيرياليسون، فمنذ الاستهلال السردي وهذه السلطوية تنبئ بذاتها المهيمنة، التي تستخدم ضد الابن والأب معا، فالأب يمارس السلطة والقهر على ابنه في حين أن النظام السياسي يمارسها ضد الاثنين معا، لكنها مترسخة في الأب وتنشئته بصورة أكبر، لذلك فهو يتوحد مع قاهره، ويطبقه مع ابنه، متقمصًا صورة الطاغية.

فالأب يحرم ابنه من الحرية والحركة، ويوظف العنف والتوبيخ والتمييز ضده في كل لحظة، فيروي الراوي علاقته بوالده رمز السلطة باختصار موحي قائلا ” لم أغب عن الوعي، وإن كان الشيخ تيسير يرى العكس، أنني لم أفق أصلا من الغيبوبة طوال حياتي وأن الويل لي عندما أفيق وها أنا في ويل([29]) لقد مارس الأب سلطة الحاكم القهرية، فكما كان نظام الحكم السابق يطلق العنان لاتهاماته للشعب المصري، بأنه شعب لم ينضج بعد، وأنه لا يستطيع أن يعرف حقوقه، وواجباته، ومصلحته العليا، وفقط من يمتلك تلك المعرفة هو رأس النظام الحاكم / الأب وكان من حين لآخر يؤكد النظام أن المصريين لا يصلحون للديمقراطية وللاختيار الحر النزيه، لأنهم في غيبوبة، وغياب وعي سياسي.

لقد طغى الفكر السلطوي في مصر بأكملها؛ فظهر الأب حاكمًا متسلطًا، وتخفى الحاكم المستبد في صورة الأب، الذي يسعى وراء مصلحة أبنائه / شعبه، ويختار بحكمته الزائفة لهم ما ينفعهم، ويدفعهم للنجاح والاستقرار، ومن منطلق الحرص على الأبناء / الشعب ، البيت / الوطن كان يبيح لنفسه استخدام كل أدوات العقاب لحمايتهم من شرور أنفسهم وشياطينهم التي تدفعهم للخطيئة في حق سيدهم / الأب / الحاكم، في حين أنه يمارس كل أنواع الخطايا التي عرفها البشر، عنف، قسوة، توبيخ، لصوصية، رذيلة، وخيانة.

” أبي كان قويًا عنيفًا، فرض حمايته على ” أبي عامر ” وبناته -على اعتبار أنه شهم- كان في العلن مستفيدًا بأنه يحصل على أعمال النقاشة للعربات التي تخرج من تحت يد ” أبو عامر ” وفي الخفاء تردد أنه ينام مع إحدى بناته، اختفلت الآراء حول أيتهما([30]).

فرض الأب / الحاكم وصايته على الوطن، وكان مستفيدًا ظاهريًا بكونه حاكمًا / أبا لدولة كبرى، ذات تاريخ عريق، وفي الباطن كان هو ونظامه يمارس أبشع سرقات الأوطان في التاريخ، ولمزيد من التأكيد على المضمون لم يحدد أية فتاة كان الشيخ تيسير يضاجعها، ليفسح مجالا أوسع للقارئ للتخيل، والوقوف على فضاء النص الرمزي، وحتى يؤكد أن الجميع لم يفلت من قبضة الأب / الحاكم.

لم يكتف الأب / الحاكم بالسلطة والسلطان والجاه والمال، لم يكتف بسرقة تراث الوطن، بل تجاوز ذلك إلى سرقة الحاضر والمستقبل، وحاربنا في رزقنا وأولادنا، ولم يترك لهم الحلم، الرؤية، لم يترك لهم تراثهم الروحاني ودينهم ينطلقون فيه تدينًا والتزامًا بل حاربهم فيه ” هل استجاب الله من أجل شقائي

كيف ؟!! وهو يعلم أني مسكين، صامت طول الوقت، أيعاقبني على المرة الوحيدة التي تكلمتها في حياتي؟!!

لو كان الآمر كذلك، فالعفو والسماح يا أبي سامحني يا شيخ تيسير يا سيدي وتاج رأسي([31])

لقد طغت حكمة الأب / الرئيس فصارت كل قراراته، كلماته، عباراته حكمة، والخروج عليها خروج على الحق، الشرعية، على الحكمة فوجب عقابه، رغم كون ناجح / الابن / الشعب متسامحًا، صامتًا، يتحمل الذل والمهانة والعقاب، ويرضى لأن كل هذا دفع للقهر، بصورة أكبر، فلقد نجح الأب / الحاكم في أن يحارب الشعب / الابن في خياله، رؤيته، دينه، حتى لا يخرج عن طوعه أبدًا، لقد أصبح التدين من وجهة نظر الأب / الحاكم تشددًا والقوة شعارا له ” وأصبح يغير بيده([32])

صمت الشعب وتسامح، صمت ناجح وتسامح، ورضيا بالقهر فازداد الحاكم قهرا لشعبه، ونظرة دونية لهم، فامتلك زمام أمرهم، وأصبح المتحكم في قوتهم، لقمة عيشهم ” عليا الحرام من ديني ما هو واكل، طول ما هو بتاع أمه وماشي ورا كلامك .. ابقي انفعيه بقى، وأخرج بلا إفطار على لحم بطني([33])

لقد سيطر الحاكم على شعبه، كما فعل الشيخ تيسير مع ناجح ابنه، طرده ” على لحم بطنه”، كما عاش المصريون على لحم بطونهم” لسنوات طوال عجاف، ولم يكتف الحاكم الأب بذلك، لم يشبع ظلمه وقهره، لم يرض غرور الطغيان، بل ألقى لشعبه / ابنه في أحقر بقاع الأرض، ودفعهم للضياع، وإهدار الكرامة، فأصبح الشعب المصري / ناجح يعيش مع الموتى بين القبور، مع الخنازير ” الحلاليف”

الحلاليف حرام، عشان بتآكل زبالة، وناجح منقوع طول النهار في الزبالة، يعني العملية مش فارقة([34])

لا يمانع الحاكم / الأب أن يعيش شعبه / ابنه مع الخنازير، وأن يعملوا في وظائف دونية داخل وطنهم، أو خارجه، طالما أنه يسعى للمال وسرقة الشعب كما كان يفعل الشيخ تيسير.

لقد قامت ثورة 25 يناير ضد الحاكم الأب، أو سلطة الأبوية القمعية التي ابتكرها زبانية الطغيان والقهر، طوال ستين عامًا، تلك السلطة التي رسخ لها النظام عبر مؤسساته التعليمية والاجتماعية والثقافية والسياسية.

أصوات القهر .. وعسكرة الدولة

هناك مقولة شهيرة ليوسف إدريس مفادها أن هامش الحرية المتاح في العالم العربي لا يكفي كاتبًا واحدًا. وقد تجذر هذا القول في نفوس الكثيرين من المثقفين العرب وعقولهم، وباتوا يرددونه، أو ينسجون على منواله عبارات أخرى تعبر عن اعتناقهم بأن قيمة الحرية، التي كانت ولا تزال تمثل دائما بالنسبة لهم الغاية التي يصبون إليها، تتعرض لانتهاك منظم، ينعكس عليهم بشكل مباشر، حين لا يستطيعون أن يكتبوا كل ما يريدون، وحين يشعرون أن المداد الذي ينزفونه على الورق لن يثمر شيئا طالما أن البشر الذين يكتبون عنهم ولهم، ليسوا أحرارًا، بالقدر الذي يجعلهم يتفاعلون مع النصوص المنتجة، بحيث يحولونها أو جزءًا منها، من مجرد قول إلى أفعال ملموسة([35]) لكن مؤلف ” كيرياليسون كان يكتب ليوظف الفنية، ليحرك مستنقع الصمت والقهر داخل الذات المصرية، تلك الذات التي تلذذت بحالة السلبية واللامبالاة؛ والرضا بالمذلة والقهر والمهانة، والانكفاء على الذات، أو التوحد مع الطغيان وممارسته مع رفقاء حياته وقهره وتحمله.

قصدت ” كيرياليسون ” بسرديتها أن تحرك المياه الراكدة في المجتمع المصري، أن تدفع الشعب للثورة على الظلم والقهر، على التوريث والاستبداد، بعد أن فشل النظام في فهم طبيعة المصريين المسالمة، قصد النظام أن يقتل كل القيم الموروثة في المصريين، قتل العزة ، الشهامة، الرجولة، حتى بعض القيم الموروثة التي لا تضر النظام سعوا في التخلص منها، سعوا في خلق مجتمع أكثر استئناسا، سعوا في تجريف الذات المصرية، وإنتاج ذات جديدة تتوافق مع سياسية النظام، شخصيات مجرفة، مقهورة، منفصمة عن الواقع.

كان المصريون يقدسون موتاهم، وينظرون لهم نظرة إكبار وإجلال، وكانت زيارة القبور مقدسة لديهم، ترتبط بأعيادهم، يقصدونها للتواصل النفسي والوجداني، لكن النظام أبى ذلك، لقد سعى في محاربتهم حتى في عواطفهم ومقدساتهم الخاصة.

” الحكومة طلع في دماغها تعمل مكان الترب شارع، راحوا ودونا آخر الدنيا حتة اسمها مايو ناحية حلوان، تربة زي الحق شكلها يغم، لكن مين يقدر يتكلم([36])

نظام سعى إلى سحق كبرياء المصريين وماضيهم، ويضيق عليهم، لا في حياتهم فقط إنما بعد مماتهم ” زي الحق “، ويقصدون إبعادهم عن مقدس لديهم،، بهدف إنتاج هذا المسخ الإنساني الذي يقبل إفساد النظام وانحلاله، فترك بصمات الغم والحزن في النفوس ” شكلها جحيم”، ولا جرأة ولا شجاعة لديهم ” لكن مين يقدر يتكلم”.

لقد لخصت الرواية ما يسعى إليه النظام ، ليخلق مسخًا إنسانيًا، انفصامًا عن الواقع، جبنًا وانهزامية.

لكن الاكثر إثارة هو تأكيد الرواية على سلوكيات النظام وإجراءاته العشوائية، فهو لا يسير وفق خطة دولة، قد تفشل أو تنجح، إنما وفق المزاج والهوى ” الحكومة طلع في دماغها “.

يعلي السرد الفسيفسائي من قيمة الحدث المهين، فيعلو الصمت وينطق الفضاء النصي من بين عبارات الوصف الموجزة لما حدث يوم إزالة القبور ” دا يومها البلدوزر دخل على الترب وبقي يكنس قدامه، ويكوم على جنب، اشي تراب على عضم”([37]) لقد لخص الوصف كيف تعامل النظام مع شعبه وماضيه، في حين أن الفضاء نطق بوصف أكبر لحال أهل الموتى ” انكسار، عوز، ضعف، مهانة، خوف، حسرة، وقهر إنساني نفسي”.

ومن بعيد يأتي صوت الضمير ” سلوى ” صدى صوت الشجاعة والجرأة يقول إنه كان لزامًا على الحكومة أن تدفع تعويضًا مناسبًا لأصحاب المقابر، ولا تتساوى مقبرة واسعة بعينين واحدة للذكور وأخرى للإناث وفي موقع حيوي، بمقبرة ليست بها أي ميزة([38])

لقد صارت الحياة في نظر ناجح / الشعب المصري ” لا تتعدى أكثر من كونه حلمًا .. كابوسًا مزعجًا([39]) وفي ظل هذه الحياة المقهورة تتراءى الحرية امام المصريين فيتساءلون عنها ” الحرية ..؟! ما الحرية؟!([40]) وينطق لسان الخوف والقهر ” الحرية .. مقهى في باب اللوق”([41]) لقد أمسى الوطن سجنًا ” هل من الممكن أن أكون معتقلا؟!([42])، وحتى لا ينفجر الشعب في وجه نظامه الفاسد المفسد، فلقد تحايل من أجل خلق جيل متآكل داخليًا وخارجيًا” خلق جيل من الضعفاء، بعض الهيافات والشخصيات المبتورة، والأب المتلون الذي لا أعرف حقيقته حتى الآن “([43]) وترك المخدرات تنتشر بينهم حتى يضيعوا في غيابات الخيال المسمم والواقع الموجع.

ركن النظام إلى تجريف الشخصية المصرية، والقضاء على قيمها وثقافتها التاريخية العظيمة، ولم يحاول مطلقًا أن يفهم طبيعة الشعب الذي يحكمه، هذا الشعب المسالم الذي يسعى للحياة البسيطة حتى لاقي وجه ربه الكريم. فعلى لسان الخال يؤكد ما يريده الشعب المصري من حياة بسيطة ودخل مريح يكفي لتربية الأبناء، وبناء أسرة، هكذا كان يفكر المصريون، فلم يكونوا منشغلين بالسياسة والحكم والحرية والأحزاب. ” ساعتها وجدت الدموع تفر من عين الخال.. أذكره بحكاياته عن ظلم صدام وقهره لشعبه، فيؤكد لي أن الظلم نراه نحن يا أخي أنا بقالي في التربية والتعليم أكثر من خمستاشر سنة، مرتبي ما يجيش أكلتين للعيال من بتوع العراق([44])

يظهر أثر القهر والتعسف والظلم واستبداد الحاكم والسعي لعسكرة الدولة في الضددية بين شخصية ناجح وصديقه أيمن فايد، فناجح / الشعب مجرد أداة طيعة في يد القائد / الحاكم، يترك القهر النفسي حالة من الجمود والاستسلام، فكأنه دمية رخيصة في يد الظالمين، أما شخصية أيمن فايد فتلمس فيها اختلافًا كبيرًا، فهو دائما معترض، محتج، يثور ولا يخضع بسهولة، وذلك راجع إلى حسبه ونسبه وعائلته التي لها تاريخ عريق في الجيش، فمن لا ظهر له لا يملك إلا تمام يا فندم.

هذه الضددية أبرزت لنا أسلوب النظام في التعامل مع المواطنين المصريين، فالفقير، الذي لا ظهر له مجرد أداة رخيصة لخدمة النظام، لا صوت له، ولا قيمة، في حين أن أصحاب النفوذ لهم الحق الكامل في الحياة، فناجح مجرد جندي ما كان يستطيع أن يحلم بالالتحاق بالكليات العسكرية، وأيمن فايد ضابط استطاع بسهولة ويسر الالتحاق بما يريد من خلال أسرته ذات الأصول العسكرية، وبمنطق الحياة العسكرية فالصورة تبدو أكثر وضوحًا ” ناحج جندي = العبد المطيع المنفذ لأوامر قادته = أسياده، وأيمن فايد أحد هؤلاء القادة = الأسياد” والنظام المصري كان يترأسه القائد = السيد صاحب الأصول العسكرية، وعلى الشعب = الجنود = العبيد أن ينفذوا أوامر سيدهم دون أن ينطقوا أو يفكروا في الاعتراض، ومن يفكر في الاعتراض فمصيره معلوم للجميع.

” أيمن فايد كان ضابطًا له أصل يفخر به، رجال عائلته خاضوا كل الحروب، أسماؤهم تذكرها كتب العسكرية بفخر”([45])

” أيمن لم يكن يخشى من التغني بنشيده أمام أحد حتى ذاع وانتشر في الخفاء، وكاد أن يكون النشيد الرسمي للكتيبة([46])

هكذا كان أسلوب النظام يسمح لأبتاعه وأربابه بانتقاده، عبر وسائل الإعلام، حتى يفرغ طاقات الكبت عند الشعب المصري، وحتى يصنع من هؤلاء الأتباع الملاذ الآمن له وللشعب، فوقت الشدة والضيق يقدم أحد هؤلاء الاتباع الذين طالما انتقدوا النظام، فيهدأ الشعب، ويعود مرة ثانية للاستكانة والدعه المقهورة، وكذلك يوظفهم النظام لاستكمال الديكور الديمقراطي الذي طالما تغنى به كذبًا.

وفي المقابل لشخصية أيمن فايد تأتي شخصية سامر المهدي الذي لا يملك أصل أيمن فايد وقدرته على الانتقاد، فانسحب من الحياة، تماما وأفرغ طاقاته في الخمر والنساء، والمخدرات، لكن رغم كل ذلك كان المصري المتدين الخائف من عقاب الله حاضرًا بداخله، رغم كل ممارسات النظام معه، فبدت شخصية سامر / الشباب المصري شخصية مريضة بالانفصام النفسي، فهما شخصيتان متناقضتان، لقد نجح النظام بأساليبه القمعية في دحر المقاومة داخل الشباب المصري، فحولهم لمدمنين، مشوهين، مرضى نفسيين.

” تختلف طبيعة سامر تماما عندما يزيد في الشرب، يتحول لإنسان رقيق، مليء بالهموم، يعترف بضعفه، ويظل يبكي حتى ينام، مهدودا من البكاء.. في إحدى المرات وجدته يأتيني بحزام جلد عريض، يخلع قميصه، يرجوني باكيًا إقامة حد الزنى عليه، كان خائفًا يرتعد، .. عندما وعدته لتهدئته بالجلد في الصباح … قال طب لومت دلوقتي أعمل ايه([47]).

لقد نجح النظام في الدفع بالشباب المصري نحو الهاوية، المجهول ” لا تنس أن تفكر في أسرتك قبل أن تفكر في الانتحار([48]) لذلك يأتي صوت الوجدان المصري المهزوم ممثلا في شخصية يحيى والمفارقة في الاسم واضحة، فمن يلزم الصمت ويرضى بقهر النظام يحيى.

يابا دا عمره ما خد قفا من أمين شرطة، ولا حد سب أمه خليلك في حالك يا عم، إحنا غلابه([49])

في أوقات الصفا يحكي سامر كيف أنه كان في وقت ما يحاول، حتى عرف أنه لا أمل في شيء وأنه صغيييير ، الفساد كبييييييير([50]).

بدا الشباب المصري ” ضائعًا .. غريقًا يستنجد بقشة، لا أستطيع أن أكون أيمن فايد، ولا أستطيع أيضا أن أكون سامر مهدي الذي لا تغادر سيجارة البانجو فمه([51])

لقد أراد النظام المصري أن يستعيد النموذج المملوكي، سلطان مملوكي ومن حوله حاشيته التي تسعى لإرضائه على حساب الشعب المصري، فلم يكن المسئولون إلا مماليك تسعى ” لإرضاء قائد اللواء، الذي لا يكون سوى بتحقيق أكبر أرباح من كانتين الكتيبة / الشعب المصري، وتحقيق أكبر معدل سرقة بلدورات وعلامات مرور إشارية من طريق أسيوط الوادي([52]) إنهم يسرقون الوطن من أجل إسعاد رأس النظام / السلطان المملوكي الجديد على حساب تجويع الجنود / الشعب ليلجئوا للشراء من الكانتين، والأهم السرقة من ممتلكات الدولة والشعب.

لقد صارت مصر وطنا مستباحًا لمماليك السلب والنهب والسرقة، والشعب المصري عمال سخرة في إقطاعية السلطان المملوكي ومماليكه وقواده.

 

 

 

المرأة… المجتمع .. والسلطة

تعالت الصيحات في المجتمع الحديث مطالبة بحقوق المرأة، ودورها في المجتمع، وضرورة حصولها على حقها المسلوب، وكثرت الأعمال الأدبية التي تعالج تلك القضية، لكن ” كيرياليسون ” رسمت للمرأة صورة مجتمعية أكثر عمقًا ودلالات نفسية واجتماعية وسياسية، بوصفها جزءًا أصيلًا من المجتمع المصري، وليست كائنًا متفردًا مقهورًا بمفرده دون الآخرين.

أظهر النص السردي حقيقة المرأة وصورها داخل المجتمع المصري، وكيف أنها تشترك مع الرجل في القهر والظلم والضياع، وكما ضاع حق الرجل، واغتصب ضاعت حقوق المرأة واغتصبت.

تنوعت صور المرأة وانعكست من داخل المجتمع، فجاءت صورة المرأة على ثلاثة وجوه وصور تعكس حقيقتها، ورمزية صورها سياسيًا واجتماعيًا.

(1)

المرأة المقهورة

ترمز صورة المرأة في الرواية إلى رمزين ، يعكسان الواقع المصري، فالصورة الرمزية الأولى تعبر عن حقيقة ما يقع للمرأة أحيانا من قهر وتحرش واغتصاب، والصورة الثانية ترمز للمجتمع المصري ككل بوصف المرأة رمزا أسطوريًا وتاريخيًا للحياة.

لقد رمزت صورة ” ضمة ” الساذجة المقهورة جسديًا دون وعي منها حقيقة مصر، التي تقهر جسديًا ونفسيًا دون أن يدري أبناؤها حقيقة ما يحدث لها ولهم، فكما تعرضت ” ضمة ” الغريبة الساذجة للخداع والاغتصاب النفسي والوجداني، تعرض المجتمع المصري كله لنفس ما تعرضت له ” ضمة ” فكما احتال الدكتور المزيف احتال النظام السياسي لسلب مصر وأبنائها، كل حقوقها، وروَّج للمخدرات والجنس وحبوبه، مثلما كان يفعل هذا المحتال الذي اصطحب ” ضمة ” إلى المخزن للكشف عليها وعلاجها، فإذا به يسلبها شرفها، ” أنا دكتور كل حاجة، ممارس عام يعني

أصلي عندي حاجة كده باشتكي منها هي عيادتك فين؟

… في غرفة المخزن اشتكت من تقطع الدورة الشهرية ..

سألها وهو يمسك ثديها

كانت محرجة، ومن حين لآخر تردد:

دكتور!!

ويؤكد هو بثقة:

” متخافيش”

استلبها([53])

استلب شرف ضمة، كما استلب النظام شرف مصر، الوطن، ودفع أبناءه للفساد، والمخدرات، والعهر، تحت وطأة الحاجة، والفقر، زاعمًا أنه يحمي، يوفر الأمن والأمان لهم.

تبقي المرأة / الوطن مطمعا للرجل / الحاكم المستبد، وإذا ما عارضت، أو رفضت، تقهر لتستسلم، وإذا ما استسلمت أُهينت وأُذلت.

” بالأمس نظر الحاج فجأة إلى صدر عزيزة، لحس شفتيه ببطء وهو يقول مالك كده يا بت صدرك كبر، أنت عاينه فيه أيه؟! أقسمت أنه طبيعي، حاول مد يده، ابتعدت، وتغير لون وجهها، يبدو أن الحاج أحس بأنه سينال ما لا يرضيه، نادى عليّ . زعق بت يا جوليا، فتشيها جوه .. وديني يومها ما هيعدي …… مصمصت شربات شفتيها على حالهن.. تصعبت على الذل الذي يرونه وفي آخر الأمر يتهمن بالسرقة([54])

تبدو المفارقة واضحة في دلالة اسم ” عزيزة ” فمصر عزيزة، كريمة، أبية، لكن هذه العزيزة لم تصبح عزيزة، لقد استباحت، فالحاج أراد يمسك ثديها، موضع عزها وشرفها، ولما أبت أراد فضيحتها واتهامها بالسرقة، فالحاج / الحاكم خيَّر مصر والمصريين، بين الاستسلام أو الفضيحة بالسجن والاعتقال والقهر، والتجويع، وتستمر المفارقة الدلالية العميقة في لقب الحاج، الذي ينبغي أن يكون متدينًا، وقورًا، يخاف الله، ولا يظلم، فإذا به يقتل كل هذه المعاني النبيلة، ويغتصب، ويفضح، ويهين، ويذل عزيزة / مصر.

الفقر والعوز وسيلتان يستخدمهم الرجال للتحرش بالمرأة، ومحاولة التهام أجسادهن، والنظام هنا يشير للعنصر الذكوري، الذي يجوّع شعبه ويفقره من أجل استباحة مقدراته، ويستغل محبته للاستقرار والحياة البسيطة في الضغط عليه لقبول الاستبداد وفتات الحياة.

لكن المرأة / الوطن لا تنجو من محاولات الاغتصاب ومهما قاومت فإنها ستقع فريسة البلطجي المستبد / الحاكم الظالم.

” عندما رأت الشر في عيون عكرش، هددت بالصراخ، وعندما وضع المطواة في جانبها الأيمن، ولوى ذراعها الأيسر خلف ظهرها، ساقها إلى أحد الأركان دون رغبة منها، كانت تتوسل وتبكي، عندما مزق ملابسها أقسمت أن لديها عذر، لكن عكرش لم يهتم، بدأ وهي تقاوم حتى فقدت الوعي.. بعدما انتهى لملم ملابسه، بصق عليها، قبل أن يخرج ولم ينس أن يشرط بالمطواة أعلى فخدها([55]).

لقد تعرضت المرأة / الوطن لحادث اغتصاب بشع، هي الكائن الضعيف المسالم، لم يكتف الجاني عكرش / البلطجي / الحاكم بما فعل، بل ترك جرحًا غائرًا في فخذها دليلا على فعلته وتأكيدًا على إذلالها، هكذا فعل النظام المستبد في مصر لم يكتف بسرقة الوطن، وشرفه، إنما تمادي في ظلمه وقهره، وسلب المصريين الراحة، والحياة الكريمة، وأفقرهم، وحاربهم، وترك في أجساد المصريين، الفشل الكُلوي، وفيرس سي، والضغط، والتليف الكبدي.

ولم ينس النظام أن يبصق علينا كما فعل عكرش، فبعد أن اغتصبنا تركنا فريسة المرض، وإذا ما سعينا للعلاج بمستشفيات الدولة لم نجد الأسرة، ولا الدواء، ونمنا على الأرض عرايا ننتظر العلاج، وعلاج المصريين هو الرحمة بالموت في قطار الصعيد حرقًا، أو في العبارات لنصبح طعاما لأسماك البحار.

إنها صورة درامية رمزية لما يحدث مع المرأة والوطن من الرجل / البلطجي الحاكم الذي دائما ما يسعى إلى متعته، لذته التي تبني على حساب ضحيته الضعيفة المرأة / الوطن.

إن الرمزية التعبيرية عبر بنية سردية عميقة الدلالة، تؤكد قدرة الراوي على إذكاء روح الثورة داخل النفس المقهورة المرأة / الوطن سعيًا وراء الحرية والحصول على الحق، الكرامة والقوة.

 

 

(2)

المرأة السلبية

نموذج يعج به المجتمع، يرى القهر والظلم الواقع عليه وعلى باقي جنسه، أو شعبه، ويمتلك القدرة على دفع الظلم والقهر، لكن سلبيته تتغلب عليه، وتدفعه إلى الركون والاستسلام، هكذا بدت شخصية أم ناجح، التي كانت ترى المهانة لها من خلال خيانة الشيخ تيسير المتكررة، او الاعتداء اللفظي عليها، وبرغم كل هذا تأبى أن تثور لنفسها أو أن تعود لأسرتها لتسترد كرامتها.

” إنتي تربي عيال؟! إنتي كبيرك تربي فرختين ولا جوز بط” قولة أبي المأثورة لأمي كلما حدث منها خطأ ما، يقولها ويقول الكثير، أما هي فتصمت ، تحني رأسها، وترتجف إذا ما اقترب منها في ثورته …

أوضح لي خالي فيما بعد.،

” أمك غلبانة، وعاوزه تعيش “([56])

هكذا كانت تظن المرأة السلبية / الأم / الشعب المصري أن السلبية والاستسلام للقهر هو أيسر الطرق للحياة بعيدا عن المهانة الكبرى في العودة لبيت الأسرة / السجن أو المعتقل، المقيد للحرية.

دائما ما تكون المرأة السلبية نموذجًا مقهورًا من الزوج / الحاكم الذي يستغل سلبيتها ويمارس شذوذه النفسي وقهره لها، وتركه لها تعاني الوحدة والعوز النفسي والمادي.

” تعمل حتى الثانية ظهرا بالمركز، وبعد الظهر تلجأ إلى العمل في البيوت، تسرح أولادها لجمع البلاستيك والزجاج من حواري الأحياء المجاورة، وتصر أيضا على إكمال تعليمهم، تعتبر تخلي الزوج عنها رهانا لابد من كسبه، فهي لن تخسر على طول الخط … كانت قبل ذهابها إلى عملها بالمركز توقظه، وتحضّر له الإفطار، وتتركه يهتم بنفسه للذهاب إلى المقهى الذي يعمل فيه، تعود لتجده نائما، ….. باعت ذهبها الخاص وشبكتها، تداينت، ليستأجر مقهى أصبح ” معلم ” لن يقدم طلبات بعد الآن..

لم يتغير الوضع كثيرا، ترك كل شيء لأخيه نام واكتفى بالفتات([57])

سلبية امرأة تقودها للضياع والهم والإرهاق والمعاناة، سلبية شعب توقعه فريسة نظام يستغله أبشع استغلال مثلما استغل أبو حمدي أم حمدي.

 

 

(3)

المرأة المستبدة

صورة واقعية لنموذج نسائي زاد وجوده في المجتمع المصري، فهناك إحصائيات علمية تؤكد أن نسبة اعتداء النساء على أزواجهن بلغت 23 % في مصر، وتأتي مصر في المرتبة الثالثة عالميًا، وهذا ما حاول النص السردي رصده في ” كيرياليسون “، لكن البنية السردية لم تكتف برصد ظواهر مجتمعية أصبحت معروفة، إنما أضفى عليها رمزية مهمة، تشير إلى واقع سياسي طغى على مصر في العشر سنوات الأخيرة.

بدأت شخصية خال ناجح ” رمضان ” شخصية مثقفة منطلقة، إلى أن تزوج من هند، منذ تلك اللحظة ضاعت الثقافة والانطلاقة واستحال شخصًا آخرا.

لقد تدخلت الزوجة في حياته وثقافته، وتخلصت من الكتب التي جمعها طوال عمره، لتكون ذخيرة ثقافية وعلمية له، وللأجيال القادمة، لكن استبداد الزوجة أضاع الحلم، الثقافة، الحياة.

” الخال اختلت حياته عندما عاد من عمله ليجد حماته وزوجته وقد حولتا مكتبته كاملة إلى منور البيت، بحجة ضيقه، وليست حمل كل هذه الكراكيب.

    لكن دي كتبي!!

    أنت مش قرتها؟، يبقى مخليها ليه؟!!!!

    ظل يتندر في البداية على الحوار الذي دار بينه وبين زوجته وحماته وهما يفرشان شقته استعدادا للزفاف، يحكي ويختتم حديثه بالخطة التي وضعها للنهوض بمستواهما الفكري([58])

لقد تحولت الثقافة والعلم إلى مجرد كراكيب في نظر هند ووالدتها، في حين تحولت إلى تجارة ووجاهة اجتماعية، في نظر حرم الرئيس السابق، فلقد أقامت السيدة الاولى في مصر مشروع مكتبة للأسرة، ليس حبًا في العلم والثقافة والتعليم، الذي قتلته هي وزوجها وابنها ونظامهم المستبد، إنما كانت تسعى للوجاهة الاجتماعية، ولإثبات كاذب لدور علمي وتثقيفي مزعوم، هو في حقيقة الأمر نوع من الاستبداد، وإهدار المال العام، لقد رمز النص السردي لهذه الصورة التي ظلت قائمة في حياتنا لسنوات، لكنها المفارقة التي قصدها النص السردي، فلقد ذكر أن الزوجة وأمها حولا المكتبة إلى المنور، ورأيا الكتب كراكيب، في حين أن النظام الاستبدادي أراد أن يتظاهر بالثقافة والسعي لمصلحة العلم والفكر، فتحولت المكتبة والكتب إلى ديكور سياسي، وأصبحت الكتب مجرد كراكيب، أداة للترويج السياسي المستبد الكاذب وبحثًا عن إنجازات مزعومة.

تغير اسم الخال إلى زوج هند ” زوجة خالي اسمها هند، فأصبح خالي بعد تبعيته معروفا في العائلة ب ” جوز هند ” وما يعطي المصداقية أنه أصلع، فاقتربت رأسه من منظر جوز الهند([59])

ارتبط اسم الزوج بالزوجة، وصار تابعا لها، بل نجحت في إلغاء وجوده ودوره في الحياة، لم يكن هذا هو النموذج الاستبدادي الوحيد للمرأة الذي نطق به النص، إنما هناك نموذج آخر يؤكد تلك الصورة الاستبدادية اجتماعيًا وسياسيًا ” كانت تسكن تحتنا بالدور الثاني – لها جسد سمين واضح المعالم- …. زوجها نحيف جدا، كان اسمها فريدة يطلق الجيران على أبنائها ” أولاد فريدة” وعليه جوز فريدة([60]).

لقد رسم النص صورة ذهنية رمزية للمرأة المستبدة، فهي سمينة واضحة المعالم، قوية، وهذه القوة والضخامة ليست ضخامة حجم، إنما ضخامة دور وتواجد ألغى وجود الرجل ، حتى صار يطلق عليه زوج فريدة، وصورة الرجل ” نحيف جدا” في إشارة إلى تراجع دوره في الحياة وقيادة الأسرة.

إن هذه الصورة الرمزية المتمثلة في ” جوز هند ، جوز فريدة ” تشير إلى واقع سياسي قضي على مصر وشعبها، فلقد طغت شخصية حرم الرئيس، وصارت هي الآمر الناهي في مصر، وتنامت الشائعات والحقائق التي تؤكد أن حرم الرئيس هي التي تقود مصر، وأن رأيها هو رأي الدولة، فهي التي تعين الوزراء، وتقيلهم، أو ترفض توليهم، وتقف حجر عثرة في طريق إزاحة بعضهم.

والنص يؤكد ذلك من خلال إشارته لدور حرم الرئيس في المجتمع، هذا الدور الذي لا يقاوم، وتحيل كل شيء إلى نعيم إذا أرادت ذلك والعكس.

” لعله من سوء الحظ، أنه بني على بعد دقيقتين سيرا، من بقعة أرض واسعة تقرر فجأة أن تكون مبني جمعية خدمية تابعة لحرم الرئيس، لذلك هبطت على الشارع عين الرعاية ويد التخطيط([61])

هكذا كان الحال في مصر، رصده النص برمزية سردية واضحة، ناقدًا حال المصريين، الذين ركنوا للاستبداد النسائي ممثلا في استبداد حرم الرئيس وهيمنتها على مقدرات الدولة، فصارت الحاكم الفعلي لمصر وتبنت مشروع التوريث.

 

التغير الثقافي

عُرف المصريون منذ قدم التاريخ بعبقريتهم الفكرية، ومقدرتهم على هضم الثقافات وإعادة إنتاجها، من جديد، بعد الإضافة إليها وتطويرها، وصبغها بالنكهة الثقافية المصرية المميزة. والثقافة الدينية تميز بها المصريون، فلقد عرف المصريون التدين الشديد، والالتزام بتعاليم الدين بدقة، فكما يقول جيمس برستيد في كتاب فجر الضمير، لقد أوجد المصريون الضمير الإنساني، وتميزوا بالتدين والانضباط الديني الشديد، ساعدهم على التقدم، والرقي الحضاري، فلقد خرج التميز المصري من الانضباط الديني والثقافي، هذا الانضباط أتاح لهم الإبداع.

لكن هذا التدين أصابه التسطح في الخمسين سنة الأخيرة، وغزت الأفكار الوافدة الظاهرية المجتمع المصري، وتدينه؛ فأضحى لا يهتم إلا بظواهر الأمور غاضا الطرف عن الجوهر الذي تميز به هذا الشعب منذ القدم. فصار التدين مجرد ورقة توزع على الناس بدعوى الالتزام الديني، ومن أهمل أو تقاعس أصابته اللعنة، فلقد توقف التدين عند توزيع ورقة الأعور، وصار الحلم حقيقة ” وكل مسلم تقع هذه الورقة في يده يقوم بنسخها على الأصل ( 10 ) نسخ وسوف يعود ذلك عليه بالخير، ومن يهمل أو يستهزئ بذلك، سوف ينال عقابه من الله. ([62])

ومع هذا التسطح صار تفسير القرآن يسير وفق الأحداث السياسية، وكأن القرآن جاء فقط للحديث عن تفجير مركز التجارة العالمي في أمريكا ” قال إن سورة التوبة تقع في الجزء رقم(11) وترتيب السورة في المصحف رقم ( 9 ) وعدد كلماتها ( 2001 ) وهذه أرقام اليوم والشهر والسنة التي حدثت فيها الواقعة، في جرف هار أكمل متسائلا بعد تسبيح الله، فهل للملحدين أن يؤمنوا بالله الواحد؟! ضج ساعتها المسجد بأن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله علت بها الصيحات([63]).

لكن كيف تغير المصري، وما أسباب ذلك؟! إن الفقر الذي دفعه للهجرة بحثًا عن لقمة العيش التي ضنت بها مصر عليه؛ فسافر إلى الخليج بحثًا عن حياة كريمة، لكنه سافر ضعيفًا، منكسرًا، قتله الفقر والعوز والهزيمة، مجرف الشخصية والفكر والثقافة؛ فأصبح مستقبلًا جيدًا لثقافات عديدة، تختلف تماما عن ثقافته المصرية.

” حكي لي أن أبي لم يكن كذلك، كان مجرد نقاش دوكو سيارات، يعمل يضحك، يتبادل النكات الجنسية، يدخن الحشيش، إذا وجد، …. حتى سافر إلى السعودية، لم يمكث بها سوى عام واحد، جاء من بعده يرتدي الجلباب ويقولون له يا حاج([64]).

لم يكن التغير للأفضل فلم يقلع عن تدخين الحشيش أو إطلاق النكات الجنسية، إنما فقط ارتدى الجلباب ولقب الحاج، ومن تحتهما كان يمارس الموبقات مع بنات أبي عامر، ” يقال أن الشيخ تيسير لم يرحمه حتى بعد أن أطلق اللحية، وعاد ليكون إمام مسجد التوبة، وأيضا حامي حمى بنات أبي عامر، ولأنه لم يعد هناك مخزن يتستر على أفعاله، يقول بعض الخبثاء أن حمامات المسجد تتسع لكل شيء، وأوضاع الجماع والعياذ بالله كثيرة ومتخيلة([65])

لقد أصبح مجرد المكوث بجوار الاماكن الدينية هو التدين بعينه، فقط تجاورها ” يا واد احمد ربنا دانتا في مكان الناس بتيجي من آخر الدنيا عشان يشوفوه …. قيل لأنك مجذوب من مجاذيب الدير .. تفضل البقاء هنا – فقط – لتكون قريبا من جسد سمعان الخراز([66])

تتساءل، وتلعن الزمن الذي جعل واحدة مثلها – كانت تتمرغ في الخير، والسمن البلدي – تترك قريتها، وتسير خلف كلام أمها، تقنعها أن مخلفات البشر أفضل من روث البهائم، وأنها في مكان مقدس بجانب دير سمعان الخراز([67]).

وفي الناحية الأخرى كان الفساد وكسر الأخلاق المصرية نتاجًا طبيعيًا من نتائج الهجرة، جريا وراء الرزق ، فلقد سافر رمضان خال ناجح إلى العراق ” عمل بائعًا في محل لانجري، يقول إن الحرب الطويلة مع إيران أكثرت من الأرامل، كن يأتين إليه يسحبن من المحل ما يحتجن، ويسحبهن للغرفة الداخلية عاش منعما، يفطر كباب وكفتة- بأرخص الأسعار – تعلم شرب الخمر المستورد([68])

لقد عاد المصري من غربته محملا بالمال – أحيانا – وبالفكر والثقافة الغريبة عنه، حتى صارت مصر أرضا خصبا للغزو الثقافي والفكري الذي أنبت مسخًا ثقافيًا لا يمت بصلة لمصر الحضارة.

هكذا نطق النص السردي .. بالواقع الاجتماعي الطارئ على مصر، رصد كل هذا في إبداع روائي، يدفع القارئ للحياة مع كل كلمات الرواية وينطق معها بكل دلالاتها السطحية والعميقة.

 

 

الفلاكة والقهر والتغير الاجتماعي

عاني المجتمع المصر من القهر الذي كان مقصودًا وممنهجًا من قبل نظام فاسد ومفسد، كان همه الاول حماية نفسه، والثراء الفاحش لمماليكه، في حين كان الشعب المصري يعيش أزمة طاحنة، اقتصادية ونفسية واجتماعية، دفعته للتنازل التدريجي عن مبادئه وأخلاقياته سعيا وراء لقمة العيش، فخريج الجامعة يذهب ليعمل فرد أمن وحتى يحافظ على مهنته هذه أو رغبة في الحصول على مال أكثر يتنازل ويتنازل ليتحول إلى ديوث مقنن.

” كنت جالسا لحفظ الأمن شابا أخضر العود، حديث التخرج، قبلت أن أعمل بوابا ” نعم ” قد يقال فرد أمن، أو موظف استقبال، لكنني في النهاية بواب ، يجلس على باب العمارة الفخمة، حيث البرد ورذاذ المطر، وأسيادي بأعلى مستمتعون……….. دخلت العمارة، بكل ثقة .. حينها اعترضتها فقط لأخاطبها – كانت باهرة – قالت إنها في زيارة للشقة ( 104 ) لم أكن أعرف ان ذلك يعني شابًا عربيًا هائجًا يقيم بمفرده([69]).

كان يجهل حقيقة ما يحدث في أعلى ويشرف هو عليه، ويحفظ أمنه، كان ذلك ضد أخلاقياته ومبادئه لكنه الفقر، الذي أجبره على الموافقة.

” في عودتها عاملتني بسخاء، أعطتني ما يساوي ربع راتبي الشهري، كنت ممتنا لها، لم ألبث طويلا حتى تجمعت كل الخيوط في يدي حفظت أرقام الشقق المفروشة بالعمارة …. أصبحت آخذ بثقة … دون خجل آخذ واعرف أنني أعطي أكثر([70]).

جرّف النظام السياسي الشخصية المصرية، قضى على القيم والأخلاقيات، وسحق التدين، فكان طبيعيًا أن ينتهي الحال بشاب جامعي من طبقة متوسطة أن يرضى بهذه المهنة التي لا تتناسب مع شهادته الجامعية أولا، ويرضى بالمهانة والتستر على الجرائم اللأخلاقية نظير المال الذي يقتل فقره وحاجته.

لم يكن ناجح فقط هو الذي رضي بذلك بل شباب غيره كثيرون، دفعتهم الحاجة وفساد النظام السياسي وغياب العدالة إلى امتهان المهن اللأخلاقية، فالكل هكذا ” مفيش حاجة دلوقتي بتكسب زي الهيافة، شوف بتوع الفيديو جيم و البلياردو بيكسبوا أكثر من دكتور ([71]). هكذا وجه يحيي حديثه لصديقه ناجح؛ ليبرر أفعاله التي بدأ يمارسها ويتطور فيها، ومعها، حتى صار ديوثًا يسهل لقاء الرجال بالفتيات من أجل المال وإحياء الحفلات.

” كان من الممكن أن تبقي إحدى فتيات الشو مع أحد الزبائن أو المعازيم، .. في البدء لم يكن يحيي على علم بذلك، وعندما علم لم يمانع، فالأمر بعيد عنه وهو في الأول والآخر حرية شخصية ……. تحول يحيى تدريجيا وأصبح يقبض في العلن فلوس الشو وفي الخفاء فلوس البنات ليلة وتخزين([72])

هكذا دحر الفقر الذي أوجده النظام السياسي كل قيمة أخلاقية في نفوس الشباب والفتيات، وتحت وطأة الفقر، الكل يتنازل كي يعيش في ظل نظام يشجع على الفساد حتى يصير المجتمع كله مثله فاسدًا ومفسدًا.

لقد صار الوطن سجنًا كبيرًا يسكنه مجموعة من البشر مهمشين يقعون فريسة طيعة في يد مستبد غاشم سعى في القضاء عليهم بالأمراض التي أنهكتهم، ودفعهم للتنازل عن كل ما لديهم من ميراث أخلاقي وديني؛ فصار المصريون مسخًا لا هو متدين خلوق، ولا هو فاسد متكامل الفساد، بل سعى للجمع بين متظاهر التدين والأخلاق وباطن الفساد والإفساد حتى صار الشعب المصري مريضا بانفصام عميق في الشخصية.

والبعض تحت وطأة الفقر أو الرفاهية الزائدة يهرب منهما للشذوذ ” لقد قتلت الرجولة داخل المصريين ” تنتظر – دائما – أن يعود إليها، تنتظر تقدمه نحوها بلهفة …… لو كنت مرة بصحيح كنت حركتيني…

وينتهي الحال به إلى انحراف شاذ ” أصوات هامسة تسمعها، شعورها الارتياب، بدأ يزيد، تشجعت دخلت فجاة لتجده يئن تحت جسد ضيفه([73]).

ضاع حلم الوطن القوي، الشريف، الناهض، وجرفت الشخصية الثقافية والفكرية والدينية، وانتشر الفساد والدعارة والشذوذ، الرشوة والسرقة الاختلاس، والنظام سعيد بما يحدث؛ فكان لزاما أن يثور المصريون، وأن تترد أصوات الثورة في كل نفس حية لم تمت بعد.

 

أصوات الثورة

بعد هذه الرحلة الطويلة التي انعكس المجتمع المصري بكل ما فيه، سياسيًا، واجتماعيًا، واقتصاديًا، ونفسيًا، كان ضروريًا أن تتبني ” كيرياليسون ” نداء الثورة، فهي كلها رواية ثورية، بداية من العنوان، والاستهلال السردي، وانتهاء بكلماتها الأخيرة.

كانت ” كيريالسيون ” بمؤلفها تسعى لنهضة مصر وخلاصها من الاستبداد، قصدت التحرر من القهر، فجاءت رواية منطلقة متحررة من قيود التصنع أو الإنشاء ، تميزت بالموهبة الخلاقة، لقد ثارت الرواية على نفسها، لتخلق مجتمعًا ثائرًا. فنادت بضرورة الثورة، والبحث عن الحرية فكان يتساءل عنها ” الحرية … الحرية؟.

وفي صورة رمزية وسردية بالغة الفنية والدقة التصويرية والتعبيرية يتحدث الراوي عن مصر

” وجدت نفسي أفكر هل مصر أنثى أم ذكر ؟!

أنثى جميلة .. دافئة، كما تصورها الأغاني لذا الدول القوية يفعلون بها على جميع المستويات، بل والمسئولون بالداخل يفعلون بها ويواقعونها بالتناوب ليل نهار……

هذه صورة مصر التي هتك عرضها النظام، أنثى جميلة دافئة، مستسلمة لأطماع الجميع فهل تستفيق، وتثور .

ويقول ” لأول مرة أتخيل مصر المرأة الجميلة، تزداد طولا وعرضا تتعملق …([74]) إنه ينادي بالثورة، بالقوة التي تمتلكها هذه الأنثى فهي أكبر منهم جميعا، وأقوى منهم جميعا، فقط تتحرك، وستجد حريتها بين يدها.

” تتمزق من عليها ملابسها، كما نشاهد في حلقات مسلسل الرجل الأخضر، الدهون في جسدها تتحول لعضلات، يظهر لها عضو ذكري عملاق، مصر تحولت لذكر، غبي القسمات، لحيته نابتة كثيفة وخشنة، يتجشأ بصوت عال، يبصق على الأرض من حين لآخر، يهجم على المسئولين في مواقعهم، يواقعهم في مكاتبهم، أمام مرؤوسيهم، الباقون حين يأتيهم الدور يصيبهم الذعر، ينقطعون عن العمل، وإن كان بعضهم ينتظرون دورهم بفارغ الصبر([75]).

إنها دعوة للثورة المصرية على استبداد النظام، والخلاص من الاستعباد في الداخل والخارج، فثورة مصر ستهز أركان العالم، الجميع يصيبهم الذعر، تتوقف الحياة في أمريكا وأوربا وإسرائيل الكل يحبس أنفاسه؛ ليرى ما يدور هناك في مصر ” يصيبهم الذعر، ينقطعون عن العمل، وينتظرون دورهم.

إنها صورة سردية فنية قرأت واقع الوطن ومستقبله، فنادت بالثورة، وتوقعتها، ورسمت لها صورة رمزية، تتلاقي كثيرًا مع ثورة مصر 2011م وبعد ثلاث سنوات من صدور الرواية.

لقد كانت الرواية تستنهض الهمم والعزائم للثورة، وتتوقعها ” تفقد الوعي أدلك جسدها بيدي .. لمستي تقول لها أبق، استنهضها بدقات قلبي، أبق بجانبي، عيوني تدمع لأول مرة نعرف بالعين ذلك السائل الدافيء، عيوني تغرقها، تذيب الطين المتجمد فوق أعضائها، يتلألأ جسدها بين يدي، أجدني منجذبا لها … يتشرخ طين جسدي، يتفتت……. الشياطين ظهروا فجأة هاجمونا، كادوا أن يفتكوا بنا، لا مهرب عندما أيقنا من نهايتنا علا صوت، من كل مكان يخرج الطين أرتج، ارتعشت الأحجار الصلبة، الصوت يعلو يكرر ” أخلصتم ؛ فخّلصتم” وإذا بنا منتصبي القامة، الأشياء من حولنا تحولت، لا طين، لا جوع اختفت الديان والعظام والروائح الكريهة… من حولنا كل المصدقين، فرحين .. أصحاء([76])

إنها روح الثورة، ينادي بها الراوي، يهيئ نفسه والشعب لها، للروح الجديدة، للحياة الجديدة، للتخلص من الأمراض، من الفقر، الجوع، القهر، ونعود أحياء، فرحين أصحاء. إنها صورة لثورة 25 يناير التي جاءت فجأة وخرجت من كل مكان في مصر، تنادي بالحرية والحياة، من الطين حيث الفقراء المرضى، البسطاء المكلومين. ثورة خلصت المصريين وفتحت نوافذ الحرية لاستنشاق هواء نظيف.

لأن الرواية كانت تتوقع الثورة وشكلها وطريقة قيامها ” المصدقون يشاركوننا كل لحظة، يتنفسون كل الهواء، يشمون كل العطر.

المصدقون في متعة يتكاثرون ، أعداد هائلة، يقولون مثلما نقول، يتتبعوننا .. يفعلون مثلما نفعل…… ([77])

 

 

الخاتمة

تميزت كيرياليسون بالفنية الكبيرة، والإتقان الذي جعلها تنطق بكل ما دار بالمجتمع المصري، دون أن يشعر المتلقي بذلك، بل كانت تتسرب معه وفي فكره، ليتبني المتلقي أيديولوجيتها الفكرية، وفلسفتها الروائية التي تعكس الواقع عبر الخيال الورقي، وامتلك الروائي هاني عبد المريد المقدرة الفنية والموهبة التي استطاع بها أن يؤكد أنه لا يوجد انفصام او قطيعة بين الرواية، بكل تنوعاتها، تقليدية، حديثة، جديدة وبين الواقع الاجتماعي والسياسي، ففي مصر لم يكن باستطاعة المبدع الموهوب أن يتغافل عن حياتنا في هذا الوطن، دون أن يهتم بما يدور من حوله، فهو ليس بمعزل عن مشاكل الوطن وهمومه، فالأديب المتميز – من وجهة نظري – هو الذي يستطيع أن يوفق بين التقنيات الفنية والإبداعية وبين الواقع الاجتماعي، السياسي، الثقافي، الديني، ويعكسه في أدبه، ليخلق به عالمًا جديدًا من ورق وخيال.

لقد نجحت رؤية النص ومؤلفه في التعبير عن نفسها، وأوضحت انتماءه لبيئته وطبقته الاجتماعية الوسطى التي استطاع أن يخترقها، وينقل لنا بعدسة فنية دقائق الحياة فيها، ويتحدث عن طبقات المهمشين الذين يعيشون دون أن تراهم السطات، أو أن تفكر فيهم، وفي خلاصهم من همومهم وأمراضهم.

وربط بينهم وبين الواقع السياسي، وكيف أسهم ظلم النظام وقهره وفساده في معاناتهم المتفاقمة، حتى صاروا كما وصفتهم الرواية ” مجرد ديدان ” .

كما وظف النص تقنية الزمن حتى أنك لا تستطيع أن تقبض على زمن النص، لأن الزمن قد انزاح وكون لنفسه جمالية تقوم على تداخل أزمنة وتقاطعها، فالزمن ليس زمنًا واحدًا إنه مجموعة من الأزمنة تشكل جمالية خاصة تؤسس بنية النص السردية، فلقد لعب الزمن في هذا النص السردي دورا مهما، ضمن الحاضر والماضي والمستقبل، وبذلك يحدد الإطار الخاص للنص بكل مستوياته بحسب تواليها، وبكل أنواع الزمن الخارجية والداخلية والطبيعية، وقد ساعد الزمن كثيرًا المبدع في نقل الأحداث للقارئ وفق تسلسل زمني لمسارات فنية([78]) ومن جمالية الزمن هنا أن ناجح اعتمد الذاكرة، وتداعي الذكريات؛ ليعبر عن كل دقائق الحياة في مصر، لهذا المجتمع المهمش، المهضوم الحقوق، لقد اعتمد الزمن تقنية الكشف، كشف الواقع، وتعريته، وربط كذلك بين كل عصور القهر، حتى صارت مصر بحكامها زمنًا واحدًا ونموذجًا قمعيًا واحدًا.

تعد رواية كيرياليسون من الروايات التنبؤية التي نجحت في التنبؤ بثورة 25 يناير 2011م، بل أسهمت بما رصدته وسلطت الضوء عليه في قيامها، فهذه الرواية – من وجهة نظري – تعد ترجمة لوجدان أمة مقهورة كانت تستعد للحظة الخلاص وتنتظرها.

المصادر

       هاني عبد المريد ” كيرياليسون رواية ” الدار للنشر والتوزيع 2008م

المراجع

       آن جفرسون ، ديفيد روبي ” النظرية الأدبية الحديثة ، تقديم مقارن ” ترجمة سعيد مسعود منشورات وزارة الثقافية سوريا1992م .

       جيرالد برنس ” قاموس السرديات ” ترجمة : السيد إمام ميريت للنشر والمعلومات ط1 2003م

       حميد لحمداني ( دكتور ) ” النقد الروائي والإيديولوجيا” المركز الثقافي العربي بيروت ط1 1990

       ديفيد لودج ” الفن الروائي ” ترجمة ماهر البطوطي المجلس الأعلى للثقافة، 2002م

       رمضان بسطاويسي ( دكتور ) ” الإبداع .. والحرية” الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2002م

       سليمان حسين ” مضمرات النص والخطاب دراسة في عالم جبرا إبراهيم جبر الروائي” اتحاد الكتاب العرب دمشق 1999م

       سمير روحي الفيصل ( دكتور ) ” الرواية العربية البناء الرؤيا ” منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق 2003

       السيد إبراهيم ( دكتور ) ” قراءات جديدة في أدبنا المعاصر ” الهيئة العامة لقصور الثقافة القاهرة 2010م

       سيزا قاسم بناء الرواية ” دراسة مقارنة في ثلاثية ” نجيب محفوظ” مكتبة الأسرة 2004م

       شكري عزيز الماضي ( دكتور ) ” أنماط الرواية العربية الجديدة ” عالم المعرفة الكويت 2008 م

       صالح سليمان عبد العظيم ” سوسيولوجيا الرواية السياسية ” الهيئة المصرية العامة للكتاب 1998م

       عبد الرحيم الكردي ( دكتور ) ” الراوي والنص القصصي ” دار النشر للجامعات ط2 1996م

       عمار على حسن ( دكتور ) ” النص والسلطة والمجتمع” مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية القاهرة 2002م

       عمارة الناصر ” اللغة والتأويل مقاربات في الهرمينوطيقا الغربية والتأويل العربي الإسلامي ” دار الفارابي ط 1 1428هـ 2007م.

       محمد تحرشي ” أدوات النص دراسة ” منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق، 2000

       محمد مورو ( دكتور ) ” الأقليات المشكلة والحل ”  مكتبة جزيرة الورد القاهرة 2009م

       ناهضة ستار ( دكتور ) ” بنية السرد في القصص الصوفي المكونات، الوظائف، التقنيات” منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق 2003

       نبيلة إبراهيم ( دكتور ) ” فن القص في النظرية والتطبيق مكتبة غريب د.ت

       نورمان فاركلوف ” تحليل الخطاب ، التحليل النصي في البحث الاجتماعي ” تردجمة د. طلال وهبه، مرجعة تجوى نصر، المنظمة العربية للترجمة ط 1 بيروت 2009م .

       وجيه يعقوب السيد ( دكتور ) ” الرواية المصرية في ضوء المناهج النقدية الحديثة” مكتبة الآداب القاهرة ط 1 1425هـ 2005م

       ياسين النصير ” الاستهلال فن البدايات في النص الأدبي” ، دار الشؤون، ط1/ 1993.

       يزيد عيسى السورطي ( دكتور ) ” السلطوية في التربية العربية ” عالم المعرفة ، أبريل 2009م الكويت

       يمنى العيد ” الراوي الموقع والشكل دراسة في السرد الروائي” مؤسسة الأبحاث العربية ط 1 1986

       يوسف حسن نوفل ( دكتور ) ” بهجة السرد عند محمد قطب وفؤاد قنديل” مطبوعات نادي القصة القاهرة ط1 2008م

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*د. هاني إسماعيل..مدرس الأدب والنقد الحديث، قسم اللغة العربية – كلية الاداب، جامعة بني سويف

 



[1]) د. يوسف حسن نوفل بهجة السرد عند محمد قطب وفؤاد قنديل مطبوعات نادي القصة القاهرة ط1 2008م ص 109

[2]) د. وجيه يعقوب السيد الرواية المصرية في ضوء المناهج النقدية الحديثة مكتبة الآداب القاهرة ط 1 1425هـ 2005م ص 65

[3]) صالح سليمان عبد العظيم سوسيولوجيا الرواية السياسية الهيئة المصرية العامة للكتاب 1998م ص 32

[4]) عمارة الناصر اللغة والتأويل مقاربات في الهرمينوطيقا الغربية والتأويل العربي الإسلامي دار الفارابي ط 1 1428هـ 2007م ص 164 : 165

[5]) د. شكري عزيز الماضي أنماط الرواية العربية الجديدة عالم المعرفة الكويت 2008 م ص 24

[6]) المرجع السابق ص 23

[7]) د. محمد مورو الأقليات المشكلة والحل مكتبة جزيرة الورد القاهرة 2009م ص 41 : 42

[8]) المرجع السابق ص 46

[9]) هاني عبد المريد كيرياليسون رواية   الدار للنشر والتوزيع 2008م ص 45

[10]) كيرياليسون ص 101 : 102

[11]د. يوسف نوفل بهجة السرد ص 96

[12]) كيرياليسون ص 103

[13]) كيرياليسون ص 99

[14]) السابق 46

[15]) السابق 47 : 48

[16]) السابق ص 73

[17]) السابق 96

[18]) سليمان النصير لاستهلال فن البدايات في النص منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق 2003 م ص 22

[19]) د. ناهضة ستار بنية السرد في القصص الصوفي المكونات، الوظائف، التقنيات منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق 2003 ص 87

[20]) المرجع السابق ص 87 : 88

[21]) كيرياليسون ص 7

[22]) أنماط الرواية العربية الجديدة ص 58

[23]) كيرياليسون ص 17

[24]) السابق ص 35

[25]) السابق ص 67

[26]) السابق ص 87

[27]) د. يزيد عيسى السورطي السلطوية في التربية العربية عالم المعرفة أبريل 2009م الكويت ص 7

[28]) المرجع السابق ص 9

[29]) كيرياليسون ص 10

[30]) السابق ص 18

[31]) السابق ص 43

[32]) السابق ص 43

[33]) السابق ص 101

[34]) السابق ص 103

[35]) د. عمار على حسن النص والسلطة والمجتمع مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية القاهرة 2002م ص 153

[36]) هاني عبد المريد كيرياليسون ص 106

[37]) السابق ص 106

[38]) السابق ص 107

[39]) السابق ص 44

[40]) السابق ص 44

[41]) السابق ص 44

[42]) السابق ص 95

[43]) السابق ص 87

[44]) السابق ص 78 : 79

[45]) السابق ص 27

[46]) السابق ص 28

[47]) السابق ص 31

[48]) السابق ص 29

[49]) السابق ص 29

[50]) السابق ص 29

[51]) السابق ص 29

[52]) السابق ص 26

[53]) السابق ص 21

[54]) السابق ص 49

[55]) السابق ص 52 : 53

[56]) السابق ص 21

[57]) السابق ص 107 : 108

[58]) السابق ص 76

[59]) السابق ص 67

[60]) السابق ص 69

[61]) السابق 17

[62]) السابق ص 10

[63]) السابق ص 42

[64]) السابق ص 72

[65]) السابق ص 47

[66]) السابق ص 96

[67]) السابق ص 51

[68]) السابق ص 78

[69]) السابق ص 23

[70]) السابق ص 12

[71]) السابق ص 81

[72]) السابق ص 82

[73]) السابق ص 48

[74]) السابق 89

[75]) السابق 89

[76]) السابق ص 113

[77]) السابق ص 113 : 114

[78] ) محمد تحرشي ” أدوات النص دراسة ” منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق، 2000 ص 130 :

 

 

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم