كذبابة علقت فى خيوط عنكبوت

ناهد السيد
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

ناهد السيد

بالتأكيد لم يتمم هذا الرقم اعتباطاً فهو نصف العمر، 25 عاما، أوج الشباب، وهج الحياة، ولكن عندما تبدأه بعد منتصف عمرك فأنت فى تحدٍ رهيب للسعى الدائم للحفاظ على الرونق، تبدأه وانت على شفا الحلم تجاهد وتلهث وتشرب الأمرّين حتى الثمالة لكى يكتمل نصف عمرك وتكون انتهيت من ماراثون الحياة الشاقة ويأتى وقت الراحة.

بدأت مشواري فى العشرينات بصحبة شاب عشرينى أيضا.. أطلقوا على زواجنا “لعب عيال” وراهن العديدون على انفصالنا بعد عام أو عامين على الأكثر، لذا كانت تحدياتنا مضاعفة مرة لنثبت للأهل أن الحب وحده يصنع المعجزات ويكفينا قوت يومنا ولا داعى لحسبة مصاريف ومتاهات الدخل الشهرى وحلم التعيين فى وظيفه حكومية، ومرات لنثبت للأصدقاء أننا حقيقيون.. ومرت السنوات خضنا فيها صراعات دموية على لقمة العيش مع راتب شهرى يبدأ بخمسين جنيها ندفعه لإيجار الشقة، واللهاث خلف تحقيق الذات وتوفير الدخل الشهرى المتواضع لسد احتياجات الطعام والمواصلات فقط، وحلم العيشة الميسورة ثم بناء مستقبل لـولادنا.. لهثنا كى نتحقق، كى نضمن حياة لـولادنا أفضل مما عشناه، كان أقصى حلمنا أن نمتلك بيتا بحديقة وكلب، ولأجل هذا الحلم فقط تشردنا كثيرا فى الانتقال من سكن لسكن كالغرباء والعزاب، طوال الوقت لم نحقق استقرارا، لم نصمد كى نصنع صداقات مع جيران وأهل حتة، ما أشقى هذا الحلم! الذى يستكثره علينا البعض، لم يدروا أنهم هم من كسبوا الرهان! نعم لقد انشغلنا بالتحدى والحلم والصراعات، انشغلنا بإهدار الطاقة على من حولنا ومساعدة الآخرين من ذوينا الذين استندوا على أكتافنا لنرفعهم وسعدنا بحمولتهم حتى سقطنا، أسقطنا الإعياء والفكر والطموح ولهفة التحقق ومحاولات الوقوف عند حسن الظن.. ولما سقطتنا لم يمد لنا أحدهم يد العون لنقف.

انعزلنا ولكن بعد فوات الأوان.. فقد نصب العشم شباكه كخيوط عنكبوت تلثمنا.. لم نختر الصمت بل هو من اختارنا.. كنا كذلك دوما صامتين لأننا نفكر، محلقين لأننا نتأمل.. ضاحكين لأننا نحترق وهنا… حالمين لأننا بلا أجنحة.

تهدلت أجنحة الحلم ووهنت دعائمها فارتخت.. كنا قد وصلنا إلى مرحلة النضج، وزادنى مرضى تقاعدا فأكثرت من التأمل، وسحبت يد زوجى خارج دائرة الحلم جذبته ليكون سندى فلم أكن أعرف سواه، تربيت على يده وخضنا طريقنا معا رغماً عنا، جلسنا على هامش الدائرة لنتأمل ماذا صنعنا؟ اكتشفنا هول الكارثة.. باختصار )نسينا نعيش(

حسبنا عدد المرات التى خرجنا بها سويا حتى ولو بصحبة أولادنا لم تتعد السبع مرات طوال 25 عاما بدون شجار، بخلاف أيام الجمع التى نتقابل بها صدفة بحكم أننا فى بيت واحد فنختلف وتنشب الخلافات.

تجنباً لذلك وطمعا فى سريان باقى العمر بسلام، تجنبنا بعضنا البعض، الأسرة بأكملها، وصار كل منا حر نفسه، لا نتقابل ولا نأكل سويا ولا تجمعنا صالة أو انتظار الحمام حتى، صرنا غرباء، لذا لا زلت أحن الى ديار ليلى “المستشفى”، ذلك المكان الوحيد الذى جمعنا معا على سرير واحد أثناء زيارتى، أقابل أسرتى وأتحدث فى أمور تافهة، وأتلصص لأعرف أخبارهم.. فكل منهم بعد مرضى يتجنب أن يثقل على الآخر.

صارت هذه حياتنا أتلوها عليكم قبل أن تتمنوا أن تعيشوها، وتحسدوننى عليها، فلكم كل الحق لأننا نبدو نموذجاً لأسرة مثالية تضحك فى الوجوه، تساعد أى شخص حتى وإن لم تعرفه، ترحب بكرم، نبدو سعداء ونؤكد على سعادتنا لنظل محبوبين لديكم.. نسينا أن نكون كما يجب أن نكون، فماذا يضير الناس أننا لا نحب الزيارات، ـ ننا نعشق الصمت والتأمل، أن أقصى اهتمامتنا هى القراءة وسعادتنا فى الكتابة فقط ليس فى جلسات الثرثرة والشكاوى وفض المنازعات والقيل والقال.. خجلنا أن نشفر كل علاقتنا التى سلبت طاقتنا، ونصبح “براويين” ومعناها  بلغة العصرالحالى غير اجتماعيين.. يا ليتنا فعلنا ذلك، لما كنا الآن فى وضع مأساوى نحاول الصمود ليس إلا، لنكمل ما تبقى لنا فى أرذل العمر.

 

 

مقالات من نفس القسم