كان حلمي أن أصبح كاتب سيناريو

أيوب الطالبي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أيوب الطالبي

كان حلمي أن أصبح كاتب سيناريو (نصوص) للأفلام الوثائقية، منذ بداية معرفتي بالعالم وأنا مجبول إلى هذه الوثائقيات العظيمة، خاصّة مع حبّي الكبير للطبيعة بمحيطاتها وسواحلها وأنهارها ووديانها وأشجارها المتنوعة وجريانها الدائم وقدرتها القويّة على البقاء. أن أصبح كاتب سيناريو أفلام وثائقيّة يعني أنّي سأصبح في احتكاك مباشر مع الطبيعة بكلّ مكوّناتها العظيمة، دون حواجز ودون قيود، وهذا ما لن تمنحه لي الوظيفة العموميّة أبدا. كانت الأفلام الوثائقيّة سببا مباشرا لمعرفتي بالعالم، كوّنتُ معارف عديدة متنوّعة، مباشرة واضحة وجريئة نحو الطبيعة العظيمة، نحو هذه الأرض، نحو هذا الكائن الغريب، المتقلّب، الذي يسمى الإنسان، ونحو الحيوانات الأليفة، المتوحشّة، الصغيرة، الكبيرة، العملاقة، الزّاحفة، الطائرة، والمجهريّة. عرفت عن طريق الوثائقيات تاريخا كبيرا، مجلّدات ضخمة، هائلة، أكثر مما درّست عبر مساري الدراسيّ بدءا من مستوياتي الأولى ونهاية بالسلك الجامعيّ. الوثائقيات كان لها دورٌ هام وعظيم في تكويني، لا في نظرتي نحو الطبيعة، نحو البحار والمحيطات والإنسان والحيوان، لا على مستوى  تعميق معارفي الشخصيّة وتكوين ثقافة ثقيلة على العالم. أتذكّر أني شاهدت أفلاما وثائقية كثيرة مع والدي رحمه الله منذ صغري خاصّة بعد اقتنائنا لطبق الساتيلايت، وقد كان والدي هو الآخر مولعا بها وبشكل أو بآخر تسلّلت هذع القاعدة إليّ. برامج وثائقيّة عديدة كنا شاركنا معا في مشاهدتها، بحبّ وبرغبة في المعرفة وفي التقرّب وفي تكوين روابط وطيدة وعميقة إلى كلّ ما على هذا العالم السّاحر من جمال.

عندما بدأ عرض الوثائقيّ العظيم”أمودّو” سنة 2002 كنتُ طفلا أجهل أمورا عديدة حول المغرب، اليوم مرّت حوالي ثمانية عشرة سنة، مرّت سريعة، عايشتُ خلالها اثنا عشرة موسم لأمودّو، وقد تعمقت عن طريقه معرفتي بالمغرب بمآثره التاريخية وبمناطقه الأمازيغية الجبليّة البعيدة وبثلوجه السّاحرة  وبطرقه الوعرة،  وبتقاليده القديمة العريقة وبحيواناته المهددة بالإنقراض. تاريخٌ طويل من المجد والصمود والعظمة، كان لنا لقاء معه بصوت حسن بوفوس  الذي أصبح له مساحة كبيرة في ذاكرتي. مات والدي، ومات محمد كوكام الذي يشغلُ كتابة النصوص في البرنامج، ولا زال أمودّو صامدا في وجه كلّ شيء. أحببت كثيرا كل النصوص الوثائقيّة التي يكتبها محمد كوكام وكتّاب آخرون في برامج أخرى على ناسيونال جيوغرافيك وكويست عربيّة وقنوات فرنسية وانجليزية كانت تبثّ حلقات من برامجها على القناة الثانية في الألفينات، بالإضافة أيضا إلى قنوات أخرى على اليوتوب مغربيّة وعربيّة وكدا إنجليزية، يصوّرون ويكتبون عن هذا هذا الكوكب الرّائع كوكب الأرض. أحببت الطريقة التي يصفُون بها الطبيعة، يصفٌون بها الأشجار، يصفون البحار، الأنهار الوديان، الحيوانات، التقاليد والعادات، الأعراس والجنائز، الطرق، الشواطئ، الثلجوج، الجبال، إلخ… وأصبح هذا الوصف هو الآخر بطريقة ما يزيد ويعمّق معرفتي بهذا العالم ورابطا قويّا في حبّي للكتابة الوثائقيّة. لقد أحببت الجبال الباسقة، أحببتُ أشجار الصنوبر، أشجار الزيتون، أشجار اللّوز، أشجار الصفصاف، أحببت أوراق الأشجار وهي تسقط في الخريف، أحببتُ البحار العظيمة، أحببتُ أمواجها التي لا تهدأ، أحببت شواطئها، أحببت أشكال المياه وهي تعود إلى المحيط، أحببتُ طول الزرافة وسرعة الغزال وقوّة عضّة التمساح وهبة الأسد وعظمة القرش، أحببت شكل الصحراء ورمالها الذهبيّة، أحببتُ الطفرات العلميّة وهي تثور مغيّرة الألوان والأشكال. أحببتُ المدن الريفيّة النائيّة، الثلج وهو يسقط، المطر وهو ينهمر وصوته على النوافذ. أحببتُ السماء العظيمة التي تقف منذ ملايير السنين دون أعمدة ودون أسس شامخة في وجه الزّمن وفي وجه التكنولوجيا وفي وجه العلم. وقد صار كلّ هذا جزءا كبيرا من كينونتي ومن وجودي الفلسفيّ.

مرّت سنوات طويلة تغيّرت فيها أشياء كثيرة في حياتي، تعمقت خلالها في تواريخ بلدان عديدة، تاريخ الثورات، الحضارات الإنسانية، شاهدت حلقات جديدة، متعددة وكثيرة من البرامج الوثائقية، حلقات كثيرة شاهدتها لروحي والدي ولروح محمد كوكام، وحلقات أخرى شاهدتها لروح هذا الحلم الذي أطارده منذ سنوات.

 

 

مقالات من نفس القسم