“كافتريا الأرنب الضاحك” لرحاب إبراهيم.. غواية السرد

"كافيتريا الأرنب الضاحك".. رواية جديدة لرحاب إبراهيم
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

د. أحمد الدوسري

استمتعت بقراءة هذه الرواية للكاتبة الدكتورة رحاب إبراهيم. رواية صغيرة لكنها مدهشة.
من تلك الروايات التي تُبقي تأثيرها عليك لأيام كثيرة بعد الانتهاء منها.
تبقى الشخصيات تتحدث إليك. وتهمس في أذنك. وذلك على الرغم من أنها شخصيات نجد مثلها كل يوم، ولم تكن شخصيات استثنائية. لكن الاستثنائي هو بالطبع السرد السلس للكاتبة الذي يأسرك في النهاية بحكاية من حكايات الحياة.
الرواية صادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2016. لكنني لم أحصل على الرواية إلا في معرض الكتاب بالكويت.
ما يميز الشخصيات المصائر التي تؤول إليها في هذه المدينة القاهرة لكل شيء.
عرفت الدكتورة رحاب إبراهيم في مجموعتها القصصية الجميلة حيل للحياة. وهي كاتبة للقصة القصيرة من الطراز الرفيع. (تطوّع الفانتازيا للواقع والعكس بجرعة مدوّخة تجعل المتلقي يترك ما في يده ويتجرّع الخيال. تسحبك من الحياة من أجل الحياة.
وكما ذكرت في مقال سابق عن مجموعتها المتميزة حيل للحياة: فإن فن القصة القصيرة لا يستطيعه كل كاتب. كاتبة أسلوبها فريد لا يشبه أحدا).
من يكتب الرواية يعرف بأن القصة فن من أصعب أنواع الفنون الكتابية أو السردية. والكاتبة تجيد هذا الفن. أغلب الروائيين ممن يكتبون قصصا طويلة يعرفون قيمة القصة. لكن القصة تراجعت مع ما تراجع من الفنون كالشعر لصالح الرواية.
ويحضرني دائما عندما أتحدث عن القصة ما قاله بورخيس بأن الفن الحقيقي هو القصة وأنه لا يعترف بالرواية. يقول: أعتقد بأنني إذا بدأت بكتابة الرواية فسوف أصل إلى نتيجة بأن هذا جنون. وبورخيس يسمي كل ما هو زائد عن القصة القصيرة في الرواية بأنه حشو. وهو يتوقع بأن الرواية كشكل سوف يموت في النهاية.
وبغض النظر عن رؤية بورخيس للرواية والسرد فيها فإن الأمر كله يتعلّق بالبراعة. ألم يكتب تولستوي ملحمة في رواية: موت إيفان إيليتش؟ ملحمة لا تتجاوز ثمانين صفحة.
أعود إلى هذا العمل الروائي الذي يتناول صعود الصحوة الإسلامية في مصر. من خلال أسرة صغيرة تتكون من الدكتور فتحي وزوجته وابنته رشا.
في الحقيقة الدكتورة رحاب فاجأتني بروايتها كافتريا الأرنب الضاحك. قلت في نفسي ما سرّ هذه الكافتريا التي اختارتها الكاتبة عنوانا لروايتها؟
تدور أحداث الرواية في القاهرة قبل وقوع الزلزال الشهير. هناك زلزال آخر كان يحدث في المجتمع. وهو الصحوة الاسلامية. يبدأ الحدث بتأثر داليا الطالبة بالصحوة وارتدائها الحجاب. ثم تأثر رشا بتلك الافكار.
أفكار صديقتها داليا التي تأثرت بتيار الصحوة الإسلامية الجارف . لكن الخط الدرامي الأخطر هو علاقة الدكتور بزوجته سهام ابنة قريته التي تزوجها زواجا تقليديا.
وكان هو يرد الدين لابن شقيقه الأكبر الذي رعاه حتى أصبح طبيبا معروفا. العلاقة بين المرأة والرجل هي الحدوتة الأكبر وباقي الحدوتات الصغيرة هي مكونات إنسانية لعلاقة شرعها الله بين عباده من الرجال والنساء.
بين الصحوة والتحرر الذي تشهده عائلات صغيرة وفدت إلى العاصمة القاهرة وانتقلت فيها
من طبقة الفلاحين وأبناء القرية إلى الطبقة البرجوازية. تبدأ خطوط التوتر من هذا الفراغ الذي ستشعر به الزوجة في هذه المدينة العملاقة بحكم انشغال زوجها بعمله كطبيب وابنتها الوحيدة بدراستها.
رشا هي الأخرى تشعر بتوتر الفراغ. وهذا مصير كل الأسر الصغيرة الوافدة إلى العاصمة بلا امتدادات عائلية. في القرية لا يشعر أحد بالفراغ حيث يلتف نسيج العلاقات الأسرية والاجتماعية حول الناس فلا يترك لهم وقت فراغ.
يتقرب ابن العم هشام من ابنة عمه رشا. ابن العم الذي يتيه هو الاخر في المدينة ويفشل في دراسته. يتعرف على شلل. ومن بينها هيثم. زير الفتيات.
يأتي يوم تتعرف فيه الزوجة على هذا الفتى العابث هيثم. يراهما ابن العم هشام يدخلان إلى مقهى الأرنب الضاحك. ثم لم يعد يرى شيئا.
وقع زلزال القاهرة المعروف وفقدت الزوجة. دفن الزلزال هذه الخطيئة بمرتكبيها.
حتى الصفحات الأخيرة من الرواية وأنا أتساءل ما علاقة العنوان بالرواية؟
بقى الطبيب ورشا وابن العم هشام الذي لا يبوح بالسر؛ سرّ زوجة عمه ووالدة رشا ابنة عمه؛ حتى النهاية.
حيث تكفل الزلزال بدفن الحقيقة.
زلزال القاهرة المادي والمعنوي ضرب العلاقات الإنسانية كما خلخل أسس الأبنية وكشف الزيف والفساد في ما آلت إليه هذه المدينة العملاقة.
شخصيات الروائية الدكتورة رحاب إبراهيم هي شخصيات من صميم الحياة يمكن أن نلتقيها كل يوم. لكن لا يمكن أن ننساها…

مقالات من نفس القسم