كأنك هناك

موقع الكتابة الثقافي art 37
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

سوسن الشريف

الصيف يأتي بلا هوادة، يتلون كل شيء بالأصفر الباهت، يذوب جلدي كحلوى السكر القطنية، يتحول للون الكراميل. أرتدي ملابسي التي اشتريتها بالأمس، أكبر من قياسي بدرجتين على الأقل، فتمنحني والنظارة الشمسية الداكنة مزيدًا من الراحة والاختباء عن الأعين.

مازالت العاشرة صباحًا، يحتفظ الهواء ببعض البرودة اللطيفة، تتخلله نسمات دافئة منذرة بنهار حار يتعدى الأربعين مئويًا. أنثر عطري المفضل برائحة الياسمين، مع زخاته تتسلل دفقات من الهواء الساخن، تملأ الرائحة المكان ممتزجة بعطر نبات اللافندر في الشرفة، هاجمتني الذاكرة بحضورك بقوة!!

لا شيء في هذه اللوحة ينتمي إليك، فلقاءاتنا القليلة اقتصرت على النهارات الشتوية العادية، الخالية من البرودة المنعشة أو اللسعات الحارة … ربما العطر؟!

لكنني اعتدت ارتداء عطور فرنسية أكثر شفافية ورقة، تتناثر وريقاتها على ملابسي الأنيقة، تلونها بألوان الزهور، فلماذا حضورك الآن إذن؟!

خلعت ملابسي الفضفاضة، ارتديت ما اعتدت في تلك الأيام، ذهبت إلى الشارع الصغير حيث تنتظرني داخل سيارة سوداء مفعمة بالغموض، أجلس بجانبك كأميرة من العصر الفيكتوري، تستعد لرحلة خلوية، ينساب صوتك بتحية ناعمة، ربما تتلامس ايدينا في سلام لطالما رغبنا أن يدوم للأبد.

يبعد الشارع عن منزلي بضعة أمتار، أختار الأوقات الخالية من المارة لأذهب هناك، أقف في انتظارك، تمر الدقائق أيام، شهور، سنوات كففت عن عدها. أرقب كل السيارات السوداء القابعة في الشارع، تلوح لي كغربان تنتظر لتنقض على فريسة مذبوحة. يتلصص عليّ سائقيها بنظرات نهمة، أحدهم يفتح الباب على مصرعيه، آخر يخفض زجاج سيارته القاتم، أسمع أصوات في نعومة تسلل الحيات قبل الإنقضاض بثوان. انتفض فأسرع لأختبئ بين ذراعيك، لا أجدك، أهرول عائدة إلى المنزل أتمنى أن تكون هناك في ذلك الشارع الضيق، في المنزل، في البراح، تضمني إلى عالم لا عودة منه.

أحيانًا أصطحب معي نهرًا وموسيقى، أجلس على صخرة صغيرة أول الطريق، استمع إليهما، يتلاعب الهواء بطرف ثوبي محررًا زهرات الياسمين من عطري لتتناثر حولي، يمتلئ المكان بكل شيء يذكرني بك، ينقصه حضورك.

تباغتني الأفكار القاتمة، في أي شارع تنتظر الآن؟! من تصطحب في رحلاتك اليومية الطويلة من وإلى العمل؟!، تحاول هزيمتي، أغرقها في النهر وبين طيات موسيقاي، أزرع فوقها نبتات جديدة من الفل والياسمين.

أذهب إليك كل يوم، كأنك هناك دائمًا أينما أنثر نهري وزهراتي، التي تفتحت بين يديك، أختفي بين عينيك عن كل الغربان القابعة في الطريق.

لا شيء بداخلي عاد يخصني، منذ انتظرتك في المرة الأولى . ..

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون