قفزةٌ مبـاغتة

موقع الكتابة الثقافي writers 38
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

قفزةٌ مباغتة

سارة طوبار

أتلوى بين السيارات كدودة تحاول النجاة من الدهس، يتواطئ بعض المارة مع جنوني، نتفق على لحظة المرور بابتسامة وننطلق معًا، في بعض المرات يقتربن مني يتشبثن بيدي، لا أنسى أن أومئ برأسي امتنانًا للسائقين الذين يبطئون رضًا أو اضطرارًا حتى نعبر الطريق بسلام، على الجانب الأخر تتناثر مقاعد خشبية خضراء، تعافر بشموخ رغم تهالكها، تصمد لآخر ساق تستند عليها، لم ألتفت إليه في المرة الأولى ولا الثانية ، ظننته عجوز أغراه مقعد في منتصف الطريق، إلا أن دوام وجوده على المقعد ذاته يوميًا جعله جزءًا من صباحي، أطمئن لوجوده بهيئته المعتادة، الكاب ونظارة الشمس، لا يظهر منه إلا وجه شديد البياض تشوبه حمرة خفيفة، وكفان يحتضنان دفترًا على غلافه أمواج هائجة، أو هكذا أراه عبر المسافة التي تفصل بيننا في أقل من نصف دقيقة. أراقبه منذ بداية دخولي الحديقة حيث يصبح في مواجهتي تمامًا، تتلاقي نظاراتنا الشمسية أحيانًا فلا يدرك أحدنا اتجاه نظرات الاخر، لكن انفراجة شفتي تشي باهتمامي، أمر أمامه دون ان أدير وجهي إليه، أفعل ذلك بعد أن يصبح خلفي، أستدير لأجده على حاله.

ذات صباح كان مكانه خال، فقط دفتره الملقى بجوار المقعد، اقتربت لألتقطه، لكني عدت أتلفت حولي لعله يظهر من أي اتجاه، مددت يدي مرة أخرى، تناولته بحرص، أخيرا تأملت أمواجه عن قرب، مررت أصابعي على غلافه اللامع والذي لا يتناسب مع هشاشة أوراقه، و قبل أن أغوص فيه رفعت رأسي فوجدتهم يقتربون، أناس رأيتهم يجالسونه بفضول من حين لآخر، لم أتوقف لأسألهم عنه، ضممت الموج إلي صدري، صنعت فنارتين حوله، وهرولت بعيدا عنهم، لكنهم أسرعوا تجاهي بغضب  فركضت، مع كل خطوة يزداد الدفتر ثقلا، والموج هياجا، هالني بكاء طفلة صغيرة بين يدي، توقفت لحظة، ألهث، يضيق صدري بالهواء، العرق صار موجًا آخر، الصغيرة لا تتوقف عن البكاء، تسربت من حضني، مدت كفها الصغير وأمسكت يدي، جذبتني لنكمل الركض نحو النهر، حين وصلنا كانت في نفس عمري وطولي، همست “اذهبي إليه”!

لم أنتبه لقفزتها المباغتة، لم أتشبث بها، ولم يقفز ورائها أحد، لم يتجمع المارة لمواساتي، لم يربت أحدهم على كتفي، لم أبكِ. أكمل العالم ركضه دون أن يلتفت إلينا، فأكملت طريقي بحثا عنه.

. “ممنوع الدخول”

 اضطررت لمراقبته مرة أخرى من خلف الجدار الزجاجي، الأسلاك الطبية تخرج من فمه وأنفه، تمتد لأماكن متفرقه في جسده، سلمت جبهتي  وأنفي لبرودة الجدار استندت عليه بكفيّ أغمضت عيني وذهبت، حين تحسس وجهي للمرة الأولى أثلجت روحي وذابت ألف مرة في لقاء واحد /وحيد، تلاشت برودة الزجاج فجأة، وجدتني في مواجهة النصف الأسفل للجدار، قصرت قامتي، تحولت لعقلة أصبع، فلم ينتبه أحد لدخولي غرفته، ولا لتسلقي أعمدة سريره الطبي، تأملت تجاعيده كأنني أراه للمرة الأولى، حررته من جميع الأسلاك التي تقيده، اتجهت للنافذة، تسلقت ستائرها، ألقيت عليه نظرة أخيرة، كانت أصابع يده الممدودة تجاهي تتساقط، ويدي أقصر من أن تجمعهم وتعيدهم إليه، فتحت النافذة، لم يلتفت أحد لقفزتي المباغتة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قاصة مصريّة

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون