قصائد من ديوان “شوارع الأبيض والأسود”

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 55
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أنا

كثير من الناس

حدثوني عن نفسي

صنعوا ملاقيط كبيرة لالتقاط شوائب روحي

جعلوني قديسا أو تافها أو حتى مجرد عبقري صغير

صنعوا كل شئ لأكون خارج غرفتي

وضعوني في أسانسير مظلم

وحركوني صعودا وهبوطا

دون أن أفهم لماذا أحببت

رطوبة هذا المكان وظلامه

لماذا لم أختف من المبنى كلية

وأبتسم لنفسي في مرآة الحمام

أي حمام.

يوتوبيا المقابر

1

جدران غير مطلية،

وأرضية مليئة بالحصى،

وعظام هشة لا تستطيع حتى أن تقف،

وعظامي أنا محشورة في الوسط.

أفكر في مظاهرة صغيرة،

للاحتجاج على الملائكة الذين منعوا

الكالسيوم اللازم لنا.

والله فوق الحفرة يمد ظلاله علينا،

ويتركنا نتأخر في النوم،

تسقط بقعة ضوء من بين يديه،

ويدخل جسد مظلم،

تجف البقعة،

ونتعرف على زميلنا الجديد

بقلب مفتوح،

ويعطينا السجائر بكرم زائد،

نحب صوته حين يهمهم من البداية:

ما الذي يحدث هنا بحق الجحيم؟

2

 

لا أرداف هنا ،

ولا دماء،

كيف سأتخيل إذن شكل المرأة؟

وكيف يمكنني أن أحصل على استمناءات كافية؟

حتى الدموع التي سقطت من عيوننا

جفت هنا،

ولم يبق سوى هدوء قاتل،

وثعابين تعذبنا بصورتها

دون أن ننطق بحرف واحد.

الأرض واسعة حقا،

لكن ذلك لا يساعدنا بتاتا

على تنفس مستريح.

3

بصقت إلى أعلى،

فالتصق اللعاب بسقف المقبرة.

في جثث جيراني لمحت نظرات عطوفة،

وانفجرت الأمعاء كضحكة كبيرة.

بقايا الطعام صنعت دودا كثيرا

التهم دماءنا،

لكن عظامنا مازالت قوية.

انصرفت حبيبتي مع المشيعيين،

ولكن ما الذي سأفعله حقا بدموعها؟

هل ستخفف كرهي للغرف المغلقة؟

وهل الحقن المهدئة ستنفع في تخفيف الحرارة؟

والظلام الذي هبط علينا كدجاجة

ونحن لن نكون سوى موتى

يجيدون الثرثرة

والتبول مساء.

4

الصرخات التي أطلقناها قرب الفجر

لم يسمعها أحد

أصوات الكلاب في الخارج

تشعرنا بمودة.

نزحف لتتلامس عظامنا،

ونحب بعضنا أكثر

يحكي كل منا عن طفولته السوداء،

ونتبادل الضحك،

ولا نملك ساعة حائط

لنعرف متى تقوم الساعة.

5

أمي

أرجوك

عندما تعرفين أنني دخلت بيتي الجديد،

لا تبكِ

لأنني أريد أن أختزن عينيك للأيام القادمة.

كوني هادئة

وهزي رأسك ثلاث مرات،

وارسلي قبلة هوائية

وسأصخب مع أصدقائي هنا

وهم يهنئونني ببيتي الجديد،

وسأجعل الباب مواربا،

في انتظار قبلتك.

وعندما سيكون لك بيت جديد مثلي،

أرجوك أن يكون قريبا مني

حتى أسمع أنفاسك،

وأتنفس بلا ألم تقريبا

ويكون لموتي تلك الصورة النهائية

التي جاهدت كثيرا كي أصنعها.

6

في الحجرة المجاورة لنا،

والتي لا تفصلنا عنها سوى ستارة قماش

تتمدد النساء وقد خلعن أكفانهن،

وبقين بيضا جدا.

استطعنا بعد محاولات يائسة

أن نفتح خرما في الحاجز.

وقد انتصبت عظامنا فجأة

حين لمحنا أول امرأة تخلع ملابسها

وتضعها في ركن الحجرة.

في هذه الليلة،

حاولنا أن نمزق الستارة،

لكنها كانت تزداد قوة،

فاكتفينا بالفرجة على العظام البيضاء،

والتي مازالت حتى الان بعيدة عنا.

7

باب الغرفة مفتوح.

العائلة في الخارج نائمين تماما.

خطوات عسكرية فوق رؤوسنا،

سيهدمون بيوتنا لإقامة كوبري علوي.

سنبكي من أصدقائنا،

ونضع الكتب تحت المخدات،

نبتسم لذكرياتنا التافهة،

وللعاطفة التي تجف شيئا فشيئا.

8

أغلقوا المكان جيدا،

وألقوا المفاتيح في جوف الحفار.

لماذا تتركوننا على أطراف المدن؟

يجب أن نكون معا

عندما تسقط الأمطار،

وأن نغني تحتها،

ويمكننا أن نتحدث عن عربات

سارت بنا في طرق طويلة، وعادت بدوننا.

لكن الدموع التي تجمعت فيها

كانت كافية لتبلل عظامنا

ولم نجد ثقابا للتدفئة.

وعندما تسلل واحد منا لسرقة الكبريت

أضأنا المقبرة،

وأضاءت نصف المقابر في العالم ثلاثة أيام،

بعدها تقيأ الحفار

ومررنا في طابور منظم

نغني جميعا عن البعوض الذي

ينام في آذاننا،

وعن طولنا الذي أثار المراهقات،

وعن الاستمناءات المتكررة

في برميل كبير يسمونه الحياة.

 

شوارع الأبيض والأسود

 

انطفأ النور في سماء القاهرة,

رجل أعمى يصطدم في سور الكوبري المعدني

فتلطخه البوية الخضراء.

البوية لا تظهر في الظلام,

لكنه يستشعر رخاوتها على جلده,

فيسقط في النيل.

صدمتني سيارتان,

إحداهما تسير في اتجاه معاكس,

فانحشرت في الوسط,

ولم تخرج الدماء من رأسي.

 

أنا هنا تحت العربات,

في منزل صغير يحوط أضلاعي.

نملة تقفز فجأة

وتقرصني في ذراعي الأيمن فأتأوه.

 

خراطيم المياه تطفئ حريق السيارتين,

الحريق رمادي داكن,

الماء يصدمني ولا أحد يراني.

أخرج من تحت العجلات ,

مرتديا السموكن,

ومتوجها لدار الأوبرا القديمة,

سيارتي الرولزرويس تنقط عليها الأمطار,

الموسيقى صاخبة هذه الليلة,

وأنا أحتاج أن أرقص مع فتاة شاحبة.

أقود السيارة في اتجاه كلوت بك,

ثم أتركها وأركب عربة كارو

على كوبري أبو العلا

مع مجموعة من النساء ذاهبات للقرافة,

أنام على فخذ إحداهن,

وأصحو مبللا.

البوليس يطاردني في مظاهرات الطلبة,

أجري لأختبئ تحت السيارتين

وبلا دماء هذه المرة أيضا.

 

السيارتان اختفتا في حفرة كبيرة,

أقفز وراءهما,

فأسقط في مأتم كبير,

أسلم على كل الحاضرين وأضحك,

رجل لا يحبني يربط يدي اليمنى بسلسلة

يدفعها إلى الجميع واحدا فواحدا.

نعش الميت طار مسرعا إلى القبر.

بائع الكفن والممرضة وحارس المقبرة

وعائلته, أبناء الميت والجيران,

في صورة تذكارية على شرف الفقيد

وأنا أمامهم في جلباب أبيض

ممسكا بالكاميرا.

الرجل يترك السلسلة ليبكي,

تسقط السيجارة من فمي على السجاد

فيحترق المأتم.

أجري هاربا,

وحاملا طفلا على ظهري,

كان يبكي وحيدا,

الطفل لا يكف عن البكاء,

أضغط على جبهته فيكف,

أضغط ثانية فيعاود البكاء,

الطفل بعينينه اللامعتين

وانفعال واحد مثبت على وجهه

خلال أربع ساعات

يسقط مني وأنا أجري

فيشتعل بعد انفجار بسيط.

أفي هذه المزارع أمر لأول مرة

مخلفا ورائي جريمة قتل؟

فمن سيحرق بصماتي,

أو يغرق هذه الحقول بعدي؟

الطفل الميت يحتل مساحة كبيرة من الأرض,

عيناه الزرقاوان

على بعد 30 مترا من نقطة الانفجار,

وحذاؤه الأسود معلق في فرع شجرة,

يده المعدنية تسيح ببطء.

ولا تخرج الدماء من رأسه

ابعثوا بعلبة ألوان جديدة

لنلون عينيه ولسانه وشفتيه,

ونرفعه علما فوق الحقول.

وإذ تبدو الليلة صافية,

والقمر على وشك إضاءة كاملة,

تمر قافلة من الإبل,

أتعلق في مؤخرتها

وعلى مقهى بعيد لا أعرفه أجلس.

عشرون ملعقة تدور في الأكواب

في وقت واحد,

ولا أصوات أكثر من ذلك.

تدخل امرأة مثبتتة نظرتها على عضوي مباشرة

أبدأ في خلع ملابسي أمام الجميع,

نئن سويا في ركن مكشوف من المقهى

وتخرج المرأة ولا تظهر في الظلام ثانية.

 

لابد أن انقطاع النور,

وعدم التأكد من وجود الشمع

في حوزتنا دائما,

والحرارة التي لا نعرف مصدرها,

ونظارات أصدقائي غير المهمة,

والطرق المقفلة على ساكنيها

والنوافذ التي لم تعد ترى,

كل هذه ساعد على تمرير الكلام فوق رؤوسنا

ونحن نتحدث لساعات

حتى تجف حلوقنا

الكلام الذي يخرج دون أن ننتبه لمعناه

الكلام القوي نتكلمه لساعات

حتى يفتح الباب فجأة,

أو تصطدم سيارتان في الشارع

أو تنز الحنفية

نقطة نقطة

فننام على صوتها.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

1995

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم