فبأى آلاء؟

ناهد السيد
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

ناهد السيد

كم نفسا يارب تسربت إلى روحى.. كم هما.. قلقا وألما انسكب فى دمائى؟

لم أعد أحصيهم، فهم كثر.. كنت أنوى الاحتفال بعدد محدود من المتبرعين إذا وصلت لدرجة التعافى، لكن هذا الامل انقضى، وصار علاجى الوحيد والدائم امتصاص نخاع الآخرين.. من يصطفيهم لى ربى من أخياره التائهين المريدين المتصدقين لوجه الله والمقهورين الذين قدموا قرابينهم لله على مائدتى.. وحتى المنتفعين ممن دفعتهم الحاجة لبيع جزء من أجسادهم بدافع سد الاحتياج.

كثرت بداخلى الأرواح المعذبة..  تركت بداخلى أثقالها، أرواحا كانت تائهه باحثة عن جسر تعبر عليه إلى الله..  تشكو إليه، تتحرر بين يديه من ثقل همومها وعذاب ضميرها

كلما حزنت.. ذكرنى الله أنه أحيانى لأجل هذه المهمة، وعلى أن أنجزها: فقط ما أنا إلا رسول يحمل رسالات هؤلاء لأقدمها قربانا لله.. لا يد لى فى اختيار أحدهم، فوحده يختارهم ويبسط يده لإتمام مهمته فى التبرع، فتأتي الإجابة سريعا بأنه تقبل.. نعم تقبل منك قربانك، وأمد فى عمرى  لأحرر آخرين من همومهم

 لم ألتق بهم من قبل، وإذا رأيتهم فى الطريق لن أعرفهم، ولا حتى أميز أصواتهم عبر الهاتف، لكنى جزء من حيواتهم، أما هم فقد أصبحوا كيانى كله، الذى استولى على روحى، لتختفى تلك البنت المريضه المسكينة بكل ماضيها وضعفها وأحلامها، أصبحت كيانا جديدا تختمر بداخلى طاقات القوة والصبر، وإبداعات لم أكن أعلم أنى أجيدها.. أحببت اشياء وامتعضت من أخرى.. عشقت موسيقى لم أتخيل يوما أنى سأتذوقها.. تعلمت بسهولة قرع الطبول وعزف “القانون” وكأنى كنت ضمن فرق الموسيقى العربية  منذ عمر، وعزفت البيانو بمجرد الجلوس أمامه، أدرت ظهرى للخلافات الأسرية إلى أن يهدأ الحال، اتبعت الصمت منهجا بديلا لعتاب بلا جدوى.. أصبحت قراراتى تعنينى وتعيننى، لن تخذلنى..تعلمت أن أتراجع عن قرار خاطىء، وأعترف بلا خجل  

 باختصار.. ماتت ناهد المريضة بعد أن تجرعت عصير متبرعيها، حتى أصبح جسدى وهيئتى غلافاً خارجيا لمعترك أرواح هائمة وجدت ضالتها لدى..صرنا كيانا واحدا..

 اختمرت روحى بمشاعرهم.. فكم أرملة أمدتنى بهشاشتها وقسوة الأيام عليها وانتهاك وحدتها من متحرشى مناصرة المرأة؟ وكم مطلقة استنجدت بى طالبة الغفران على مشاعر الكره التى تكنها لزوج خائن تركها وحيدة بأطفال مشوهين نفسيا؟

وكم من رجل ارتاد المساجد وأطلق لحيته ولم يجد الله إلا بين عظامه فى  10 سنتيمتر من النخاع يمنحنى إياها؟  وكم من شاب نحيف أشفقت عليه من قسوة التبرع وأصر أن يحيي ذكرى أمه فى مرقدى؟ وكم من فتاة قدمت قربانها لدى..راجية من الله أن يهدى أبواها ليتوقفا عن الشجار الذى أودع أخاها مصحة وأذلها لزوج عجوز؟ وكم من أب عاق لابنائه حاول أن يقدم اليهم اعتذارا من خلالى وهو على مشارف الخمسين؟

وكم فتاة وجدتنى أمها التى رحلت دون وداع؟ أو ترقد على سرير المرض، فألقت بجسدى صدقة جارية لأمها؟ وكم وكم من صغيرات  قدمن قرابينهن من خلالى..كانت بينهن آلاء.. الفتاه الصغيرة التى طمعت أن ينير الله بصيرتها لتشق طريقها فى ظلام المستقبل.. والتى حفزتنى كلماتها لكتابة المقال.. حينما أخبرتنى بأنها تحلق فى السماء، وأن أعباء طارت إلى ربها، بمجرد أن تركت سرير التبرع شعرت بالخفة والطمأنينة  لتضيف آلاء إلى عالمى نعما جديدة وفضلا.. 10 سنتيمتر نخاع كانت كفيلة لمحو الذنوب والهموم وإماطة الأذى.. فبأى آلاء ربكما تكذبان.     

مقالات من نفس القسم