قبل أن يهدأ الغبار

سامح محجوب
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

سامح محجوب

  قبل أن يهدأ غبار المعارك، وتجف الدماء، وتضمد جراح القتلى، بسبب مقال عاجزٍ كتبه شخص يعاني من طمث حادٍ في الكتابة، ومن عدة عُقدٍ وشتْ بها وبه لغته الجزلة صوتيًا الركيكة دلاليًا عن شاعر جماهيري حملته قضيته السياسية أعلى وأبعد من جماليات نصه الشعري، وهذه للأسف متلازمة تاريخية عربية ورثناها عن أجدادنا الأشاوس، فيما ورثناه من مخلفاتٍ دينية واجتماعية.. أجدادنا الذين لم يمجدوا شاعرًا أو كاتبا بلا ملابسات شخصية بعيدة تماما عن كونه مبدعًا مهمًا أو عظيمًا.

   لم يحدث أن دبج الكُتاب العرب هذا الكم الهائل من المقالات والمشاركات عبر منصات التواصل الاجتماعي لصالح قضية عربية حقيقية، بل لم يحدث حتى أن تفاعل معظمهم إبداعيًا حيال هذه القضايا، وقبل أن يخرج أحدهم لي قائلا: إن طرح الموضوعات والقضايا ليس من مهمات الفن والكتابة عامة، أقول له ولهم: إن الفن في حدِّ ذاته قضية جمالية وموقف من العالم والإنسان، وإنكم خسرتم كل رهاناته، الضرورية فنيًا، في صنع قشرة سميكة من الوعي تحمي زمانكم ومكانكم من الوقوع تحت سنابك العِرْقي والقومي والمذهبي، بل  عبَّد معظمكم الطريق لذلك بخسة ونذالة لا تليق بلصٍ مبتدئ، كم مليون إنسان عربي خرج من بيته وأرضه تاركًا تاريخه وذاكرته ورائحته بجريرة مذهبه وعرقه وقوميته؟ وكم كاتب أو مثقف عربي دافع عن إنسانيتهم وقضيتهم العادلة كبشر؟! كم منفي ومشرد ولاجئ عربي يعيشون بلا وطن بعد معاناة طويلة ومريرة مع أوطانهم التي لم تتسع لإنسانيتهم وقدسية وجودهم في الحياة؟ وكم كاتب عربي انتصر لهم ودافع عن حريتهم في الاختيار وتقرير المصير؟ ألا يزعج الكُتاب العرب ويؤلمهم ما يفعله الكيان الصهيوني اللقيط بأوطانهم منذ أكثر من سبعين عامًا؟ كم كاتب عربي يعيش في أوروبا كتب أو ندد بجرائم ومجازر وإرهاب إسرائيل وأميركا في فلسطين ومصر ولبنان وسوريا والعراق واليمن؟ كم؟

  عندما منع الكيان الصهيوني اللقيط ياسر عرفات من مغادرة فلسطين، وقطع عنه كل وسائل الاتصال بالعالم حتى الكهرباء، زاره في رام الله ما يقرب من عشرة كُتاب أجانب معظمهم من حملة نوبل، أذكر منهم وول سونيكا وجوزيه ساراماجو ونادين جورديمر، بينما لم يذهب إليه كاتب عربي واحد حتى من حملة الجنسيات الأجنبية الذين تمكنهم جوازات سفرهم من دخول فلسطين! ولا أريد أن أسمِّيهم أو أذكّر بمواقفهم تجاه القضايا العربية أو الإنسانية لأنهم أقل من أن أدينهم أو أوجه إليهم اللوم؛ فالتاريخ سيتكفل بوضع جثثهم البيولوجية ومخلفاتهم الكتابية في أقرب صندوق قمامة كما فعل مع من رحل منهم.

   ما الذي أثار الموتى ليخرجوا من أجداثهم بهذا الكم الهائل من الثُّغاء والرُّغاء؟ بعد عشرين عامًا من الصمت المريب على احتلال العراق وتشريد أهله وسرقة وهدم تاريخه وثرواته وإغراق أهله في هوياتهم الضيقة، ما الذي بعث هؤلاء ليشهدوا ما يحدث أمامنا جميعًا من تقسيم إمبريالي واستعماري للأرض العربية في اليمن وسوريا وليبيا والسودان والعراق، ليشهدوا ما تتعرض له مصر من موجات إرهاب متلاحقة في أرضها ومياهها ووحدتها، أين مواقفكم ومقالاتكم، بل أين أنتم؟ ولمَ كل هذه الضجة يا تجار الفراغ والخواء؟ أأزعجم أن يعترف إنسان لإنسان آخر، قبل كونهما كاتبين، بأن لأحدهما ابنة غير شرعية من سيدة متزوجة؟ وما المشكلة في ذلك، والكلام مرسل وبلا سياق؟ وداعش تركت لكم آلاف الأطفال بلا آباء ولا هويات من نسائكم الحرائر.

  حقيقة مؤلمة لن تستطيعوا أن تجهروا بها حتى لأنفسكم لكنها الحقيقة التي تثيرها منظمات حقوق الإنسان غير العربية في الوقت الذي لم يتحدث عنها كاتب واحد ممن انتفضوا من أجل مقال عاجز كتبه شخص محبط يعاني مما يعني منه كل شخص وحيد في منفى اختياري، ادخروا أحجاركم يا حراس اللاشيء، وعودوا لأجداثكم، انتهى زمن المعارك الفكرية والجمالية النبيلة والكبيرة، انتهى زمن الكُتاب منذ استحالوا إلى كتبةٍ ومرتزقة وأشباه بشر .

مقالات من نفس القسم