في مجرى هياكل البشر العظيمة..مارينا تسفيتاييفا

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

ولدت الشاعرة الروسية مارينا تسفيتاييفا في موسكو عام 1892 وتوفيت منتحرة عام 1941. أصدرت أول دواوينها وهي في الثامنة عشرة من عمرها. كان والدها أستاذا لتاريخ الفن وواحدا من مؤسسي متحف الفن الحديث في حين كانت والدتها عازفة بيانو موهوبة ماتت بالسل حينما كانت مارينا في الرابعة عشرة من عمرها.

في الثامنة عشرة من عمرها أصدرت ماريا تسفيتاييفا أول كتبها الشعرية بعنوان "ألبوم المساء" وعلى مدار حياتها كتبت الشعر، والمسرح الشعري، ولها كتابات نثرية أيضا، وتعد من رائدات الشعر الروسي في القرن العشرين.

تزامنت حياة الشاعرة مع سنوات مضطربة في بلدها روسيا، وترك ذلك الاضطراب آثارا مأساوية على حياة الشاعرة نفسها التي اضطرت أثناء مجاعة اجتاحت روسيا إلى وضع ابنتيها في ملجأ حكومي وفيه ماتت إحداهما، وهاجرت الشاعرة، وتلاحقت عليها النوائب حتى وفاتها في المنفى أو المهجر عام 1941.

***

من قصائد إلى تشيكوسلوفاكيا

أرفض أن

أكون.

في مستشفى مجانين البشر

أرفض أن

أعيش.

أن أعوم

في مجرى هياكل البشر العظمية

لست محتاجة لثقوب في أذني

ولا إلى عينين مبصرتين.

أرفض أن أعوم

في مجرى هياكل البشر العظمية.

وإلى عالمكم المجنون مني إجابة واحدة:

أرفض.

***

أخذوا، فجأة، أخذوا علانية

أخذوا الجبال، وأخذوا أحشاءها

أخذوا الفحم والحديد أخذوه

أخذوا الرصاص والكريستال

والسكّر أخذوه وأخذوا البرسيم

أخذوا الغرب، وأخذوا الشمال

أخذوا خلية النحل والقش

أخذوا الجنوب منا والشمال.

فاري أخذوه، وتاتراس أخذوه

أخذوا أصابعنا، أخذوا أصحابنا

ونبقى واقفين

ما بقي في أفواهنا

ما نبصقه

***

ابتلي الشعر بنوع من القراء ضلوا طريقهم إليه، فهم المبرر الوحيد لنمط منه ما أوهى علاقته بالشعر وأوثقها بالشعار والمانيفستو. ابتلي الشعر بالمناضلين. أصحاب المبادئ الراسخة والقضايا الكبيرة الفاشلة التي يبدو أنهم أحرص الناس على فشلها، إذ ما الذي سوف يفعله المناضلون بعد أن ينتهي النضال ويحقق غايته. بل ما الذي سوف يكونونه؟ في تلك اللحظة المشئومة سوف يعودون مجرد مواطنين مهمومين بوطنهم في أفضل الأحوال، وبشرا لامبالين في أسوئها. ذلك ينبغي أن يكون كابوسهم في واقع الأمر.

أعزاءنا المناضلين، خذوا من القصيدة أسوأ سطورها:

ونبقى واقفين

ما بقي في أفواهنا

ما نبصقه.

واتركوا لنا ما بقي منها

***

تاتراس، سلسلة جبلية في تيشكوسلفاكيا السابقة. أما فاري فلم نوفق إلى شيء عنها يكون ذا صلة بتشيكوسلوفاكيا، ولكنها جزيرة في اليونان، وقرية في إيران، واسم شركة على الإنترنت.

وليست الكلمتان تاتارس وفاري أصعب ما يمكن التعرف إليه في هذه القصيدة. هناك “هم”، أعني أولئك الذين فيما يبدو أخذوا كل شيء من الرصاص والحديد والسكر إلى الجبال والكرستال والأصابع.

ولكن، من منا حقا الذي يجهل هم؟ من منا الذي لم يسلبوه شيئا؟ من منا الذي لا يفتح الجريدة كل صباح، أو يتابع النشرة الأخبارية كل مساء ليسمع أخبارهم، وما هو براغب في شيء أكثر من أن يسمع خبرهم؟

هم. . نعرفهم. قطعا نعرفهم. ولكن بقدر ما يظنون هم أنهم يعرفوننا. هم في أعيننا أولئك المستغلِّون الذين يأكلون لحومنا أحياء لا موتى. ونحن في أعينهم أولئك الذين لا مبرر لوجودنا إلا أن نشعرهم بعلوهم وسلطتهم.

لكن لا نحن نراهم حقا، ولا هم يروننا حقا.

لا نريد هنا أن نبيع الوهم، فننفي علاقة الاستغلال القائمة في كل مكان على وجه الأرض ـ إلا ما رحم ربي ـ بين أقلية مستغِلة وأكثرية مستغَلة، ولكن نريد أن نقرأ مقطعا آخر من قصيدة تسفيتاييفا، مقطعا تتكلم فيه عن نهر هياكل البشر العظمية، عن مستشفى مجانين البشر، عن العالم الذي لا يستحق منها إلا الرفض.

هذا المقطع الذي ينظر إلى الإنسانية ككل، حتى وإن تكن نظرة رافضة، هو الذي يوازن ضيق الرؤية الذي لا يليق بشاعرة كبيرة كماريا تسفيتاييفا. ضيق الرؤية الذي يجعلها في مقطع آخر لا ترى سوي الاستغلال في المستغلِّين، فتغفل عن كونهم بشرا فيهم كل ما في البشر من عيوب تستحق النضال ضدها، ومزايا تستحق البحث عنها، أو استنفارها.

مقالات من نفس القسم