في ذكرى خسارة اللوز

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

رشيد منسوم *

أكبر الخاسرين من غياب الشاعر محمود درويش ،طبعا، بعد الخيال العربي و الوجدان الإنساني و نبتة الصبار و جائزة نوبل و الفراش وزهر اللوز و الشعر والأرض والغيوم وفلسطين و الورد هو الموت نفسه.

فبصدق العشب فوق الحجر و بحدس الضبي عند النبع و بمعجزة الحياة في كعب الغزال كان محمود درويش يستشعر الكمين و يجنب قطيع الأيائل طريق الهلاك، فيخرج من لعبة الاستغماية مع الموت منتصرا أو على الأقل سالما. و حده الموت رفيق محمود كان يعلم كم من مرة استطاع الشاعر أن يغير بسحر الخيال من محددات طلقة رصاصة بندقيته لتنزاح عن الهدف بمقدار سطر شعري.الموت يعلم وحده كم كان محمود يثقن قراءة تفاصيل لعبة الصياد و الطريدة و الجلاد و الضحية. الموت يعلم وحده أنه من هذه الدائرة المتموجة و من دهشة الانفلات من الكمين كان محمود درويش يبتكر الحياة و الشعر. فكان كل مرة يصعد فيها الى المنصة لقراءة قصائده كان كما لو أن لسان حاله يقول لرفيقه هاأنذا ، أيها الموت، من جديد أمام العالم.

ماذا ستفعل أيها الموت وقد تواطأت التكنولوجيا مع الموت و أساءت الهندسة الطبية فهم سطره الشعري الجميل ” الحياة بداهة. و بيوتنا كقلوبنا مفتوحة”. ماذا ستفعل بتفاصيل صورة شمسية لقلب شاعر فلسطيني التقطت على سرير في مستشفى في مدينة هيوستن بولاية تكساس الأمريكية؟ هل بوسع الصورة الشمسية أن تلتقط الغيوم الرائعة هناك في الضفة الأخرى كما كانت تفعل استعارة محمود؟ هل بمقدورها أن تصور عزلة نبتة الصبار في باريس و عشق زهرة اللوز للحياة؟

هل بوسع الصورة الشمسية أن تصور كيف كان الكون يستعيد عافيته و كيف كانت النجوم تعود الى أعشاشها وكيف كان بياض اللوز يعود الى التلال في رام الله حين كان محمود يقرأ قصائده في الرباط و دمشق و عمان و بيروت و القاهرة… ؟

هل تستطيع صورة شمسية ألتقاط اثرالفراشة أو انعكاس أشعة الضوء فوق البنفسجية من حراشف أجنحتها التي كانت تحمي الذاكرة من الانهيارو تعدل من التوازن الجمالي للطقس الشعري؟؟

هل تستطيع صورة شمسية تسجيل الضوء الذي أنطفأ من المجرة حين أقفل محمود عينه عن العالم ؟

ماذا ستفعل أيها الموت ليلا و انت مستلق على أريكتك كذئب عجوز تتابع نشرة المساء على قنواتنا التلفزونية و ترى خبر رحيل الشاعرمحمود درويش عابرا في الوقت الميت من الأخبار كما لو أن الذي رحل شخص آخر غير محمود درويش. ( يا لجهل قنواتنا الفضائية !).- من أين يأتينا الموت أيها الموت؟

شعر محمود أنبل شعب، شعر محمود أنبل جيش. شعر محمود أنبل وطن…

وكان محمود أميرا على أرض تسمى مجازا “أرض الغمام”.

من سيفك لك هذا اللغز أيها الموت

كيف لك أن تحتفظ الآن بتضاريس لون الفراش و هو الشاعر الراسخ في السراب؟

و مع من ستستأنف لعبة الركض؟

يقول المنتصر في هشاشته:

“ههنا قاتلٌ وقتيل ينامان في حفرة واحدة ْ

.. وعلي شاعر آخر أن يتابع هذا السيناريو

إلى آخره ْ” !

أعرف أنك أيها الموت

نادم هذا المساء.

ــــــــــــــــــــــــ

* شاعر مغربي

 

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم