فتاة التارانتينو

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 نص : أحمد ناجى*

لم أعرف أبداً الإجَابة المُنَاسبة. وحتى إذا خمنتها فترددي يَمنعني من التصريح بها أو العمل طبقاً لها، لذا فقد عملت لفترة طويلة على تركيب مَاكينة ضَخمة يُمكنها أن تَخلق عشرات الأسئلة وتحولها إلى شرائح جدَاريه من الزجاج والمرايا، لتصنع متَاهة عميقة تَمتد على عمق 13 دور أسفل الأرض ومسَاحة تتجاوز ملاهي السندباد.

وفي كل مرة كان يعاد طرح السؤال كنت أدخل الملاهي بحُجة البحث عن الإجَابة المناسبة، وهو بالطبع كما تعرفين عزيزتي فتاة التارانتينو ما لم أصل إليه أبداً، وإن كنت قد استمعت بالملاهي على كل حال.

في الملاهي تعرفت على الطفل المعجزة، كنا نجلس في تلك الزاوية ذات الديكور العربي، ندخن الخابور بعد الخابور، يجف حلقي من الحشيش نرفع من صوت الموسيقي، نحرق السيجارة بعد السيجارة، يزداد حرقان الحلق، وتجف الشفاه. يتراخي جسد الطفل المعجزة كتلة اللحم الصغيرة تتمدد على الوسائد العربية بجواري، يَهرشُ في رأسِه “عارف يا أحمد…” يصحو ويغفو والموسيقي تتوالي من الشرق للغرب، من الشمال إلى الجنوب وصيف القاهرة بطن صرصار كوني تجسم على صدور الجميع. يزداد إحساسي بالرطوبة فأخلع التى-شيرت، نولع الخابور التالى جالسين بالبوكسرات. فجأة تأتيني فكرة ما لكن بالطبع أتكاسل عن تسجيليها، ببساطة كس أم الأفكار عزيزتى فتاة التارانتينو. أحتاج الآن إلى كس دافئ، ساخن، يمتلئ بالتغضُنَات من الداخل، أريد أن أكوي بزبي كساً دافئاً الآن، يحيطه فخذان ناعمان أمشي بيدي عليهما فلا أحس حتى بفتحات الشعر، لدي نصف انتصاب فقط لكنني أريد أن أدخل الملاهي الآن.

*      *       *

 -مش بس كدا يا تارانتينو أنا ممكن أبضن على نفسي، وأقعد أكل في دماغي ودماغي تأكلني، والمشكلة أن دمَاغي مُمكن فعلاً تكسب وتأكلنى

-لا لا يا حمادة.. كدا أقلق عليك. أنت بالذات لو دماغك أكلتك مش هيتبقي منك غير طييز

هاها ها هاهاا هاها ثم انفجرنا في الضحك، هبطت “شوطات” التكيلا على الطاولة، أخرجت لسانها الطويل ولعقت كف يدها وعينيها تتدحرج على خدى ورقبتي، ثم أخذت ترش الملح بكثافة على يدها وناولتني الملاحة لكنى وضعتها على الطاولة واكتفيت بشريحة الليمون في يدي.

لحست الملح من على كف يدها، ثم رفعنا التكيلا مرة واحدة. ضَغطت على الليمون تحت أسناني وأن أمص عُصَارته. أغمضت عينيها ثم فتحت فمها وقد أحاطت ذرات من الملح بشفتيها “حححححاح” تناولت سيجارة من علبة الميريت الأصفر على الطاولة وأشعلتها وهى تقول بطريقتها السريعة في النطق وأكل مخَارج الكلمات:

-ممكن أسألك سؤال؟

-ممكن تسأل سؤالين كمان..

-أيه قمة الأدب.

– مش عارف أنك تستأذني قبل ما تسألي سؤال مثلاً؟

-لا لما تبقي يو ار هافنج  أنال سيكس. والبنت تتدور وتطلع فيك وتقول “سوري مدياك ضهري”.

إلقاء النكت ذات الإيحاءات الجنسية كان واحده من المهارات الْمُتعددة لفتاة التارانتينو، إلى جانب مهَارات آخري طالما أثارت انبهاري بها كارتداء الكيمونو والمشي به في شوارع القاهرة، دلق زجاجة البيرة بعفوية بَالغة، إغراء جاك دانيلز وجعله يُحَاسب على كل المشاريب في نهاية السهرة، قتل الأطفال الصغار بضربهم في العنقِ بمقدمةِ حذَائها المدببة، مص القضيب تحت المياه في حمامات السباحة، لعق المني وشربه، قطع الأشجار الصغيرة وزرع آخري أضخم منها ذات زهور حمراء، إطلاق أشعة ضوئية من أصابع يدها عند الرقص لإحداث تأثيرات هرمونية في المكان، معرفة الطبقات المتشَابكة المتداخلة التى يتكون منها تاريخ السينما الأمريكية، صنع فيروسات بيولوجيا بمكونات منزلية بسيطة، تحويل طلبة الجامعة الأمريكية اللذين لا يروقون لها إلى جراد وبيعهم كجمبري لمطاعم السوشي، ضربة النسر المحلق، قبضة النمر الشرس، التحدث بخمس لغات حية وقتلها.. وطبعاً مهارتها الأهم ضربة الكف الخماسي التى يمكنها من خلالها إخفاء أي شخص من أمام عينيها في رمشه عين.

*      *       *

يمكنني أن أكون ما أريد. وما أريده مثل حيوان ذكري لديه قضيب وخصيتين أن أكون في وضعٍ آمن خلف أسوار مدينة الملاهي، أحياناً أسمح لبعض الزبائن بالدخول، أحيانا أطل على المشهد الخارجي، لكن على فترات متباعدة أسمع صوت أنين مكتوم وأخمن من طريقته في كتم بكاءه أنه واحد من ضحايا فتاة التارانتينو. ملك الليل مثلا ظل يبكي داخل السيارة بجوار مسجد أبو العلا وهو يحكي لي عن كل مرة سحلت فيه فتاة التارانتينو مشاعره، فرس النبي غرق في نوبة شعرية لم يفق منها إلا في الصحراء الإماراتية، والمتلصص ظل شغفه بفتاة التارانتينو مشتعلاً حتي بعدما سافر إلى أقصي الغرب الأمريكي. تلك النظرة في عينيها حينما ترفع خصلة شعر، الرجفة التى تحدثها في المكان حينما تضع ساقاً فوق ساق، الموبيل حينما تتركه يرتاح بين فخذيها المصقولين، هزه صدرها حينما تضحك. هل تري، كلها تفاصيل لا تشتري، لا يمكن نسيانها، فهى مثل اللبوه تعرف أين تخربش بأظافرها.

تركت لى جرحاً فوق العانة، وعضة على الرقبة.

لكن ما بيننا لم يكن مثل كل تلك القصص، لم يكن جذوة شغف تشتعل وتنطفئ على حسب شدة الريح، أو دراما تتصاعد فيها الدموع نوافير. بل تفاهم عميق يصاحبه قدر من البلل حينما نهيج على بعضنا البعض في لحظات السكر أو اتفاق الأهواء والأمزجة.

*      *       *

لا أريد لهذه القصة أن تنتهي ولا أن تبدأ، أنا بالأساس لا أحب فن القصة، بصراحة يا عزيزتى كس أم القصة.. يمكن لفن القصة أن ينتف شعر أبطي ويصنع منهم لحية تشيخوف، أو أن يمص زبري ويصبغ بمنيه شعر يوسف إدريس، باختصار فن القصة علي بتاعي. لكن كنوع من التذكير بما مضي كنت ترتدين في هذا اليوم قميص أبيض وقد ادخلتيه –كالعادة- في البنطلون الجينز الأسود، كان هذا في القاعة الصيفية في النادى اليوناني. كما عرفت بعدها أنك تحت الجينز ارتديت كلوت السوبر مان.

 كنت بصحبة السيدة ملعقة يومها، وهى فتاة قصيرة كانت تحب مص كسها وهى في الوضع 69 وكنت مجنوناً بمؤخرتها وحلمتيها المنتصبتين دائماً، لم تستمر علاقتنا طويلاً لكننا كنا في الأسبوع الثاني وكنت مشغولاً جداً بتتبع خطوط الرسومات الصينية على جيبتها السوداء المفتوحة حتى فوق الركبة. ذهب من يجلس بجواري إلى الحمام، وجاءت فتاة التارانتينو لتجلس بجواري سألتنى بفصحي ساخرة “هل معك قداحة”

-نعم يا امرأة، أين تريدين أن أشعل لك النار

-هاها أيه يا وأخواتى الخفة  دى، وكيف حال الأوس والخزرج؟

مدت يدها وتناولت القداحة، أشعلت السيجارة، ثم مدت كف يدها إليّ “مايا.. مايا والاس”

-أهلا وسهلا.. أحمد حمادة سكر زيادة. وصافحتها، لكنها سحبت يدها من كفي.

-لا لا مش راكب عليك دور محمد فوزى، أنت فنست فيجا

مدت يدي من أسفل الطاولة ووضعتها على ركبة السيدة ملعقة بجواري، وأنا انظر لشفتيها اللامعتين “طيب وايه علشان نكمل الفيلم، هتاخدينى معاكى البيت النهاردا” وضعت السيدة ملعقة يدها على كفي وهى تتحدث مع من يجاورها. ضغطت “مايا” على شفتها السفلية، ثم وضعت يدها على فخذى تحديداً بالقرب من منطقة التقاء الفخذ مع اللامؤاخذة العانة والزبر والمسائل “مقدرش يا حياتي، أنا مبطلة كوك من فترة ولسه بحاول اخرج من علاقتي مع حمادة ملك الليل”.

طبعاً لم يكن اسمها مايا، كان مجرد اسم استعارته من فيلم كونتين تارانتينو”Pulp Fiction” ولم تتوقف استعارتها بعض ذلك. في كل مرة كانت تحملاً اسماً جديداً رغم أنها لا تغير كثيراً من مظهرها أو من الحركات والأداءات المميزة لحضورها. في هذه الليلة كان الجو رطباً، ولفت نظري بقعة صغيرة من العرق تحت إبطيها، أخذت ألعب بأصَابعي في رقبة السيدة ملعقة وزبي مُنتصباً. اكتفيت بالضحك والاستماع إلى نكات الآخرين غَارقاً في خيالاتي الجنسية مُتخيلاً نفسي مع السيدة ملعقة في الوضع الكلابي ثم فجأة سقطت قطرة من السماء أمامي على الطاولة، توالت مجموعة من القطرات كانت السماء تمطر في منتصف شهر مايو في أول لقاء لى مع فتاة التارانتينو التى رفعت رأسها لأعلي وفتحت فمها تحاول اصطياد أي قطرة، ثم سقطت أمامى نجمة، وبدأت النجوم الفضية الصغيرة في الهطول مع المطر.

 سقطت نجمة صغيرة أمامها أمسكتها وقضمت بأسنانها البيضاء طرفها ثم أخذت تمضغها وهى تدندن مع نفسها “بس بس نونو، شوكلاتا جيرسي واكله الجو… نيو”.

 

*        *          *

لا أظن أني في حاجة إلي الإشارة أن فتاة تارانتينو كان فيها الكثير من الأشياء المختلفة والمغايرة. بعد حوالي خمسة شهور من لقائنا كنت قد انتهيت من السيدة ملعقة، وظهرت في حياتي السيدة كاف مدخنة السجائر “الكينت 9” وحبيبة أطفال الزمالك. ثم أتتني رسالة من فتاة تارانتينو من خلال الفيسبوك تطلب فيها زياراتي في منزلي، لأن السيد جونى ووكر في زيارة خاصة لمصر ويرغب في التعرف علي.

 أصر جونى ووكر على دخول الكلب إلى الشقة وعدم تركه في العربة، بعد بضع ساعات، كنا غائبين في سحابة من دخان الحشيش وفتاة التارانتينو تلعق وجهي كلبوه جائعة، بينما جونى ووكر قد غاب عنا ونام على الكرسي ودلق نصف كأسه على بنطاله الأبيض. الكلب كان يتابعنا بعينيه. وأنا ظللت لخمس دقائق جالساً بين فخذيها أتأمل كسها، كان لديها أكبر كمية من الشعر رأيتها في حياتي، لكنه كان ناعماً يغطي شفرتي كسها فقط بينما بقية فخذيها أبيضين ناعمين فيهما شيء أقرب لحرير دودة القز. أكلتنى وتركت آثار أسنانها في أجزاء متفرقة. وفي لحظة ما جذبتها بعنف مقصود من شعرها إلى الوراء تألمت  بوهن وهى تضيق من عينيها، حينها لمحت هذه اللمعة.. نقطة بيضاء لا يسهل أن تخطئها العين، لكني لم ألتفت. مددت يدي نحو مؤخرتها، حفر أصبعي طريقه نحو المجري الفاصل بين فلقتيها. فوق تحت. تحت فوق ثم مرة ثانية رأيت هذه اللمعة في عينها اليسري تحديداً في أقصي الطرف الأيسر من عينها اليسري، وهذا المرة انتبهت هى. مدت أصبعها نحو كسها، بللته ثم وضعته في فمي لقمت أصبعها وعيني لا تفارق تلك النقطة انحنت عليا ولامست بشفتيها انفي قبلتها ثم نزلت إلى شفتي وأصبعها لا يزال تحت لساني، قربت عينها من عيني.

النقطة البيضاء. كانت كوكب. الكوكب في زجاجة. الزجاجة توقد من شجرة. الشجرة فروعها في السماء وجذورها في الأرض والأزهار بيضاء تغطيها. الأزهر مغروسة بيد حساسة في التربة. التربة في الأرض. الأرض تجاورها بحار وتعلوها سماء. في سماء هذا الكوكب يوجد نجمان فقط. النجمان إلهان. الأولي لديها كس يغيطه شعر كثيف اسمها فتاة التارانتينو. والثانية كسها حليق يعلوه زغب خفيف اسمها مادونا، الاثنين يخططان لثورة يقضيان فيها على كل الإلهة ومراكز القوة المؤثرة يوم القيامة وبذلك يعيدان خلق البشرية وتشكيلها من جديد. الاثنان يحلمان ببشريه جديدة تخرج من كسهما، بشرية تتلافي أخطاء نماذج البشر القديمة وتمتلك قدرات أكثر تطوراً ربما تقترب من قدراتهما السحرية.

 

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

* روائي مصري

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون