عن حرفية رسم الشخصيات وتصوير دوافعها

عن حرفية رسم الشخصيات وتصوير دوافعها
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin-top:0cm; mso-para-margin-right:0cm; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin;}

محمد عبد النبي

هذا هو الجزء الثالث من مقتطفات كتاب: تقنيات وتمارين لابتكار شخصيات ديناميكية ووجهات نظر ناجحة، للكاتبة الأمريكية نانسي كريس، ترجمة زينة جابر إدريس، الدار العربية للعلوم – ناشرون. والذي اخترتها على مدى قراءتي له وأحاول بتجميعها ونشرها هنا أن أعمّم الفائدة وأن أتيح بعض الفقرات المهمة للمنشغلين بحرفة الكتاب سواءً كانوا من الشباب الذين يتلمسون خطواتهم الأولى أو الكتّاب المحترفين الذين مازالوا بحاجة رغم ذلك إلى إنعاش مهاراتهم ومعارفهم.

 

تركز أغلب المقتطفات التالية على مسائل وجوانب رسم الشخصية الروائية وتصوير دوافعها وطرق عكس تناقض تلك الدوافع، إلى آخر الوسائل التي لا يستغني عنها روائي يعتمد على إبداع عالم خيالي بالأساس.

*****

 

مقتطفات من كتاب: تقنيات كتابة الرواية (3)

 

* تحدثنا حتى الآن عن الدافع وكأنّه ثابت ومتناغم: أنا أريد ذاك الشيء، لطالما أردته، سأريده دوماً. بالطبع، هذا الأمر ليس صحيحاً تماماً، لا في الخيال ولا في الواقع. فقد يرغب الناس بأشياء متناقضة، أو تنتابهم أحاسيس متضاربة، وتتغير رغباتهم ومشاعرهم مع الزمن. وما من شخص متناغم، مع أن بعض الناس همّ أكثر تعقيداً من غيرهم.

* وأنت ترغب ككاتب بابتكار شخصيات مركبة لأنها تبدو أكثر واقعية بالنسبة إلى القراء. فالقارئ يعرف أنه ليس بسيطاً من الداخل ويميل إلى عدم الانجذاب إلى الشخصيات ذات البُعد الواحد. ولا شك في أن هذا الأمر يعتمد على نوع الرواية التي تكتبها. ففي كتب المغامرات مثلا، لا باس أن يكون البطل بسيطاً ومنتصراً دائماً. فلا أحد يريد أن يعاني جيمس بوند من عقدة أوديب، وحتى إن كان يعاني منها فنحن لا نريد أن نعرف عن ذلك شيئاً.

***

من أخطر الوسائل لعرض قيم الشخصيات وخياراتها ورغباتها المتضاربة هي إخبارنا بها بكل بساطة. فالرواية تعتمد على القالب المسرحي [المشاهد الموصوفة مباشرةً أثناء وقوعها] وليس على العرض والإخبار المباشر. إذ يريد القارئ الشعور بأنه يشاهد القصة تنكشف أمامه خطوة بعد خطوة، غير أن العرض التفسيري غالبا ما يجعلهم يشعرون بأنهم يقرأون حيثيات قضية أمام المحكمة.

ومع ذلك، فثمة كتّاب ينجحون في ذلك، فيقطعون الرواية ببساطة ويخبروننا بما يدور في أذهان شخصياتهم المعقدة. كيف ينجحون في ذلك؟

1. لأننا نكون مهيئين من قبل لذها، بتعبير آخر إن شرحت القيم المتضاربة للشخصية قبل أن نراها وهي تتصادم في زمن القصة، سنميل إلى عدم الاهتمام. والأفضل أن ترينا ما تفكر فيه الشخصية أو تحتاج إليه أو تفعله، ومن ثم تنتقل إلى الشرح. ومع أن هذا المقطع التفسيري سوف يقاطع القصة وقد يبدو أحيانا أشبه بالعظة، إلا أننا سنكون أكثر اهتماما بما تريد قوله. لذلك فلتقم بتوليد الرغبة في المعرفة لدى القارئ أولا ثم اعمل على إشباعها.

2. المعيار الثاني للعرض التفسيري الناجح هو أنه يخبرنا بأمور من المستحيل وضعها في قالب مسرحي…[……] إنه لا يلخّص ببساطة ما يمكن للقارئ استنتاجه بنفسه من المشاهد، بل يمنح نظرة جديدة لم نلاحظها من قبل على الأرجح. إنها أفكار جديدة بنظرة مختلفة وأسلوب أدبي رشيق، وليست مجرد تكرار للمشاهد السابقة من القصة.

وهكذا، فإذا أردت استعمال الإخبار المباشر لمساعدة القارئ على فهم أسباب الفوضى الداخلية لدى إحدى شخصياتك، فلتحرص على:

أن يأتي هذا الإخبار بعد أن تكون الشخصية قد مرّت بمشاهد (بصرية،مسرحية)كافية.

أن يضيف نظرة جديدة إلى طريقة تحليل المشاهد السابقة.

أن يكون مكتوباً بأسلوب جيد يعوّض عن الإخبار المباشر بدلاً من المشهدية.

***

كلما انتابت إحدى الشخصيات أحاسيس متضاربة ومختلطة نحو شخصية أخرى، يمكنك اتخاذ الخطوات التالية:

حدد في ذهنك العواطف التي تشعر بها الشخصية.

تحقق مما إذا كنت قد هيّأتَ لتلك الأحاسيس والعواطف عبر وضع أسباب كل منها في إطار مسرحي [مشهدي]، وإلّا، فلترجع إلى الفصول السابقة وأضف مشهداً أو أكثر.

قرّر ما إذا كنتَ ترغب بتصوير تلك الأحاسيس المتناقضة لشخصيتك من خلال مشاهد متعاقبة كل منها يعرض شعوراً مختلفة، أم في المشهد نفسه، أم في مقطع تفسيري [على لسان الراوي مباشرةً] أم بمزيجٍ منها جميعاً. يمكنك استعمال عدة مشاهدة لتصوير عاطفة ما يتبعها مقطع تفسيري….

 

استعمل ما يكفي من المؤشرات العاطفية كي نشارك الشخصية في جميع عواطفها.

***

سؤال:

ماذا لو كانت رغبات الشخصية غير متضاربة فحسب، بل غير عقلانية أيضاً، لأنها تعاني من الجنون؟

جواب:

للأدب تاريخ طويل مع الشخصيات المجنونة فعلا (السيدة روشستر في جاين اير) أو اعتبرت كذلك لأن قيمها مختلفة للغاية عن قيم المجتمع المحيط بها (برنارد في بريف نيو وورلد). أضف إلى أن سلامة عقل كثير من الشخصيات اعتمدت على حكم شخصيات أخرى أعطت أحكاما مختلفة (كاتبن كيج في ذا كاين ميوتيني).

وطريقة تصوير العواطف المتضاربة للشخصيات المجنونة لا تختلف عن تلك “العاقلة”. قم بالتالي بتصوير كل عاطفة بشكل مسرحي [مشهدي] موسع حتى وإن كانت بلا معنى. فالمرأة التي تعتقد بأنها ملاحقة من مخلوقات فضائية تريد تشريح دماغها، يجب أن تصوّر برعبها الحقيقي، وأن تبدو مقنعة قدر الإمكان. كما ينبغي أيضا تصوير ثقتها العميقة بالتعاون بين الكواكب، ربما من خلال إعطائهم أدمغة أخرى (دماغ فأر أو قط أو دماغ زوجها) لأهداف علمية. وتذكر بأن هذه الظنون لا تقل صدقاً وشغفاً بالنسبة إليها عن ظنونك بالنسبة إليك. لذا حاول أن “تتحوّل إلى الشخصية” وأنت تكتبها حتى وإن كانت ستسلخ رأس زوجها وتترك دماغه على علبة فطائر في الباحة الخلفية للمنزل لتسهّل على السفينة الفضائية أخذه.

***

مهما كان التخطيط جيداَ والأسلوب مقنعاً، فلن يجعلانا نقبل بتناقضات الشخصية ما لم تبد واقعية ومقنعة.

لا يعني هذا أنه لا يمكنك الكتابة عن راهبة ترتكب جريمة من الدرجة الأولى، بل هذا ممكن بالطبع. ولكنك لا تستطيع أن تصوّر الراهبة بأنها لطيفة وتقية ومتفانية ومتسامحة في الفصول الستة الأولى ثم تجعلها تقدم على ارتكاب جريمة. فهذا النوع من التناقضات ينبغي التحضير له بعناية أكبر من التناقض العادي للأحاسيس البشرية. أنت بحاجة هنا إلى كمية هائلة من الشرح، كما أننا نحتاج إلى معرفة قصة خلفية: ما الذي دفعها إلى الرهبنة ومن أين اكتسبت الرغبة بالقتل؟ نحتاج أيضاً إلى مشاهد متكررة تُظهر قدرتها على القيام بأفعال متطرفة. إننا بحاجة إلى طريقة نقرر بها بين لطافة طبعها والإقدام على القتل، ربما بواسطة ورم دماغي أو مرض عقلي أو دواء يؤثر على الذهن، ولكن لا توجد أمامك خيارات كثيرة على الأرجح. ومن الأفضل في هذه الحالة أن تكون الراهبة أساساً غير لطيفة وأن يكون داخلها مليئاً بالغضب.”

****

“* غالباً ما تملك الشخصيات المعقدة المثيرة للاهتمام قيما ورغبات متصاربة، والخيار الذي تقوم به يساعد القارئ على معرفة الهوية الشخصية والمعتقدات. وموقف الشخصيات من خيارها لا يقل أهمية أيضاً. ويجب أن تكون الخيارات الصغيرة منسجمة مع الخيارات الأكثر أهمية التي تقوم بها الشخصية لاحقاً في الرواية وأن تهيئ لها أحياناً.

* أفرغ خيارات الشخصية في قالب مسرحي [مشهدي] من خلال أفعالها وأفكارها والمؤشرات العاطفية الجسدية والحوار. كما أن مقتطفات من القصة الخلفية تساعد القارئ على فهم تلك الخيارات. ويساعد التفسير على توضيح تضارب القيم لدى الشخصية إن أعددت له بالمشاهد المسرحية وإن احتوى على نظرةٍ جديدة لا يمكن نقلها بالمشاهد المسرحية وحدها.”

****

ومن شأن السيرة العاطفية لكل شخصية رئيسية أن تساعد على توضيح فكرتك عن قيم ومعتقدات تلك الشخصية.

 

نموذج للسيرة العاطفية الموجزة:

الاسم:

* حدد ثلاثة أو أربعة أشياء تكن لها شخصيتك تقديرا كبيرا في الحياة (مثلا: النجاح،المال، العائلة، الله، الحب، النزاهة، السلطة، السلام والسكينة)…

* ما أكثر ثلاثة أشياء تخشاها شخصيتك؟

* ما موقفها الأساسي [شعارها مثلا] من الحياة؟ (مثلا: كل شيء عادة يصير في النهاية على ما يرام؟ أو : المشاكل تحل نفسها من نفسها، أو: لا تتوقع شيئا حتى لا تصاب بخيبة أمل كل مرة)

* متى تعتبر هذه الشخصية شخصا آخر إنسانا جيدا أو سيئاً؟

* ما أكثر شيء يسبب لها الألم؟

* ما أجمل ما يمكن أن يحدث لها من وجهة نظرها؟

* ما الكلمات الثلاث التي يمكن لها أن تصف بها نفسها، أكانت دقيقة أم لا؟

ما مدى دقة وصفها هذا لنفسها؟

****

* الشخصيات من حيث التغيّر والدوافع على أربعة أنواع:

1. شخصيات لا تتغير أبداً، لا على صعيد الشخصية، ولا على صعيد الدافع، بل تبقى على حالها وتبقى على رغبتها كما هي.

2. شخصيات تبقى طبيعتها الأساسية كما هي من دون أن تتغير أة تتطور خلال القصة. إلا أن ما تريده يتغير مع تطور أحداث القصة (“الدافع التصاعدي“)

3. شخصيات تتغيّر عبر القصة على الرغم من عدم تغيّر الدافع.

4. شخصيات تتغيّر عبر القصة ويتغيّر دافعها كذلك.

****

وضع كثيرٌ من الكتّاب لوائح “شاملة” لتركيبات الحبكة الأساسية في الرواية. ففي عام 1945 نشر جورج بولتي كتابه ست وثلاثون حالة دراماتيكية الذي زعم فيه بأنه غطى جميع ما في الأدب، فيما حدّدت فئات أخرى وجود ستة أنواع أساسية للحبكة أو اثنى عشر، أو خمسة عشر نوعاً، أمّا الكاتب روبرت هاينلاين فيرى بأنه ثمة ثلاثة أنواع فقط لأن الحبكة تنشأ من تغيّر الشخصية ولا يمكن للناس أن يتغيروا إلا بثلاث طرائق:

1. حبكة لقاء الفتى بالفتاة: التي تتغير فيها الشخصية نتيجة تأثير شخصية أخرى في حياتها. ويمكن للشخصية المؤثرة أن تكون حبيباً أو معلماً أو صديقاً أو طفلاً أو أي شخصية أخرى تنشأ معها علاقة عميقة. ومثال على ذلك قصة الجميلة والوحش الذي يتغيّر بسبب قبول الجميلة به.

2. حبكة “الخيّاط الصغير”، حين تكتشف إحدى الشخصيات في نفسها قوى لم تكن تعرف بأنها تملكها (الخياط الصغير يقتل العمالقة في القصة الخيالية)

3. حبكة الرحلة والتجربة، وهي الحبكة ذات الحكمة التي تتغيّر فيها الشخصية لأنها تختبر في الحياة الواقعية أفكاراً مسبقة كانت لديها عن العالم. وغالباً ما تصبح أكثر حزناً ولكنها أكثر حكمة. فالملك ميداس يكتشف بعد فوات الأوان بأن ذهب العالم بأسره لا يعوّض خسارته ابنته.

إن كان أي من هذه الدوافع يشعل خيالك فإن تصنيفات هاينلاين تناسبك.

****

* تصوير دوافع شخصياتك:

مهمتك ككاتب هي أن تحرص على أن يعرف القارئ ما هي أهداف الشخصيات، أكانت أحادية أم متعددة. ومن الطرائق المناسبة لتحقيق ذلك :

1. يمكن للشخصية أن تفكر في هدفها، [مناجاة ذاتية].

2. يمكن أن يُملى على الشخصية هدفها من آخرين: “أيها المحقق أنت مكلف بهذه القضية.”

3. يمكن للشخصية أن تتحدث عن هدفها مع آخرين، [حوار].

4. ويمكن لآخرين أن يتحدثوا عن أهداف الشخصية، ليُسمعوا القرّاء عَرَضاً، وتنجح هذه الطريقة مع الشخصيات غير الاستباطنية ولا كثيرة الكلام. [حوار ولكن عن الشخصية من آخرين]

5. ويمكن للشخصية أن تظهر حافزها مباشرة من خلال محاولاتها لتحقيقه، [الفعل المشهدي الصريح].

وما من قاعدة لمعرفة أي من هذه التقنيات تناسب حبكة معينة. جرب إحداها في روايتك، وإن بدت غير كافية لتوضيح الدافع، فأضف طريقة أخرى.

****

من شأن كل ذلك أن يبدو مربكاً. فربما واجهت صعوبة في التمكن من استعمال الإطار المسرحي [البصري والمشهدي] لإظهار الدافع والعاطفة والتغيّر وتأليف التفاصيل الملموسة لوصف الشخصيات، والقيام بكل ذلك في الوقت نفسه (هذا من دون ذكر “تحولك إلى قارئ” لترى كيف تبدو القصة بالنسبة لشخصٍ آخر). غير أن ثمة طريقة للإمساك بزمام الأمور. وهي تساعد في الواقع على السيطرة على كثيرٍ من عناصر الرواية، كالحبكة وقوس التغيّر العاطفي.

تتمثل هذه الطريقة في: كتابة مشهد تلو آخر.

لا يتحتم عليك التفكير في الكتاب كله مرة واحدة، ولا في القوس العاطفي لشخصيتك، أو في الدوافع التصاعدية لستّ شخصيات مختلفة. ليس عليك الآن سوى كتابة مشهد واحد فقط. ولكي تنجح في ذلك ينبغي عليك أن تعرف مسبقا ما الذي يفترش بهذا المشهد تحقيقه

****

[المزيد من الكتاب في الأسبوع التالي]

 

مقالات من نفس القسم