عن الموهبة.. وهى السبب.

عن الموهبة.. وهى السبب.
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمد الفخرانى

الموهبة، هى نبض روح العالم، لو غادرته لن يموت، لكنه سيصير فاقدًا لحياته، يمكنه أن يتنفس، يأكل، يشرب، ويمشى، ليفعل ما يحلو له، لكن هذا لن يمنعه أن يكون فاقدًا لحياته بدون الموهبة، وبدونها لن يستطيع فعل شىء، لن يحلو له أىّ شىء.

 

الموهبة أكثر الكائنات وضوحًا، وأكثرها غموضًا، لا أحد يعرف طريقة عملها، تفاصيل شخصيتها، كيف تختار أماكن وجودها، وأسباب حياتها، ربما هى نفسها أسباب حياتها، وحياة حيوات أخرى، فقط، تعطى بعض إشارات عن أسلوبها وطبيعتها، لمجرد اللعب، ولمزيد من الإيهام، وتحتفظ لنفسها بالسر، إن كانت تعرف سرها بالأساس.

الموهبة هى أمل العالم، تحلم له، تحقق أحلامه، تقفز به وبالإنسان إلى الأمام، تصعد بهما، تجعل الإنسان يكتشف نفسه والعالم من جديد مرة بعد أخرى، تعرّفه بالجمال، تُخرج منه أجمل ما فيه، تضيف إليه ما يجعل روحه أسمى، تمنحه أسبابًا متنوعة للسعادة، تجعله ممتنًا كونه موجود فى هذا العالم، تكشف له روعة الحياة، وكم هى تستحق.

 البراعة فى إيذاء العالم ليست موهبة، الموهبة تنوّر العالم، تجعله مكانًا أفضل، تكتشف الجمال، تبتكره، وتمنحه فرصًا جديدة للوجود، هى لا تتدخل إلا فيما يسعد الإنسان والعالم.

بسهولة يمكنك أن تعرف أن هذا الكائن موهوب فى شىء ما، وعندها لا يمكنك أن تقول إنك اكتشفت موهبة، فالموهبة تُعرّف نفسها بنفسها، وتكشف عن حالها بكل وضوح وغموض فى الوقت نفسه، لا يمكن انتزاعها من أحد أو لأحد، لا يمكن لأحد أن ينتزعها من نفسه أو لنفسه، تتعامل مع أجمل الأشياء داخل الإنسان، تمنحه أجمل وأغلى ما يمكن الحصول عليه من العالم، تمنح العالم أجمل ما يمكن الحصول عليه من الإنسان.

هى صاحبة الاعتزاز بنفسها، والتقدير لذاتها، تضيّع من يضيعها، ولا تضيع أحدًا، لا يضيع من كانت معه، حتى لو أراد أن يضيع، يمكنها أن تفعل ذلك، تحب أن تُستنفد لآخر قطرة منها، وبطريقة ما أو عدة طرق فإنها لا تنفد، كلما أعطت نمت، كلما تقدمت فى العمر تجددت، قريبة حد الامتزاج، فلا تعرف إن كنت أنت الموهوب لها، أم هى الموهوبة لك، لا تعرف مكانها بداخلك، وكيف يمكنها أن تراوغك بينما هى بداخلك، وأنت بداخلها، أو ربما هذا بالتحديد ما يمكّنها أن تفعل ذلك.

الموهبة، تحب أن تقيد فيك كل شىء لأجلها، تحب أن تقيد كل شىء فى نفسها لأجلك، تمسك بك من جلدك وكريات دمك وعظامك، تمسك بيديك وتغمسهما فى قلبها ونورها وإحساسها، هى تحرر كل شىء فيك لأجلها، تحرر كل شىء فيها لأجلك، تتقلب معك على الحشائش والسحاب والأشواك، تسبح فى النور والمياه والأحلام، ترفرف فى الهواء والريح والإعصار، هى من يمنحك كل هذه الحرية، كل هذا الجمال، تُطلقك فى العالم، تُطلق العالم فيك، تُنبت أجنحة فى جسمك وروحك، تُطيرك بلا أجنحة.

الموهبة لا تغادر، إذا منحتك نفسها فهذا قرارها النهائى، حتى إنها لا تموت بموتك، ولو ظننت أنها توقفت عنك أو أنك توقفت عنها، فهذا غير حقيقى، لأنها داخلك فى مكان ما، تفعل شيئًا هناك، وستعاود الظهور بعد قليل وتشرح لك.

إذا كان العالم فى أصله جميل، فالموهبة هى من تطور هذا الجمال، هى ذلك الجزء فى عقل العالم القادر على صنع الجمال، يمكنها أن تجعل كل شىء ممكنًا، أن تكون فى أصغر شىء، وأكبر شىء، قادرة على أن تُحدث التغيير، هى من يصنع الفارق، تضع يدها أو لمستها أو أىّ شىء منها، فيضىء مكان ما من العالم.

حكيمة، متهورة، ترى بعيدًا، عميقًا، يمكنها أن تتوقع، وتتقفى الأثر، مندفعة، فلا يعنيها أن تسقط فى حفرة، أو تهوى إلى المجهول، تحب ذلك، هى أول من يشعر، ويفهم، ويتمهل، ويندفع، المعتنية بنفسها، المهملة، تنام مثل طفل هادئ، تستيقظ مثل وحش مجنون، هى لا تنام.

الموهبة لا تتكرر، ولا تكرر غيرها، لا تشبه غيرها، ولا أحد يشبهها، ليست تنويعة على شىء آخر، أو كائن آخر، تبتكر، لديها ميول أن تهدر بعض حياتها بلا طائل، تضيّع بعض وقتها فى اللاشىء، وتدرك أنها تفعل ذلك، حريصة على كل لحظة من عمرها، تأخذ الأمور بجدية، مستهترة، لها وجهات نظر تدافع عنها، تضحك من وجهة نظرها، تحطمها وكل وجهات النظر الأخرى، يمكنها أن تقنعك بأىّ شىء، ثم تقنعك بأن ما أقنعتك به غير مقنع، مرتبة، فوضوية، مزاجية، ولا نهائية.

الموهبة تمرض ولا تضعف، تحزن ولا تيأس، تتوه ولا تضيع، هى أجمل ابتسامة، أصعب تقطيبة، تبكى فلا تكون كئيبة، تضحك فلا تكون بلهاء، وبطريقة ما هى تعرف كل شىء،  بطريقة ما هى لا تعرف أىّ شىء، تبدو مثل عجوز قديم عرف العالم، وطفل متلهف لاكتشاف العالم، ملهوفة إلى الوصول، تسعى إليه، ولا تريده، تخشاه، هى كائن وحيد، وحيدة فى هذا العالم، وكل كائنات العالم أهلها وناسها وأصحابها.

المهارة إحدى وصيفات الموهبة، الذكاء أحد صبيانها، يمكنها أن تصنع معجزة، وأن تجعل المعجزة شيئًا عاديًا، هى الجحيم بعينه، الجنة بعينيها وفمها ورائحتها، هى الرفض، الرضا، السكينة، التمرد، رفيق الطريق الطيب المتفانى، الرفيق العنيد الأنانى.

الموهبة، سرك الذى تعيش بداخله، سرك الذى يعرفك ولا تعرفه، هى روح، جسد، لذة ترضى الجسد والروح معًا، تتعبهما معًا، هى الألم، الفرح، مهما أعطيتها لا تشبع، كلما أعطيتها طلبت منك المزيد، هى الكريمة، لا تتوقف عن أن تعطيك، كلما أعطتك طلبت منها المزيد، كل منكما لا يتوقف عن الجوع والاشتياق إلى الآخر، ومنحه ماء روحه ورحيقها.

الموهبة تمنحك العالم فى لحظة، تسلبك العالم فى لحظة.

الموهبة، هى السبب، وطالما كانت بخير فكل شىء بخير حتى وإن بدا غير ذلك، كل شىء فى أمان وإن بدا مهددًا، كل شىء جميل وإن بدا أقل جمالاً، طالما هى موجودة فكل شىء موجود.

 

 

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم

محمد العنيزي
كتابة
موقع الكتابة

أمطار