عندما تُعيد الحيوانات الثائرة المتجمدة السعادة إلى الغابة

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

ياسمين مجدي

على الغابة أن تختار بين سعادة جميع الحيوانات وسعادة الأسد؟ ولأن الغابة تريد أن تحقق سعادة الجميع ستستعمل الحيوانات خطة الجليد لتغير الأوضاع. تحكي رحاب عزت إمبابي في كتابها "ثورة الجليد" عن الحيوانات التي تعاونت لتغير الأسد وتجعله يتخلى عن قسوته وينام يحلم بغابة سعيدة. رغم أنه هو نفسه الأسد الذي كان "حتى في أثناء نومه لا تشعر الغابة بالراحة والسكينة، فهم يتناوبون في المساء على رعايته أثناء نومه لإبعاد الذباب والحشرات عن عرينه.

ملت جميع الحيوانات من هذه الحياة البائسة التي يعمل فيها الجميع من أجل ملك الغابة، وحده فقط.. له كل شيء!، الجميع يشعر بالحزن”.

*

“ثورة الجليد” قصة عن الحيوانات المجتمعة ضد واحد.. عن التعاون ضد أنانية وكسل الأسد، الحيوانات جميعها التي تعمل طوال الوقت لخدمته ضده هو الواحد الوحيد. هذا هو الاختلاف بين فريقين.

لكن اللافت في الحكاية أن الحيوانات قدمت درسًا في حل المشاكل بإيجابية، فلم تغضب أو تستعمل العنف، لكنها اختارت أن تستخدم عقلها لتغير أوضاع الغابة إلى الأفضل.

تقدم المؤلفة عددًا من الأفكار الإيجابية للطفل، مثل فكرة تعاون الحيوانات الضعفاء في مواجهة الأسد، فحتي النملة تلعب دورًا محوريًا في ثورة الحيوانات. من الأفكار الإيجابية أيضًا فكرة الرفض، وهو ما قامت به الحيوانات لرفض الظلم. وفكرة النقاش، لكي يجدوا حلاً،  فقاموا بنقاش ديمقراطي، كل حيوان يعرض فكرة لحل المشكلة: “كل منا يعرض فكرته لنناقشها، ثم نأخذ أحسن الأفكار.. كي نتخلص من هذه الحياة البائسة.. فكلنا نحلم بحياة قائمة على العدل والمساواة والتعاون”.

مبدأ إيجابي آخر قدمته الحكاية هو اختيار المحبة كطريقة لحل المشكلة.. فالحيوانات رفضت أن تغادر غابتها، ولم تختار مثلاً أن يطردوا الأسد.. الحل الأمثل الذي اختارته الحيوانات هو أن تعلم الأسد درسًا أنه لا يمكنه أن يكون سعيدًا وحده بينما الآخرون تعساء.. لأنه ببساطة لا يستطيع أن يعيش بدونهم.. لذلك السعادة المشتركة للجميع هي الحل.

توصيل هذه الفكرة إلى الأسد كان بمثابة ثورة محبة قامت بها الحيوانات لأجل سعادتهم وسعادة الأسد أيضًا.

“جاء فصل الشتاء.. حيث البرد القارس.. اكتست الغابة بالثلوج، بدأ اليوم بشكل معتاد، مثل أي يوم يمر في هذه الغابة.. لكن شيئًا ما سوف يحدث.. هكذا كانت تشعر جميع الحيوانات إلا الملك”.

نتعود من كلمة ثورة أن ترتبط بالنشاط والحركة لذا توقعنا أن تكون ثورة ساخنة، لكن الكاتبة تخبرنا بحكاية أخرى باسم “ثورة الجليد” ترتبط فيه كلمة الثورة بالبرودة، ربما لأنها محاولة من الحيوانات لأن تكون ثورة محبة لأجل سعادة الجميع: “فنحن اخترنا الحل الهادئ السلمي”.

*

“الأسد هو الأقوى بالتأكيد.. ولكننا الأكثر والأذكى” يتعلم الأسد من تجربة الحيوانات أن يراجع أفكاره وتصرفاته، ربما الأسد هو نحن جميعًا حينما نفقد لحظات جميلة وصداقات ممكنة لأننا نتمسك بأفكار خاطئة.

كانت الكاتبة حاضرة مع الأطفال عند الحكي لأنها تفتتح الحكاية بدعوة باسمها إلى القارئ: “لنا أن نحلق بخيالنا بعيدًا إلى أقصى القطب الشمالي ونتسلل داخل إحدى الغابات حيث اللون الأبيض الناصع الجميل الذي يغطي أرضها وأشجارها ونشاهد حيوانات تلك الغابة كيف أرادوا ان يعيشوا فيها؟!.. هيا بنا”.

استعملت الكاتبة تقنيات وطرق مهمة في تقديم الحكاية فبدت أن كل تفصيلة جاءت في مكانها لتخدم فكرة ما. وكانت الجمل الحوارية التي يقولها كل حيوان تخدم أيضًا هدف أو مبدأ تريد الكاتبة توصيله إلى الطفل. كما كانت الجمل الحوارية ملائمة جدًا لطبيعة الحيوان المتكلم، فالنملة هي التي ستقول جملة ؟:”هل الجميع متساوون حقًا؟!” واختارت الكاتبة أصغر وأضعف كائن بين الحيوانات ليسأل عن المساواة، لتؤكد فكرة أنه مها صغر وقل حجمه.. فالمساواة قائمة. والذئب يقدم حلولاً متلائمة لكونه حيوانًا يقتل غريمه، فهو يدعو لترك الغابة حتى يموت الأسد: “ربما قتلته الوحدة”. وإن كانت طريقة القتل التي يختارها الذئب هذه المرة هي طريقة رحيمة.

وستستعمل الكاتبة الهدهد كما اعتدنا في التراث بأنه ناقل حكايات البشر، ليقول الهدهد: “كل واحد منا له حقوق وعليه واجبات.. وهذا ما يسمونه البشر بالمواطنة.. كما سمعت منهم”.

*

رحاب إمبابي هي كاتبة تعرف ماذا تقدم للطفل، وتبذل مجهودًا في صياغة الحكاية بالطريقة الأنسب للطفل، بحيث تصبح المصطلحات مفهومة له مثل مصطلح “ساعة الصفر” كمثال. وتعمل على توصيل أفكار عميقة للطفل بأبسط الطرق، مثل فكرة المواطنة والعدل وقيمة الوطن. كما تصنع رحاب بجهد في لوحاتها تفاصيل متعددة ومختلفة تخدم الفكرة العامة في الحكاية، مثل شغلها لحوار الحيوانات بمهارة.

يبقى أن الكاتبة اختارت أن تقدم معنًا جديدًا للطفل يتعلق بكلمة ثورة، وهو “الحل السلمي”.

قدمت أماني البابا رسومًا مليئة بالحيوية للكتاب، والألوان الجذابة والشخصيات الحيوانية الممتعة للطفل. واستعملت الأبيض والأزرق لكونها الألوان الأنسب لعالم الغابات القطبية، الأبيض للثلج والأزرق للسماء. وعندما جاء الشتاء استعملت اللون الرمادي. وأضافت تفاصيل بشرية لطيفة للحيوانات مثل وشاح الزرافة الذي تلفه على رقبتها. ورسمت الفنانة عددًا كبيرًا من الرسوم التي عكست مجهودها المبذول في العمل.

 لكن يلحظ أن الرسامة نوَّعت سهوًا في لون السماء شتاءً، فكانت السماء ملونة باللون الرمادي صباحًا وباللون الأزرق الداكن ليلاً. والصحيح أن الشتاء في القطب الشمالي، هو عبارة عن 6 شهور من الليل لذا لزم أن تكون السماء طوال هذا الجزء من الحكاية داكنة.

 

عن الكتاب

اسم الكتاب: ثورة الجليد

اسم المؤلف: رحاب عزت إمبابي

رسوم: أماني البابا

سنة النشر: 2017

 

مقالات من نفس القسم