عمر فتحي .. الذكرى الـثلاثين لرحيل ابن “المصريين”

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

هدى جعفر

حينما تراه من بعيد تظنه الفنان الأسباني "خوليو إيغلسياس"، حيث القامة الأنيقة النحيلة والشعر الكثيف والوقفة الواثقة على المسرح، ولكن عندما تقترب الكاميرا تكتشف بأنه هو: عينان لطيفتان وأنف منحوت، مع ابتسامة تصلح كتميمة حظ، تكشف عن صف أسنان لولي -قبل انتشار موضة تبييض الأسنان بين النجوم-وصوت بديع مع شامة تشبه تلك الخاصة بـ"روبرت دينيرو"، وعندها تعرف بأنه هو: عمر فتحي.

ولد أحمد فتحي في 11 فبراير 1952 وسمعه الجمهور لأول مرة في 1977 عندما أسس الموسيقار الكبير هاني شنودة واحدة من أهم وأشهر الفرق العربية وهي فرقة "المصريين" التي اقترح تكوينها الأديب نجيب محفوظ، وقد كتبت للفرقة أقلام ألماسية مثل صلاح جاهين الذي كان من المتحمسين لعمر فتحي وعمر بطيشة وعبد الرحيم منصور، وقد ناسبت "المصريين" ذائقة الجمهور المتطلعة آنذاك وأشبعت شهيته الفنية بما استحدثته من قوالب غنائية و طرق تلحين غير معهودة كما أنها أول فرقة تقدم الأغنية الاجتماعية، ومن أشهر أغانيها: "بحبك لا" التي غناها عمر فتحي و "متحسبوش يا بنات" و "ماشية السنيورة" و "ماما ستّو" وغيرها، و قد صرح هاني شنودة  في برنامج "رمضان بلدنا" مع المذيع يوسف الحسيني بأن عمر فتحي أخبرهم عند انضمامه للفرقة بأن اسمه محمد الهندي بينما كانت البطاقة الشخصية تقول شيئا آخرا !، فخشي هاني شنودة أن يصبح لقب "الهندي" مدعاة للسخرية، فأسماه عمر جوهر تيمنا بعمر بطيشة و بجوهر الصقلي باني مدينة القاهرة، علما أن موقع "لسينما" يذكر أن اسم عمر فتحي الحقيقي هو محمد عبد المنعم عبد الله جوهر!.

 بعد فترة وجيزة انفصل عمر جوهر عن "المصريين" وغير اسمه الثاني إلى فتحي وبدأ الغناء منفردا، وفي 1980 اكتشف الأطباء بأن لديه ضيق في الشريان التاجي قد يقتله في أي وقت، ولكن الفنان الطموح اجتهد في فنه رغم المرض ورغم نوبات الاكتئاب التي تداهم مرضى القلب عموما.

 كالعادة لا يوجد توثيق رسمي ومفصل لحياة وأعمال عمر فتحي، هناك فقط مقال متواضع في "ويكيبيديا" ومواقع أخرى تكرر نفس المعلومات تقريبا، ولكن معجبوه  الكثر رفعوا أغلب أغانيه مع مقاطع فيديو في "الإنترنت" مع عدد من المقابلات والسهرات التلفزيونية، وعندما تشاهد هذه المقاطع  فستلاحظ ذات الشيء: فناناً شاملاً يغني ويمثل ويرقص، وهو من المطربين الذين تحب أن تشاهد تعبيرات وجهه وهو يغني، أما أهم ما يميز عمر فتحي هو أغانيه الخفيفة التي تحمل معانٍ قوية تعلق في الذاكرة، فلا يمكن ألا تبتهج وتفتح قلبك على جهاته الأربع وهو يقول لك "ابسط يا عم" أو يجتاحك شعور بالحنين للدراسة مع أغنية "سقفة"، أو تضحك وهو يغني "مش نسمة لأ" في إحدى سهرات رأس السنة وهو يُمازح نادية الجندي، أو تشرد في  مغزى الحياة وما وراءها وأنت تسمع "مواعيد" و "أنا عايش مش عايش" التي يبدو أن عمرو دياب لم يكن صاحب السبق في الاسم، و كان صوته صالحاً لجميع الألوان الغنائية فهناك اللون الصعيدي في "بتفكرني الغناوي" و كذلك "كل الحاجات اتغيرت" ذات الطابع "الرحباني" التي غناها وهو يطوق النجمة يسرا بنحولها الشديد آنذاك وطلتها الأوروبية، وهو أيضا أول أبناء جيله في الظهور بالقميص والبنطلون و ليس البدلة و أولهم كذلك في أداء الأغنية الاستعراضية، فقد كان محباً للمسرح الاستعراضي كما قال للمذيعة كاميليا العربي في إحدى المقابلات.

تزامن ظهور عمر فتحي مع ذروة الاغتراب والسفر التي اجتاحت مصر أواخر السبعينات وبداية الثمانينات مما أضاف لأغانيه مذاقاً متفرداً بالنسبة للمغتربين، كما أنّ أغانيه كانت عنواناً لتلك الفترة بكل ما حميمتها وتناقضاتها، ولذلك اختار صناع مسلسلي "بدون ذكر أسماء" و "بنت اسمها ذات" بعضاً من أغاني عمر فتحي كخلفية موسيقية لبعض المشاهد بكل التفاصيل شديدة المصرية التي تناولها العملان. 

غنى عمر فتحي أيضا: "مش قلتلك" "جرحوني عيونه" و "مكتوب لنا" و "على إيدك" التي قال في إحدى المقابلات بأنها عزيزة عليه لأنه صورها بعد أزمة مرضية ظن خلالها أنه لن يستطيع الغناء مرة أخرى، كما فسر في تلك المقابلة بدء عدد من أغانيه بكلمة "على" بأنه نوع من التفاؤل لأنه بدأ مشواره الفني منفردا بــ  "على قلبي" و "على سهوة" و"على فكرة" و"على إيه"، علماً أنه قد تم سحب ألبوم "على قلبي" من الأسواق بسبب اعتراض الرقابة على المقطع الأخير من أغنية "قشطة" والذي يقول: "القشطة ساحت وأنا روحي راحت"، فتم حذف المقطع و نزول الألبوم مرة أخرى إلى الأسواق، إلا أن هناك نسخة كاملة في فيديو على "يوتيوب"!.

شارك عمر فتحي أيضا في فوازير النجمة شيريهان 1985 في أكثر من لوحة منها "ادلع يا رشيدي" و "يا مركبي عدي" و "آيسكريم" وبالرغم من أنه كان مع أقوى النجمات حضورا، إلا أن شيريهان لم تقلل من وهجه الجميل، كما قدم نفسه كممثل في مسلسل "سيدة الفندق" مع كمال الشناوي و"حسن ونعيمة" و "سفينة العجائب"، وبينما كان عمر فتحي يشيد عرش نجوميته بسرعة، حصده منجل الموت في 28 ديسمبر/كانون أول 1986، سكتة قلبية أنهت حياة ابن "المصريين" و رحل عن الدنيا شاباً، رحل وصورته نضرة في قلوب محبيه، ابحث عن عمر فتحي في "غوغل" وشاهد عبارات التقدير والشجن عنه وعن الذكريات التي ارتبطت بأغانيه.

  وفي 1988 تفككت فرقة "المصريين" ثم عاودت الظهور في 2010 مع أصوات شبابية وبوجود نجمي الفرقة السابقين: هاني شنودة و إيمان يونس.

  وعموما يبدو أن هناك لعنة ما أصابت معظم مطربي تلك الفترة، فقد تفككت جميع الفرق التي ظهرت وقتها مثل "النهار" و "الفور إم" و "الجيتس" وغيرهم، كما انطفأت نجومية كل من إيمان البحر درويش وعلاء عبد الخالق دون تفسير، أما علي حميدة فـ "فص ملح و داب"، و توفي الفنان عماد عبد الحليم في التسعينات ووجدت جثته في إحدى شوارع القاهرة، وقيل وقتها بأن السبب جرعة مخدرات زائدة، أما عمر فتحي الذي توفي في الـ34 فقد قالها واضحة في إحدى أغنياته مع الفنانة يسرا: " آدي الحياة ماشية وإحنا معاها ماشيين، العمر فيها رحلة تمضي بغمضة عين".

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 كاتبة يمنية 

مقالات من نفس القسم