علاء خالد في ديوانه “تصبحين على خير”.. مرثية هادئة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 102
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عبد الحكم سليمان

"تصبحين على خير" هو الديوان الأخير لعلاء خالد وهو عبارة عن مرثية مطولة في فقد الأم. تكون الديوان من العديد من المقاطع الشعرية التي شكلت نص واحد هو الديوان بأسره. مثل معظم المراثي، جاءت كل المقاطع موجهة إلى الأم بضمير المخاطبة حتى أن اسم الديوان نفسه كان كذلك. يتحدث إليها وكأنها تجلس أمامه بما يوحي برفضه لفكرة اختفائها، بل تمادى الشاعر أكثر واعتبرها قارئة محايدة تقوم بقراءة ما يكتبه عنها.

خطوط عديدة تقاطعت على مدار العمل؛ فمن سيرة الأم الذاتية إلى طقوس حياتها اليومية إلى تعاطيها مع المرض وإحساسها بتقدم السن “بروح شابة تنظرين إلى يدك المسنة بدهشة… ” إلى علاقتها بالله والصلاة والقرآن، إلى علاقتهما معاً ورعايته لها في مرضها ودفنها وافتقادها، وغير ذلك مما يشكل الجو العام لمثل تلك المراثي، إلا بعداً واحداً لم يكن له وجوداً – هنا – ألا وهو صدمة الفراق. وخيراً فعل، فهو يكتب عن حدث كان متوقعا تماما وخصوصا مع تكرار الأزمات الصحية لأم مسنة، وهو غير ذلك  يكتب مرثيته بهدوء تام بعد مرور وقت طويل “مر عام، ومازلت أقف على باب غرفتك ليلاً.” وخيرا فعل المؤلف أيضاً، حيث لم يقدم سيرة أمه كأسطورة مفارقة للحياة الواقعية على عكس السائد في مثل تلك المراثي. صحيح أن الشاعر قدم بديلاً رائعا لمحاولات الأسطرة تلك ألا وهو رصده لملامح فريدة لشخصية لطيفه، مثل احتفاظها بطفولة ما حتى آخر لحظة في حياتها، كخجلها من أن يطلع أحد على صورتها في غيابها وتسللها ليلاً لأكل الأيس كريم من ثلاجة الصالة وضبطها عدة مرات وهي تحاول مسح أثار الشيكولاتة من على فمها، وفواكه الطفولة التي كبرت معها وتجاوزها للوحدة بافتراضها أن هناك صديق غائب يقتسم معها الحجرة تتحدث إليه بصوت عال طوال الليل.

عندما يتخطى الشاعر (صدمة الفراق وصناعة الأسطورة) في مرثيته، فهو عملياً يضحى بكم هائل من تلك المؤثرات التي تمارس على القارئ في مثل تلك الأجواء، ويكون عليه أن يواجه مهمة صعبة ألا وهي السؤال عن جدارة الكتابة. بالتأكيد ليس للإبداع حدود ولا قيود ولا أهداف ولا حتى دوافع عقلانيه. وعليه ليس على الشاعر- أي شاعر، أن يتوقف أبدا أمام مثل تلك الأسئلة. في الحقيقة هناك نوعية من الأسئلة تخص القراء والقراء فقط. على كل حال، ما يمكن اعتباره إجابة على هذا السؤال هنا أن الشاعر يكتب وفاءًا لعهدا كان قد قطعه على نفسه وهو أن يحكي حكايتها “لتكوني راضية هناك، وأنني أبدا لم أسئ الظن بك، كنت تخافين من حياتك المكشوفة في كتابتي“.

بالتماس رضا أمه يكون المؤلف قد تماس تماسا مباشرا مع الحس الشعبي.على أن التماس المباشر مع الحس الشعبي كان أكثر وضوحا في افتراضه أنها تعيش في مكان آخر ” لن أسالك عن الجنة ، عن الركن الظليل الذي نأيت فيه بنفسك، بعيدا عن عيون الغرباء………..ولكنى أسالك عن القبر ،عن وحشه الليلة الأولى”.كذلك في افتراض أنها مازلت تقيم معه فى المكان، “عندما أعود إلى البيت الخالي ، اجهر بالسلام، كما كنت تفعلين، كان هناك آخرين يسكنون معنا”. وفى مقطع المدافن “اقرأ القران وأبكى، أى كتاب أقرؤه فى حضور جثمانك، كان سيدعونى للبكاء“.

بتماسه المباشر مع الحس الشعبي  فى هذا الديوان، يتحتم علينا استدعاء ديوان علاء خالد السابق مباشره “كرسيان متقابلان” حيث  كان هناك ميلا واضحا لاحترام بل والتوحد مع خبرات البسطاء من حوله، وكأن بعض المهام التى كانت مطروحة على جدول أعمال ذاته من فهم مفارق قد تم التراجع عنها لصالح التواضع التام تجاه الزمن واحترام الخبرات الفذة للبسطاء  من حوله، تقول تلك الخبرات انه لا مناص من النسيان وحب الحياة للتعاطي الفعال مع سيف الزمن، يبدو كان هذه الذات الجديدة للشاعر هي من يمارس الحياة هنا والآن ،حتى  أن الشاعر ينهى مرثيته هكذا ” في آخر كل حزن فرح ، وفى آخر كل موت حياه”، على أن الخط الذي كان أكثر استمرارا بين الديوانين ربما كان هو ميله للكتابة عن أمور داخل نطاق احتكاكه المباشر طويل المدى ، فهو يكتب هنا عن أمه التي شاءت ظروف حياته أن يقيم معها فى نفس البيت ونفس الغرف والثلاجة والكراسي والصالة وما نتج عن ذلك من تداخل و تفاصيل لابد غنية ومتعددة لملاحظ مدقق من نوعيه علاء خالد،” معتزا بكوني امتلك حكاية حزينة، عن أم فقدتها وأنا في الخامسة والأربعين“.

تباينت المقاطع وتفاوتت جماليا على مدار الديوان لتتكامل فى النهاية صانعه جسدا واحدا تمتع بصفه أراها أساسيه في مثل تلك التجارب المطولة ، ألا وهى ثبات ألبؤره طالما إننا مازلنا بصدد الشعر مهما طال النص ام قصر مهما كثرت المقاطع أم قلت. فنحن نصارع الحياة فى شكل الممارسة ، وتتولد عن ذلك خبرات تعود وتطور الممارسة ذاتها، ممارسه الحياة واحده أما الخبرات فهى متعددة ويتم بنظام دقيق استبعاد الكثير من الخبرات ذات الطبيعة الانفلاتيه  لتستمر الحياة فى الاتجاه الذى يفرضه المجتمع ، تلك الخبرات المستبعدة لا تموت ولكنها تشكل ما يمكن وصفه بالانطباع او الحدث وهذا فضاء يتكون على هامش المعارف وهو مصدر كل الفنون، وحدهم المبدعون هم من يمتلك القدرة على فصل و استدعاء ذلك النوع من الخبرات نقيا مهما كان إيقاع الحياة صاخبا وسريعا . عوده إلى الديوان ، من المقاطع التي أعجبتني كثيرا مقطع  “الجهازالمعدنى ،  القدم الثالثة التى كنت تحتفظين بها التوازن…..فقد البيت صوتا بدائيا، تماما، كما كنا صغارا، نستيقظ مع صياح الديك في البيت المجاور”، كذلك مقطع عن الملاءة  التي تشد وترخى بين الصغير وأمه ” كحبل المشيمة بعد أن يتحول لعادات منزليه”، أما مقطع “للوهن رائحة كولونيا خمس خمسات “، فلم يروقنى كثيرا واعتقد انه لم يتم ضبط حركه الدال والمدلول ، فبدا المقطع كهندسة كلاميه أو لنقل مبنى بلا معنى محدد

 

الكتاب: تصبحين على خير.

المؤلف: علاء خالد.

الناشر: دار شرقيات – 2007.

 

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم