علاء خالد.. جوفك يمتلئ بالخلود…

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 102
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

قد يطول بنا الزمن

كأننا نعيش فى جنة بلا ذاكرة

تحت شمس الموت الخالدة

ولا نعرف ميعادا نرجع فيه، كما كنا،

إلى بيتنا القديم.

                                                             من قصيدة " مباغتة ".. علاء خالد

عند الكتابة أو القراءة عن عمل أدبى ما، كنت أُفضل دوما ذكر “النص” بدلا من “الكاتب”، مثلا: ” استطاع النص الروائى أن…” أو ” تقدم رواية (كذا)…”، ويأتى ذكر الكاتب فى حدود معينة ، ليس هذا ولعا بمقولة رولان بارت ” موت المؤلف “، قدر ما هى رغبة فى تحليل النص ذاته، وجعله يتكلم فى لحظات صمته، و محاولة معرفة جمالياته وأسئلته القلقة، بعيدا عن المديح و الإشادة أو أحكام القيمة.

    لكن الحديث عن “علاء خالد” يمثل استثناءا.. ربما بسبب تجربته المتنوعة، وجوهه المختلفة، وربما بسبب طبيعته الإنسانية النادرة والآسرة، والتى قد تطغى على عملية التلقى،ربما تمرده الهادئ ونقده الواعى للأنساق القيمية لمجتمعه، وجوده كصانع ثقافة، وربما، وهو الأهم، لأنه كان من المحتمل أن نشهد وقائع الموت الفعلى والمعلن للكاتب، لولا ستر ربنا، ولولا جوف علاء خالد الذى يمتلئ بالحياة، مثل جبل القرية فى قصيدته ” الثوب الضيق للموت” الرابض بهدوء أمام المقبرة، و ” يظل طويلا ينتظر أن يمتلئ جوفه بالخلود”.

                                         ●●●

      لم يكن علاء خالد بحاجة إلى مقاربة الموت، لتصير كتابته أكثر رهافة وذكاءا وصفاءا و دقة ً، وعمقا إنسانيا ( وهذه الأقانيم من سماته الأسلوبية بالفعل). فالقارئ لديوانه الأخير           ” تحت شمس ذاكرة اخرى” دار شرقيات 2012، سيلاحظ الحضور الكثيف للموت ورفيف أجنحته فوق العديد من قصائد الديوان: ” الثوب الضيق للموت”، ” منتجع مرهف للموت” ، “مظلة”، “مباغتة”، “تدريب يومى”، والقصيدة التى يحمل الديوان عنوانها ” تحت شمس ذاكرة أخرى”.

   ربما دفع المجاز الموت ليصبح حقيقةً ً.

                                         ●●●

      يدرك علاء خالد “الشعرية” كمعطى جدلى، فهى ليست صفة قارة داخل اللغة، فتعمد كتاباته السردية وقصائده إلى إعادة إحياء الأنماط الرسمية للبلاغة ( من كناية وتشبيه واستعارة). وتحقق الشعرية، عبر تجاوزها لثنائية  الحقيقى/ المجازى، تحررها السيميوطيقى من الهيمنة الرمزية للنسق اللغوى السائد( للمجتمع والأدب)، حيث يعمل المجاز على التقابل بين “العادى” و”الشعرى”، ويكشف امكانية “تقويض ضروب الخطاب الاجتماعى السائد بإيجاد مواقف جديدة للذات”، كما بينت جوليا كريستيفا. فالذات الشاعرة فى قصائد علاء خالد، ليست مجرد كيان مستلب وفارغ ينتظر دوره الاجتماعى، بل هى كيان متحرك، يحاول جاهدا أن يتجاوز نفسه، أو أن يحقق وعيه الخاص، بمنأى عن الرؤى والتهويمات الرومانتيكية لذات الشاعر كمركز للعالم، لذلك يحتفى خالد بالهامشى واليومى والعابر والعادى ( كما يظهر من تشبيهاته : سلم حريق، نصب تذكارى لجندى مجهول، قطعة اسفنج صامتة،نسيج عنكبوت، رغيف ساخن، وردة ضالة..).

   كان الشاعر الكبير ” و.ﻫ . أودن” يرى أن أهم ما يميز الشاعر الرائد اليونانى السكندرى       ” كفافيس” هو ما أسماه “نبرة الصوت” والبوح الشخصى، وهذا مايفعله علاء خالد، حيث يكشف  البوح الذاتى عن شخص صاحب منظور فريد ومتميز للعالم، لأن الذات نفسها، فى تمردها الهادىء وأسئلتها القلقة، تسعى لتجاوز الأدوار المحددة سلفا.. يواجه نزعة المحافظة، ولا تنعدم عنده إرادة ترك ماهو قائم، ولا الخوف من مواجهة الأخلاق، الأخلاق الزائفة،” فذلك ما نطلقه على أية أخلاق تمتهن الجهل”، كما قال كفافيس.  

      لا.. لم يكن علاء خالد بحاجة إلى مقاربة الموت…

                                    ●●●

    فى كتابه “وجوه سكندرية”، يرى علاء خالد المكان فى علاقته الجدلية بالناس، يراه كشعور تتمثله الشخصيات، لا كتفاصيل مرئية وحية أو سلسلة من العبارات البيانية فقط، وإنما يطرح المكان بوصفه خبرة شعورية للأفراد، وبوصفه ذاكرة تتم مساءلتها، ويبين أثر المدينة النفسى على الناس.

   وتتعدد تمثلات المكان لدى خالد، فهو لايوظف المكان أو يتعامل معه كعنصر قبلى وثابت، وإنما يحرص على التعدد، وهو ما راهن عليه فى مجلة “أمكنة”: ” التجاور بين العمل الحميم والارتجالى و العلمى”، فالنوستالجيا  ليست العلاقة الوحيدة بالمكان.

   يحاول علاء خالد الاقتراب من الحزن، كشئ ذاتى ونابع من ألم و معاناة شخصية، و”كثقافة ومحيط يعيشهما ملايين”، اسكندرية  علاء خالد تشبه اسطنبول اورهان باموق، ومدارات      كلود ليفى شتراوس الحزينة.

 

  يرحل الحزن من مكان لمكان

 وفى كل سفر له يأخذ لونا جديدا

                                                           من قصيدة شجرة البونسيانا.. علاء خالد

 

                                 ●●●

  “كتابته تشبه إنارة المساجد القديمة”.. هذا ما وصف به علاء خالد كتابة الراحل الكبير     ابراهيم أصلان فى مقال لتأبينه، لا أعرف بماذا أصف كتابة علاء خالد إن أردت ذلك، ما التشبيه الذى سأستخدمه؟.. جل ما أعرفه أنى لا أريد أن أقول له : “تصبح على خير”..

    ليس الآن…   

 

عودة إلى الملف

 

   

مقالات من نفس القسم