عقل.. ياسر عبد اللطيف

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 78
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حسن عبد الموجود

هو أقرب إلي حكيم حقيقي، بالكاد تجاوز سن النبوة، لا يناور، فهو شديد المباشرة فيما يتعلق بالحياة، ومع ذلك فهناك فارق كبير، مثلاً، بينه وبين صديقنا عبد الحكم سليمان، فعبد الحكم يبدو كما لو أنه يسدد إليك "روسية" أحياناً، فيما يبدو أنه يسديك نصيحة، ولكن ياسر عبد اللطيف يختار كلماته بعناية، وحينما يشعر أنه سيتسبب في إيذاء شخص، حتي ولو كان ما سيقوله مجرد رأي أدبي، فإنه سيختار الصمت. أصدقاؤه يتعاملون معه باعتباره حكيماً حقيقياً، إنه يفهم جيداً في الإنسانيات، وفي الفن. ياسر مقنع، ومباشر، وبسيط، وإذا أعجبه شيء يكتفي بالتعليق "ظريف"، أو يضيف "لازمته"، بحيث يصبح التعليق "ظريف يا بِلد"!

حسن عبد الموجود

هو أقرب إلي حكيم حقيقي، بالكاد تجاوز سن النبوة، لا يناور، فهو شديد المباشرة فيما يتعلق بالحياة، ومع ذلك فهناك فارق كبير، مثلاً، بينه وبين صديقنا عبد الحكم سليمان، فعبد الحكم يبدو كما لو أنه يسدد إليك “روسية” أحياناً، فيما يبدو أنه يسديك نصيحة، ولكن ياسر عبد اللطيف يختار كلماته بعناية، وحينما يشعر أنه سيتسبب في إيذاء شخص، حتي ولو كان ما سيقوله مجرد رأي أدبي، فإنه سيختار الصمت. أصدقاؤه يتعاملون معه باعتباره حكيماً حقيقياً، إنه يفهم جيداً في الإنسانيات، وفي الفن. ياسر مقنع، ومباشر، وبسيط، وإذا أعجبه شيء يكتفي بالتعليق “ظريف”، أو يضيف “لازمته”، بحيث يصبح التعليق “ظريف يا بِلد”!

 ولكن لكل حكيم خطيئة، وخطيئة ياسر أنه لا يحتفظ بالسر، ربما عملاً بمبدأ أنه “لا توجد أسرار مهمة”. إنه لن يصمت حتي يعرف بالضبط ما تخبئه، وإذا كنت من سعداء الحظ الذين سيخبرهم بسر ما، فإنه سيبدأ كلامه معك هكذا: “هاقولك سر، بس أوعي يا ابن الحرام الكلام يطلع لحد”. إنها الجملة ذاتها التي ستسمعها وسيسمعها الآخرون. ياسر مخزن أسرار مجانية!

عدد من أصدقائه يلقبونه ب “الغراب”، إثنان تحديداً من هؤلاء الأصدقاء أطلقا عليه ذلك اللقب نظراً لسخريته الشديدة منهما، كانا يقصدان أنه يستخدم أسلوب الغربان في الهجوم والخطف، ثم الهرب. لن يتاح لكثيرين رؤية ذلك الجانب من ياسر. إذا كنت لا تعرفه جيداً، وقابلته في الشارع فمن المؤكد أنك ستظن أنه يعمل موظفاً في الاستعلامات، وربما صيدلانياً!

جده نزل من النوبة إلي القاهرة، واستقر بها. في عابدين تحديداً. لا يزال منزل عمه هناك، ولكن والده اختار المعادي، التي سترتبط به وتظهر في أعماله. بعد وفاة جده، ذهب مع أسرته وعاشوا في منزل الجد بعابدين، قبل عودتهم للاستقرار نهائياً في الحي الهادئ، في مطلع الثمانينيات: “المعادي مكان خاص جداً، ويحقق نوعاً من الفضاء الريفي داخل إطار المدينة، وهو مربوط بشكل جيد بتلك المدينة، فخلال ثلث الساعة بالمترو ستكون في وسط البلد، حيث المقاهي والحياة الصاخبة”.

لا يستطيع ياسر أن يظل لوقت طويل في المنزل، هناك شيء ما يشده من المعادي إلي وسط البلد: “هناك حركة متواترة دائماً بين المكانين، كأنها حركة بين الهامش والمتن” ويضيف “الوجود في المعادي يحقق نوعاً من الصفاء الذهني لن يحققه مكان آخر، ولكن الإنسان يحتاج أيضاً إلي الصخب. في الواقع يحتاج إلي الحركة المتواترة بين الصخب والهدوء، حتي يصنع نوعاً من التوازن النفسي”.

نشترك، أنا وياسر، في سكننا بالمعادي، وقراءتنا لسلسلة “المغامرين الخمسة” ولكن الفارق أنني لا أعرف التغيرات التي طرأت علي الحي، فقد عرفته متأخراً، ويفاجئني هو “محمود سالم كان يكتب عن المعادي في عقدي الخمسينيات والستينيات، حينما كان الحي أكثر هدوءاً، وحينما كنت أقرأه كنت أعرف أن ما يتحدث عنه لم يعد موجوداً أصلاً”!

منذ شهور استقر صاحب “قانون الوراثة” في كندا، وغاب عن القاهرة لأول مرة فترة طويلة امتدت إلي عشرين شهراً “سافرت لأسباب عائلية، وعشت لمدة تسعة شهور كاملة أنتظر الحصول علي تصريح بالإقامة، ولم يكن يصلح خلال تلك الشهور أن أعمل أو أدرس، أو حتي أغادر كندا. خرقي للشرط كان معناه أن يسقط ملفي من تلقاء ذاته”. كان هناك جانب جيد في الأمر. يعلق: “الحدث خلق حالة من التفرغ لم تتوفر لي في القاهرة. في مصر كنت مشدوداً إلي إيقاع الحياة، بمعني أكل العيش، والخروج مع الأصدقاء، كنت مشدوداً إلي إيقاع العاصمة الصاخب عموماً، ولكن في الغربة كنت أكتب بشكل يومي، قصصاً وقصائد، ومقالات، كما كنت أترجم بانتظام. عملت كما لم أعمل من قبل، وهذا جيد. نعم جيد جداً”.

كان، كما قال، يعيش حالة متواترة بين الهامش والمتن، بين المعادي ووسط البلد، فهل سفره بين كندا والقاهرة سيخلق له نفس الحالة، بين “إدمنتون” المدينة الكندية الهادئة، وبين القاهرة الصاخبة؟! أسأله ويجيب باقتضاب: “صيغة السؤال ظريفة” قبل أن يضيف: “ذلك يتوقف علي عدد المرات التي سآتي فيها إلي مصر، أعتقد أنني لن أستطيع المجيء كثيراً لارتفاع تكلفة السفر، ربما (سأنزل) مرة أو إثنتين في العام، ما لم أجد صيغة للعمل تتطلب أن أكون بين المكانين”.

بدأ ياسر بديوان “ناس وأحجار” ثم رواية “قانون الوراثة” فديوان “جولة ليلية” ثم مجموعة “يونس في أحشاء الحوت” أي أن الديوان كان يمثل محطة دائمة في مشواره الأدبي، هل يعني ذلك أنه شاعر في الأصل؟! أسأل ويجيب: “أنا لا أفضل وصف شاعر أو روائي، وإنما كلمة كاتب”. إنه يجد نفسه في جميع الأشكال الأدبية، سواء القصة أو الرواية، أو الشعر، أو حتي المقال: “كان ذلك تقليداً في ثقافتنا المعاصرة، ولم ينشأ التخصص إلا في الستينيات. أذكر هنا العقاد وتوفيق الحكيم والمازني، وأيضاً يحيي حقي، الذين كانوا يكتبون أكثر من شكل أدبي بدون أن يصادر أحد علي حقهم في هذا، وبدون أن يتهمهم بعدم التركيز”.

ما يجمعه بأصدقائه “حساسية أدبية معينة” ومع ذلك: “لست منغلقاً علي تلك الذائقة”. يجيب عن سؤالي حول “فاشية الجيتو” ومصادرته علي “الحساسيات الأخري” ويضيف: “حساسيتنا ربيناها مع بداية التسعينيات، وتحديداً في كلية الآداب، جامعة القاهرة، كنا مجموعة كبيرة من الطلاب الكتّاب، وتعرفنا إلي مجموعة من الأصدقاء الذين ينتمون إلي مدن أخري، مثل أسامة الدناصوري، وعلاء خالد من الإسكندرية، وإيمان مرسال التي كانت قادمة من المنصورة”.” هيثم الورداني، وأحمد فاروق”: “تعرفنا عليهما بعد الجامعة، إنهما ينتميان إلي نفس الجيل، والحساسية، وخضعا للمؤثرات ذاتها” ومع ذلك يعترف بأن هناك مصادرات تحدث من البعض ضد الآخرين: “فيه ناس مصعّبينها جداً، ويستدرك: “ولكن دعنا نتفق علي أنه لا بد من حد أدني للتوافق علي نص ما”.

بدأ وعيه بالكتابة يتشكل في مرحلة الجامعة، وتحديداً بعد قراءته لكتابات يحيي الطاهر عبد الله، وعبد الحكيم قاسم، وعلاء الديب. الأخير تربطه به علاقة خاصة: “تعرفت إلي الأستاذ علاء في مرحلة مبكرة جداً، في فترة الثانوية، وهو جاري في المعادي، وأبناؤه كانوا زملائي في المدرسة، وعمي كان زميله في (روز اليوسف)، وبدأت أعرض إنتاجي الأدبي عليه في وقت مبكر، وأعتقد أنه كان أحد الداعمين والملهمين لي بأن أستمر في الكتابة بشكل جاد”. عرف ياسر أنه أصبح كاتباً، ولكنه لم يفكر أبداً في أكثر من الخطوة المقبلة، بمعني أنه لا يعرف ما طموحه الكبير: “ليس لديّ خيال في ذلك الأمر” ويضيف: “أعرف فقط مشاريعي التي أعمل عليها، ديوان شعر غير مكتمل، ورواية مفتوحة، وكتاب مقالات”!

“كل التراث المصري من الموسيقي والأغاني” يُعتبر المفضل بالنسبة إليه، أم كلثوم لديها مكانة خاصة، ومعها أيضاً أحمد عدوية، و”حتي الجدد بتوع الأغاني الشعبية”. يضيف الموسيقي الإنجليزية، خصوصاً موسيقي الستينيات والسبعينيات. يستمع إلي ال”روكآند رول” وأحياناً “الجاز” ويعلق: “حصلت علي خبرة جميلة في أمريكا، خبرة الذهاب إلي نوادي الجاز، في نيو أورليانز، وشيكاغو. لم أكن أحب ذلك اللون، ولكن حينما حضرت حفلات لفرق أمريكية، في أماكنها، بدأت أهتم بالجاز”.

وعلي عكس الموسيقي، أصبح اهتمامه بالسينما فاتراً، كان مهتماً بها ربما إلي منتصف الثلاثينيات من عمره، وكان يعمل في صناعة الأفلام التسجيلية: “السينما لم تعد ملهمة لي”. لا يملك تفسيراً واضحاً لذلك، ولكنه علي العموم يقول: “الأفلام الجميلة أصبحت قليلة، علي المستوي المحلي والعالمي. عصر السينما الكبيرة ذهب بدون رجعة، السينما كوسيط أصبحت مهددة بفنون الفيديو، حالياً أكاد لا أشاهد سوي فيلمين أو ثلاثة في العام، ولكنني أعوض بالموسيقي”.

درجة الحرارة في “إدمنتون” المدينة التي من المؤكد ستشهد منعطفات في حياته، تصل إلي ثلاثين تحت الصفر. يقلل ياسر من هواجس الطقس: “ثمانون بالمائة ممن يعيشون في تلك المدينة قادمون من مناطق حارة، مثل الهند، والصين، والعالم العربي، وأنا مضطر للتكيف. لا مشكلة في ذلك. أنا غير قلق”.

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم