عزت القمحاوى: لن أنسى لحظة فراق سامى يعقوب

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 20
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاوره: حسن عبد الموجود

قبل مولد عزت القمحاوى بقليل فكرت عمًّتُه فى حمايته، فقد مات له شقيقان تباعاً. وأمه، التى لا تؤمن بالخزعبلات، تحت ضغط منها، وافقت على زيارة عرَّافة شهيرة، على مضض. العرافة انتفضت، وأصدرت صوت رجل، المفروض أنه عفريت، واسمه الشيخ محمد، بدأ فى إملاء طلباته، “فرخة وصابونة”، وأمه لم يعجبها الكلام، وقالت للعفريت ساخرة: “ممكن يا شيخ محمد العفاريت تاكل فراخ، لكن انتم بتغسلوا إيديكم بعد الأكل برضه؟!”، وانتهت الحكاية بثورة العرافة، وسيطرة الخوف على العمَّة، وعدم اكتراث الأم، وتمسك الطفل عزت بالحياة، رغم غضب العفريت!

لم يأخذ القمحاوى من أمه واقعيتها المفرطة تلك، وإنما كان يطفو دائماً، بحكم تكوينه الخاص، فوق الواقع قليلاً، لمَ لا، وقد رأى مشاهد شديدة السحر والخيال، رغم واقعيتها، ابن أخته مثلاً كان يدخل، فجأة، وسط 100 كلب ضال غاضب، وبدون مقدمات تهز ذيولها، وتهدأ حركتها، وتنام على الأرض، كما أن معجزة ابنه “أحمد”، كانت رؤية النمل من مسافات بعيدة جداً، أو هكذا كانت خرافته الأثيرة فى طفولته!

ظل عزت القمحاوى يختزن تلك المشاهد، حتى شعر بحاجته إلى استعارة بعض صفات أبطالها، وبدأ يجمِّعُها فى شخص “سامى يعقوب” ، الطفل الصغير، صاحب معجزة رؤية النمل فوق جدران العمارات البعيدة، الطفل الذى يُحدِّث الحشرات والطيور والحيوانات، ويرى الوقائع قبل أن تحدث، الطفل الذى صار شاباً لا تفارقه ابتسامته، رغم الكوارث المتتابعة. نجح القمحاوى، فى رسم بطل مثالى، ليِّن، لا تكسره الظروف، والأهم أنه نجح كذلك فى إشعارنا بأن هذا “النموذج الغريب” قابل للتصديق، وأنه يمثل الإنسانية فى صورتها النقية، التى لم نعد نعرفها، لكن الروائى الكبير الآن متهم باقتباس شخصية ابنه أحمد، الذى لا يكف عن تذكيره بأنه “نحته”!

كان القمحاوى يعيش شراكة كاملة مع سامى يعقوب. الكاتب والبطل يبدو أنهما احتاجا إلى بعضهما أثناء الكتابة، عزت منح سامى امرأة فاتنة، بينما  أحاط البطل كاتبه بـ”طاقة صافية من البراءة” ، وهكذا تبادل الاثنان الأدوار، فـ”ما رآه سامى يعقوب” ، هو نفسه “ما رآه عزت القمحاوى”، وهكذا أيضاً كانت لحظة تسليم الرواية، إلى الناشر، صعبة جداً. يقول القمحاوى بتأثر حقيقى: “كان فراقاً مؤلماً لن أنساه أبداً”.

فى آخر ثلاث سنوات أصدرت ثلاثة أعمال، “السماء على نحو وشيك”، “يكفى أننا معاً”، و”ما رآه سامى يعقوب” التى صدرت مؤخراً عن “المصرية اللبنانية”.. هل هذه الكثافة المفاجئة فى النشر تشير إلى صراع مع الزمن، أو إحساس بالتقدم فى العمر، يتطلب مزيداً من الإنجاز وأنت تقترب من الستين؟

لا، نهائياً، لا يوجد عندى إحساس بالسن، لدرجة أننى كلما دخلت مكاناً أتنحى عن المقدمة وأفسح الطريق لأى مرافق لى، ثم أكتشف أنه ابنى أو شخص من عمره، وأمام إصراره على أن أتقدمه أجد أننى مضطراً لتذكير نفسى أننى الأكبر من ابنى، بالمنطق، حتى حينما أقدم كُتَّاباً أصغر منى، باعتبار أنى لست كبيراً، أو هكذا أضبط نفسى، وأيضاً.. حينما يشير أحدهم إلى بـ”الكاتب الكبير” لا أعرف نفسى.

علاقتى بالكتابة علاقة روح، هناك أمور داخل تلك الروح تفرض نفسها، وتحاول الخروج إلى النور، لكن بدون حسابات الإنجاز، وطبعاً أى عمل يتعثر أو أشعر أن هناك حسابات عقلية تحكمه أنصرف عنه فوراً، وعلى سبيل المثال “ما رآه سامى يعقوب” فرضت نفسها على رواية أخرى، كنت قد بدأتها وأغلقتها بسبب عوامل خارجية. حاولت “محايلة” الكتابة فى الإسكندرية، ذهبت إلى هناك لإعادة الانسجام بينى وبينها، وحدث أننى صوَّرت مكاناً وتعرضت لمشاكل، وخرجت بإحساس “جرح” كانت نتيجته إغلاق الرواية، وبدأت كتابة “سامى يعقوب” بجنون، لدرجة أننى أنهيتها فى أيام معدودة، فى أسبوعين تحديداً، غير أن مراجعتها احتاجت إلى عام كامل، على الأقل، لكن فكرة إصدار كتاب كل عام غير مطروحة ولا أخطط لها أبداً.

“يعقوب”.. هل يشير ذلك الاسم إلى اختبارات صعبة ستواجهها تلك العائلة، ابتداء من الجد سالم، مروراً بالابن صبرى، وانتهاء بالحفيدين سامى ويوسف.. هل كان اختيار الاسم للتأكيد على رحلة الصبر التى ستحتاجها هذا العائلة؟

فكرت أن يكون الاسم منسجماً فقط مع اسم سامى، بعد القراءة تكون لك تأويلات بالطبع، لكن، والحق يُقال، لم يكن فى ذهنى سوى اسم سامى، وكانت عندى رغبة أن أكتب شخصاً بهذه المواصفات، نبى، يرى الوقائع قبل حدوثها، تقريباً فكرت فى اسم سامى قبل أن أبحث عن اسم للعائلة، وأستقر على “يعقوب”.

حينما قفز اسم سامى إلى ذهنى تأكدت أنه الاختيار الصحيح، بمنطق أن هناك “ناس راكبة مع أسمائها وناس لا”، لقد رأيت سامى تمثالاً داخل الحجر، وسيطرت على رغبة فى نحته، أو إخراجه من الحجر، إذ كانت ملامحه الجلية تسيطر على عقلى، أنا أختار أسماء لا تكون لها مرجعية فى عائلات موجودة فى الواقع، ولكن على الاعتراف بأنه  حينما تفكر فى بعض الأسماء ستجد أن لها دلالات، “صبرى” مثلاً صبر 30 عاماً، محاولاً رد شرف أبيه “سالم” من خلال المحاكم، لكن اختيار الاسم حدث صدفة، سامى نفسه لم أفكر فى سوى تمتعه بحالة سلام مع النفس، وهو من الممكن أن يكون ابناً جيداً لعيسى، بطل روايتى “غرفة ترى النيل”، حيث يتمتع بقدرة خاصة على رؤية الوقائع قبل حدوثها، وقد تصوَّر أن الحياة عرض يمكن أن يتكرر دائماً، وكانت فكرته عن الزمن والحب والناس مختلفة تماماً عن تصورات البشر.

على ذكر عيسى كان التحدى فى روايتك “غرفة ترى النيل” هو إجبارنا، نحن القراء، على إكمال الرواية رغم معرفتنا منذ اللحظات الأولى بموت البطل، لا تزال تمارس لعبتك، صناعة عقدة ضخمة لنفسك ككاتب، ثم كأنك تنهى العمل بفرح من اجتاز سباقاً طويلاً بدون أن يعرق.. فى الرواية الجديدة لا يتحرك البطل سامى يعقوب أمتاراً من مكانه، يبدأ الرواية أمام ذلك القصر الغامض فى إمبابة وبالقرب من مسكن حبيبته فريدة، وتنتهى الرواية فى نفس المكان، وهكذا كان التحدى تلك المرة هو عدم إشعارنا بالملل، والرواية تصحبنا من جاردن سيتى إلى إمبابة ومن الماضى إلى الحاضر وبالعكس.. لماذا تتعمد ذلك دائماً فى بناء أعمالك؟ هل تستمتع بالألعاب الكتابية الصعبة؟

حتى روايتى الضخمة، “بيت الديب” بدأت بنفس ما انتهت إليه، مباركة الفولى جالسة تطلب من أحفادها أن يرفعوا دعاء لله لتذكيره بها، إذ عاشت طويلاً، وتنتهى الرواية بنفس الجلسة، والمائة عام التى تسردها الرواية تأتى بعد ذلك، أنا لا أتعمد كثيراً مما يحدث فى كتابتى، ولكن عندى رؤية لموضوع الكتابة، الرواية ليست نشرة أخبار، لا يجب أن يكون الخبر المؤجل هو سبب ارتباط القارى بى، أنا أعتبر الكتابة العظيمة أحد النشاطات الإنسانية غير المجدية، هى لعب محض، لعب مع شريك آخر هو القارى، والكتاب الذى يُطبع ولا يجد من يفتحه هو كتاب لم يوجد فى الحياة، نعم الكتابة شراكة مع القارى، مثل اثنين يلعبان الشطرنج، وكل منهما يعرف تحركات الآخر بجلاء شديد، لكن المتعة التى يشعران بها تتولد من الرفقة، لا من الفوز، وهكذا الكتابة، متعتها ليست فى الخبر الذى تؤجله الرواية كعقدة.

لكن هناك إدراك بكل تأكيد لما يحدث؟

نعم، الإدراك توصيف أفضل من القول إنك تتعمد صناعة الرواية الدائرية، دعنا نقول إن الإدراك هو ما يعطينى الأمان أو الجرأة على بدء اللعبة بأوراق مكشوفة، انطلاقاً من رؤية للأدب، أن هذه الجلسة بينى وبين القارى كما قلت لك.

بطل روايتك “الحارس” اسمه وحيد، معظم أشخاصك وحيدون، هل لأن أزمة الإنسان المعاصر هى الوحدة، سامى يعقوب كذلك شخص أجبر نفسه على العزلة، ولم يسمح سوى لقليلين باختراق أسوارها، هل تلك الأزمة هى سؤالك الأساسى؟

لا، الوحدة ليست سؤال كتابة، وإنما طبع الكاتب نفسه، أكون فى أفضل حالاتى حينما أكون وحيداً، لو تركت نفسى على سجيتى لن أرى أحداً، أعانى لكى أكون مع الناس، وأكون معهم بهدف معين، أنا لا أحب أن أكون موضوعاً لحديث شخصى، موضوعاً لحديث عن أن عزت القمحاوى يصنع أسطورة الاختفاء، أنا غير مختف، أنا موجود، لكن الوحدة هى الوضع الذى يريحنى، هى الحالة الأقرب إلى روحى، وهكذا تُخرِج من لاوعيى، أشخاصى فيهم شىء منى، فيهم من روحى وفيهم مما يريحنى، لكن لو تحدثنا عن الأسئلة التى تشغلنى، سأقول إنها القمع، الموت، وحرية الجسد.

يبدو سامى يعقوب أقرب إلى نبى، يرى ما لا نراه، أو يرى ما نراه ولا نلتفت إليه، يلاعب الحيوانات والطيور والحشرات، ويسلى نفسه بمراقبة النمل على جدران المبانى البعيدة، نبى لطالما أقلقت ابتسامته الآخرين. ما معجزة سامى يعقوب على وجه التحديد؟ هل حفاظه على فطرته ومحبته للناس وإن اختزلها فى فريدة فقط؟ هل قدرته غير العادية على التسامح؟ هل قدرته على الإكمال رغم المحاولات المستمرة لكسره؟ هل احتفاظه بالابتسامة حتى آخر سطر من الرواية؟

أحب أن أسمع منك، ومن آخرين أن سامى عنده معجزات، وحتى الآن غير مطمئن لما فعلته والرواية حديثة النشر، ولا أستطيع أن أحلل ما قام به سامى يعقوب، لكن فعلاً وأنا أبنيه كنت أشعر أننى فى صحبة ند، عزيز جداً، ويوم تسليم الرواية كان يوم فراق حقيقى، كان من الممكن أن تكون الرواية جاهزة فى أكتوبر 2017، ولكنها ظلت معى حتى أكتوبر 2018، ولكن ما تغير خلال هذا العام، لا يتعدى عدة جمل، يمكنك أن تكون أقدر على تحليل شخصيته، لكنى دعنى أشير إلى هذا الحب غير المشروط للحياة وهذه الفطرة النقية وهذه الإمكانيات العقلية، أنا كتبته من خلال شوقى لبشر أتمنى يكونوا موجودين، لكن لا يوجد أحد حولى مثل سامى، أنا جمعت بعض السمات الواقعية من أشخاص أعرفهم، واللحمة التى ربطتها ببعضها هى شوقى إلى هذا الشخص، النقى، الذى يمتلك إرادة كبيرة، وهنا بالمناسبة لا بد أن أشير إلى أنه ليس شخصاً ضعيفاً، وإنما يساير الحياة، ويجد لنفسه طريقاً، وفيه من نزوعنا، نحن المصريين، طوال التاريخ، إلى الاطمئنان للزمن، تصبر على الجار السو، لأنك ترى الزمن طويلاً، وهكذا سامى، فيه ليونة تساعده على مقاومة الانكسار.

كل الأحداث المتشابكة، بدأت من اللحظة التى أُهدرت فيها كرامة الجد “سالم يعقوب”، وبالتالى بدأ الابن “صبرى يعقوب” معركة استرداد الكرامة، وبالتالى خسر زوجته وحياته، وبالتالى كذلك عاش “سامى يعقوب” إحساساً دائماً بالفجيعة، على الأقل لأنه لن يستطيع أخذ حق أبيه من قتلته، هل تريد الرواية القول إن الإنسان لا يستطيع الفكاك من قبضة الماضى مهما حاول، أو أن الحاضر دائماً يفسره الماضى؟

سؤال صعب فعلاً، لكن فى الأساس أسرد حكاية، ولا يكون عندى كثير من المرامى أثناءها، الكتابة مثل الرسم والنحت. عندما رسم دافنشى عينى الموناليزا لم يقصد أن تكون نظرتها ملغزة هكذا، لكنه رسمها بشغف فخرجت النظرة محمَّلة بهذا الغموض الذى رآه الناس فيما بعد، هكذا فإن قيمة الإبداع تأتى من سر يولد معه وليس من قصد يتقصده الفنان.

ربما كانت حياة عائلة سامى يعقوب ضرورية لرسم شخصيته على هذا النحو، وربما كان من الممكن أن يكون هكذا بالضبط لو وُلد فى عائلة أخرى ليس لها هذا التاريخ.

الإضاءات كانت ضرورية على ما جرى لعائلته، ومع هذا كان يمكن أن يكون لسامى نفس التكوين، لو لم يكن لدى أبيه هذه القضية، لكن سيرة هذه العائلة، بالطبع، تنتج هذا التكوين، تزاوج بين والدين فى آخر فرص الزواج، والدين ينتميان إلى ثقافتين مختلفتين، وقد صنع ضجر الأم من هذا النضال العبثى وحدة سامى فى النهاية، ولكن بعد الكتابة وجدت أن الخوف والانكسار أصعب كثيراً من البطش، فى سيرة الأب على الأقل هناك شىء أقل عبثية مما حدث لسامى، الذى تعرض لعبث أكبر بسبب تصويره لقطين، إنه يؤمن بقضية ولديه رضا تام عما يؤديه وهناك روح تحد تتملكه، وهذه الروح كانت موجودة فى الميدان كذلك، كانت روح الناس عالية للغاية، لكن أن تُصفَّى معنوياً بالإرهاب والخوف لأنك صوَّرت صورة، فهذا لغز الرواية، والسوء الحقيقى، الذى يتعرض له الأبطال، هو الخوف، أعتقد أنه شعور أكثر سوءاً من الحزن، فالحزن شعور سامٍ، وتحصيل حاصل فى مرحلة اطمئنان، من دفن ميتاً عنده حزن لكن عنده سكينة كذلك، لأنه مطمئن على شىء، أما الخوف فهو المؤذى، والمجهول أكثر صعوبة من المعلوم، من يصل إلى السجن هو أفضل حالاً من الموجود خارجه.  

هل الكوارث المتتالية فى حياة سامى يعقوب، قسوة الأم، قتل الأب، وقتل الأخ، جرت لتأكيد فكرة النبوة؟

الامتحان يحضر، الأب المناضل يحضر، لصالح رسم بطل “النوفيلا”، كل التفاصيل ساهمت فى تكوين سامى، فالشخصية تُبنى من خلال الأحداث وليس من خلال وصفها بالكلمات، وأنت حينما ستلتقى به، ستجده صامداً، وقادراً على الابتسامة رغم هذه البلوى أو غيرها.

هل من الممكن وأنت تكتب أن يفلت منك شخص، مثل سامى، ويختط لنفسه مساراً آخر؟

السنة الزيادة التى احتجتها لإنهاء الرواية كانت بسبب هذا الزوغان، كان سامى يريد الذهاب فى اتجاه يخصه، لكن كنت أرى التمثال داخل الحجر، أى شخص غيرى سيراه حجراً لكننى كنت أرى ملامحه وتكوينه داخل هذا الحجر، كان عام مفاوضة بينى وبين الشخصية والوقائع، فى الفن لا بد أن تسيطر، الشخصية قد تطلب الانطلاق إلى مكان معين، لكن يكون فى ذهنى أشياء أخرى، وعلى رأسها الموسيقى، موسيقى الإيقاع، الذى يفرض عليك عدم الإطالة فى شىء، كالحزن مثلاً، أو الابتسام، لا بد أن تكسر لحظة كئيبة جداً بطُرفة مثلاً، أو سخرية ما، سامى خرج من التحقيق مصفى معنوياً، ولكن سائق التاكسى يخاف منه، أصبحنا أمام خائف يرتعد من خائف، كنت سعيداً حينما أنهيت هذا المشهد، سائق التاكسى نافقه باعتباره شخصية مهمة، ثم طلب منه إلحاق أولاده بوظائف، كان عندى تحدى كثافة، كيف تكتب عُمراً فى هذا العدد القليل من الصفحات، سائق التاكسى أضاف أبعاداً، فهو يمثل الرجل المنافق، الذى يبدى رضاءه ثم تكتشف أنه يتزلف ليطلب شيئاً ما فى النهاية لصالح أبنائه، كان عندى تحدٍ آخر، أن تكون كل لحظة فى الرواية مشغولة بحكاياتها وكل حكاية يكون لها جمالها وإضافتها للنص.

تعبر الرواية إلى الميدان بدون أن تتورط فى السياسة، هل كنت قلقاً أثناء الكتابة وأنت تقترب من حدث بحجم ثورة؟

حقيقى، أنا أدخلت سامى الميدان لأنه يحب الفراشات، وتصورت أن يهاجمنى أحد المهمومين بالسياسة بسبب ذلك، لأنى أدخلته الميدان صدفة، وأثناء مطاردته لفراشة الطاووس التى تشبه العلم المصرى، حينما وجد الفراشات وقد ملأت البلكونات والسماء نزل يطاردها ووجد نفسه فى الميدان، وأحبَّ الحالة، وعلى فكرة إذا كان هذا تخييلاً، فأنا ابن الميدان، ولمست ذلك، أقصد دخول الصدفة الذى استهوى العامة فيما بعد، لكن إذا كان هناك تخطيط للعمل فعلاً فخلاله أفكر فى تجنب السياسة أو محاولة خفض صوتها وأعتبر نفسى محظوظاً أننى أكتب مقالات سياسية لأننى أدفع ضريبتى خارج النص الروائى، بحيث أخلص من الهم السياسى وأنشغل بمتعة الكتابة وتصور ما سيكون عليه اللقاء مع القارى.

هذه الرواية تجبرنا على النظر بطريقة أخرى إلى جاردن سيتى، المنطقة المنعزلة التى تكتفى بنفسها وسكانها خلف أسوار الجرانيت العالية، المنطقة الثابتة، التى لا تتطور، ولا تتأخر، فجأة.. علينا أن نصدق أن بها من يشعر بالناس فى الميدان .. ما رأيك؟

أثناء الثورة ذهبت للزمالك وشعرت أن سكانها لم يأخذوا خبراً، كان يمكن أن تكون الرواية فى الزمالك أو جاردن سيتى، هذان الحيَّان كانت علاقتهما بالثورة محدودة جداً، وقد أحببت أن أبدأ بأحدهما، لماذا جاردن سيتى وليس الزمالك؟ لأن قيادات الوفد تاريخياً من سكان جاردن سيتى، وكان من الطبيعى أن يكون بيت صبرى يعقوب هناك، الأمر كان بالنسبة لى يلبى نفس حالة الزمالك، حتى حينما ساءت أحوال البلاد ظل الحيان على ما هما عليه من نظافة وأمان، وحياة اجتماعية شبه مستقرة. عمارة جاردن سيتى لم تزل متناغمة ومستقرة تشبه حياة سكانها، وانت تعرف اهتمامى بالعمارة منذ كتاب “الأيك”، وفى السفر أكون مثل الدارس، حينما أذهب إلى متحف تهمنى معروضاته مثل عمارته وأسأل إلى أى عصر تنتمى؟ القوطى، الكلاسيك، الباروك؟ العمارة هى البرهان الصلب والتأريخ الذى لا يمكن تزويره لحالة مجتمع ما فى زمن ما، هى تدل على الحالة السياسية والاقتصادية والذوق والكثير من الأشياء.

تفسِّر “الخلود” لميلان كونديرا كل تصرفات بطلتها “أجنس” بموقف بسيط جرى لأبيها فى الغابة، حيث نهره صبيان، وطلبا منه أن يدفع مقابل أن يمر من هذا الطريق، هل كان بإمكان سامى أن يعيش حياة أخرى لو تخلى الأب عن نضاله لإعادة الاحترام إلى الجد؟

قد تكون أمثولة الرواية النهائية هى ذلك الألم الكبير الذى يتبقى لسامى، أن من يريد العيش بسلام لا يستطيع، لم يعد شرطاً أن تكون سياسياً لتجد نفسك فى مشكلة، لو تخلى الأب عن النضال ولو لم تغادر الأم بالأخ ربما كانت هناك حياة أخرى يمكن أن يقترحها القراء لسامى. سامى هو جوهر العمل، وكان على الرواية أن تسلك هذا الاتجاه لنرى كيف أن هذا الشخص المسالم قد حُرم من أول لقاء حب فى بيت حبيبته لمجرد أنه صوَّر قطين.

هناك مزاوجة بين الاستبطان المستمر لشخصيات العمل، على قلَّتها، ووصف العالم الخارجى، هل ذلك الحرص على المراوحة بين الداخل والخارج، محاولة لسبغ الألوان، على عقولنا المجردة؟

أحببت تيار الوعى وكتابه، تقريباً منذ التكوين. أنت ذكرت ميلان كونديرا، الذى أحببته فى البداية ثم نفرت منه، وأحسست أن ما يقوله فى رواياته يمكن أن يقوله فى كتاب فكرى ويحقق نجاحاً كبيراً، واكتشفت أننى لا أتذكر نماذجه البشرية، فقلت فيما يشبه حالة الاستنارة، إن هذا ليس الروائى، وليس النموذج الذى ينبغى أن تكون عليه الرواية، إنها تشخيص، وبقدر ما تحاكى الحياة تكون جيدة، وتستطيع أن تقول بقدر ما تشبه الكتابة الحياة تكون جيدة، لكن الكتابة لا بد أن تكون أكثر كثافة من الواقع، وأكثر شفافية منه، وهذه الشفافية تأتى من الشىء العميق الذى بداخل كل منا، وأنا حين أكتب أزاوج بين الداخل والخارج، الحسى والروحى والعقلى، حالات الشبق عندى، فيها هذا وذاك، مارسيل بروست رغم عزلته، فعل ذلك أيضاً، وصف سقوط ظل برج الكنيسة خلال فترة الضحى فى أكثر من صفحة، وهكذا فإن الطبيعة فكرة وموضوع للتأمل.

على ذكر الأيروتيكا، أنت تكتبها بحساسية بالغة، تجعلنا نرى كل شىء دون أن تتورط فى حسية مفرطة.. وهذا دأبك فى معظم أعمالك، بخلاف الدافع الفنى بالتأكيد.. هل تقلل الإيروتيكا الزاعقة من الفن؟

الأيروتيكا هى جزء من الحب، الجنس هو لحظة خاصة بين اثنين يحبان بعضهما، الفضل فى تكوين هذه الرؤية عندى يعود للحالة الفطرية التى وجدتها فى القرية، ويعود كذلك إلى الأفلام الأجنبية، الراقية، ذات المستوى، وليست الأمريكية التجارية، اكتشفت أننى أستطيع أن أشاهد مع أطفالى مبكراً مشهداً إيروتيكياً فى فيلم أجنبى لأن مقدمات العشق والصدق تبرر هذا اللقاء، وأخجل حتى الآن، حتى بعد أن كبر أبنائى، أن أرى معهم فيلماً، تركز فيه حركة الكاميرا القوادة على ساق ممثلة مصرية تطلع سلماً، وبالتالى فإن الصدق مهم فى الأيروتيكا.

هل خسر سامى يعقوب معركته فى النهاية بالسقوط فى الخوف؟

الرواية انتهت بأنه يغلق الباب على نفسه، ويخاف من الرد على تليفونه لأنه يخشى على حبيبته، أن يتنصتوا عليها، ويعرفوا قصتها معه، هى ليست حرة، لكنها خاضعة لسلطة عائلة الزوج المتوفى، وقد تكلفها فضيحة إقامة علاقة مع سامى انتزاع ابنتيها منها، وأنا مندهش لأن بعض القراء الذين عبَّروا لى عن حبهم للرواية نقلوا إلى أيضاً انزعاجهم من النهاية، واعتبروها مبتورة، هناك نوع من القراء يحب الراحة، قالوا لى إن النهاية مبتورة للمرة الثانية بعد “يكفى أننا معاً”، طيب.. لماذا تريد أن ترتاح؟ عليك أن تكمل معى، ولننظر سوياً هل سيتعافى سامى آخر النهار أم ستزداد حالته سوءاً؟ هل فريدة بجمالها فى الحياة ستأتى إليه لتخرجه من ورطته أم أنها لن تفعل؟ لقد فضلت ترك الرواية مفتوحة على جميع الاحتمالات.

هل ما يجمع سامى بطلك، وميرسول “الغريب” بطل ألبير كامو، هو غرابة الاثنين، وتعاملهما المدهش والبسيط والصادق مع ما يجرى حولهما فى الواقع؟

الغريب حالة أخرى، لأن ألبير كامو مُنظِّر للوجودية بكتابه “سيزيف”، سامى من منطقة أخرى، أقرب للتصوف من الوجودية، إذا أردنا أن نمنحهما كينونات فكرية، سلامه ناتج من حب الحياة وليس من كراهيتها أو عدم الاكتراث بها، ولكن مداخله إلى الحياة كانت بسيطة، ولذلك رأيناه يتحول إلى مهووس جنس حينما وجد فريدة، البطل الوجودى لا يكون لديه هذا الشبق ولا هذا الفرح بالفعل الجسدى، سامى قوة فرح مؤجلة أو لم تجد مسارها، وقوة حب للحياة لم تصادف الحياة، “الغريب” وأنا أحبها جداً هى حالة ذهنية لمفكر.

جربت الأعمال الضخمة، رواية الأجيال، فى “بيت الديب”، والنوفيلا مثل “يكفى أننا معاً”، و”ما رآه سامى يعقوب”، ما المختلف بين هذين النوعين؟

أضف إليك القصة القصيرة كذلك، لماذا أكتب قصة، أو نوفيلا، أو رواية كبيرة؟ هناك اختلافات كبيرة، القصة حالة شعر، النوفيلا قريبة كذلك من حالة الشعر، رواية الأجيال رواية فيها معمار بنائى، ما يجعلنى أختار نوعاً من هذه الأنواع تساهم فيها حالتى الداخلية والظرف الخارجى، أكون جانحاً للشعر فأكتب مجموعة قصص، وعلى سبيل المثال “السماء على نحو وشيك” لم تأخذ حظها، ربما، بسبب صدورها بين عملين، روائيين، لكن كتبتها بحب وسلطنة غير عادية وكانت روحى طالبة ده وكذلك الظرف الخارجى، القصيدة والقصة تُكتبَان فى أى مكان، الرواية الكبيرة بنت العمران، بنت المجتمع الثابت المستقر، بنت اشتغالاتى فى العمل، أنا لمَّحت لرواية فى مقدمة “الأيك”، حيث قلت ساخراً إنه لا يجب أن تنتهى الألفية الثانية، بدون عمل، فبدأت رواية ثم وُلدت نصوص “الأيك” وأصبحتُ مثل الزوج سيى الحظ الذى يجد عشيقة جميلة فى أفضل فترات استقراره الزوجى، فأغلقت الرواية. كانت هذه الرواية هى “بيت الديب” وكنت قد أنهيت منها مساحة كبيرة، وظلت مركونة عشر سنوات بسبب حالتى النفسية السيئة، هذه العمارة المركبة اتضح أنها كانت تحتاج إلى وقت لا يقطعه العمل الصحفى، فكرة تخفيض التزاماتى الصحفية السبب الحاسم فى أن تُكتب “بيت الديب”، وهكذا فإن الظروف والمكان يكتبان معنا.

أنت واحد من قلائل يملكون قدرة على طرح أفكار، فما الذى أضافه المفكر إلى الروائى وبالعكس؟

هى فكرة التأمل، والفلسفة التى أحببتها، الظاهراتية، الشخص الذى يحب العزلة يحب التأمل، لا أتعمد صناعة أفكار ولكن أيضاً لا أحب أن أقرأ لآخرين يقدمون الحكاية بلا عمق..

الحكاية دون عمق غير قادرة على البقاء، ولا تصلح إلا لقراءة واحدة، ثم تزيحها حكاية أخرى للكاتب نفسه، أو للكتاب الآخرين، هذا النوع من الكتابة التى لا تترك ظلالاً فى النفس والعقل يناقض مفهوم الأدب.

كيف احتفظت لنفسك بلغتك الفنية، بينما تنتظم فى الكتابة الصحفية على مدار أربعين عاماً تقريباً؟

أحد الأصدقاء كان يقول لى “أنا خايف عليك، أنت تبذل مجهوداً إبداعياً فى الصحافة”، كان ردى أن لغتى هى طينة صلصال مرنة فى يدى يمكن أن أشكل منها عروساً، ثم أقوضها وأشكل منها حصاناً، لكن هذا كان إحساسى فعلاً، لكن أنا لجأت للعكس، بدلاً من أن أنزل من لغة الرواية إلى الصحافة، رفعت لغة الصحافة إلى الفن، وكنت محظوظاً بمنابر تستوعب هذه الرفعة اللغوية، وكانت هذه المقالات بذوراً لكتب فيما بعد، جعلت الصحافة رقم اثنين، لكنها أعطتنى أيضاً ميزة الاختصار بسبب صراعى مع محررين آخرين على المساحات، كان كل منا يختصر ليجد لنفسه مساحة، تعلمت أن أقول ما أريد بإيجاز ووضوح، ليس وضوح الخفة، طموحى أيضاً أن يكون عندى لغات أو أساليب، الروائى يجب أن يكون عنده أكثر من أسلوب، وهذا متحقق على ما أعتقد، عمل فيه فانتازيا مثل “مدينة اللذة”، غير آخر فيه أريحية مثل “بيت الديب”، كنت واعياً بأن لغة “الحارس” يجب أن تكون حادة كلغة الأوامر، “ما رآه سامى يعقوب” و”يكفى أننا معاً” قصص الحب شىء أساسى فيها، ولذلك فإن الشخصية تردد ألفاظاً فيها طفولية، العالم الذى تتناوله لا بد أن يكون لها أثره على اللغة، وكذلك الأشخاص، سامى يعقوب كان يجب أن يقول: “أصبحت أحبها جداً جداً”، عيسى فى “غرفة ترى النيل” تُظهٍرُ لغته طريقته فى التفكير وسلامه النفسى، حتى وهو يموت كان كوب شاى بالنسبة له بالدنيا وما فيها، يقول: “يا سلام.. مملكة.. عظمة”، ضرورى أن تكون اللغة جميلة ومتنوعة، ولهذا فإن مسؤولية الروائى أكبر من مسؤولية الشاعر بكثير.

هل تعتبر كتابتك امتداداً لأعمال سابقة عليك؟ هل أباؤك عرب أم غربيون؟ وهل توافق على القول إنك كاتب بدون جيل؟

أبائى غربيون، ونجيب محفوظ داخل فى تكوينى بشكل جيد جداً هو ويوسف إدريس، لكن القدر الأعظم من قراءاتى لكتَّاب غربيين ويابانيين، عدم الانتماء للجيل حقيقة تسعدنى، وقد كان سببها ولادتى فى الستينيات، حيث أصبحت صديقاً لكتاب تلك الحقبة، وليس لأبناء جيلى، وجدت نفسى جاراً لمحمد البساطى وصرنا أصدقاء، وعملت مع جمال الغيطانى وصرنا أصدقاء، كان إدوار الخراط، على الجانب الآخر رائداً أو حريصاً على ريادته لجيل، وسلك فى مسبحته عدداً من كتَّاب ظهروا معى فى نفس التوقيت، لكنه لم يذكرنى بحرف واحد، كان “جيل التسعينيات” ومعظم أبنائه بدأوا الكتابة معى تعبيراً صكه الخراط، بينما كنت أعيش باعتبار أنى قريب من كتاب الستينيات، ثم إن المعنى الأجمل والذى يجب أن يسعى إليه كل كاتب هو الفردية، لا أكتب مثل شخص ولد فى نفس الجيل، كتبت “الأيك” قبل أن تكتب إيزابيل أليندى “أفروديت”، وهذا يُظهِر بجلاء أن هناك كتابة متوازية فى العالم تشبه بعضها، كأن هناك إيقاعاً فى الهواء خلق هذه النصوص، ورويداً رويداً كنت أنفتح على العالم وأجد أن النص الذى أكتبه مشابه لنصوص فى لغات لا أعرفها، أحب التفاصيل، أحتفى بالحواس، أطبخ، أتأمل العمارة، كل هذه الأشياء صنعت “الأيك” الذى كتب رياض أبوعواد فى وكالة الأنباء الفرنسية أنه “كتاب غير مسبوق فى العربية” ثم كرر من بعده كثيرون تلك المقولة، ليس شرطاً أن تكون ابن جيل واحد فى مدينة واحدة لكى تصبح كاتباً فى هذا الجيل، ممكن كاتب أصغر منك ولا تعرف لغته ولم تلتق به أبداً يكتب بنفس الروح، لأنكما تعرضتما لمؤثرات عالمية أوصلتكم فى نفس التوقيت لهذا الشكل، وهذا موجود دائماً فى العلم أيضاً، انظر إلى بدايات السينما والتلغراف، ستجد أن هناك صراعاً على من ابتكرها دائماً، ستجد طرفين دائماً يقول كل منهما: أنا من اخترعت السينما أو التلغراف، وهكذا فهناك عقلان فى مكانين مختلفين يتوصلان لنفس الشىء، دائماً!

المرأة عندك تعتز بنفسها دائماً، ولديها كبرياء خاص.. ما السبب فى ذلك؟

نعم.. المرأة عندى أقوى من الرجل فى كل الروايات تقريباً، وتقرر مصيرها بيدها، حتى بالنسبة لفريدة حبيبة سامى، كان وضعها ضاغطاً ومع هذا تتحمل، عامود رواية الأجيال “بيت الديب” هى مباركة الفولى، وكل الشخصيات النسائية عموماً فى هذه الرواية أكثر لمعاناً، لا يوجد رجل فى “بيت الديب” يوازى أنثى فى القوة، فى التحكم بالمصير، فى التحايل على شروط المجتمع، وهو أيضاً ما مارسته فريدة مع سامى يعقوب، لقد رأينا ذلك الحس التضامنى النسائى الذى يشبه حس الأقلية، فقد هيأت صديقات فريدة الجو لها لتقابل سامى. احترامى للمرأة من احترامى لأمى، أمى وجودية، مؤمنة وتصلى، ولكن كل ما لا يقبله عقلها ترفضه، ولا يلزمها.

منذ متى بدأت تشعر بالتحقق؟

منذ لحظتى الأولى فى الكتابة وأنا أشعر بالتحقق، وأشفق على أى شخص يجرى على الندوات وغيرها، مع الاعتراف أننى بدأت أستجيب لنصائح أصدقاء وناشرين، قالوا لى إننى لا أساعد أعمالى، كان أحد المحاذير أننى كنت فاعلاً فى الصحافة الثقافية، وهناك أمر آخر يتعلق بطبيعتى، حيث لا أخرج كثيراً وأقتصد الوقت، إنها خياراتى، لكن لحسن الحظ أننى معروف ومقروء، وأشعر أن هناك أشخاصاً يحبوننى، ومع هذا كل ما يشغلنى حينما أكون فى مواجهة شاشة الكمبيوتر هى الكتابة ولا شىء غيرها، لكن من حيث الرضا أنا راض جداً.

هل تعرض مخطوطاتك على الأصدقاء؟

أعرض مخطوطاتى منذ سنوات طويلة على صديقى الشاعر وليد خازندار، كان مقيماً فى القاهرة وانتقل للإقامة بأكسفورد والتدريس بجامعتها، إنه يشكل أول قارى لكل أعمالى، وهو الوحيد الذى يقرأ فصلاً واحداً، أو مشهداً أولياً، ومعه اثنان أو ثلاثة ممن أجد لديهم الوقت والرغبة فى المناقشة وليس مجرد تطييب الخاطر. 

وما طموحك؟ هل ضبطت نفسك مرة فى حلم يقظة وأنت تقرأ خطاب نوبل؟

ضاحكاً: الحمد لله ربنا حمانى، كل من فكَّر فى خطاب نوبل وقع شر وقعة، حتى من حصل عليها فعلاً وألقى الخطاب انتهى تقريباً، لكن اللعنة الأكثر قسوة هى لعنة الشوق لنوبل، عندى مقال ساخر “متعة ألا تنتظر نوبل” كتبت فيه إننى أجلس الآن ولا أشعر بالقلق الذى يشعر به أدونيس، وأتلصص على قصة تدور حولى، قصة رجل يحاول إغواء امرأة، ومن الواضح أنه يكذب عليها، وكتبت أننى سعيد أن هذا اليوم يوم عادى بالنسبة لى، وطبعاً خطاب نوبل جنون، لكن الجوائز بشكل عام سواء من الدولة أو غيرها أمر جيد، بشرط ألا تؤثر على روح الكاتب، وألا تعشش فى خياله أو تشوش عليه، على الكاتب أن يحرر خياله لمصلحة نصه، وهناك رواية بدأتها فى 2012 تعاندنى مثل “بيت الديب”، لأن الواقع الذى تطمح إلى تصويره لم يستقر بعد.

مقالات من نفس القسم