عبده النصاب

حميد اليوسفي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاميد اليوسفي

لم يكن صديقا بالمعنى الدقيق. كان مجرد معرفة عابرة. درس في نفس الإعدادية، وأقام بنفس الحي. المدرسة والحي واختلاط حلقة المعارف بحلقة الأصدقاء تجعل المرء منفتحا على ما يحب وما لا يحب من الناس.

عبده كذاب ونصاب ونصف لص وفيه شيء غامض من الطيبوبة. في البداية هو لم يسرق إلا بعض أفراد أسرته. يتباهى ويفتخر بنسبه مثل غيره من إخوته وأقربائه. نسب يجمعهم مع الطبيب والمحامي والباشا ورجل الأعمال. فشل والده وأمه في تربيته. لم يكمل دراسته. من كثرة كذبه لا أحد يعرف هل انقطع عن الدراسة في الإعدادي أم الثانوي. أنيق في هندامه، طويل في قامته، نحيف في جسمه، أكرد في شعره، لكن ابتسامة ماكرة لا تفارق شفتيه. يحفظ عن ظهر قلب أسماء المسؤولين الكبار بالإدارات العمومية  في المدينة من جميع القطاعات..

وجدك مرة جالسا رفقة صديق في مقهى فرنسا. حدث ذلك منذ زمن بعيد. كان مارا رفقة أحد ضحاياه. جلس إلى جانبك من غير إذن. قدمك لصاحبه على أنك أخ لمسؤول كبير في العدل. لا يبالي بقبولك أو رفضك لما ادعاه. يطلب قهوة، يخرج سيجارة، ويضع علبة (ل. م) فوق الطاولة وبجانبها المفاتيح. يسحب الدخان وينفثه. يرمي عقب السيجارة ولا زال فيها النصف. هذا جزء من المشهد يمثله بإتقان ثم ينهض مع صاحبه ولا يؤدي ثمن قهوته. يعدك بأنه راجع للتو، لكن لن تراه إلا بعد ثلاثة أيام أو أكثر.. لا تعرف بقية التمثيلية، لكن يمكن أن تتخيل نهايتها.

أغلب أبناء الحي العاطلين عن العمل، أو الذين يبحثون عنه، يعجبهم تصرف عبده. فهو يجعل من هذا ابن قاض، وذاك ابن كومسير أو ابن عم مدير لمكتب (راديما)، وهكذا دواليك. ويحصل على (مقابل) فهو يقدم دائما نفسه كوسيط .. يظهر ويختفي.. عندما يصرف آخر مليم يعود إلى الحي لمدة يوم أو يومين حتى أسبوع. يصطاد أحد الضحايا من باب المحكمة أو غيرها من الإدارات ويمثل عليه نفس المسرحية بعيدا عن الحي، رغم إشراكه أحد أبناء الحي في التمثيل.. ثم يختفي أسبوعا أو أكثر…

كثير من الناس لا يعرفون سبب خجلك وخوفك من شخص تعرفه يلتقط صورة مع مسئول كبير لا يعرفه. فجأة تعود بك الذاكرة إلى سنوات خلت.. تقفز إلى ذهنك صورة عبده..

قد يكون عبده اليوم شيخا مثلك له أبناء في سن الزواج.. وربما عفا الله عنه، وتاب وعاد إلى رشده وهو ما تتمناه مع نفسك..

وقد يحدث عكس ما تتمناه ويكون عبده قد لبس لحية طويلة صبغها بالحناء، وحفظ ما تيسر من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف واستمر في لعبته القديمة التي قد لا يتقن غيرها لكي يعيش.

…..  

مراكش 13 يناير 2020

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون