عائدٌ من الخليج

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 1
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

ديباك اوني كريشنان

ترجمة: إيناس التركي

في معسكر للعمال في مكان ما بالخليج العربي، ابتلع أحد العمال جواز سفره وتحول هو إلى جواز سفر. وابتلع رفيقه في الغرفة حقيبة، وتحول إلى حقيبة سفر صغيرة. وعندما قام رفيقهم الثالث المطلع على السر والذي كان له دور هام في الخطة، بالهرب صباح اليوم التالي، حمل معه الحقيبة الجديدة وجواز السفر، متجاوزا الحارس الليلي واستقل الحافلة الصباحية المتجهة إلى المطار. تجاوز موظف شباك التذاكر الذي كان مصابا بالملل، وتجاوز الأمن، وتجاوز التفتيش الذاتي وتفتيش حقيبته. تجاوز دورة المياه التي استخدمها مرة، مرتين، ثلاثا، للتبول والتبرز والجلوس. تجاوز السوق الحرة حيث حملق في أنواع الشوكولاتة والخمور والمجلات والعملات المختلفة. تجاوز أسرا تتناول المأكولات السريعة  وهم يرتدون ملابسا رياضية أو ملابسا لمشاهير مصممي الأزياء. تجاوز رجالا ونساء ينامون ممدين على الأرض. تجاوز ماضيه وحاضره. تجاوز الذهب في الأسواق ورافعات الأوناش في السماء. تجاوز رائحة البترول العالقة في الجو، وأحلامه في رأسه. تجاوز الرب والشيطان، ورائحة قاعات الطعام. تجاوز الرطوبة والهواء الساخن. تجاوز كل ذلك حتى وجد مقعدا شاغرا في صالة المغادرة حيث جلس ممسكا بمستقبله بين يديه. عندئذ وفي تلك اللحظة نبتت لحقيبة السفر الصغيرة  ساقين وأذنين، كما نمت لجواز السفر كفين بأصابع طويلة بالإضافة إلى أنف وشارب. وبعد النداء على الرحلة، وفي ذات اللحظة التي قامت فيها المضيفة بتفحص أوراقه، طلب من العامل الثالث أن ينتظر جانبا.

كانت المضيفة بحاجة إلى بعض الوقت كي تتمكن من التفكير في ما عليها أن تتخذه من اجراءات، أو لو فيما كانت هناك حالات سابقة مشابهة لحالة الرجل وممتلكاته. فضل الرجل ألا ينتظر، وركض بأقصى ما يستطيعه من سرعة عابرا خلال الباب المؤدي لممر ركوب الطائرة. تجاوز الركاب الآخرين الذين كانوا قد سبقوه عبر الباب وشكلوا صفا داخل الأنبوب ذو النوافذ الصغيرة، منتظرين مثل الدماء داخل سرنجة.  كانت تتبعه بسرعة شديدة حقيبته الصغيرة على ساقيها، وقد امتطاها جواز السفر ذو الأصابع الطويلة وكأنها جواد. كان المنظر مثيرا للعجب والرعب في ذات الوقت، وقد جعل ذلك العاملين يشعرون أن من واجبهم الوقوف في طريق ثلاثتهم ومنعهم من المرور، وذلك لحماية الطائرة والطيارين والطاقم من شيء مبهم لم يتمكنوا من تحديده. لم يكن ما فعلوه مهما، ولم يكن ليشكل أي فارق، لأن الرجل الذي كان يقود الهجوم وفي نوبة من اليأس، فتح فمه عن آخره وطلب منهم الابتعاد. اتسع فمه أكثر وأكثر حتى ابتلع أول شخص في طريقه، ثم الذي يليه، والذي يليه. رفض التوقف عن الركض فيما كانت حقيبته الصغيرة تحاكيه هي الأخرى، تنفتح وتنغلق، تصطدم بالناس وتمتصهم لأعماقها كحفرة بلا قرار.  كان يعاونها جواز السفر الذي يمتطيها كفارس ويقوم بحشر الناس داخلها بينما كانوا يقاومون ويحاولون الفرار.  كان كل شيء قد حدث بسرعة بالغة؛ الركض والابتلاع، الحشو والجنون، لدرجة أنه عندما وصل ثلاثتهم حتى باب الطائرة بدت عليهم في أول الأمر علامات الدهشة، لا الفرح. ثم ظهرت عليهم أمارات الارتياح عندما حدق فيهم الطيارين والطاقم من الطرف المقابل للأنبوب الطويل حيث كان الجميع، بما في ذلك باقي الركاب، قد هربوا ليراقبوهم عن بعد كما تراقب القطط الكلاب.

قام كل من الحقيبة الصغيرة وجواز السفر والرجل بالتقاط أنفاسهم؛ يأخذون شهيقا ويطلقون زفيرا بصعوبة وكأن الهواء مليء بالمسامير.  في أثناء ذلك وعلى مبعدة، بضجيج مليون حصان هرع نحو البوابات حيث كانت المضيفات قد صرخن وفقدن الوعي رجال مسلحين بالنوايا الحسنة والرشاشات وقنابل الغاز. أدرك ثلاثتهم أن عليهم انجاز الأمر والانتهاء منه فورا. كانت مسألة حياة أو موت. لذا هرعوا داخل الطائرة الخالية وأغلقوا بابها. وجدت الحقيبة الصغيرة وجواز السفر مقاعدا شاغرة في الدرجة الأولى فجلسوا وربطوا حزام الأمان، بينما ركض الرجل لنهاية الطائرة وأخذ يبتلع كل شيء تقع عليه عيناه. بدأ بابتلاع الحمامين، وعربات الطعام التي تحمل خيارات الطعام النباتية وغير النباتية، وعصير التفاح والخمر. ابتلع المقاعد والمجلات، والطاولات المستخدمة كصواني للطعام والأنوار التي تومض. ابتلع الأغطية ووحدات التخزين العلوية والجوارب وشاشات التلفزيون. ابتلع هواء الكابينة  بما علق فيه من روائح أنفاس وحبات حلوى النعناع. ابتلع كل شيء أمامه، وهو يتحرك بخفة من الدرجة الاقتصادية لدرجة رجال الأعمال حتى الدرجة الأولى. ابتلع حتى الحقيبة الصغيرة وجواز السفر. ابتلع السجاد ومخارج الطواريء. ابتلع أجهزة التحكم في الطائرة والنوافذ الملطخة ورائحة أجساد الطيارين. انزلق حتى مقدمة الطائرة مستمرا في ابتلاع كل شيء حيث تحرك من المقدمة نحو المؤخرة مبتلعا الأجنحة والعجلات، والحقائب والوقود. ابتلع بشرته والوجود ذاته حتى لم يعد من الممكن التعرف على الرجل، فقد تحول إلى طائرة جامبو عملاقة. كان الركاب الذين أخرستهم الدهشة والرجال المسلحين بالرشاشات وقنابل الغاز يراقبونه من الصالة التي تم عزلها. وكان قائد أولئك الرجال يسأل عبر جهازه اللاسلكي عن أي الاجراءات عليه اتخاذها في ذلك الموقف. لكن لم يكن عليه أن يشغل باله بالأمر، فقد أخذت الطائرة بالتحرك عبر ممر الاقلاع. تجاوزت الطائرات الأخرى المنتظرة، وتجاهلت النداءات الموجهة لها من برج المراقبة والتي ترجوها أن تتوقف وأن تنتظر لحظات. ترجوها أن تتحدث في الأمر، وتتسائل عن مصير الرهائن. لكن الطائرة لم تكترث. مضت في طريقها مبتهجة، تتزايد سرعتها. ارتفعت مقدمتها وأدخلت عجلاتها عائدة بحمولتها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مترجمة مصرية، والقصة للكاتب الهندي ديباك اوني كريشنان من مجموعته القصصية “عابرون”

مقالات من نفس القسم