“طفيلي”.. من تحت الأرض لفوقها

طفيلي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمد العبادي

ليس من المبالغة اعتبار فيلم “طفيلي” Parasite أنجح فيلم في تاريخ سينما كوريا الجنوبية، فهو أول فيلم كوري يفوز بالسعفة الذهبية لمهرجان كان، والأول الذي يرشح لجائزة أوسكار أحسن فيلم، بالإضافة إلى ترشيحه لخمس جوائز أوسكار أخرى (أحسن إخراج، سيناريو أصلي، مونتاج، تصميم إنتاج، وأحسن فيلم أجنبي)، وترشيحه للعديد من الجوائز والتقديرات الأخرى.

حصل الفيلم على تقدير نقدي وجماهيري تجاوز كل الأعمال  الكورية السابقة التي تم عرضها عالميا وحققت نجاحا مذكورا (أولدبوي مثلا).

“طفيلي” حقا يستحق كل هذا التقدير وأكثر.. فيلم متكامل فنيا على مستوى كل عناصره: الصورة والسرد والأداء التمثيلي…

يمكن أن نصف “طفيلي” بالفيلم السهل الممتنع، فهو يبدو فيلما بسيطا عن أسرة فقيرة يقوم أفرادها بالتطفل على أسرة غنية بطرق احتيالية.. لكن الحقيقة أن الأمر أعقد من ذلك بكثير. فالفيلم ثري بعناصر متعددة في السيناريو، ما يجعل من الممكن تحليله من عدة زوايا.

إن انطلقنا في تحليل عناصر الفيلم من زاوية “الموقع”.. يظهر لنا مقابلة واضحة في الموقع بين الفقراء والأغنياء.. فالفقراء دوما “تحت الأرض” والأغنياء فوقها.. ويستمر خط هذه المقابلة على امتداده.. الأغنياء: فوق الأرض، شمس، هواء، مساحات واسعة، تطور تكنولوجي، حدائق، مناظر طبيعية خلابة… / الفقراء: تحت الأرض، ظلام، ضيق، ضعف تكنولوجي، بول، مجاري، رائحة كريهة…

كما تنعكس المقابلة على طبيعة الشخصيات وتعاملهم مع الحياة ونظرتهم لها، فالفقراء يتعاملون من منطلق الضعف.. يحاولون الوصول لأهدافهم بالاحتيال والمهادنة، بينما الأغنياء يتعاملون بأنانية وتطلب وعنصرية وثقة مطلقة تصل لحد الغباء.

هذه المقابلة هي التي تعطي قوة الدفع لحبكة الفيلم. حين ينهار الحاجز الفاصل بين الفقراء والأغنياء عندما يقوم ابن عائلة “كيم” الفقيرة (شوي وو شيك) بالعمل كمدرس مؤقت لابنة عائلة “بارك” الغنية (جيونج جي سو)، ليستغل الفتى هذه الفرصة ليفتح الباب لأسرته للـ”تطفل” على الأسرة الغنية.

تعامل الكثيرون مع الفيلم من منطلق واقعي بعرضه للعلاقة بين الفقراء والأغنياء.. بينما الأصل في الفيلم ليس الواقعية.. بل هو أقرب لحكاية رمزية/ سريالية.. تتطور فيها الأحداث بغرابة أقرب للحلم أو الحكاية الشعبية.. لكن ربما ما أعطى الانطباع الواقعي هو جودة تنفيذ الانتاج واهتمامه بالتفاصيل.. وجودة أداء الممثلين.

حصل الفيلم على جائزة رابطة ممثلي الشاشة لأحسن طاقم تمثيل.. وهي جائزة مستحقة بجدارة، قام طاقم الممثلين بأداء أدوارهم بوعي واحترافية.. فالأداء الذي قد يبدو بسيطا وتلقائيا هو في الأصل انعكاس لغرائبية الشخصيات والحكاية التي تروى عن طريقهم.

طفيلي

ومما يدعم غرائبية الفيلم هو غياب المنظور الأخلاقي في التعامل مع الأحداث، فرغم قيام الأسرة المتطفلة بالعديد من التصرفات اللا أخلاقية الاحتيالية غير آبهين بأثر تصرفاتهم على الآخرين.. إلا أن الفيلم لا يدين احتيالهم وأنانيتهم بشكل مباشر.. بل من الممكن تفسيره بأنه يذهب في اتجاه أن أنانية الفقراء وفسادهم الأخلاقي هو انعكاس لأنانية الأغنياء وتجاهلهم للفقراء.

أما على مستوى الصورة، فنجد لدينا طاقم صورة متميز المخرج “بونج جون هو” صاحب الخبرة على مستوى السينما الكورية والعالمية.. والذي شارك أيضا في صياغة السيناريو.. ثم نجح في ترجمته إلى حالة سينمائية مميزة، المونتير “يانج جين مو” صاحب الفضل الكبير في خروج الفيلم بصورة رشيقة وجذابة.. فاستحق عن جدارة الترشح للأوسكار، وثالثهم هو “هونج كيونج بيو” مدير التصوير الذي نجح في صياغة حالة بصرية مميزة وخصوصا في ديكور منزل عائلة “بارك”.. منزل الأغنياء.

أظن أن موجة التقدير الكبيرة لـ”طفيلي” سوف تستمر.. ليبقى هذا الفيلم محافظا على موقعه في الذاكرة السينمائية، ليس فقط لجودته الفنية، بل لمحتواه الإنساني الشامل الذي سيجعله قريبا من ذائقة الجمهور المحب للعدل والجمال في كل مكان وزمان.

مقالات من نفس القسم