طابور لا ينتهي

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

قصة .. الطاهرة عمارى أحمد 

كنت أقف في آخر الطابور وطال وقوفي ...

أخذت أحاول تضييع الوقت بأية طريقة .. حاولت أن اختلس النظر للصحيفة التي كان يطالعها الرجل الواقف أمامي .. لكن رأسه الضخم حجب عنى الرؤية ..!!

زفرت أنفاسي في ضيق ، وتنهدت .. حاولت أن أجد طريقة أخرى لتضييع الوقت حتى يحين دوري . بدأت في عد الناس الواقفين من الأمام ... ثم بدأت  العد من الخلف .. لا فائدة ...

نظرت لساعة يدي في عصبية .. يبدو كما لو إن العقارب قد أصيبت بالشلل مسحت العرق المتصبب من وجهي .. ” لماذا لا يتحرك هذا الطابور اللعين؟!! ” … كنت على وشك الصراخ .

التفت حولي وأنا اشعر بالضجر .. حاولت أن اشغل نفسي بمتابعة ما يدور في الشارع حولي .. لكن ما من شئ يستحق المشاهدة في منتصف نهار قائظ الحرارة .

وبينما انظر أمامي لمحتها …. امرأة عجوز .. متكئة على عصا من جذع نخلة .. تمشى بصعوبة بالغة .. ترتدي جلبابا مهلهلاً ، وحذاء مرقعا..

تختفى ملامح وجهها الحادة وراء التجاعيد المنتشرة فيه وتغطى رأسها الذي ابيض شعره بشالاً اسوداً بالياً بهت لونه ..

لا اعرف لما انجذب بصري إليها ، ونسيت أمر الطابور الذي أقف فيه منذ ساعة كاملة …

ظللت أتأملها وأتابعها بعيني وهى تنبش الأرض بقدميها النحيفتين ، وتتجه إلى مدخل المخبز دون أن تقف في الطابور ، وسرعان ما خرجت حاملة في يديها الواهنتين رغيفا يابسا قد اسود وجهه … أدركت على الفور أن الخباز قد أشفق عليها من السن ، والمرض ، والفقر وأعطاها الرغيف المحترق دون مقابل .

ظللت أتابعها وهى تتقدم ببطء وصعوبة متكئة على جذع النخلة …

وفجأة ….. اندفع من الشارع المقابل مجموعة من الأطفال يجرون ، ولم يلاحظوا في لهوهم ، ولعبهم المرأة العجوز وهى تتقدم في بطء ، ولم تنتبه هي لهم ..

وحتما كانت ستحدث الكارثة بين الحين و الآخر ، ويصدم احدهم العجوز في سيرها البطيء …. وصدق حدسي …

فبينما كان أحد الأطفال يمر بجوار العجوز … صدم عصاها التي كانت تتكئ عليها ، وسقطت العصا ، وفقدت العجوز توازنها وسقطت على الأرض ، وسقط معها رغيفها اليابس …

كان الطابور قد تحرك في أثناء ذلك ، واقترب دوري . لكنى ما إن رأيت العجوز تسقط حتى غادرت مكاني على الفور وهرعت لمساعدتها ..

التقطت العصا من على الأرض ، وساعدتها على الوقوف والاعتماد عليها مرة أخرى ، وانحنيت لالتقط لها رغيفها اليابس وامسح أطرافه من التراب وناولته لها .

لم تقل العجوز كلمة شكر واحدة … بل انفرجت تجاعيد وجهها تكشف عن مسحة من جمال قديم وابتسمت لي عيناها وهى تقول لي : ” ربنا يكرمك يا بنتي ” .

وواصلت طريقها في بطء … ابتسمت أنا الأخرى، والتفت انظر إلى الطابور لأجد إنني فقدت دوري وانه مازال طويلا كما كان ….

وعدت لاقف في نهاية الطابور مرة أخرى ، وانتظر دوري من جديد …

 

 

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون