ضفائر .. الاطلالة على العالم من خلال عيون “تاء التأنيث”

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

البشير الأزمي

عالية ومنانة وزهرة ونانسي وطامو وليلى ورقية وزينب وحياة وغيتة وأحلام، هي ذي "الضفائر" التي تؤثث العالم الأنثوي المنظور إليه من شرفة حكي ساردات مبدعتنا لطيفة لبصير في مجموعتها "ضفائر". حكي ينبش في المسكوت عنه،  يحكي حالات تحيا وتعيش على هامش الحياة السوية. حكي يرسم خطى معاناة اكتوين بلظى نارها، رغم اختلاف موقعهن الاجتماعي ومستوى وعيهن وإدراكهن المعرفي.

عالم الجنون والبغاء، عالم التسلط والقهر من طرف مجتمع  يقتل أنوثتهن ويسيجهن في دائرة الخنوع والاستسلام لسلطة رجولية بل ذكورية.

عالية: (الجنون)

(فرحت كثيراً إذ إنني انتظرت طويلاً أن تكبر أمي منذ أكثر من ربع قرن…) ص7

تفرح للحظة عابرة، لحظة بداية انفراج؛ لحظة فرح الأم وتعبيرها عن سعادتها بزفاف ابنتها، ص7، وتعود لتنزوي في مجاهلها.

هو ذا عالم عالية، وهي تتأمل واقع أمها؛ أم مسافرة دائماً إلى ذاتها، أم تقتعد طوار الغياب، ماسكة بتلابيب الطفولة، بل متمسكة بها لربع قرن. لاهية بدميتها، ملطخة وجهها بالفحم. أم غير قادرة على إدراك ذاتها وإدراك المحيط الذي تعيشه وتعيش فيه، بل وإدراك أطياف الفرح وهي تحلق فوق رأس ابنتها المرتدية الرداء الأبيض؛ رداء الاحتفاء بعرسها. سفر طويل استغرق مدة ربع قرن، عاشته ابنتها تحت وطأة ابتعاد أمها عنها، وتسييج ذاتها في عالم “الجنون”، عالم جعلها راغبة عن كل شيء سوى العالم الذي تعيشه ص10. 

(كم أنت جميلة يا أمي وأنت طفلة) ص9

بقدر ما تكبر البنت بقدر ما تعود الأم إلى الطفولة .محطمة هي، عالية، وهي ترقب أمها غارقة في بحر الضياع، بحر الجنون الذي كبَّل عقلها، وترك عالية تحت رحمة أب غليظ القلب، قاس على زوجته وأبنائه، وتزداد معاناتها، وهي؛ أي عالية، تكتوي بين نيران عديدة، نار فراق الأم، ونار جفاء وفظاظة الأب، ونار عدم الإحساس الإيجابي المنتظر من طرف الزوج،  الذي كلما نظر إليها، أحست أنه بعيد جداً عما تشعر به.

منانة: الموت حافز للحياة

بعد ثلاثين سنة تعود الساردة إلى الحي، تحن إلى الطفولة هرباً من لحظة العمر التي تكبلها، ترى طفلات الحي، وترى فيهن ذاتها.. كل أطفال الحي يشبهوننا تماماً) ص13، تراهن يلعبن، وترى في لعبهن فكاكاً من قيود كبلتها وأختها في فترة مبكرة من حياتهما ص13.

بقدر ما كانت العودة إلى الحي عودة لاكتشاف عالم الطفولة المنفلتة، بقدر ما كانت  بالنسبة للساردة المحفز الأساسي على الرواية؛ رواية حياة “منانة”.  المكالمة الهاتفية التي توصلت بها من طرف أختها تخبرها أن منانة توفيت. منانة التي كانت تستقبل، في بيتها، زبناءها من الأمريكان، قصد إعالة أيتامها.. منانة التي تحدت نساء الحي بل سكانه جميعا لكونهم، رفضوا سلوكها، إلا أنهم عجزوا، بل لم يتجرؤوا على الوقوف في وجهها.  منانة التي لم يودعها إلى قبرها، سوى بعض الجيران.

وبقدر قساوة “منانة” بقدر إنسانيتها، فهي واعية بما تقوم به، وتغدو غير راضية عليه، تبكي وتستجدي أمي أن تسامحها لأنها تجلب العار للحي، ص 15

هي ذي المرأة كما صورتها ساردة هذا النص، ساردة تتعاطف مع منانة  التي (تضحك بميوعة وحلاوة ،امرأة تعبث كثيراً وتضحك أكثر من نساء الحي, ص16.

المرأة؛ المظاهر..  الجثة، والضحية..

يبدو العالم الذي أسسته ساردات وفاعلات هذه النصوص عالم جثث، عالم ضحايا، عالم مظاهر، أو بصيغة أخرى عالم الإيمان بالمظاهر الخلابة لضحايا انتهين إلى جثث.. فرُقَيَّة لا تتحدث عن ذاتها بمعزل عن الجثة، إذ ترى ذاتها جثة من لون آخر. ص 39، فهي رغم حصولها على مستوى تعليمي لا بأس به؛ حصولها على الإجازة وتقدم عروضاً نقدية في الحداثة والشعر إلا أنها  تشعر بذاتها تتحول إلى جثة يلهو بها الآخر، ذاك الرجل /الذكر الذي تزوجها زواجاً أبيض، ليلقي بها في عالم بائعات الهوى، حيث تغدو جثة بين يدي رجل تشاطره الفراش، وليس الحياة.

وطامو تسقط ضحية المظاهر، الفتاة ترغب تغيير اسمها من طامو الذي يثقل عاتقها،إلى اسم آخر استقر على “تامي”، وتسعى تبعاً لذلك إلى تغيير سلوكاتها ونظم وطرق عيشها، فترتدي لباساً ضيقاً وتضع على سرتها قرطاً وتدخن، فتلاحقها الأعين وتربت على بطنها العارية، وتسعى إلى التواصل الإباحي مع أجانب. تلتقي ب “جان” يعاملها بحنو ورفق. وتكتشف أنه مغربي، اكتشفته بعد أن أطفأ نار رغبته الذكورية.

ليلى:والهروب من عالم جامح

عندما يشعر الإنسان برغبة في الفرار من عالم جامح، لم يشعر فيه بانسجام مع الآخر/ الإنسان، يبحث عن عزف نشيد متناغم مع الآخر؛ الآخر/ الحيوان؛ فليلى ترى في الكلب وسيلة لتبديد الوحدة فبنباحه في كثير من الأحيان يبدد وحدتها. ص36. الكلب الذي يَفْضُل الإنسان أحياناً، ويتفوق عليه تواصلياً  خاصة عندما  تتضايق من ضجيج الجيران، فالضجيج الذي يحدثه الجيران أشد وقعاً من الكلب, ص 36. أو المبدع المنطوي على ذاته، الغارق في عمله الفني، المستمتع بإبداعه، غير الراغب إنهاءه، لأنه بانتهاء العمل تتوقف الحياة.  ص.36

الرجل/ الذكر ولعنة الاستغلال

ويبقى الرجل/ الرجال في هذا النص، إما رافضين لواقع تبني عليه “منانة” سعادتها، كرجال الحي، أو رجال يعيشون لحظتين متقابلتين، الأب عندما يكون في البيت يكون، ما تروي الساردة، مقطب الجبين، في حين يغدو رجلاً آخر، لاهياً مستمتعاً ومستهتراً خارج البيت ص17.

عبد الكريم، حلق برقية في عالم الأحلام، وبمجرد ما حصل على عمل، ألقى بها إلى جحيم النسيان، وتزوج فتاة أخرى. وسعيد الذي أوهمها ليلقي بها بين أحضان رجل هرم، رجل يضع رجليه في القبر، رجل غير قادر على إشباع رغباته. ص40.

لا تقتصر قسوة الرجولة/ الذكورة على هذا الشيخ وذانك الصديقين، فالزوج بدوره يغدو قاسياً تجاه زوجته، فرقية تشير إلى زوجها، بضمير الغائب، (يصرخ.. أمسك بشعري.. ركلني، وهو يقذفني إلى المطبخ: سيري وجدي القهوة أ الحمارة” ص 39″هذا الرجل لا أعرفه”ص 39.

العمل الفني عمل لا ينتهي. عمل في حاجة إلى الاستمرار في نسج خيوطه، كما عبرت عنه ساردة نص ليلى، وهي تنقل لنا قول الشيخ، الذي أخبرها أنه ما زال يرسم أشكالاً مختلفة، ويخشى إن انتهت اللوحة أن ينتهي.، ص36.

مقالات من نفس القسم