صورة المثقف مخبرا: حين تنأى الوشاية بالمثقف بعيدا عن وظيفته خادما للحقيقة

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

فاروق يوسف*

غالبا ما نلصق مفردة (أشباه) بالمثقفين والشعراء والفنانين الذين نشعر أن مواقفهم على المستوى الإنساني (والثقافي الرفيع ربما) لم تكن مثالية، بالمعنى الذي تنطوي عليه صفة مثقف أو شاعر أو فنان. ولكن ذلك الالصاق كما أرى لم يكن إلا محاولة للتحايل على الواقع. الوقائع على الارض تقول أن هناك مثقفين عراقيين انضموا إلى قافلة السياسيين المناصرين لغزو بلادهم واحتلالها وهم كانوا مادة الغزل الاعلامي بالمحتل من خلال الاكاذيب والتلفيقات والافتراءات

التي حاولوا من خلالها اعادة صياغة التاريخ السياسي للعراق المعاصر، باعتبار العراق مجرد ولايات عثمانية جرى لصقها بطريقة مفتعلة من أجل تلفيق بلد. وحاولوا أيضا اعادة قراءة التاريخ الاجتماعي للمجتمع العراقي لا باعتباره مجتمعا موحدا بل هو من وجهة نظرهم مجموعة من المكونات الأثنية والطائفية التي لم تنجح الدولة العراقية الحديثة في صهرها في نسيج مجتمعي موحد. في سوريا اليوم صار مثقفون، معروفة اسماؤهم ينعتون بالخيانة كل مثقف (مبدع) يفكر بطريقته الشخصية بما يجري لبلاده. إن لم ينضم ذلك المثقف إليهم فهو عدوهم الذي إن لم ينجحوا في القضاء عليه فعليهم تشويه سمعته وتدميره نفسيا. بدأوا بنزيه أبو عفش وانتهوا بأدونيس وما بين الأثنين كانت هناك عشرات الأسماء لفنانين وأدباء كانوا ضحايا هذا التوجه العدواني.

 

أما في تونس فعلينا أن نبحث عن ذلك المثقف (الرسام) الذي دل عامة الناس إلى المعرض الفني الذي الحقت به شبهة الاساءة الى المقدسات. فالعامة كما هو معروف ليس لديها من الوقت والمزاج والرغبة والثقافة ما يدفعها الى الذهاب الى معرض فني وتفحص لوحاته وتماثيله. كان هناك إذاً واش. ولن يكون ذلك الواشي إلا مثقفا.

ما من أشباه مثقفين إذن. هناك اشباح قررت أن تصنع قدرا مختلفا لشخصية المثقف المناويء للحرية. حيث سيكون علينا بعدها أن نتحدث عن المثقف الخائن. في عصر الدولة الشمولية كان هناك كتاب تقارير سرية خفيون. أما في العصر الذي صارت فيه الديمقراطية شعارا للتغيير المجاني، صار كتاب التقارير لا يميلون إلى اخفاء أسمائهم أو لن يتمكنوا من القيام بذلك. ولو قارنا ما كَتب ضد الشاعر العراقي سعدي يوسف بسبب مناهضته لإحتلال بلاده بما كُتب ضد أدونيس وهو المطالب بصيانة بلاده من العبث لأكتشفنا أن اللغة كانت واحدة. مبتذلة، رخيصة، لا تراعي أية قيمة، ولا تمنح خصمها أية فرصة لقول مضاف ولا تنظر باحترام لمكانة ذلك الخصم التاريخية والثقافية.

بالنسبة لأي مثقف تنويري فان الحديث عن نزعة طائفية لدى شاعرين كبيرين مثل سعدي يوسف وأدونيس يعد مدعاة للضحك، غير أن الامر مختلف بالنسبة لعامة الناس الذين لا يعرفون شيئا عن تاريخ الرجلين. كان هدر دم أدونيس من قبل بعض الجماعات المتشددة (التي قد تكون وهمية) أبلغ دليل على أن وشاية المثقفين قد أدت غرضها. حينها صار بعض الواشين يبدي أسفه لما آلت إليه الأمور. حينها تذكروا أن الرجل كان كبيرا ولا يزال. شيء عظيم من الثقافة العربية المعاصرة ما كان موجودا لولاه. لقد بنى الرجل جزءا كبيرا من جسر حداثتنا. من غيره سيكون فهمنا للحداثة ناقصا وقاصرا.

كان ذلك البعض شجاعا حين اعترف أنه قد أخطأ في حق أدونيس، بل وفي حق الثقافة. ولكن هذا الاعتراف لا قيمة له لإنه جاء بعد ضربة قاصمة تلقتها الثقافة العربية بسبب نزعة لا اخلاقية مبيتة ولم تظهر فجأة. لقد أهدر الرعاع دم واحد من أعظم شعراء لغتنا في العصر الحديث وفي كل العصور. أولئك الرعاع الذين لم يقرأوا حرفا واحدا من أدونيس وجدوا أن من حقهم أن يعيدوا النظر في حق الشاعر بالحياة. قبل سنوات كان مقلدو سعدي يوسف من الشعراء (اليساريين) يتسابقون إلى شتمه. في الوقت الذي كانت قصائدهم تلحس أقدام بيت شعري منه. واقع يتشبه بالخرافة، من جهة انكاره لكل ضابط وشرط ثقافي أو أخلاقي. فجأة ينسى المثقفون أنفسهم ويهبطون إلى الشوارع الخلفية ليمارسوا عادات اللصوص وقطاع الطرق والمحتالين. يكونون خونة في لحظة الحقيقة. بدلا من الأمل يتشبثون بالخديعة. حين وقعت غزوة المعرض الفني في تونس خبأ المثقفون رؤوسهم. قيل يومها أن هناك سلفيين اعترضوا على عرض بعض الاعمال التي تسيء الى المقدسات. الحقيقة تكذب ما قيل فلو كان السلفيون من زبائن القاعات الفنية لما صاروا سلفيين. الخطر الحقيقي الذي يهدد ثقافتنا الحرة والمستقلة لا يمثله السلفيون بشكل كامل بقدر ما يمثله أيضا الوشاة من المثقفين. الاصبع الملوثة بحبر زائف وهي تشير إلى الموقع الذي يُراد هدمه.

يتستر الوشاة بالوطنية. وهم يعرفون جيدا أن لا وطن ولا مواطنة في السوق.

العراق في جزء عظيم منه هو سعدي يوسف.

سوريا ستكون ناقصة من غير أدونيس.

إذن لا معنى للوطنية حين يستعرض المثقفون قدراتهم الرخيصة على أن يحطوا من شأن هذين الرمزين وسواهما. لقد وقعنا في المحظور حين قبلنا أن ننظر إلى المبدع منفصلا عن ابداعه. فما قدمه أدونيس للغة العربية، للثقافة العربية، للمزاج العربي، للذائقة العربية، للجمال العربي يضعنا في اختبار حقيقي بين قدرتنا على التعلم من إنسانيته وبين اكتفائنا بالدرس الأدبي. وفي الحالين فان تتلمذَنا على يديه لا يسمح بأية بادرة للتشكيك بنزعة التطهر التي تتخلل كلماته. هذا شاعر كبير يرغب في أن يعلو بنا إلى مستوى إنساني رفيع.

الذين هاجموا أدونيس لانه كان مخلصا لحريته انما عبروا عن كرههم للحرية.

وطنهم المتخيل لن يكون سوى سجن.

الآن بعد أكثر من تسع سنوات على الاحتلال الامريكي للعراق صار خدم المحتل السابقون يندبون حظ العراقيين العاثر ويبكون وطنا ضيعوه. صاروا اليوم يكتبون عن الخراب. وهو الخراب الذي ساهموا في صنعه وكانوا إلى وقت قريب يشنفون أسماعهم بموسيقى القنابل التي كانت تؤسس له. وكما أرى فان أدونيس باعتباره رائيا يعرف أن سوريا لن تكون إلا صورة من العراق. وإذا ما عرفنا أن أدونيس لم يكن يوما مهتما بمصير النظام السياسي الحاكم في بلاده، يمكننا أن ننظر باحتقار إلى الكذبة التي جعلت منه مدافعا عن النظام الحالي من منطلقات طائفية.

لا اعتقد ان الوشاة كانوا جهلة بكل ما قلته عن أدونيس.

غير أن وظيفتهم تتطلب القيام بما يحقق رغبات رعاتهم.

الاطاحة بالوطن السوري لا يمكن أن تمر إلا من خلال الاطاحة بأيقونات ذلك الوطن. ‘سنذهب جميعا إلى الحضيض. النبلاء والرعاع، المتعففون واللصوص، الافاقون وصانعو الحقيقة، البنائون والهدامون، الحزبيون وذوو الرؤى المستقلة. هل يجب أن نسقط جميعا في المستنقع، من أجل أن تبدو الجريمة ذات طابع جماعي.

معزوفة العراق تتكرر لكن بمط الحروف على الطريقة الشامية.

لقد الغى مثقفو العراق الجديد ثلاثة عقود من حياة بلادهم الثقافية. وها هي بلادهم اليوم تستجدي نتاج المظلومين الوهميين في تلك العقود. كذبة صنعت واقعا هزيلا وإرثا لا يمكنه أن يكون عراقيا. العراق في كل مراحله لم يكن بهذا الضعف الذي هو عليه اليوم. لقد محيت من تاريخه ومن وجدانه السنوات التي أنتجت شعر فاضل العزاوي وسامي مهدي وحميد سعيد وخالد علي مصطفى وفوزي كريم وعلي جعفر العلاق وحسب الشيخ جعفر ويوسف الصايغ والاب يوسف سعيد وقصص موسى كريدي وجليل القيسي وعبد الرحمن الربيعي ومحمد خضير وأحمد خلف ومي مظفر ومحمود عبد الوهاب وحسين عبد اللطيف ورسوم رافع الناصري و ضياء العزاوي وشاكر حسن آل سعيد ومحمد مهر الدين وفائق حسين ويحيى الشيخ وسالم الدباغ.

لن تكون سوريا سعيدة في أن تكون نسخة من العراق.

بالضرورة أدونيس لن يكون سعيدا بذلك. وهو ما كان مخلصا في قوله. ما فعله حقا.

ولأن مثقفي اللحظة الأخيرة اعتبروا موقف الشاعر الكبير خيانة (لأي شيء؟) فقد جردوا ألسنتهم للتشهير به. كانوا كتاب تقارير، لكن بطريقة أشد نذالة وخسة، ذلك لأنهم سمحوا لوشاياتهم في أن تخرج إلى العلن على شكل مقالات تنشر في الصحف. شعبيا ربما تكون تلك الوشايات قد أضرت بأدونيس، ولكن متى كان أدونيس شعبيا؟ ولكنها (أقصد الوشايات) تقدم صورة عن المثقف العربي الذي لا أمل فيه.

مثقفو سوريا يستلهمون للأسف معجزات أشقائهم في العراق.فاروق يوسف*

غالبا ما نلصق مفردة (أشباه) بالمثقفين والشعراء والفنانين الذين نشعر أن مواقفهم على المستوى الإنساني (والثقافي الرفيع ربما) لم تكن مثالية، بالمعنى الذي تنطوي عليه صفة مثقف أو شاعر أو فنان. ولكن ذلك الالصاق كما أرى لم يكن إلا محاولة للتحايل على الواقع. الوقائع على الارض تقول أن هناك مثقفين عراقيين انضموا إلى قافلة السياسيين المناصرين لغزو بلادهم واحتلالها وهم كانوا مادة الغزل الاعلامي بالمحتل من خلال الاكاذيب والتلفيقات والافتراءات التي حاولوا من خلالها اعادة صياغة التاريخ السياسي للعراق المعاصر، باعتبار العراق مجرد ولايات عثمانية جرى لصقها بطريقة مفتعلة من أجل تلفيق بلد. وحاولوا أيضا اعادة قراءة التاريخ الاجتماعي للمجتمع العراقي لا باعتباره مجتمعا موحدا بل هو من وجهة نظرهم مجموعة من المكونات الأثنية والطائفية التي لم تنجح الدولة العراقية الحديثة في صهرها في نسيج مجتمعي موحد. في سوريا اليوم صار مثقفون، معروفة اسماؤهم ينعتون بالخيانة كل مثقف (مبدع) يفكر بطريقته الشخصية بما يجري لبلاده. إن لم ينضم ذلك المثقف إليهم فهو عدوهم الذي إن لم ينجحوا في القضاء عليه فعليهم تشويه سمعته وتدميره نفسيا. بدأوا بنزيه أبو عفش وانتهوا بأدونيس وما بين الأثنين كانت هناك عشرات الأسماء لفنانين وأدباء كانوا ضحايا هذا التوجه العدواني.

أما في تونس فعلينا أن نبحث عن ذلك المثقف (الرسام) الذي دل عامة الناس إلى المعرض الفني الذي الحقت به شبهة الاساءة الى المقدسات. فالعامة كما هو معروف ليس لديها من الوقت والمزاج والرغبة والثقافة ما يدفعها الى الذهاب الى معرض فني وتفحص لوحاته وتماثيله. كان هناك إذاً واش. ولن يكون ذلك الواشي إلا مثقفا.

ما من أشباه مثقفين إذن. هناك اشباح قررت أن تصنع قدرا مختلفا لشخصية المثقف المناويء للحرية. حيث سيكون علينا بعدها أن نتحدث عن المثقف الخائن. في عصر الدولة الشمولية كان هناك كتاب تقارير سرية خفيون. أما في العصر الذي صارت فيه الديمقراطية شعارا للتغيير المجاني، صار كتاب التقارير لا يميلون إلى اخفاء أسمائهم أو لن يتمكنوا من القيام بذلك. ولو قارنا ما كَتب ضد الشاعر العراقي سعدي يوسف بسبب مناهضته لإحتلال بلاده بما كُتب ضد أدونيس وهو المطالب بصيانة بلاده من العبث لأكتشفنا أن اللغة كانت واحدة. مبتذلة، رخيصة، لا تراعي أية قيمة، ولا تمنح خصمها أية فرصة لقول مضاف ولا تنظر باحترام لمكانة ذلك الخصم التاريخية والثقافية.

بالنسبة لأي مثقف تنويري فان الحديث عن نزعة طائفية لدى شاعرين كبيرين مثل سعدي يوسف وأدونيس يعد مدعاة للضحك، غير أن الامر مختلف بالنسبة لعامة الناس الذين لا يعرفون شيئا عن تاريخ الرجلين. كان هدر دم أدونيس من قبل بعض الجماعات المتشددة (التي قد تكون وهمية) أبلغ دليل على أن وشاية المثقفين قد أدت غرضها. حينها صار بعض الواشين يبدي أسفه لما آلت إليه الأمور. حينها تذكروا أن الرجل كان كبيرا ولا يزال. شيء عظيم من الثقافة العربية المعاصرة ما كان موجودا لولاه. لقد بنى الرجل جزءا كبيرا من جسر حداثتنا. من غيره سيكون فهمنا للحداثة ناقصا وقاصرا.

كان ذلك البعض شجاعا حين اعترف أنه قد أخطأ في حق أدونيس، بل وفي حق الثقافة. ولكن هذا الاعتراف لا قيمة له لإنه جاء بعد ضربة قاصمة تلقتها الثقافة العربية بسبب نزعة لا اخلاقية مبيتة ولم تظهر فجأة. لقد أهدر الرعاع دم واحد من أعظم شعراء لغتنا في العصر الحديث وفي كل العصور. أولئك الرعاع الذين لم يقرأوا حرفا واحدا من أدونيس وجدوا أن من حقهم أن يعيدوا النظر في حق الشاعر بالحياة. قبل سنوات كان مقلدو سعدي يوسف من الشعراء (اليساريين) يتسابقون إلى شتمه. في الوقت الذي كانت قصائدهم تلحس أقدام بيت شعري منه. واقع يتشبه بالخرافة، من جهة انكاره لكل ضابط وشرط ثقافي أو أخلاقي. فجأة ينسى المثقفون أنفسهم ويهبطون إلى الشوارع الخلفية ليمارسوا عادات اللصوص وقطاع الطرق والمحتالين. يكونون خونة في لحظة الحقيقة. بدلا من الأمل يتشبثون بالخديعة. حين وقعت غزوة المعرض الفني في تونس خبأ المثقفون رؤوسهم. قيل يومها أن هناك سلفيين اعترضوا على عرض بعض الاعمال التي تسيء الى المقدسات. الحقيقة تكذب ما قيل فلو كان السلفيون من زبائن القاعات الفنية لما صاروا سلفيين. الخطر الحقيقي الذي يهدد ثقافتنا الحرة والمستقلة لا يمثله السلفيون بشكل كامل بقدر ما يمثله أيضا الوشاة من المثقفين. الاصبع الملوثة بحبر زائف وهي تشير إلى الموقع الذي يُراد هدمه.

يتستر الوشاة بالوطنية. وهم يعرفون جيدا أن لا وطن ولا مواطنة في السوق.

العراق في جزء عظيم منه هو سعدي يوسف.

سوريا ستكون ناقصة من غير أدونيس.

إذن لا معنى للوطنية حين يستعرض المثقفون قدراتهم الرخيصة على أن يحطوا من شأن هذين الرمزين وسواهما. لقد وقعنا في المحظور حين قبلنا أن ننظر إلى المبدع منفصلا عن ابداعه. فما قدمه أدونيس للغة العربية، للثقافة العربية، للمزاج العربي، للذائقة العربية، للجمال العربي يضعنا في اختبار حقيقي بين قدرتنا على التعلم من إنسانيته وبين اكتفائنا بالدرس الأدبي. وفي الحالين فان تتلمذَنا على يديه لا يسمح بأية بادرة للتشكيك بنزعة التطهر التي تتخلل كلماته. هذا شاعر كبير يرغب في أن يعلو بنا إلى مستوى إنساني رفيع.

الذين هاجموا أدونيس لانه كان مخلصا لحريته انما عبروا عن كرههم للحرية.

وطنهم المتخيل لن يكون سوى سجن.

الآن بعد أكثر من تسع سنوات على الاحتلال الامريكي للعراق صار خدم المحتل السابقون يندبون حظ العراقيين العاثر ويبكون وطنا ضيعوه. صاروا اليوم يكتبون عن الخراب. وهو الخراب الذي ساهموا في صنعه وكانوا إلى وقت قريب يشنفون أسماعهم بموسيقى القنابل التي كانت تؤسس له. وكما أرى فان أدونيس باعتباره رائيا يعرف أن سوريا لن تكون إلا صورة من العراق. وإذا ما عرفنا أن أدونيس لم يكن يوما مهتما بمصير النظام السياسي الحاكم في بلاده، يمكننا أن ننظر باحتقار إلى الكذبة التي جعلت منه مدافعا عن النظام الحالي من منطلقات طائفية.

لا اعتقد ان الوشاة كانوا جهلة بكل ما قلته عن أدونيس.

غير أن وظيفتهم تتطلب القيام بما يحقق رغبات رعاتهم.

الاطاحة بالوطن السوري لا يمكن أن تمر إلا من خلال الاطاحة بأيقونات ذلك الوطن. ‘سنذهب جميعا إلى الحضيض. النبلاء والرعاع، المتعففون واللصوص، الافاقون وصانعو الحقيقة، البنائون والهدامون، الحزبيون وذوو الرؤى المستقلة. هل يجب أن نسقط جميعا في المستنقع، من أجل أن تبدو الجريمة ذات طابع جماعي.

معزوفة العراق تتكرر لكن بمط الحروف على الطريقة الشامية.

لقد الغى مثقفو العراق الجديد ثلاثة عقود من حياة بلادهم الثقافية. وها هي بلادهم اليوم تستجدي نتاج المظلومين الوهميين في تلك العقود. كذبة صنعت واقعا هزيلا وإرثا لا يمكنه أن يكون عراقيا. العراق في كل مراحله لم يكن بهذا الضعف الذي هو عليه اليوم. لقد محيت من تاريخه ومن وجدانه السنوات التي أنتجت شعر فاضل العزاوي وسامي مهدي وحميد سعيد وخالد علي مصطفى وفوزي كريم وعلي جعفر العلاق وحسب الشيخ جعفر ويوسف الصايغ والاب يوسف سعيد وقصص موسى كريدي وجليل القيسي وعبد الرحمن الربيعي ومحمد خضير وأحمد خلف ومي مظفر ومحمود عبد الوهاب وحسين عبد اللطيف ورسوم رافع الناصري و ضياء العزاوي وشاكر حسن آل سعيد ومحمد مهر الدين وفائق حسين ويحيى الشيخ وسالم الدباغ.

لن تكون سوريا سعيدة في أن تكون نسخة من العراق.

بالضرورة أدونيس لن يكون سعيدا بذلك. وهو ما كان مخلصا في قوله. ما فعله حقا.

ولأن مثقفي اللحظة الأخيرة اعتبروا موقف الشاعر الكبير خيانة (لأي شيء؟) فقد جردوا ألسنتهم للتشهير به. كانوا كتاب تقارير، لكن بطريقة أشد نذالة وخسة، ذلك لأنهم سمحوا لوشاياتهم في أن تخرج إلى العلن على شكل مقالات تنشر في الصحف. شعبيا ربما تكون تلك الوشايات قد أضرت بأدونيس، ولكن متى كان أدونيس شعبيا؟ ولكنها (أقصد الوشايات) تقدم صورة عن المثقف العربي الذي لا أمل فيه.

مثقفو سوريا يستلهمون للأسف معجزات أشقائهم في العراق.فاروق يوسف*

غالبا ما نلصق مفردة (أشباه) بالمثقفين والشعراء والفنانين الذين نشعر أن مواقفهم على المستوى الإنساني (والثقافي الرفيع ربما) لم تكن مثالية، بالمعنى الذي تنطوي عليه صفة مثقف أو شاعر أو فنان. ولكن ذلك الالصاق كما أرى لم يكن إلا محاولة للتحايل على الواقع. الوقائع على الارض تقول أن هناك مثقفين عراقيين انضموا إلى قافلة السياسيين المناصرين لغزو بلادهم واحتلالها وهم كانوا مادة الغزل الاعلامي بالمحتل من خلال الاكاذيب والتلفيقات والافتراءات التي حاولوا من خلالها اعادة صياغة التاريخ السياسي للعراق المعاصر، باعتبار العراق مجرد ولايات عثمانية جرى لصقها بطريقة مفتعلة من أجل تلفيق بلد. وحاولوا أيضا اعادة قراءة التاريخ الاجتماعي للمجتمع العراقي لا باعتباره مجتمعا موحدا بل هو من وجهة نظرهم مجموعة من المكونات الأثنية والطائفية التي لم تنجح الدولة العراقية الحديثة في صهرها في نسيج مجتمعي موحد. في سوريا اليوم صار مثقفون، معروفة اسماؤهم ينعتون بالخيانة كل مثقف (مبدع) يفكر بطريقته الشخصية بما يجري لبلاده. إن لم ينضم ذلك المثقف إليهم فهو عدوهم الذي إن لم ينجحوا في القضاء عليه فعليهم تشويه سمعته وتدميره نفسيا. بدأوا بنزيه أبو عفش وانتهوا بأدونيس وما بين الأثنين كانت هناك عشرات الأسماء لفنانين وأدباء كانوا ضحايا هذا التوجه العدواني.

أما في تونس فعلينا أن نبحث عن ذلك المثقف (الرسام) الذي دل عامة الناس إلى المعرض الفني الذي الحقت به شبهة الاساءة الى المقدسات. فالعامة كما هو معروف ليس لديها من الوقت والمزاج والرغبة والثقافة ما يدفعها الى الذهاب الى معرض فني وتفحص لوحاته وتماثيله. كان هناك إذاً واش. ولن يكون ذلك الواشي إلا مثقفا.

ما من أشباه مثقفين إذن. هناك اشباح قررت أن تصنع قدرا مختلفا لشخصية المثقف المناويء للحرية. حيث سيكون علينا بعدها أن نتحدث عن المثقف الخائن. في عصر الدولة الشمولية كان هناك كتاب تقارير سرية خفيون. أما في العصر الذي صارت فيه الديمقراطية شعارا للتغيير المجاني، صار كتاب التقارير لا يميلون إلى اخفاء أسمائهم أو لن يتمكنوا من القيام بذلك. ولو قارنا ما كَتب ضد الشاعر العراقي سعدي يوسف بسبب مناهضته لإحتلال بلاده بما كُتب ضد أدونيس وهو المطالب بصيانة بلاده من العبث لأكتشفنا أن اللغة كانت واحدة. مبتذلة، رخيصة، لا تراعي أية قيمة، ولا تمنح خصمها أية فرصة لقول مضاف ولا تنظر باحترام لمكانة ذلك الخصم التاريخية والثقافية.

بالنسبة لأي مثقف تنويري فان الحديث عن نزعة طائفية لدى شاعرين كبيرين مثل سعدي يوسف وأدونيس يعد مدعاة للضحك، غير أن الامر مختلف بالنسبة لعامة الناس الذين لا يعرفون شيئا عن تاريخ الرجلين. كان هدر دم أدونيس من قبل بعض الجماعات المتشددة (التي قد تكون وهمية) أبلغ دليل على أن وشاية المثقفين قد أدت غرضها. حينها صار بعض الواشين يبدي أسفه لما آلت إليه الأمور. حينها تذكروا أن الرجل كان كبيرا ولا يزال. شيء عظيم من الثقافة العربية المعاصرة ما كان موجودا لولاه. لقد بنى الرجل جزءا كبيرا من جسر حداثتنا. من غيره سيكون فهمنا للحداثة ناقصا وقاصرا.

كان ذلك البعض شجاعا حين اعترف أنه قد أخطأ في حق أدونيس، بل وفي حق الثقافة. ولكن هذا الاعتراف لا قيمة له لإنه جاء بعد ضربة قاصمة تلقتها الثقافة العربية بسبب نزعة لا اخلاقية مبيتة ولم تظهر فجأة. لقد أهدر الرعاع دم واحد من أعظم شعراء لغتنا في العصر الحديث وفي كل العصور. أولئك الرعاع الذين لم يقرأوا حرفا واحدا من أدونيس وجدوا أن من حقهم أن يعيدوا النظر في حق الشاعر بالحياة. قبل سنوات كان مقلدو سعدي يوسف من الشعراء (اليساريين) يتسابقون إلى شتمه. في الوقت الذي كانت قصائدهم تلحس أقدام بيت شعري منه. واقع يتشبه بالخرافة، من جهة انكاره لكل ضابط وشرط ثقافي أو أخلاقي. فجأة ينسى المثقفون أنفسهم ويهبطون إلى الشوارع الخلفية ليمارسوا عادات اللصوص وقطاع الطرق والمحتالين. يكونون خونة في لحظة الحقيقة. بدلا من الأمل يتشبثون بالخديعة. حين وقعت غزوة المعرض الفني في تونس خبأ المثقفون رؤوسهم. قيل يومها أن هناك سلفيين اعترضوا على عرض بعض الاعمال التي تسيء الى المقدسات. الحقيقة تكذب ما قيل فلو كان السلفيون من زبائن القاعات الفنية لما صاروا سلفيين. الخطر الحقيقي الذي يهدد ثقافتنا الحرة والمستقلة لا يمثله السلفيون بشكل كامل بقدر ما يمثله أيضا الوشاة من المثقفين. الاصبع الملوثة بحبر زائف وهي تشير إلى الموقع الذي يُراد هدمه.

يتستر الوشاة بالوطنية. وهم يعرفون جيدا أن لا وطن ولا مواطنة في السوق.

العراق في جزء عظيم منه هو سعدي يوسف.

سوريا ستكون ناقصة من غير أدونيس.

إذن لا معنى للوطنية حين يستعرض المثقفون قدراتهم الرخيصة على أن يحطوا من شأن هذين الرمزين وسواهما. لقد وقعنا في المحظور حين قبلنا أن ننظر إلى المبدع منفصلا عن ابداعه. فما قدمه أدونيس للغة العربية، للثقافة العربية، للمزاج العربي، للذائقة العربية، للجمال العربي يضعنا في اختبار حقيقي بين قدرتنا على التعلم من إنسانيته وبين اكتفائنا بالدرس الأدبي. وفي الحالين فان تتلمذَنا على يديه لا يسمح بأية بادرة للتشكيك بنزعة التطهر التي تتخلل كلماته. هذا شاعر كبير يرغب في أن يعلو بنا إلى مستوى إنساني رفيع.

الذين هاجموا أدونيس لانه كان مخلصا لحريته انما عبروا عن كرههم للحرية.

وطنهم المتخيل لن يكون سوى سجن.

الآن بعد أكثر من تسع سنوات على الاحتلال الامريكي للعراق صار خدم المحتل السابقون يندبون حظ العراقيين العاثر ويبكون وطنا ضيعوه. صاروا اليوم يكتبون عن الخراب. وهو الخراب الذي ساهموا في صنعه وكانوا إلى وقت قريب يشنفون أسماعهم بموسيقى القنابل التي كانت تؤسس له. وكما أرى فان أدونيس باعتباره رائيا يعرف أن سوريا لن تكون إلا صورة من العراق. وإذا ما عرفنا أن أدونيس لم يكن يوما مهتما بمصير النظام السياسي الحاكم في بلاده، يمكننا أن ننظر باحتقار إلى الكذبة التي جعلت منه مدافعا عن النظام الحالي من منطلقات طائفية.

لا اعتقد ان الوشاة كانوا جهلة بكل ما قلته عن أدونيس.

غير أن وظيفتهم تتطلب القيام بما يحقق رغبات رعاتهم.

الاطاحة بالوطن السوري لا يمكن أن تمر إلا من خلال الاطاحة بأيقونات ذلك الوطن. ‘سنذهب جميعا إلى الحضيض. النبلاء والرعاع، المتعففون واللصوص، الافاقون وصانعو الحقيقة، البنائون والهدامون، الحزبيون وذوو الرؤى المستقلة. هل يجب أن نسقط جميعا في المستنقع، من أجل أن تبدو الجريمة ذات طابع جماعي.

معزوفة العراق تتكرر لكن بمط الحروف على الطريقة الشامية.

لقد الغى مثقفو العراق الجديد ثلاثة عقود من حياة بلادهم الثقافية. وها هي بلادهم اليوم تستجدي نتاج المظلومين الوهميين في تلك العقود. كذبة صنعت واقعا هزيلا وإرثا لا يمكنه أن يكون عراقيا. العراق في كل مراحله لم يكن بهذا الضعف الذي هو عليه اليوم. لقد محيت من تاريخه ومن وجدانه السنوات التي أنتجت شعر فاضل العزاوي وسامي مهدي وحميد سعيد وخالد علي مصطفى وفوزي كريم وعلي جعفر العلاق وحسب الشيخ جعفر ويوسف الصايغ والاب يوسف سعيد وقصص موسى كريدي وجليل القيسي وعبد الرحمن الربيعي ومحمد خضير وأحمد خلف ومي مظفر ومحمود عبد الوهاب وحسين عبد اللطيف ورسوم رافع الناصري و ضياء العزاوي وشاكر حسن آل سعيد ومحمد مهر الدين وفائق حسين ويحيى الشيخ وسالم الدباغ.

لن تكون سوريا سعيدة في أن تكون نسخة من العراق.

بالضرورة أدونيس لن يكون سعيدا بذلك. وهو ما كان مخلصا في قوله. ما فعله حقا.

ولأن مثقفي اللحظة الأخيرة اعتبروا موقف الشاعر الكبير خيانة (لأي شيء؟) فقد جردوا ألسنتهم للتشهير به. كانوا كتاب تقارير، لكن بطريقة أشد نذالة وخسة، ذلك لأنهم سمحوا لوشاياتهم في أن تخرج إلى العلن على شكل مقالات تنشر في الصحف. شعبيا ربما تكون تلك الوشايات قد أضرت بأدونيس، ولكن متى كان أدونيس شعبيا؟ ولكنها (أقصد الوشايات) تقدم صورة عن المثقف العربي الذي لا أمل فيه.

مثقفو سوريا يستلهمون للأسف معجزات أشقائهم في العراق.

مقالات من نفس القسم

محمد العنيزي
كتابة
موقع الكتابة

أمطار