صنع الله إبراهيم:جريمة قتل سوزان تميم رواية غرائبية تنتظر من يكتبها

43.jpg
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاوره : سيد محمود *

شارك الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم الأسبوع الماضي في ندوة أقيمت بمكتبة بدرخان بالهرم, لمناقشة رواية فرتيجو للروائي الشاب أحمد مراد, الأمر الذي نظر إليه البعض كحدث ثقافي مهم, لاسيما أن الكاتب الكبير لا يشارك عادة في ندوات عامة أو أمسيات للقراءات الأدبية.

التقيت صنع الله إبراهيم وسألته عن حماسه للمشاركة في الندوة, والحديث عن أعمال الكاتب أحمد مراد وروايته فرتيجو وهي أول رواية يكتبها صاحبها, فقال: تحمست للرواية التي أصدرتها دار ميريت, لأني أعتبرها رواية تأسيسية لجنس من الكتابة غير موجود في أدبنا العربي, وهو الأدب البوليسي, فلا يوجد في أدبنا المعاصر رواية بوليسية بالمقومات التي نعرفها في الرواية العالمية, كما لا توجد لدينا روايات جاسوسية باستثناء ما كتبه الراحل صالح مرسي, و

حاوره : سيد محمود *

شارك الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم الأسبوع الماضي في ندوة أقيمت بمكتبة بدرخان بالهرم, لمناقشة رواية فرتيجو للروائي الشاب أحمد مراد, الأمر الذي نظر إليه البعض كحدث ثقافي مهم, لاسيما أن الكاتب الكبير لا يشارك عادة في ندوات عامة أو أمسيات للقراءات الأدبية.

التقيت صنع الله إبراهيم وسألته عن حماسه للمشاركة في الندوة, والحديث عن أعمال الكاتب أحمد مراد وروايته فرتيجو وهي أول رواية يكتبها صاحبها, فقال: تحمست للرواية التي أصدرتها دار ميريت, لأني أعتبرها رواية تأسيسية لجنس من الكتابة غير موجود في أدبنا العربي, وهو الأدب البوليسي, فلا يوجد في أدبنا المعاصر رواية بوليسية بالمقومات التي نعرفها في الرواية العالمية, كما لا توجد لدينا روايات جاسوسية باستثناء ما كتبه الراحل صالح مرسي, و

لذا اعتبرت رواية فرتيجو مغامرة ومبادرة تستحق التشجيع لأن كاتبها علي حداثة عهده بالكتابة لديه معرفة عميقة بتقنيات الكتابة الروائية من حيث هي عملية فنية بالأساس, هذا إلي جانب تمتعه بحس عال مكنه من تحليل مكونات المجتمع المصري الحالي الذي يفرز الجريمة, ومن المفارقات التي تلفت نظري أن مجتمعنا بات يفرز جرائم ذات طابع غرائبي وهي جرائم لم تكن موجودة من قبل, وعلي الرغم من ذلك فهي جرائم لا تحفز المخيلة الروائية, ولا يسعي الكتاب لاستثمارها بشكل فني علي نحو ما قدم به الكاتب الراحل نجيب محفوظ في معالجته للص والكلاب وهي معالجة روائية لجريمة نشرتها الصحف لكنه قاد أبطاله لمصير مختلف وطرح أسئلة وجودية أعمق من الحادثة ذاتها.

سألت صاحب رواية شرف عن جريمة قتل المطربة سوزان تميم, وهل يعتبرها مادة خام لرواية جيدة فقال: بطبيعة الحال في وقائع تلك الجريمة الكثير من العناصر المغرية علي الصعيد الروائي لكن السؤال الرئيسي الذي ينبغي علي الكاتب الذي يتصدي لوقائعها يرتبط بقدرته علي تقديم تحليل نفسي لدوافع الشخصيات المتورطة فيها, وهذا أمر يحتاج إلي بحث معمق وليس إلي قراءة سطحية, فقد تكفلت الصحف بهذا الأمر, وعلي الروائي صاحب المخيلة العمل علي تقديم قراءة مختلفة لكن الجريمة بذاتها وبعيدا عن الجوانب المغرية فيها تشير من دون شك إلي تحولات مجتمعية معقدة وإلي سطوة رأس المال التي تدفع أشخاصا ميسورين لارتكاب جرائم معولمة.

وعن أسباب حماسه للكتابات الشابة اجمالا قال صنع الله إبراهيم: يحدث أحيانا أن يبادر الناشرون بارسال بعض مؤلفات الكتاب الجدد لاطلاعي عليها, لكني أتابع كتابات الكتاب الجدد بالمصادفة وبعضهم يطلعني علي النصوص قبل نشرها, خصوصا أنهم يعرفون أن طاقتي علي القراءة أكبر من غيري من كتاب جيلي نتيجة تفرغي للكتابة منذ سنوات بما يوحي أن لدي وقتا أكثر من الآخرين, وأنا أدرك احتياج الكتاب الجدد للدعم علي الرغم من قناعتي أن رأيي قد لا يكون مهما علي الاطلاق في مسيرة أي كاتب, لكن أنا تفسي نشرت أول عمل لي بمقدمة للكاتب الراحل يوسف ادريس, ولاشك أن تلك المقدمة مثلت حافزا مهما أقنع قراء كثيرين بالاطلاع علي عملي الأول.

لم يتحمس صنع الله إبراهيم كثيرا لسؤالي عن الكتاب الجدد الذين ينظر لأعمالهم بتقدير كبير إلا أنه قال أخشي نسيان الاسماء فقد قرأت نصوصا جيدة لكثيرين, لكن استطيع أن أذكر آخر عمل اطلعت عليه وهو مخطوط رواية جديدة للكاتب يوسف رخا بعنوان( الطغرة) وهي رواية متميزة علي الصعيد الفني.

ومن جهة أخري, فسر صنع الله إبراهيم الطفرة الموجودة حاليا في مجال كتابة الرواية بقوله: لاشك أن الواقع المصري أصبح شديد التعقيد وينتج موضوعات يومية شديدة الاغراء علي الصعيد الفني, والرواية هي الجنس الأدبي القادر علي تلبية هذه الاحتياجات والاجابة عن اسئلة الواقع, خصوصا أنها مرغوبة في سوق النشر, والأهم من ذلك أن حالة من حالات التواصل الابداعي باتت موجودة فلم يعد الانتاج قاصرا علي جيل بعينه, فلايزال كتاب الستينيات يقدمون انتاجا متميزا ويفتحون لكتاباتهم آفاقا جديدة سواء في القصة أو في الرواية.

قلت لصنع الله, علي الرغم من اشاراتك الكثيرة لتعقد الواقع المعاصر, إلا أن كتاباتك الروائية الأخيرة ابتعدت عن تناول هذا الواقع وذهبت باتجاه البحث في تاريخ الحملة الفرنسية علي مصر كما تبدي ذلك في روايتيك الأخيرتين العمامة والقبعة والقانون الفرنسي فقال: ذهبت إلي التاريخ بحثا عن موضوع مختلف وبالتالي فلا أعتبر ما جري نوعا من التحول عن الواقع, لكنه سعي لتأصيل وعيي به, فعندما اخترت موضوع الحملة الفرنسية علي مصر كنت أرغب في تكوين وجهة نظر متكاملة في موضوع شغل الرأي العام الثقافي قبل عشر سنوات وهو الاحتفال بمرور200 عام علي حملة نابليون علي مصر والموضوع بحد ذاته كان استفزازيا, وهذا الاستفزاز قادني للقراءة المعمقة التي انتهت بي إلي بناء موقف فكري واكتشاف ما تعرضنا له من تزييف في وعينا التاريخي, ومن المؤسف أن مثقفين كبارا قاموا بخلط الكثير من الأوراق في هذا الملف, وهذه سمة عامة في مصر الآن.

قد لا يعلم الكثيرون أن صنع الله إبراهيم عمل لفترة قصيرة مستشارا لدار الثقافة الجديدة وهي دار نشر يسارية نجح في تنشيط عملها بعد سنوات من التوقف, الأمر الذي شدني لكي اسأله عن ظاهرة البيست سيلرز أو الكتاب الأعلي مبيعا, وهل هي ظاهرة خادعة فقال: لا أجد مشكلة عندما يروج كاتب لنفسه بأنه الكاتب الأعلي مبيعا, لكن لاشك أن هناك مبالغة في الأمر إذا كنا نتحدث عن أرقام في بلد يصل تعداد سكانه إلي75 مليون نسمة, فعندما يكتب الناشر علي غلاف الكتاب ما يشير إلي طبعته العاشرة, بينما يؤكد الواقع أن الطبعة الواحدة لا تزيد علي500 نسخة فهذا أمر مؤسف, هذا من ناحية ومن ناحية أخري هناك غياب للشفافية وغياب لمعايير الفرز والتصنيف, لكن لاشك أن ما جري أوجد ترويجا للكتب وحفز الناس علي القراءة وهذا أمر إيجابي.

وعن قصة صدور طبعة جديدة من كتاب التجربة الانثوية الذي ترجمه ويضم مختارات من الأدب النسائي العالمي قال صاحب ذات: قرأت الكثير من نصوص الكتاب في نهاية الستينيات وجدت أنها كلها تتضمن مواجهة مع المؤسسات الاجتماعية والسياسية وتتضمن كذلك رصدا لتطور موضوعات الكتابة النسائية منذ الستينيات وحتي العقد الأخير وأثرالثورات الطلابية في عام1968 علي تحرير طريقة النظر لجسد المرأة في المجتمعات الغربية, وهذا موضوع مهم من وجهة نظري, لكن بعيدا عن الكتاب قد لا يعرف الكثيرون أنني عملت كمترجم محترف في بداية اشتغالي بالأدب, وترجمت رواية ألمانية عن الانجليزية بعنوان الحمار كما ترجمت رواية أمريكية اسمها العدو ولاشك أن جهدي كمترجم تراجع الآن لأن الترجمة تأخذ وقتا كبيرا أفضل توجيهه لكتابة الرواية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

* شاعر وصحافي مصري

مقالات من نفس القسم