صرخات

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 50
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

جويس منصور

ترجمة: بشير السباعي

(1953)

أُحب جواربك التي تثبِّت ساقيكِ.

أُحب مشد خصركِ وردفيكِ الذي يسند جسمكِ المرتج

تجاعيدكِ، نهديكِ المتهدلين، شكلكِ الجائع

شيخوختكِ في مواجهة جسدي الفارع

فساتينكِ التي تنشر رائحة جسدكِ النتن.

كل هذا يثأر لي أخيراً

من رجالٍ لم ينتظروا شيئاً مني.

*

الدمل المستقر في خدي السماوي

الأبواقُ المثيرةُ للحنق فوق أذنيّ

جراحي الداميةُ التي لا تبراُ أبداً

دمي الذي يصبحُ ماءً، الذي يتحللُ، الذي يتأرَّجُ

أطفالي الذين أخنقهم إذ أُلبي رغباتهم

كل ذلك يجعل مني ربك وإلهك.

*

دعني أُحبك.

إني أُحب مذاق دمك الخثر

أحتفظُ به لوقتٍ طويلٍ في فمي الذي بلا أسنان.

حرارته تحرق حلقي.

أُحبُّ عرقك.

أُحبُّ زغزغة إبطيك

المتصببتينِ بالفرح.

دعني أُحبك

دعني ألحسُ عينيكَ المغمضتين

دعني أفقأهما بلساني المدبب

وأملأُ تجويفيهما بلعابي المنتصر.

دعني أُعميك.

*

انسني.

حتى يتنفس صدري الهواءَ النديّ لغيابك

حتى تتمكن ساقاي من السيرِ دون البحثِ عن ظلك

حتى تصبح نظرتي رؤية

حتى تلتقط حياتي أنفاسها

انسني يا إلهي حتى أتذكر نفسي.

*

لا تأكلوا أطفال الآخرين

لأن لحمهم سيتعفن في أفواهكم المتخمة.

لا تأكلوا أزهار الصيف الحمراء

لأن نسغها دم أطفال مصلوبين.

لا تأكلوا خبز الفقراء الأسود

لأنه مخصَّبٌ بدموعهم الحامضة

وقد يتأصل في أجسامكم الممدة.

لا تأكلوا علّ أجسامكم تتهتكُ وتموت

خالقةً على الأرض الخريفَ

*

دسائس يديك العمياء

على نهديّ المرتعشين

الحركات البطيئة للسانك المشلول

في أذنيّ المحركين للمشاعر

كل جمالي الغارق في عينيك اللتين بلا حدقتين

الموت في أحشائك الذي يأكل مخي

كل هذا يجعل مني فتاة غريبة.

*

رجلٌ مريضٌ بألفِ فُواق

رجلٌ تهزهُ أفكارٌ مُملاة

يمليها عليه ظله الذي يتبعه بلا توقف

مستعداً لجرجرته عبر الفضاء

رجل بلا جذور صار نجماً.

*

أرفعك بين ذراعيّ

للمرة الأخيرة.

ثم أُنزلك على عجل في نعشك الرخيص.

أربعة رجالٍ يحملونه على أكتافهم بعد أن دقوا المسامير فيه

على وجهك المهزوم، على أعضائك المكروبة.

يهبطون السلالم الضيقة وهم يسبون

بينما أنت تتقلب في عالمك المحصور.

رأسك مفصولة عن عنقك المقطوع

تلك هي بداية الأبدية.

*

رأيتك عبر باصرتي المغمضة

تتسلق سور أحلامك المروع.

قدماك تزلان على الطحلب النائم.

عيناك تتشبثان بالمسامير التي تتدلى.

بينما كنت أصرخ دون أن أفتح فمي

حتى أفتح رأسك لليل.

*

تقبَّل صلواتي

تحمَّل نواياي الدنسة

طهرني حتى تتفتح عيناي

حتى تريا ابتسامة القتلة الباطنية.

وعندما أغدوا طاهرة

اصلبني يا يهوذا.

*

امرأة واقفة منهكة منتوفة

ساقاها السوداوان يبدوان في مأتم شبابهما

تسند ظهرها المحني على الحائط المعادي

ظهرها الذي أحنته أحلام الرجال

ولا ترى أن الفجر قد جاء أخيراً

فما أطول ما كان ليلها

*

نادني باسمي الأخير.

أشبك ملابسي بالكواكب، بالنجوم.

حتى تمشي ساقاي بلا نهاية على الأرض

وأنا أبذر يأسي في قلوب الحيوانات

حتى يكون لاستجاباتي الأخيرة رنين دقات الحزن

لدعوة البشر إلى الغفران.

*

الرجل الذي يدافع عن نفسه

أمام هيئة محلفين من القردة.

الرجل الذي يقدم الالتماسات، الرجل الذي يتوسل,

رأسه يختفي بين ساقيه المشعرتين.

والقردة تنتظر

والقردة تتهم ولا تدافعُ عن شيء

قبل أن تلتهم الرجل، هذه الموزة المتعفنة.

*

كنتُ جبانةً أمام موته.

كنتُ جبانةً أمام حياتنا.

رأسه ذات الوجنتين النديتين

انتزعتني رغماً عني من الوعود المجانية

من الوعود المنبوحة، من الصموتات، من الصرخات،

ظهري الذي يتصببُ عرقاً، فزعي، صرخاتي.

وعندئذ لكي أهرب من عينيه

حنيت رأسي، ركعت

وبجبيني المروَّع

خفّفتُ آلامه.

*

عصافير صغيرة ترفرف

تحت جلدك المتوتر، في عينيك الواسعتين

وقد خبلها الرعب الذي يهز السماء

غير مفكرة إلاّ في تحليقاتها الماضية

الفرائس الحية لصياد مجنون.

*

الفراغ فوق رأسي

دوار النشوة في فمي

وأنت فوق ظهري

القط فوق السطح

يلوك عيناً حلوة

عين حاج يبحث عن إلهه.

*

أمس مساءً رأيت جثتكِ

كنتِ رطبةً وعاريةً في ذراعيّ.

رأيتُ جمجمتكِ البراقة.

رأيت عظامكِ يدفعها برد الصباح.

فوق الرمل الأبيض، تحت شمس حائرة

كان سرطان البحر يتنازع لحمكِ.

فلم يبق شيءٌ من نهديك الممتلئين

ومع ذلك فهكذا تحديداً فضلتك

يا زهرتي.

*

أجنحة مجمدة

أصابع أقدام مكسورة

فرج مخترق

قلب أسد متحلل.

*

شيخٌ وعجوزهُ مختفيان تحت الأرض

يد متحللة في اليد المتحللة، في عز الحرارة في الوسخ

يتبادلان الكلام عبر شفاه اختفت، يتفاهمان دون كلمات

ينصتان إلى الأغنية البطيئة والخفيضة للأرض التي تتغذى

متسائلين في أعماق قلبيهما

ما إذا كانا لن يموتا أبداً.

*

شعره الأصهب له رائحة المحيط.

الشمس الغاربة تنعكس على الرمل الميت.

يتمدد الليل على سريره المصنوع من الأبهة.

بينما المرأةُ اللاهثةُ المرتجفة

تتلقى بين فخذيها الخائرتين

القبلات الأخيرة لشمسٍ تموت.

*

أنت تحب الرقاد في فراشنا المهزوم.

قطرات عرقنا السابقة لا تثير اشمئزازك.

مفارش سريرنا التي وسختها أحلامٌ منسية.

صرخاتنا التي تجلجلُ في الغرفةِ الكئيبة.

كل هذا يثير جسدك الجائع.

أخيراً يضيءُ وجهُك الكريه

فرغباتُ أمسنا هي أحلام غدك.

*

دع عينيك تطفوان على الأمواج

دع الريح تملأ جسدك بصرخاتها

امنح بطنك المشعرة لمداعبات الشمس

استهلك صوتك، حيواتك، نساءك

لكن لا تنظر إلى عينيَّ النائمتين

خشية أن تتحد نظرتي بنواياك.

*

انتظرني

أكاد أشعر أن الزمن يفر

من غرفتي حيث تنام دموعي في فراشي.

أعرف جسدك الوعر

الذي يرقص دون توقف على جلجلات ضحكاتي.

أعرف جسدك الفاجر

الذي لا يحبُّ غير سخونة المحتضرين

في ذراعيه، على فمه، بين فخذيه ذواتي الشعر الكثيف.

انتظر علَّ لذتي تتهيأ للموت

انتظر علَّ جسدي يتمدد، يتصلب

قبل أن يسليك.

*

تجلس على سريرها والساقان مفتوحتان.

أمامها قدح

تبحث عن أكل لكنها لا ترى شيئاً

المرأة ذات الأجفان التي أكلها الذباب تتأوه.

عبر النوافذ يدخل الذباب

يخرج عبر الباب

يدخل في قدحها

عيونٌ حمراء

ذبابٌ أسود

تأكلهُ المرأةُ

التي لا ترى شيئاً

*

إنها تحبني بأنانية

تحب أن أرشف لعابها الليلي.

تحب أن أمرِّر شفاهي الملحيَّة

على فخذيها الفاجرتين، على ثدييها الساقطتين.

تحب أن أبكي ليل شبابي

بينما تستنفد عضلاتي التي تغتاظ

من أهوائها الفاحشة.

*

امرأةٌ جالسةٌ أمام طاولةٍ مكسورة

والموت في الأحشاء.

لا شيء في الدولاب

مكدودةٌ من كل شيء حتى من ذكرياتها

تترقب والنافذة مفتوحة

الضوء ذا الألف وجه

الذي هو الجنون.

*

الأقدام الآثمة

الأيدي المقيدة

الأحشاء التي تتدلى

ما من صوت للصراخ

وأنت الذي تنصب نفسك في جسدي المقتول

لكي تلازم أرقي وسهادي.

*

ليس ذنبي أن أظافرك تتزايد طولاً

ليس ذنبي أن شعرك يسترسل

ليس ذنبي أن أحداً لا يبكيك

ليس ذنبي أنك قد بردت يا عزيزي

فأنا لم أتمنَّ موتك.

*

الأخفاف الحمراء للكلبات في فصل الهياج

الشعر اليابس المستعار لنساء بلا جمال

الصرخات التي تهمس بها الحيوانات التي بلا نعاس

الحيوانات التي يحبها المرء، التي يضمها إلى صدره، التي يخنقها في سريره

الحيوانات التي لا أهل لها ومع ذلك تُدْفنُ بكل هذه الأبهة

أيُّ عالمٍ قاسٍ هذا

عالمُ المحبةِ المُشتراة.

*

بين صخرتين عاليتين مدببتين

تحيا امرأةٌ عجوز.

في الأرض المرصعة بالتُرُنجان

استقرت قدم.

حيوانات الليل والأحلام

تغذيها بالأغنيات الضائعة

تنتظر هناك أن تنطفئ السماء

حتى تُحَرِّر الأبدية.

*

تريد أحشائي غذاءً لك

تريد شعري لكي تشبع

تريد حقويّ، نهديّ، رأسي المحلوقة

تريد أن أموت ببطء، ببطء

أن أغمغم بكلمات طفلٍ وأنا أموت.

*

على الشاطئ المفضض ذي التأوهات المستَشَفَّة

قرب صنوبرات مصلوبة على السماء الغائبة،

أنتظركَ.

آثار قدميك تركض على الرمل المعطر

ملعوقة من البحر الغيور، ضائعة، مذعورة

مثلي.

تركتنا نائمين على الشاطئ

في الهاجرة

ونحن ننتظرك هذه الليلة طوال الليل دون صبر

عارفين في أعماق قلوبنا المسكونة بحضورك

أن الشاطئ سوف يظل فارغاً من الآن فصاعداً.

*

بلى، لي حقوق عليك.

لقد رأيتك تذبح الديك.

رأيتك تغسل شعرك في ماء المزاريب الوسخ.

رأيتك منتشياً برائحة السلخانات النفاذة

وفمك متخم باللحم

وعيناك مترعتان بالحلم

رأيتك تمشي تحت بصر رجال خائري القوى.

*

جُزُرُ الأمراض

بمجذومين كالببغاوات

بحر الصمت المتصدع بساعة الشيخوخة الناطقة

صرخات كابةٍ صغيرةٍ ممزقة

المصحة تسهر على موتاها – الأحياء الذين لم يولدوا.

*

أحبُّ اللعب بالأشياء الصغيرة

الأشياء التي لم تولد وردية تحت عينيّ الطائشتين.

أربت عليها، أوخزها، أقتلها، ثم أضحك

الأشياء الميتةُ لا تبرح مكانها بعدُ

وأنا أندم على حمى طيشي

أشفق على أسلافي المنحطين

كان يتعين عليَّ محو دم أحلامي

بإلغاء الأمومة.

*

أخطبوط مُشرَّبٌ بالسكَّر ومذهَّبٌ

يتخبط على فخذي المحزّزة

والموسيقى، هذا الحمار الوحشي المخطط الملون،

تنساب سوياً من البوق الرخو،

الراقصون ذوو المفاصل المطاطية

يجْلون قضيبهم المجبول من المخمل المموج

على سقف الشريعة المكسو بالبلاتين.

في انتظار أن ينام أخطبوطي على اللعاب المقدس،

والساعدان والفخذان في بكارتهما،

مزرقاً من الكلمات ومن شراب الجن.

*

الأمازونية تأكل ثديها الأخير.

في الليلة السابقة للمعركة الأخيرة

جوادها العاري من الشعر يتنفس هواء البحر الندي

متحركاً، مهتاجاً، محمحماً رعبه

لأن الآلهة تهبط من جبال العلم

حاملةً معها البشر

والدبابات.

*

الفخذان المجنحتان للعجوز المحدودبة

معلقتان على برج الأجراس المفلوق برجين

القطط المجنحة التي بلا ذيل ولا صراخ.

في فراشي أحاول أن أفهم

الدم الذي ينز من رحمي المهتاج.

*

السفن تمر دون صخب

على الماء الموحل المتورد تحت الشمس

المتورد من دم أبقار ما عادت تشكو

المتورد من دم أطفال ربما غرقوا غرقاً شريراً

المتورد، ربما، من دمك الملطخ.

السفن تنساب دون صخب

على الماء الراكد، الراكد، ذي التيار البطيء

وجسدك ينساب أيضاً مسحوباً نحو البحر بعيداً.

مهشَّماً بالعصيّ وممصوصاً من الوحل

مسحوباً نحو النسيان.

*

سأصطاد روحكَ الخاوية

في النعش الذي يتعفن فيه جسدك،

سأقبض على روحك الخاوية.

سأنتزع أجنحتها الخفاقة

أحلامها المتخثرة

وسأبتلعها.

*

لقد سئمتُ.

فقد احتضنتُ كل شيء

رأسك، قلبك الفظ، دينك.

قبلتُ كل شيء

إلى أبعد حد بحيث إن جسدي المكدود

ما عاد بوسعه الرجوع، ما عاد بوسعه النهوض

من المزراب الذي هو سريرك

من الوسخ ومن الزفت

الذي يتسلي فيه المرء.

*

كنتَ جالساً مستريحاً

فوق دبٍّ أسود.

كنتَ تمزق شرائط من الجلد

بأصابعك المتلألئة في وجه السماء الدامية

وبينما كنت تخلق عالماً جديداً

انهمرت الثلوج.

*

يا قرداً يريد زوجةً بيضاء

يا قرداً يشتهي أثداءً رقيقة

يا قرداً يحبُّ أسرَّة النساء

يا قرداً قبيحاً بائساً أبلهاً

ما من امرأةٍ يمكنها الابتسام بين يديك

فلتحسن يا قرد إذاّ

اختيار أنثاك.

*

رجل نظر مبتسماً إلى المنون في وجهها

كانت منتشيةً على فراشها اللازوردي

كانت راقدةً، معدنيةً وجميلة.

انحنى رقيقاً ومشتهياً

أن يتذوق على شفتيها حياة أزهارٍ عمرها يوم

دم أطفال، دم حيوانات، دم أسماك.

مس شفتيها بفمه البارد الحس

ومات دون أن يفهم

عدم فهمه.

*

أرتجفُ تحت يديك الفرحتين

أشربُ الدم الذي يسقط من فمك المتصدع.

المفرشُ الأسودُ يستكينُ تحت أفخاذنا المتحدة.

وبينما تلوكُ أُذني المبتورة.

ألهج باسمك وبأحلامي المُبعدة.

*

الدربُ الخاوي المظلم المُرمِلُ

الأقبيةُ، القبورُ، الكلابُ الجساسة

الكلابُ التي تنبحُ من أجل جثثٍ جديدة

من أجل قبورٍ بادئة، من أجل نعوشٍ محلولة

الموتى، الموتى غير الطيبين الذين لا يريدون الاستسلام

لإشباع الأرض الجافة بلحومهم المتألمة.

*

رقبتك المقطوعة.

رأسك التي تنزف

مفصولةً عن جسدك

مكشرةً وعمياء.

رقبتك التي تنزف قطرات جنون

عيناك اللتان تسكبان دموع الرغبة

وأنا التي أرشف

حياتك التي ترحل.

*

زنجيةٌ ميتةٌ على الرمل الأبيض

بلا أفكار، بلا روائح، بلا ثياب

بين فخذيها تنساب الريح،

تضغط الشمس شفاهاً حارقة

على خاصرتها المرضوضة، على عينيها المفتوحتين.

الموجاتُ الخبيثةُ تتحيَّنُ لذتها

وتروحُ وتجيء.

*

خائفٌ هو ومضطرب

فالأرض تهربُ والحلمُ يبدأ.

ساعة حياته تتنفس بصعوبة.

حول سريره

تنفثُ أفكارهُ المحرفةُ في أذنيه

الرعب.

*

تلَّةٌ في مواجهةِ تلَّةٍ بلا حراك

أراهما.

الجواد الجريح يرفعُ رأسه لكي يحمحم

يفتحُ فمهُ الذي لا يخرجُ منهُ أيُّ صوت

ثم يموت.

الجوادُ الوحيدُ بين بيتين متهدمين

يحنى رأسهُ مكدوداً، رقيقاً وضائعاً،

ينام.

*

الذباباتُ على السرير

على السقف، في فمك، على عينيك.

أيها الرجلُ العاجزُ الخبيثُ الجاهل

الراقد عليها في كاملِ ثيابك

دع لي جلدي

لا تُفرغ أحشائي.

*

ظلُّكَ الذي بلا فم

غرفتكَ التي لا باب لها

عيناك اللتان بلا نظرة

بلا حنان، بلا لون

خطواتك التي تتوجه

دون أن تترك أثراً

نحو الضوءِ ذي الأصواتِ المُؤَرِّقة

الذي هو جحيمي

*

أيها الكلب الهائج، الغارز أنفه في الأرض

المنتفخ الرأس بصرخات مطاردة الحب

الحب الضائع.

أوراق شجر الغابة تعرفه

تطارده بأيديها الخمرية

أيها الكلب الهائج، الحيوان الذي بلا سند

فلتتغذَّ على دم الفقراء

لكي تكون محبوباً يجب أن تكون قاسياً.

أيها الحيوان، إذا كنت تريد أن تكون مستأنساً

بع روحك للبشر.

*

في مخمل أحشائك الأحمر

في ظلمة صرخاتك غير السرية

توغلتُ.

والأرض تتوازن باكية منشدة.

بينما أنا أنتظر مفعول السم

دم شيطان هو الغضب المبصوق

تبصقه حيوانات مذبوحة.

*

نفَسُكَ المشهوق في فمي

يداك اليابستان ذواتا الأظافر المدببة

لا تحررُ أبداً حلقي الملتهب

الملتهب من العار، من الألم، من اللذة.

شفتاك البنفسجيتان تمتصان دمي

ستغويك دائماً شهواتي المُطفأة

بينما عيناي ستبقيان مغمضتين.

*

ترتجفُ من الخجل

لكنك تحب أن ترتجف

تتأوه من الرعب

لكن دموعك عذبة.

تتوارى عن مرآي

راجياً ألا أجدك.

أنت تريد دمارك.

*

أريد أن أبدو عارية أمام عينيك المبتهلتين.

أريد أن تراني أصرخ من اللذة.

أن تدفعك أعضائي التي تتلوى تحت ثقلٍ جد فادح

إلى فعالٍ كافرة.

أن يتشبث شعر رأسي المباحة الناعم

بأظافرك المقوسة من الهيجان.

أن تقف أعمى ومصدقاً

ناظراً من فوق إلى جسدي العاري من الريش.

*

جسدكِ الصغير الهزيل الملفوف في الساتان

غرفتكِ الوردية المتدثرة بالصمت

عيناكِ الجائلتان بين الأثاث الفاخر

مصطدمتين في الظلمة بالفئران الميتة على الوسائد

ونحن الذين نترقب نزعك الأخير

لكي نفُضَّ وصيتكِ.

*

امرأةٌ واقفةٌ في مشهدٍ عارٍ

النورُ الساطعُ على بطنها المنتفخ

امرأةٌ وحيدةٌ، امرأةٌ بلا رذيلة ولا صدر

امرأةٌ تصبُّ احتقارها في أحلامٍ دون ضجعة

سيكون السرير جحيمها.

*

أحبُّ رؤية وجوههم المذعورة.

إنهم لا يحتملون رؤية الموت.

يريدون فوراً حبسه بعيداً عن رعبهم.

وبينما لا يزالون متشحين بحدادهم

يمارسون الحب لكي يدفنوا على خير وجه

ذكراه المتحللة.

*

فتحتُ رأسك

لأطلع على نواياك.

التهمتُ عينيك

لأتذوق نظرتك.

شربت دمك

لأتعرف على رغباتك

ومن جسدك المرتجف

صنعتُ غذائي.

*

عيناي تلمعان في السماء الشاحبة

رأسك المخضرُّ يرتسمُ جانبياً على أرض الوادي.

تدعو إليك حيوانات الصحراء

فتجيء دون صخب لكي تطوف بالقبور

القبور التي بلا اسم، بلا زهور، بلا ظل

قبور الموتى، الذين بلا أكفان، غير البعيدة عن وجه الأرض.

*

عنقك ساريةٌ معلقٌ عليها

جسدك المتأرجح في الفراغ يتوسل إليَّ

يتوسل إليَّ أن أنفخ في فمك المفتوح

الكلماتِ الضعيفة

لرغبتي.

*

طفلك في ذراعيك.

رأسه يميل جانبياً على غيهب صدرك

عيناه اللتان بلا رؤية، يداه اللتان بلا فريسة.

جسدك يتوسل إليَّ

أن أقدِّم حياتي

رهينة.

*

بين أصابعك

فمي

بين أسنانك

عيناي

في أحشائي

إيقاعك الضاري

يقشر جسدي

المجبول من أحاسيس غضَّة.

*

حمى، عضوكَ سرطان بحري

حمى، القططُ تتغذى من أثدائك الخضراء

حمى، سرعةُ حركات حقويك

سرعةُ قبلاتك الفاحشة، تقطيباتك

تفتح أذنيَّ وتسمح بالولوج لهيجانك.

*

امرأة خَلَقَت في نفسها الشمس

وكانت يداها جميلتي المنظر.

انشقت الأرض تحت قدميها الخصبتين

وغطتها برائحتها النارنجية

وهكذا أنجبت الصفاء.

 

رحمٌ صغير، رقيقٌ وأصفر

رحمٌ صغيرٌ مشعر

ساقان صغيرتان ملتويتان مشعرتان

جين الصغيرة المحدودبة

امرأة صغيرة تنتظر اغتصابها

عارية تماماً، عارية تماماً..

*

راقدةً على فراشي

أرى وجهك منعكساً على الجدار

جسدك الذي بلا ظل الذي يخيف جسدي

رهزاتك المسعورة والإيقاعية

تقطيباتك التي يهرب منها كل أثاث الحجرة

إلاَّ فراشي المثبت بعرقي الخادع

وأنا التي تتحسب المرارة

دون غطاء ولا أمل

*

لي روحٌ قلقة.

تسكنُ قرب بحيرة هي عيناي الغائرتان.

تثور تحت شمس صلواتي الحامية

تنام وأحلامها ترتجف تحت جلدي

خالقةً المرارة في قلبي المغرد.

*

كم من الغراميات دفعت سريرك إلى الصراخ؟

كم من السنين غضَّنت عينيك؟

ما الذي أفرغ صدرك المنهك؟

نظرت إليك بعينيَّ السابرتين للأغوار

فتفجرت أوهامي

تاركةً خلفها

شيخوختك

العاجزة عن الرد على أسئلتي.

*

 

محارةٌ تنجر على شاطئٍ مهجور

بإصبع شارد يداعب البحر

تترك خلفها أثرها المثير للعاب

تجتذب رغماً عنها العدو.

يقترب ويشلها بيد متطفلة

يُخرج روحها من سريرها الرخو

ويمتص عذابها.

*

بلا شعور تنزلق نحو جنون الأحلام.

بلا شعور تنقفل عيناك عن الحياة

حدقتاك المتسعتان تغرقان في المحيط العاري.

يسقط فمك وهو يفرغ طفح

مخكَ الذي بلا سلاسل رسوٍّ

لسانك المشلول.

القاعةُ، القاعةُ كلها تتشنج منتظرة

هلوساتِكَ.

*

فليستفزك نهداي

فأنا أريد هياجك.

أريد أن أرى عينيك متثاقلتين

أن أرى خديك وهما يبيضان إذ يتغضنان.

أريد ارتعاشاتك.

فلتنفجر بين فخذيّ

ولتلبَّ رغباتي على الأرض الخصبة

لجسدك الماجن.

*

البيت الفارغ المظلم الذي تطوف به الأشباح

خطواتنا تسبقنا، تتبعنا.

الغرف المسكونة برؤى غير متحققة

بأشياء يستحيل كنهها

البيت الفارغ، الفارغ، الفاقد المعالم.

رأسك الحبيسة، عيناك

الزرقاوان المتلهفتان دون احتشام

تتسلط علينا، تنادينا

تحشو فمنا

خبزاً أبدياً وكريهاً.

*

رذائل الرجال

ميدان اختصاصي

جراحهم مغانمي اللذيذة

أحب أن ألوك نواياهم الخسيسة

لأن دناءتهم تصنع جمالي.

*

مقالات من نفس القسم