شوب عصير اسمه الشبح

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 11
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عبد العزيز دياب

   مرشد عناوين….

   ……………….

   ذلك هو عملي الجديد، أو ظيفتي الجديدة، إذا جاز لي أن اعتبرها وظيفة، الولد الأهيف اقترب منى بحذر، سألني: كافيه “الصحبجية” يا عمو؟

   تغضبني كلمة “عمو” لأنها تذكرني بأنني على مشارف الأربعين، بدأت كفى تشير، تصف له المكان بكل تفاصيله.

   ما أن انفلت الولد حتى أتت مُزَّةٌ تتهادى على رصيف الشارع، هل أرشدها بأن شيئا ما سقط منها: علبة مناديل، كارت شحن، كتاب، مفاتيح، إصبع روج، بسمة، فأحيانا تسقط من المُزَزْ- بتعمد واضح طبعًا- بسمات.

   ماذا أفعل وأنا الذى عاهدت نفسى بألا أغازل مُزَّةٌ، بعد أن ظهرت خصلة بيضاء عنيدة في مقدمة شَعْرِى، انحنيت حملت بسمتها على كفيَّ بحرص خشية أن تطير بجناحيها أو تندلق مرة أخرى على الرصيف، اقتربت أقدمها، أو ألصقها بشفتيها، المهم أنها سألتني عن سنتر “أجيال” للكمبيوتر: ثالث شارع يمينًا يا مُزَّة، عشر خطوات إذا انحرفتِ إلى ذلك الشارع تكونين أمام السنتر.

   شكرتني وواصلت طريقها.

   تذهب مُزَّةٌ وتأتى مُزَّةٌ، استحسنت تلك الوظيفة: مرشد عناوين، تيمنًا بوظيفة مرشد سياحي، من يدري ربما تم اعتمادها وأصبح لها جامعة وطلبة ومناهج تعليمية، وشركات، وسيارات فارهة، وفنادق، ومنتجعات.

   مرشد عناوين، لا بأس، كنت أقف في مكان ما، في زمن ما، في النهاية هو شارع، بالأحرى تقاطع شوارع، أمام محل عصير قصب، أو جزر، أو أناناس. شربت الشوب الكبير، الشبح كما يطلقون عليه، وقفت في هذا المكان لا أعرف لماذا، ربما لأن هذا المكان ينبغي الوقوف فيه لشاب مثلى حتى لو كنت على مشارف الأربعين، المهم أنني اكتشفت أن هذا المكان مقصد الكثيرين من الغرباء، ليس المكان بالتحديد، بل أنا الذي كنت مقصد الغرباء:

   “مستشفى الحكماء من فضلك؟”

   “مسرح رمسيس يا أستاذ؟”

   ……………………

   شارع البحر الأزرق لو سمحت؟”

   هكذا كنت مقصد الكثيرين، في هذا المكان، على شرف شوب عصير اسمه الشبح، قلت بدل التسكع فى المقاهي، أو الاختلاط بالمشبوهين، وإلى أن أعثر على عمل بدل عملي الذي فقدته في “الشركة المتحدة للتجارة والنقل” أعتمد نفسى بهذه الوظيفة، هي بلا عائد مادى، بلا قيمة أدبية، بلا وجاهة، لكنني معها أشعر بشيء من الرضي والاتزان.

   “مكتب الفرسان للصرافة؟”

   “مدرسة طومان باي من فضلك؟”

   “محل أطلس للحلويات؟”

   “البنك العربي الخليجي المتحد لو تكرمت؟”

   اعتمدت لنفسي اليونيفورم الخاص بي، قميص أزرق مع ببيونة من نفس درجة  اللون، بنطلون جينز أزرق، مظلة ثابتة وطاولة عليها قلم ودفتر صغير، ورائي لافتة تشغل مساحة لا بأس بها عليها صورتي وأنا أصف مكانًا ما لشخص ما، مكتوب عليها اسمى ووظيفتي “مرشد عناوين”

   مكاني معروف لا يعتدى عليه أحد، يمكنني قبول أشخاص تابعين للأحزاب أو الجمعيات الأهلية لتدريبهم، كما أنني في قرارة نفسي لن أمانع مطلقًا من إعارة تجربتي هذه ليتم تنفيذها في مناطق أخرى، والتنازل كذلك عن اليونيفورم الخاص بي في حال اعتزالي هذا العمل. 

   لكنها النهاية المؤسفة والمحزنة في آن واحد، إذ تم القبض علىَّ والتحقيق معي أنا صاحب الصورة الواضحة، في الفيديو الذى انتزع من كاميرات التصوير المثبتة بالشارع، كنت بكل حب وتفاؤل أرشد اللصوص إلى عنوان “شركة ألمظ للأجهزة الكهربائية”، أعطيتهم بكل سذاجة المعلومات التي مكنتهم مساء أمس من اقتحامها وسرقة خزينتها.

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون