“شغف اسمه الحكي”.. قراءة في الخاصيات الفنية بمجموعة “شغف اسمه الغيم”

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 16
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

رشيد برقان

تمهيد:

لا أعتقد أنني سوف أقدم جديدا بقولي؛ إن المشهد السردي بالمغرب، خصوصا القصة القصيرة، هو أحد أكثر المشاهد إضاءة في المغرب الثقافي، وإنه يغطي على الأشكال الإبداعية الأخرى، لدرجة جعلته ينتظم في مجموعات قصصية مهمة كميا، ويظهر في لقاءات وملتقيات باتت تشكل تقليدا راسخا لبعض المدن المغربية. فبعدما اشتهرت شفشاون بشعرها وبقيت فريدة في هذا المجال، واكتسح المسرح مدنا كبرى مثل مراكش ومكناس والبيضاء، برزت القصة في فضاءات مدينية متوسطة أو صغيرة، ونذكر في هذا الصدد زاكورة، ومشرع بلقصيري، ومراكش.

وقد واكبت هذه الفورة متابعة نقدية رصينة من خلال أشكال من الانكباب الحديثة التي اتخذت شكل مجموعات بحثية لعل أبرزها “مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب”، و”مختبر السرديات”.

وبغية المساهمة في هذه الدينامية النقدية تقترح هذه الورقة مقاربة للمجموعة القصصية الأخيرة للأستاذ محمد زهير “شغف اسمه الغيم” على أمل استجلاء بعض الخاصيات التي أسست لرونق هذه التجربة القصصية وأظهرت جماليتها، وجعلتها تنتظم ضمن الحساسية الجديدة في القصة المغربية.

وقبل الانخراط في أتون هذه المجموعة لا بد من الذكر أن الأستاذ محمد زهير علم من أعلام الكتابة السردية بالمغرب، وأحد الأعمدة التي أسست للكتابة السردية في المدينة سواء على الصعيد النظري أو العملي. وهو ليس معتكفا فقط في محراب السرد، ولكنه فاعل جمعوي واكبه وعمل من داخله، ومن هنا غوايته بالمسرح أيضا ومواكبته للمشهد الثقافي، وما يروج فيه شعريا أيضا.

فهو إذن نموذج للمثقف الذي أفرزته اللحظة التنويرية في المغرب خلال الستينيات والسبعينيات، حينما كان المثقفون يقبضون على الجمر، ويسعون إلى القبض على اللحظة الثقافية في كامل وهجها، بغية تقديم إضافات تسهم في خلق عالم متحرر متنور متقدم.

والمجموعة ليست هي أول إصدار للأستاذ، ولكنها الإصدار الثاني بعد “أصوات لم أسمعها” التي حصلت على جائزة المغرب للإبداع. وهما معا يعدان خلاصة تجربة قصصية قاربت الأربعين سنة بقيت موزعة في المجلات والجرائد الوطنية حتى قرر الأستاذ انتقاء بعضها وتجميعها في مجموعتين.

مناهل الحكي

ينهل الأستاذ معين قصصه من الطفولة وماضي الساردين، ومن تأملاته وشطحات خيالية مفعمة بقراءات شعرية وسردية عربية وعالمية.

فقصة “الكتابة على الرمل” تتمحور حول ماضي السارد وجليلة، وكيف أثر جفاف الطبيعة وقساوة العلاقات الاجتماعية في مسار الشخصيات خصوصا جليلة، فجعلها ممانعة للحلم والأمل، بحيث لم تر إلا قساوة الحياة. بينما بقي السارد الشخصية الرئيسية متشبتا بالحلم متمسكا بذكريات الطفولة التي مكنته ذات يوم من قهر جفاف الطبيعة وإهمال الأستاذ.

وتمجيد الماضي والحنين إليه لا يتوقف عند هذا الحد، بل يمكن الزعم أنه يشكل المجال المزهر في حياة الشخصيات، وكذلك الفترة التي لم تستطع الشخصيات لا استعادتها ولا التخلص منها؛ فذات حوار بين نجلاء وأمها التي لم تعد تتمنى من الدنيا غير وردة حمراء.. “وردة واحدة تفجر نهر محبة”[1] نجد:

«ـ ماما لماذا يبوس الرجل المرأة؟

ــــ لأنها زوجته..

ــــ وأنت هل يبوسك بابا؟

ـــــ كان!.. »[2].

وعبر الحوار دائما ينكشف حنين الشخصيات لماضي الحبّ الذي لم يعد في مقدورها استعادته نظرا لغرقها في الروتين ودوامة الحياة:

«..”وردية” جسد الأحراش الظامئة إلى نزوة الماء اللاهب كجذوة النار..

ــــ أين فراشة الحب؟

ــــ أمازلت تذكرين؟

ــــ أنت الذي تنسى..

ــــ لا ولكني لم أعد أراها الآن.

ــــ إذن لم تعد تراني !..

ــــ ومن أرى غيرك؟

ــــ لا تكذب… »[3]

وتشكل الطفولة  في هذه المجموعة ملجأ فسيحا تستطيع الشخصيات من خلالها إبراز قوتها وتحقيق رغباتها، والتمتع بملذات العالم؛ يقول سارد قصة “سناء”:

« .. ومنذ صغري أحسن رسم العصافير طليقة، والأسماك سابحة، وأحفظ الأشعار»[4]. والتفوق خلال مرحلة الطفولة ليس حكرا على السارد فقط، بل يطال شخصيات أخرى، فلا أحد يباري « سمير الوردي في قراءة الشعر ومطالعة الكتب وعشق السينما»[5]. أما نجلاء فلم تجد غضاضة في التعبير عن إعجابها بمشهد الحبّ، في حين أغرمت أمها بالمشهد نفسه وافتقدته دون أن تمتلك جرأة الإفصاح عن رغباتها. والشيء نفسه نجده عند “أحلام” التي أفصحت عن رغبتها في فراشة الحبّ، وأصرت على حلمها حتى حقّقته كما تريده هي، وليس كما اقترحه الرسام.

ولعل خير قصة تبرز قوة شخصية الطفل هي “مروحة الماء” التي يحكي فيها الطفل عن مغامراته وكيف أنقذ أستاذه؛ يقول:

« وفي هذه اللحظة بالذات برزت على الضفة .. رمقني بصمت مفصح عن كل شيء، ولم أكن في حاجة إلى أن يقول .. وضعت محفظتي وخلعت ملابسي سوى التبان، وسبحت في ماء دجنبر البارد دربا مرنا كسمكة الوادي .. بلغت معلّمي في مأزقه، فأخذت الجراب أولا فوق رأسي، وأوصلته إلى الضفة الثانية بمهارة سباح راسخ»[6].

كما استطاع التقرب من رانية رغم المراقبة المحيطة بها، وجعل الطبيعة تتناغم مع مايجيش به صدره إثر حبه الأول. وخلال كل هذه المراحل لم يكف عن إظهار امتلاءه وتسيّده على المجال؛ يقول:« هذا أنا المهدي الوادي.. فكيف تجيئين إلى مجالي، أيتها الزهرة الندية رانيا، ولا أستقبلك بما يليق بجمالك ورقتك»[7].

والتركيزعلى الطفولة، وإفعامها بكل مظاهر الشجاعة والإقدام وما يفيد امتلاء الشخصية، رغم غياب التجربة العمرية، معطى دال على حنين للطهارة والأصل، وعلى اعتماد راسخ على اللحظة الغُفلة من حياة الشخصيات، بعدما لم تنكسر بفعل التجارب الحياتية، وبعدما لم تتلوث بالمواضعات الاجتماعية المنافقة. وسيتعزز هذا المعطى حين نرى الشخصيات الكبيرة عاجزة عن الفعل معطوبة في صميم ذواتها، لاترى العالم إلا من خلال غلالة ضبابية باردة. ولعل في كل هذا تماهي مع ما سبق أن قرره الأستاذ محمد برادة أثناء دراسته لمجموعة من القصص المغربية؛ يقول: «استيحاء الطفولة في الأعمال الأدبية يكتسب نكهة خاصة لأنه يعيدنا إلى مرحلة “البكارة” ومتعة الاستكشاف وإضفاء الألوان الزاهية على زمن يبدو مكتفيا بذاته.»[8]

وفضلا عن الاعتماد على الطفولة منهلا للقصص، ينهل الكاتب أيضا من تأملاته الخاصة، وينسج منها قصصا يتزاوج فيها الواقع مع الخيال، وتبدو اللحظة الحاضرة ضيقة مأزومة بشكل يدفع بالشخصيات للهروب منها نحو فضاءات عجيبة. يقول السارد عندما لم يستطع استرجاع محبوبته، بسبب الموت:

« وضعت الرسم في إطار وعلقته في مواجهة مضجعي، ففاض بعد حين على الإطار، وكأنما كان يرتوي من جدول سري لاأراه.. أبدلت الإطار بأكبر منه، ففاض أيضا عليه، حتى صار جدارية واحة فيحاء، في قلبها نخلة سامقة معذقة.. جذبني الشوق إليها فرغبت في قطع الفصل بوصلها .. »[9]. فقد خلق من رسمها عالما كاملا لا ينفك عن البذل والعطاء.

والالتجاء إلى العجيب ليس ظاهرة فردية، بل يكاد يكون ظاهرة تميّز القصة المغربية الحديثة خصوصا في صيغتها الهاربة من الواقعية الجافة، الباحثة عن مسارات جديدة تؤكد الذات وتعلن عن تفرد التجربة. أوبصيغة أخرى يعدّ اللجوء إلى العجيب ضربا من قول الواقع بطريقة جديدة هي الوحيدة التي تفصح عن ذات المبدع وفرادته، وتبعده عن التكرار والاجترار[10]؛ يقول محمد برادة: « وهذا هو سحر التخييل وسر قوة لغته. إنه لا يحتمي بالواقعي والحقيقي، ولا يكون في وجوده متوقفا على التفسير النفسي أوالاجتماعي أوالعقلي المفسّر لحدوث الأشياء ونشوء العلائق والصراعات. وقد يمتح من كل ذلك، ولكنه دائما يذهب إلى أبعد منه، ويلامس صورة تنبه  فينا إحساسا غافيا. »[11] وكأن المؤلف لم يعد مقتنعا بالواقع مرجعا وحيدا للتواصل مع العالم الآخر، ونقل تجربته من خلاله. لهذا يقوم بتجاوز الواقع، ويترك مهمة نقله للمحاضر الرسمية، ويسعى نحو عالم أكثر شساعة وأشد حرارة.

إن ضغط الواقع وكم الإحباطات المرافقة لتحقق الذات من خلاله، جعلت المبدع يبحث عن مهارب تمكّنه من تحقيق الذات، وتمكينها من الإفصاح، وإبداع عوالمها؛ لأن ذات المبدع حرة ولا تستطيع التفكير إلا من هذا المنطلق، وتصبح الطفولة وقوة الخيال والحالة هذه أشكال من مقاومة ومواجهة الواقع وإصدار موقف إدانة متوجة بالإبداع والبوح والحنين.

حضور الواقع

والواقع في هذه المجموعة السردية يحضر بشكل مزدوج؛ إذ يمكننا التوقف عند واقع يفرض نفسه على السارد والشخصيات، وهناك واقع ثان تخلقه الشخصيات، وبواسطته تصارع الواقع المرير الضاغط.

ويتشكل الواقع الضاغط من اليومي الذي يعد هاجسا مؤرقا، وهما ضاغطا على الساردين والشخصيات. وهو واقع سوداوي سلبي لا يبدو فيه أي أمل بالانفراج؛ يقول:

« قضيت سحابة النهار في عملي اليومي الرتيب منطفئ الرغبة. كنت أمارس الأفعال اليومية الضرورية كاستجابات آلية»[12]. وليست الشخصية الرئيسية هي وحدها من يحس هذه السوداوية بل، إنها تستشري لتعدي باقي الشخصيات، يقول: «جليلة تأتي من تعب وأرق نوبة ليل المصحة، لتنام بعض النهار…وحين أعود أنا من عملي، الذي لم يكن أبدأ في حسبان أحلامي، أجدها تنتظرني .. أشكو إليها جفاء الأرقام وجفافها»[13]. وقد بلغ ضغط الواقع السوداوي مبلغا عظيما لدرجة جعلته يهيمن على خيال السارد، فلا يرى في العالم إلا هيمنة لقوى الشر كما نجد ذلك في “ذاكرة الغبار” حيث الغاسق هو الذي يفرض تصوّره على العالم، ويرى الدنيا بمنظاره السوداوي. وتشكل هذه السوداوية مظهرا مزدوجا في علاقتها بالواقع حيث إنها تفصح عن هذا الواقع، من جهة. ولكنه يبقى،من جهة أخرى، مبطّنا دائما برؤية الذات الكاتبة التي تحمل من خلال ذاتيتها عزوفا عن هذا الواقع، ورفضا لتحولاته وتبدلاته. ولعل في هذا امتثالا لفعل الكتابة بوصفها إفصاحا عن الذات وبحثا عن مساحة جديدة للتفرد، فلا يكمن همّ الكاتب في ترديد الأشياء بصورة فوتوغرافية، أوتذكيرنا بعالم نحن على علم به، ولكن الهمّ الأساس هو نقل تصور ذاتي جديد للعالم، ولم لا خلق عالم جديد أكثر نظارة وأكثر حيوية من عالم التجريب العلمي الجاف.

ويبدو أن السوداوية، بوصفها خاصية تخترق أغلب قصص المجموعة، تمتد لتشمل المتن القصصي المغربي خلال هذه المرحلة حيث يقرر محمد تنفو، وهو بصدد البحث عن الملامح العامة للقصة القصيرة المغربية، « إن هذه المتون القصصية صادرة عن خيبة أمل في كل شيء لذلك اتخذت السواد شعارا ورفعته لواء » [14]. ولو أنّا تساءلنا عن مصدر هذه السوداوية أو بالأصح الرؤية السوداوية للواقع لوجدناه متمثلا في سلسلة الإحباطات التي منيت بها النخب المثقفة في مغرب ما بعد الاستقلال نتيجة للإخفاقات السياسية لرهانات الدولة في التطور والتنمية، وعدم إفساح مجال أكبر من الحرية للنخب، ومنعها من الفعل والتعبير عن آرائها وانتظاراتها. وقد نتج عن هذه الإحباطات انغماسا في الذات وعزوفا عن الواقع، هذا في الوقت الذي كانت فيه القصة خلال مرحلة نشأتها وبُعَيْد الاستقلال طلائعية تنفتح على الواقع، وتبشر بواقع جديد وإنسان جديد مكافح مناضل مفعم بالتفاؤل مقبل على الحياة[15].

بلاسم لواقع مأزوم

ويقابل هذا الواقع الضاغط واقع تخلقه الشخصيات، يتأسس من ثالوث يشكل المنارات التي تضيء بها الشخصيات عتمة الواقع الخارجي، وتبلسم به أعطاب الذات. ويتعلق الأمر بالماء والحلم والقراءة:

يحتل الماء موقعا مهما في مسار الشخصيات، وفي عالمها الخاص؛ فقيمة العالم تتحدد سلبا أو إيجابيا بحضور الماء أو غيابه، بل يتسرب الماء إلى أعماق الشخصيات، وكلما كانت مرويّة نديّة ظهر جمالها ورونقها.

فذات حوار بين السارد وجليلة التي لاترى العالم إلا من منظار سلبي نجد:

«- أرقامك على وزن أحلامك، جافة مثلها..

– لا تخلطي بين الشجر والحجر. فالأحلام هي ماء الحياة..

– رَطِّبْ إذن جفاف الأرقام بماء الأحلام، واسبح في سديمك..

وألوذ بالصمت فتشير علي:

– بل رَطِّبْ جسمكَ باستحمام يغسل نفسك، ودع أعصابك لتستريح..

في طفولتنا كنا في مدرسة كئيبة، لا شجرة فيها ولا امتداد .. كلما تحرك خيالنا اصطدم بضيق الغرف والتفاف الجدران ومحدودية الأفق .. طفولة بلا شجرة واحدة، و بلا نوافذ نطل منها على الزرقة الحية ..

كمال، شقيق جليلة، كان معي في القسم الرابع وجليلة في الأول حين تزوج أبوهما مرة أخرى وغادر البيت مخلفا وراءه بئر أحزان .. انطوى كمال على نفسه، وجليلة نضبت في وجدانها فرحة طفولة الحياة، وهي في أولى سنوات المدرسة .. » [16]

فالسارد لا يجعلنا نرى عالم الشخصيات إلا بواسطة معجم الماء (ماء الحياة، رطب جفاف الأرقام، اسبح، استحمام، الزرقة الحية، بئر أحزان، غرقنا في بحر الأحلام، غيمة تمطر).

وحضور الماء في السرد مؤشر على الحب والشعر والحيوية اللازمة للحياة، فجميع مباهج الحياة تقترن بالماء، وبالعكس يقترن البؤس والخريف بالجفاف. وهو ليس عنصرا جديدا، ولكنه دائم الحضور في المتخيل الإنساني، فلم تكن ضرورة الماء أبدا ضرورة طبيعية فقط، ولكنه ضرورة خيالية أيضا، وخيالية بامتياز. ففضلا عن كون الماء أصل الحياة، وأصل الخصب، ومصدرا مهما للطهارة، شكل الماء مصدر إلهام للمتخيل ومنبعا للشعر، ومنه إلحاح الجاحظ على اقتران الشعر بكثرة الماء[17]. فأمام انحباس الواقع وجفافه تلجئ الشخصيات إلى الماء أو تبحث عنه لمواجهة الواقع ومجابهته. وكما لجأت الذاكرة والمتخيل الشعبي للماء في اللحظات الحرجة، لجأت شخصيات المجموعة إلى الماء؛ فجليلة رغم سلبيتها، ورغم أن الواقع قهرها ومنعها من التفاؤل وتذوّق ماء الحياة تدعو دائما السارد للتخلص من أوهامه بالماء، وكأن الماء تعويذة سحرية تداوي الناس من هلوسات أحلامهم.

وأمام ضغط الواقع وسوداويته، ومن أجل القبض على ماء الحياة يلتجئ الساردون والشخصيات إلى الحلم، الحلم ضد الجفاف، الحلم ضد الجفاء، الحلم ضد الخريف، فكل الشخصيات حالمة تستعيض عن المواجهة والمجابهة بالحلم « فالأحلام هي ماء الحياة». يقول سارد “العشاء الأخير”:

« وعلى مشارف الفجر نمت .. ومن سديم الحلم أطل عليّ الوجه الجميل للقيّمة الشابة، وظهرت لي بكامل حضورها في بهو الخزانة، وقد استعاد بهاءه. فأخذت بيدي وتقدمتني إلى مخزن الكتب. وجهها مصباح ينير العتمة، وعبقها الفاغم نداء أشواق .. ومن رفوف الكتب المجرات ينبعث نور يمازج الروح كالخمرة والنشوة، ويدعوك لتشرع نوافذ الأعماق .. عندها أمكنني أن أرى الخزانة قد انفكت عزلتها فصارت فضاء مفتوحا .. ذابت الجدران وغابت الرفوف، والكتب الكثيرة طارت في الهواء كأسراب طيور تحلّق في مراقي بعيدة، وتتحول في السماء مجرّات نجوم أشد لمعانا .. شهوة في ريعان شبابها، ونشوة الخمر مازجت الروح، فاستعادت النفس عافيتها، وتدفّق الماء في مجاريه .. »[18].

وقد تعرّض الحلم لتفسيرات كثيرة بحسب السياق الذي ورد فيه أوفي علاقته بالموضوع حيث يوجد، وفي هذه المجموعة ينخرط الحلم في إطار بحث الشخصيات عن منافذ للهروب من الواقع وتأسيس عالم على مقاس طموحاتهم وأحلامهم.

ولا يبقى الحلم غفلا مرتبطا بالليل والنوم، ولكنه يقترن في ذهن الساردين بالقراءة والمرأة. حيث يشكل هذا الثالوث البديل الذي به يحارب الساردون رتابة الواقع وملله.

يقول السارد عن القراءة: « غالبا ما أمضي وقتا في الليل في القراءة، لقراءة الليل نكهة خاصة. حين تفلح في جعل الليل نديما، يبوح لك بالعجيب من أسراره، وتبوح لك الكتب.. الليل كتاب شاسع طافح بالأسرار، متنه مراوغ ويستطيب المغامرة ويستدرج القارئ الجسور إليها. وقد يشدك حتى مطلع الفجر ليشاربك الكأس، وقد تشتبكان في صراع عاصف لا يفسد للود قضية .. »[19]. وفي مقطع آخر يحدد السارد موقفه من القراءة وسبب انشداده إليها: «أما بؤرة انشغالي ففي الليلة المنتظرة. إذا استجابت قيّمة الخزانة لرغبتي فسأبيت في محفل الأسرار، حيث يلتقي الفكر والإحساس والخيال، ونردم هوة الانفصام بين السماء والأرض. وهناك سأستجمع أزمنة في زمن واحد، وأصغي إلى أصوات كثيرة في تآلف عجيب، وأحيا اللحظة مأهولة كثيفة، تمتد خلالها الجسور وتمتلئ الفجوات .. لحظة مترعة، مستفزة للروح والفكر والخيال، واصلة بينها جميعا في مصهر تمتزج فيه العناصر، كاللقاء المتوهج بين عاشقين في لحظة مسروقة لا تتكرر ..»[20].

شخصيات مثالية في واقع سوداوي

تعد الشخصيات العنصر الحي في القصة ونقطة التماهي مع الواقع الفعلي، كما أنها تشكل تعلّة لتسريب جملة من المواقف تجاه الواقع. وعند تأمل شخصيات “شغف اسمه الحكي” يمكننا تقرير أن كل الشخصيات معطوبة، وعطبها يمتد على مسار قصص المجموعة؛ فهي تجتمع كلها تقريبا في كونها مرفوضة منبوذة من الواقع، ولاتمتلك القدرة على تحقيق ذاتها في هذا الواقع المنفلت المتمنّع؛ حيث «حمدان السينما» الذي عشق السينما في زمن أسرع الانتقال من فضاء محافظ يحرّمها، إلى فضاء متهافت على حداثة شكلية أهملت الوظيفة التنويرية للسينما، وبقي حمدان ضحية للإهمال والبؤس. وإسماعيل الذي نهش”البيوض” قلبه حينما فتك بالنخلات، وفرض عليه السفر والتخلي عن محبوبته. أما إدريس  فقد سافر من أجل محبوبته، وانقطع إلى العمل من أجل ادخار المال والزواج بمحبوبته، ليكتشف بعد عودته أنها تزوجت. وأما صاحب سناء فلا يزال يتساءل أين غابت سناء؟

وإذا سلمنا مع فرانك أوكونور أن القصة أكثر الألوان الأدبية ملاءمة لتصوير وضعية الإنسان المسحوق في عالمنا المضطرب[21]، فإن قصص محمد زهير تسعفنا في إضافة أن الانسحاق طال الفئات المتوسطة المتعلمة في مجتمعنا؛ فلم تعد الشخصية الرئيسية أوالبطل، إذا جاز لنا استعمال مثل هذا المصطلح، هي ماسح الأحذية أوالمتسول أوالنقّال، ولكن اضطراب العالم وصل إلى الفئات أوالنخب التي تتحرك وسط المجتمع بقيّمها ومثلها التي أصبحت سلعة كاسدة، ومنه عطبها وانسحاقها. وانضاف إلى القهر الاجتماعي الذي تعانيه الفئات المهمّشة في المجتمع والذي رصدته القصة “الواقعية” قهر روحي تركّز وسط النخب وتجسّد في العطب والمعاناة[22]. فالشخصيات لا تبحث عن مجد شخصي، ولا تنخرط في صراعات سياسية من أجل الانتصار للوطن أو لفئة معينة، إنها شخصيات تناضل فقط من أجل قيم منفلتة لم تستطع أن تحققها وبقيت تعيش الفقد إثر هذا العطب؛ فأم نجلاء لاتبحث سوى عن لحظة دافئة مع زوجها تتمثل في تقديم وردة “وماذا سيكلفك تقديم وردة؟ .. وردة واحدة تُدَفِّقُ نهر محبة ..”[23] ونفسها االحظة الدافئة ستحوّل وردية إلى “جسد الأحراش الظامئة إلى نزوة الماء اللاهب كجذوة النار..”[24]. والشخصيات تعيش هذه اللحظة بشكل ساكن وفردي، تغوص في أعماق أشجانها، وتستمرء عذوبة آلامها بدون مقاومة ولاسعي للخلاص. ولعل في هذا ما يبرز التحوّل الذي شهدته الكتابة الإبداعية التي بدأت تنطلق من أرضية واقعية صلبة، وتبتعد عن الواقعية الحالمة، التي بمجرد خفوتها تركت المكان لسوداوية فردية ذات شحنة سلبية. وكأن اللحظة الذاتية الرومانسية للشعر العربي التي طغت ما بين الحربين العالمتين[25] انتفضت من رمادها وبدأت تسم بمياسمها الكتابة السردية.

وبطبيعة لا يمكن أن تجد الشخصية أرضية صلبة لها داخل المتن السردي إلا إذا استندت على ما يدعمها في الواقع التاريخي، لهذا من النادر أن تزهر شخصية ثورية طلائعية وسط إيقاع مجتمعي مفعم بالإحباط، ومثلما ساد الإحباط ونبرة الانهزام ما بين الحربين فأعطتنا شعرية بكائية مغرقة في الذاتية، ظهرت هذه الشخصيات المعطوبة في فضاء تاريخي معطوب أيضا.

ومن الخاصيات الفاقعة في الكتابة القصصية عند الأستاذ العناية في اختيار الأسماء؛ فلا توجد أعلام بدون دلالة، فكل الأسماء ذات دلالة رمزية، وكل الأسماء مطابقة لحامليها، بل يؤشر الاسم على جانب معين من الشخصية. ففاضل المطري شاعر منتج، وإلهام رسامة، ورانيا فتاة جميلة أتت من بعيد وظلت ترنو إلى ذلك البعيد، وجعلت المهدي يرنو إليها وإلى عالمها. وسناء بقيت بعيدة دائما متمنعة كالضوء.

إن عملية تحديد أسماء الشخصيات الفاعلة في العالم القصصي للأستاذ محمد زهير تنخرط ضمن برنامج مسبق وتعكس اختيارات السارد، فمعظم الأسماء غير متداولة في الأوساط الشعبية، ولكنها وليدة اختيارات الفئات المتعلمة والفئات المتوسطة في المجتمع والتي تحمل في دواخلها الرغبة والتطلع إلى الانفصال عن ماضي متخلف عاشته وعايشته، ولعل هذا يبرز في البنيات الصرفية للأسماء التي هيمن عليها اسم الفاعل والصفة ( المهدي، رانيا، نجلاء، جليلة، عائشة، سمير، سناء)[26].  والمصدر (أحلام، وردية، سناء).

فغالبا ما حمل الاسم العلم، على الرغم من اعتباطيته، شحنة دلالية ارتبطت بالذكرى والحنين،  وفي أغلب الأحيان شكل تطلعا لعالم لا نعيشه بالضرورة ولكننا نأمل، مادام القدر قد وضع بين أيدينا حق تسمية الأبناء، أن ننفث في الاسم طالعا جيدا ومستقبلا مزهرا لأصحاب هذه الأسماء. ولعل مخلوقات شخصيات محمد زهير هي بمثابة أبنائه لهذا يضعها في عالم أجمل وأروع من خلال التسمية على الأقل. 

صورة المرأة:

للمرأة حضور قوي كاسح على امتداد المجموعة أيضا؛ وهي امرأة يمتد مجالها من “جليلة” المفرطة في الواقعية المجروحة، وقيّمة الخزانة صاحبة الموهبة الشعرية الخجولة، وصولا إلى “رانيا” فتاة عالم الأحلام التي بفضلها أزهرت رجولة السارد.

وكلما مرّ السارد بالمرأة توقف وأوقف الزمن ليقرن الوصف بالشعر تعبيرا عن وقع هذا الكائن وخطورته في عالم القصة، فعن قيّمة الخزانة؛ يقول: «امرأة عذبة، في روحها شفوف شعري، وفي نفسها عطش للمعرفة.»[27] وعلاقة الشخصيات والساردين بالمرأة علاقة من نمط واحد، فهي علاقة سامية محفوفة بالعشق والشعر، وحتى المجاذبة والمناكفة تمرّ في طقوس رومانسية، يبقى السارد فيها متابعا معاينا لعالم النساء كمن يتلهف وينتظر دخول الجنة.

ورغم الحضور الإيجابي للمرأة في قصص “شغف اسمه الغيم”، ورغم النقلة النوعية التي تدشنها هذه المجموعة على مستوى الرؤية للمرأة إلا أننا نسجل أنها بقيت دائما في المرتبة الثانية في كل القصص، وبقيت دائما محتلة موقع الموضوع أو موضوع الرغبة، أوالمساعد على تحقيق طموحات الشخصية الرئيسية، ولم ترق إلى مستوى الذات أوالفاعل الحقيقي الذي يحرك الحدث ويؤوله إلى مايريده ويبتغيه. وفي هذه النقطة بالذات يمكننا القول إن السارد لا يزال لايثق في قدرات المرأة لتقود العالم حتى ولو كان هذا العالم قصّة. ولعلها إحد الفجوات التي تتسرب منها تمثلات المجتمع، أو لعل دينامية المرأة المغربية لم تتطور بشكل يفرض على السارد أن يبوّأها موقعا أكثر مما تحتله الآن في هذا العالم المتخيّل.

الخاصيات الفنية:

لغة بوح رومانسية:

ولا يمكنك المرور في دروب المجموعة دون أن تستوقفك اللغة التي صيغت بها هذه القصص حيث إنها مختارة بعناية وبتؤدة كبيرة تعبّر عن عمق ثقافي، واستحضار لحمولة فكرية راقية، تجعلك تسبح في عالم رومانسي حالم تلح فيه اللغة على الحضور وشدّ انتباه المتلقي، وباستثناء بعض الجمل القليلة لانجد استعمالا للدارجة أواللهجات المحلية، ولكننا نجد حضورا قويا للغات سامية من الشعر سواء كان مبدعا، أو مقتبسا من قمم الشعرية العربية الحديثة.

ولغة السارد ليست لغة سردية خالصة، ولكنها متخلّلة بحوارية تفصح عن مكنونات الذات بشكل يحوّل البوح والحوار الداخلي إلى حوار بين شخصين يسيران في تناغم ووئام.  يقول:

« ـــــ  أرأيت؟ نحن الذين نغفو وليس المحطات.

ــــ من نحن؟

ــــ المواثيق، الرؤى، الرغبات، المواعيد، والعلاقات التي تنسجها الذوات..

ـــــ لكن اليد العاتية لا تكف عن اعتصار ماء الحياة.

ــــ وماء الحياة لايكفّ عن الانبثاق.

صوتي الآخر، صوتي القرين، صوت الشلال والعنفوان والشغف ووهج الخيال، صوت الشجرة داخل الشجرة، بحثا عن دفء مفقود، عن حياة مستنزفة، عن تعلّق الغريق بقشة في بحر هائج .. »[28]

واعتماد الحوار الداخلي بتنويعاته واختلافاته دليل على انقطاع الحوار مع العالم الخارجي، إما برغبة من الشخصيات، أو بسبب الإيقاع السريع للواقع بشكل يجعل الشخصيات لاتستطيع إدراجه في مجال إدراكها، فتعزف عن التواصل معه، وترتد إلى فضاءاتها وجوانيتها، لعلها تكون منقذا لها من رياح الخارج الهوجاء. ومجموعة الأستاذ محمد زهير باعتمادها الحوار الداخلي وتغليبه أسلوبا تعبيريا تنتظم مع أحد خاصيات القصة القصيرة بالمغرب[29].

كما يمكن أن يعزى اعتماد الحوار الداخلي إلى إحساس بعدم القدرة على التواصل الجيد مع العالم الخارجي، ولعل في هذا جزءا من مأزق المثقف التواصلي؛ حيث يتحرك في العالم بقيمه ومبادئه، وحينما لايجد لها صدى في العالم خارج ذاته ينكفئ على جوانيته ويدخل معها، ومعها فقط، في حوار مغلقا الباب أمام كل أشكال من التفاعل مع الخارج، ولعل هذا ما يتعزز لدينا عندما ننتبه إلى الفضاءات المنتقاة، وإلى عملية اختيار الشخصيات، على قلتها.

ولأن المثقف بحاجة إلى الحوار وإلى الإحساس بصدى الآخر في كلامه فقد ابتدع من ذاته ذات يحاورها ويوصلها إلى ما يرتضيه من نتائج ولعل في هذا جوابا على اعتماد تقنية الحوار الداخلي الذي يتلبس لبوس الحوار مع الآخر.

وكما لا يمكن إغفال لغة  النص، لا يمكن أيضا عدم ملاحظة البعد القيمي للنص، فالقيم تخترق كل النصوص، وتفرض ذاتها أثناء تقسيم العوالم وتحديد خاصيات الشخصيات، فعوض النظرة الواقعية للشخصيات يمكننا الحديث عن نظرة قيمية للشخصية حيث تحدَّد كل شخصية باقترانها بقيمة معينة، ولا ترى مكانا لها في العالم إلا بوجود هذه  القيمة. ومن هنا الرؤية السلبية للواقع، وكذلك رفض تحولاته وتبدلاته.

وينسحب هذا البعد على الطبيعة أيضا، فباستثناء مقاطع قليلة معزولة حينما تكون الشخصية قوية مقدامة عازمة على تحقيق ذاتها، لا نجد الطبيعة تحضر إلا من خلال الخريف والبرد والليل. يقول المهدي الوادي حينما لمست أشعة الحب قلبه: « وفي المساء سلكت إلى البيت طريقا أطول بين حقول الزيتون واللوز .. كانت أشجار اللوز مزهرة، وكنت جدلا في دفق ربيعي آسر، تباغتني أشعة الشمس الغاربة بين فجوات غصون الشجر، وتسلمني إلى الظلال الشفيفة، وقلبي طائر يشدو في هدهدة ريح رخية .. أشرب من رقرق الماء وأترقب انبثاقات النجوم، ولا أتعب من المسير.. تجاريني الشمس فتتعب وتغفو، فتطل نجمتان .. وتتلألأ السماء نجوما كابتسامات الأطفال .. وتسلمني الحقول إلى العراء، فأطلق العنان لغنائي .. وفي مضجعي أحلم بأني وإياك على الشاطئ المسربل بالضوء، أمام امتداد مائي في ضحوة ربيعية متألقة، تفتحين ذراعيك وأفتح ذراعي .. وفي الفجر أنهض خفيفا متشوقا إليك ..»[30].

عالم حلم عجيب:

سبقت الإشارة إلى ضغط الواقع على الذوات الساردة، ونفور الكاتب من اليومي والمباشر، ولكي تتم هذه العملية تحتاج الشخوص إلى بناء عالم تستعيض به عن العالم المفروض. لهذا، يتم اللجوء حينا إلى الحلم، وإلى العجيب أحيانا. وقد كان هذا اللجوء حاضرا في المجموعة لدرجة أصبح معها علامة مميزة من خلال “مروحة الماء”، و”حالة وجود”، و”أحلام وردية”، و”ذاكرة الغبار”، و”شجرة المعرفة”، و”مواجع العشق”.

وحضور العجيب في كل هذه القصص تقريبا يفصح عن ذاته من خلال الطبيعة وطرق تحريكها، ونقل الأحاسيس والانفعالات والأحداث الإنسانية إليها؛ يقول: « كف انهمار المطر والقطار على مشارف المدينة. المطر الذي يقسو  ويأسو  كفّ بعد انهطال عنيف. لكن البرد جارح في شتاء مدينة تطلب الدفء كجسد أنثوي يتيم. »[31]

والوضعيات التي يتم فيها الانتقال إلى العجيب هي دائما وضعية انحسار وعدم قدرة على تحقيق الذات من داخل الواقع. لهذا يتم اللجوء إلى الطبيعة وإلى الحلم. لتجد القيمة التي تحملها الشخصية متسعا من فضاء يمكّنها من أن تزهر[32].

على سبيل الختم

يربط عبد الله العروي بين الشكل الأدبي والتحولات المجتمعية ويقرّ أن شكل القصة القصيرة أو الأقصوصة أكثر ارتباطا بالمجتمع المشتّت[33] وإذا اعتمدنا هذه المقولة نبراسا نستطيع أن نفهم أن أسباب الاختيارات الفنية للأستاذ محمد زهير تعود، في جزء كبير منها إلى ضغط الواقع والمرحلة التي عاشها الأستاذ؛ ويتعلق الأمر بإحباطات الستينات والسبعينات، أو عموما كبوات مرحلة مابعد الاستقلال، والانكسارات التي عاشتها النخب المثقفة والتي فرضت عليها الانكفاء إلى ذواتها وعوالمها الخاصة، والعزوف على التطلع إلى المجتمع أو التحاور معه، والاكتفاء بالبوح والبحث عن الملاذات الآمنة، خصوصا المرأة والطفولة والقراءة والحلم.  

وقبل الختام أقول مجموعة “شغف اسمه الغيم” لواعج شخصيات قهرها الواقع، وأعياها السعي إلى نشدان قيمها المثالية، فقررت البوح والكشف عن آمالها وطموحها، في كامل ألقه وجماله، فأصبحت بذلك أصواتا سمعناها تحكي عن شغف اسمه الحكي.

………………..

[1] ـ  محمد زهير، شغف اسمه الغيم، منشورات اتحاد كتاب المغرب- فرع مراكش، الطبعة الأولى 2015، ص: 64

[2] ـ  المرجع نفسه، ص: 60.

[3] ـ المرجع نفسه، ص: 67.

[4] ـ المرجع نفسه، ص: 150.

[5] ـ المرجع نفسه، ص: 141.

[6] ـ محمد زهير، شغف اسمه الغيم، ص: 36.

[7] ـ المرجع نفسه، ص: 38.

[8] ـ محمد برادة، لغة الطفولة والحلم قراءة في ذاكرة القصة المغربية، الشركة المغربية للناشرين المتحدين، الرباط، الطبعة الأولى، 1986.ص:31.

[9] ـ محمد زهير، شغف اسمه الغيم، ص: 124.

[10] ـ نجد  في افتتاحية مجلة “قاف صاد”: « ولقد ظلت ثنائية فانتاستيكي/ واقعي مسيطرة على تصورنا لهذا النوع من الكتابة. لكن، خلافا لهذا التصور، فإن الفانتاستيك نوع أدبي “واقعي”، لأن الواقع يشكل موضوعه الرئيس » انظر “فاق صاد” عدد 6.

[11] ـ محمدبرادة، لغة الطفولة والحلم. ص:29.

[12] ـ محمد زهير، شغف اسمه الغيم، ص: 26/27.

[13] ـ المرجع نفسه، ص: 9.

[14] ـ محمد تنفو، القصة القصيرة المغربية المعايير الجمالية والمغامرة النصية، إصدارات دائرة الثقافة والإعلام، حكومة الشارقة، الطبعة الأولى 2010 . ص: 91.

[15] ـ يختتم أحمد اليابوري أطروحته بصدد القصة المغربية بعبارة دالة في هذا الصدد؛ يقول: « وإذا كانت السمة البارزة للإنتاج القصصي، قبل الاستقلال، هي العظة والتوجيه الرفيق، فإنها أصبحت بعد الاستقلال نقدا ذاتيا هادفا، وفي ذلك أكبر دليل على أن القصة منذ نشأتها إلى الآن، بقيت محتفظة بخاصيتها الأساسية، وهي الارتباط بالحياة. »، أحمد اليبوري، تطور القصة في المغرب مرحلة التأسيس، منشورات مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب، البيضاء، الطبعة الأولى، 2005. ص:165.

[16] ـ  محمد زهير، شغف اسمه الغيم، ص: 9، 10.

[17] ـ انظر: الجاحظ، البيان والتبيين، تحقيق:

[18] ـ محمد زهير، شغف اسمه الغيم، ص: 26.

[19] ـ  محمد زهير، شغف اسمه الغيم، ص: 25.

[20] ـ المرجع نفسه، ص: 27.

[21] ـ نقلا عن أحمد اليبوري. تطور القصة في المغرب، منشورات مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب، الطبعة الأولى، 2005، البيضاء. ص: 47، 48.

[22] ـ يرصد نجيب العوفي في مقالة له خاصيات القصة القصيرة بالمغرب، ويركز خاصية القهر الاجتماعي والروحي بوصفهما الخاصية الموضوعية لقصة مابعد الاستقلال، انظر: نجيب العوفي”القصة القصيرة والاسئلة الكبرى” ضمن: القصة المغربية التجنيس والمرجعية وفرادة الخطاب، سلسلة ملتقى القصة، منشورات الشعلة، الطبعة الثانية، 2006، صص: 41 ـ  45.

[23] ـ محمد زهير، شغف اسمه الغيم، ص: 63.

[24] ـ المرجع نفسه، ص: 67.

[25] ـ أنظر: أحمد المجاطي، ظاهرة الشعر العربي الحديث،

[26] ـ انظر فيليب هامون….

[27] ـ محمد زهير، شغف اسمه الغيم، ص: 21.

[28] ـ محمد زهير، شغف اسمه الحكي. ص:51.

[29] ـ يقول نجيب العوفي: “وكانت ظاهرة الحوار الداخلي (المنولوج)أحد مميزات القصة القصيرة في هذه المرحلة.” القصة القصيرة والأسئلة الكبرى”، مرجع مذكور، ص:44.

[30] ـ محمد زهير، شغف اسمه الغيم، ص: 43،44.

[31] ـ محمد زهير، شغف اسمه الغيم. ص: 99.

[32] ـ يربط محمد برادة بين بروز العجيب وضيق الكتاب بالأفق الذي تقترحه الكتابة الواقعية. يقول: ” وكل هذه الأشياء جاءت نتيجة التحول الاجتماعي والسياسي وكذلك التحول في وعي القصاصين والكتاب بوظيفة الكتابة القصصية، ومن تم يمكن أن نسجل بالخصوص بروز “الفانطاستيك” كعنصر مشترك بين معظم النصوص القصصية في السبعينات، لأسباب متعددة لن أدخل في تفاصيلها، لكن أبرز أسبابها، النزوع إلى تكسير نوع من الرتابة سيطر على الكتابة القصصية خلال هذه الفترة الواقعية، ولأن أيضا ماسمي بالواقع أصبح أحيانا يتجاوز التصورات التخيلية القصصية.” محمد برادة، التجنيس والمرجعية في القصة القصيرة بالمغرب، ضمن كتاب القصة المغربية التجنيس والمرجعية وفرادة الخطاب، مرجع مذكور. ص: 63.

[33] ـ يقول عبد الله العروي: ” الأقصوصة هي الشكل الأدبي المطابق لمجتمعنا المشتت، والذي هو دون وعي جماعي … وليس مصادفة إذا كانت الأقصوصة تفرض نفسها كشكل تعبيري على الآداب الناشئة. وكثيرا ما تقدم لذلك أسباب اقتصادية … إلا أن السبب أعمقمن ذلك بكثير، إنه موجود في الحركة الاجتماعية ذاتها…” الايديولوجيا العربية المعاصرة،  …

مقالات من نفس القسم