شبح أنطون تشيخوف حكاية واحـدة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 30
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

مازن حلمي*

يطرح القاص محمد عبدالنبي في مجموعته القصصية شبح أنطون تشيخوف عدة قضايا إشكالية في المجتمع المصري في لحظته الراهنة‏,‏ وقيما جمالية علي مستوي القص لاتقل أهمية‏.

‏تنقسم المجموعة إلي قسمين الأول بعنوان أصدقاؤنا الشهور وهو القسم الأطول حيث يضم معظم القصص المعنونة بأسماء الشهور الميلادية‏,‏ والثاني بعنوان أسلافنا يحتوي قصة واحدة‏.‏

القصص في القسم الأول أشبه بنتيجة الحائط‏,‏ قصة تسلمك إلي أخري‏,‏ العناوين تتغير والموضوع لايتغير‏,‏ وهي تعبر عن الحالة السكونية الراكدة للمجتمع‏.‏

محاور رئيسية

القاص يناقش دور المثقف ومكانته في المجتمع‏,‏ المثقف مازال منطويا‏,‏ هشا‏,‏ قابعا في المنطقة الآمنة‏,‏ إنه متفرج لا مشارك‏,‏ تأثيره لايتعدي جماعته ودائرته الضيقة‏,‏ ونتيجة لغياب هذا الدور تظهر الأفكار الرجعية التي تم التخلص منها في الماضي لتعود تطفو علي السطح من جديد‏,‏ وتتلاشي الأفكار التقدمية المستنيرة‏.‏

ومن ثم قضية التطرف الديني من القضايا التي تشغل بال القاص‏,‏ فطوفان التدين الشكلي يجتاح المجتمع‏,‏ حتي أخذ معه صديقته المغنية مها في قصة مايو مها التي كانت لها حكاية كل يوم مع واحد‏,‏ صارت منقبة‏,‏ يسترسل السارد في معرفة أسباب التحول المفاجئ‏,‏ وتتحول القصة إلي مناظرة بين القاص وأصدقائه أو القاص ونفسه في ديالوج يحاول توصيل الفكرة من خلاله وإن اقتربت حيلته من التنظير ياجماعة المسألة مسألة وعي‏,‏ الوعي ثم الوعي‏,‏ ومها لم تبذل أي حهد لتبحث وتتطلع‏,‏ كانت مجرد بنت صوتها جميل ص‏26‏ غياب الوعي جعل عقلية المجتمع أرضا خصبة لكل أنواع سموم الفكر‏,‏ وآخر سبب يضيفه أن توحش الواقع وانهيار منظومة القيم يدفع الجميع إلي التدين علي الطريقة الوهابية كحل أخير‏.‏

ومع شيوع هذه الثقافة التحريمية‏,‏ تصبح التماثيل مجرد خردة بلا قيمة في قصة أغسطس

سيادة الثقافة الذكورية والنظرة الدونية للمرأة ليست غريبة في هذا المجتمع‏.‏ فالمرأة مازالت للخطف‏,‏ والاغتصاب‏,‏ والرقص‏,‏ والتسلية في مقابل الرجل‏:‏ السيد رمز الألوهة أنا مقيدة ذليلة تأكلني الأسئلة‏,‏ والفتوة يعتلي عرش المركبة‏,‏ موليا لي ظهره الذي يكاد يحجب سماء الليلة الأولي من العام الجديد ص‏74‏ قصة ديسمبر‏.‏ نحن نعيش في القرن الحادي والعشرين بعقلية عصور المماليك‏,‏ والحل لدي الكاتب لن يكون إلا بالثورة لا علي المؤسسات فحسب بل علي هذه الأعراف الفاشية‏.‏

تيمة الفشل وعدم التحقق مصير يلازم أبطال المجموعة‏,‏ فالشاب ناعم الملامح في قصة مارس يقول‏:‏ أنا واحد فاشل‏,‏ طالب فاشل‏,‏ وشاعر فاشل‏,‏ فشلت في العمل كما يعمل الرجال‏,‏ وفي الحب كما يحب الرجال‏.‏ فشلت‏,‏ فشلت‏,‏ فشلت في المطبخ وفي الحمام وفي البلكونة ص‏19.‏

الرسامة في قصة يونيو لم تبع من معرضها الأول لوحة‏,‏ ولم يكتب عنها ناقد كلمة ومازالت ترسم‏.‏ وكذلك الروائي غير المتحقق يعلق فشله علي الآخرين‏.‏ والفشل أيضا في الحب بين أحمد وحنان وظهور شبح الطلاق بعد الزواح في قصة يوليو‏,‏ فزهور الحب سرعان ماتموت بعد الاصطدام بأرض الواقع‏.‏

مسرحة الأحداث

الحوار عند القاص عنصر أساسي في البناء‏,‏ يعمل علي تصعيد الحدث ويغوص في أبعاد الشخصية‏.‏ توجد قصة مبنية بالكامل علي الحوار‏,‏ لو وضعت أسماء لشخصياتها صارت فصلا مسرحيا قصيرا قصة سبتمبر صحفي سيقابل رجلا تحول إلي امرأة عن طريق صديق‏,‏ ولتدريب الصحفي علي المقابلة دون توتر يدخلان في لعبة تمثيلية‏,‏ يقوم الصديق فيها بدور المرأة شيئا فشيئا يكشف الحوار عن الكارثة‏,‏ أن الصديق هو نفسه الرجل المخنث‏.‏

قصة داخل قصة

يلجأ القاص إلي تضفير العمل بقصص صغيرة داخله للتشويق‏,‏ ولاستدعاء ذكريات منسرية‏,‏ وجمع منمنمات متناثرة عن الشخصية لرسم لوحات كاملة عنها‏,‏ يتجلي ذلك في قصة أكتوبر ويصنع حكايات موازية للحكاية الأم تعميقا للدلالة الكلية كما في قصة شبح أنطون تشيخوف‏.‏

السخرية

تعد السخرية ملمحا من ملامح الكتابة عند القاص أمام تردي الواقع وسوداويته‏,‏ تصبح السخرية من الذات والآخر ملاذا ووسلية للتشفي وللارضاء المعنوي‏.‏ في قصة مارس الشاب الفاشل في كل شيء يعترف أنه ناجح علي الأقل في الشرب‏.‏ وفي قصة نوفمبر وائل يفقد بصره في عملية لا تستحق‏,‏ وتنفجر أنبوبة البوتاجاز في خطيبته قبل أيام من الزفاف‏,‏ وراوي القصة أصلا ابن عمه المنتحر‏,‏ السخرية صارت أسلوبا لمواجهة العالم‏,‏ والقدر‏,‏ والعبثية التي تسير بها الأمور‏.‏

ضمير المخاطب هو الغالب في المجموعة يقوم بدور المحرض‏,‏ والمستفز للمتلقي‏,‏ يقيم معه علاقة حميمية‏,‏ القاص يحاور القارئ ويفكر معه بصوت عال‏,‏ للوصول للهدف‏,‏ وللتعاطف‏,‏ وليحملا معا نفس الهموم‏.‏ لغة القاص الأثيرة هي اللغة الشفاهية‏,‏ مما يجعل القصص صالحة للإلقاء‏,‏ هو يريد أن يقصر المسافة بين اللغة الكتابية واللغة الدارجة اليومية‏,‏ وبين الكاتب والمتلقي كأنه يريدك أن تسمع إن لم تكن تقرأ‏.‏ وبالتالي تكثر الكلمات العامية في المتنمثل يضرب بوز‏/‏ البهدلة‏/‏ يكون بخيره‏/‏ الخلف‏.‏ توحد ربنا‏/.‏ عقل بالي‏/‏ تمرش‏.‏ تصبن‏.‏ تدعك‏/‏ لاسمح الله‏/‏ حق جاه النبي‏/‏ لايودي ولايجيب‏..‏ أحيانا تنحو إلي الشاعرية مثل أنا عنزتك إذن‏,‏ العنزة التي لم تكن لك قط‏,‏ في المزرعة التي ظلت حلما عابثا‏,‏ من بين أحلامك التي بلا أي أساس واقعي‏.‏ احتضني إليك العنزة الوحيدة مثلك‏,‏ ودعيك من الرجال الطامعين‏.‏

ــــــــــــــــــــ

* كاتب وناقد

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم