سُمعة..بهجة القلب الصغير

إسماعيل ياسين
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

هيثم الوزيري*

“بق عملاق وشلاضيم”

لا أدري كيف يمكن اختزال موهبة كبيرة وتاريخ فنيّ يصل إلى 500 فيلم  بالإضافه إلى 60 مسرحية هم رصيد إسماعيل يس في مجرد فم كبير.. لم ينتقص من قدره جمهور تابعه وأحب أفلامه على مدى سنوات طوال امتدت بعد وفاته، فلا يد تمتد لتغيير القناة إذا ظهر اسمه في مقدمة اسم الفيلم ..هذا الونس العائلي والبهجة التي تملأ قلب صغيريختبر للمرة الأولى الفرجة على عالم (سمعة) .

من حط من قدر إسماعيل يس كانوا نقادا وممثلين -ليسوا كأي ممثلين-  حتى إن بعضهم لا يعتبره كوميديان بالأساس.. ومن لم يهاجم اكتفى بالانتقاص من قدره أو بالاستخفاف به – على استحياء- كنجم في وقت وجوده فقط.

الواقع إنني لم أتخيل أن أكتب يوما ما مقالا عن إسماعيل يس.. ظننت أن الاعتراف به ككوميديان هو شيء من قبيل الحقائق الراسخة.

بمجرد أن يخطر على بالي اسم إسماعيل يس أجدني أبتسم .. لا يوجد على ظهر هذه الأرض – ولم يوجد حتى الآن  من استطاع إضحاكي كما فعل سمعة – وكما لا يزال يفعل – وأما عن صوته فحدث ولا حرج .. أنا شخصيا أضع إسماعيل يس في مصاف المطربين .. أعشق ما في صوته من خفة دم وشقاوة وشجن في بعض الأحيان. وإذا ذكر المونولوج ذكر إسماعيل يس الذي لم يغن مونولجاته فقط، بل لحن بعضها أيضا ( ياللي ما شفتش خيبة – ياللي تملي تحسد غيرك – ماتستعجبشي – صاحب السعادة) .. نحن هنا نتحدث عن فنان متعدد الملكات .

و لذلك فإن اختزال إسماعيل يس في مجرد فم ضخم ذي شلاضيم هو من قبيل الإجحاف والظلم .

يهاجم عمر الشريف  الجمهور ساخطا ويتهمه بالجهل لأنه يحب إسماعيل يس .. ويجزم أنه فنان فاشل لا يصلح كوميديانا في أي مكان في العالم .. العالمي الذي طاف العالم واحتك بمختلف الثقافات ومثل بعديد من اللغات يصير فاشيا حين يحاكم الجمهور ويصدر عليه حكما بالجهل والضحالة.

الراحل نور الشريف يقارن بين الريحاني وإسماعيل يس:  الريحاني ترك تسعة أفلام فقط ولكن كلها مميزة أما إسماعيل يس فترك ما يربو على خمسمائة فيلم ومقصوده هنا طبعا المقارنة بين تأثير كل منهما .. مقارنة غريبة وغير منصفة من وجهة نظري ولا يصح أن تخرج من فنان وأستاذ بحجم نور الشريف .. هو هنا يتجاهل الظروف المحيطة بكل من الريحاني وإسماعيل يس .. الريحاني العظيم الذي كان رافضا في البداية أن يعمل بالسينما خوفا منها على سمعته الفنية. كان الريحاني يعتبر نفسه مسرحيا مخلصا كما أن السينما وقتذاك كانت فنا ناشئا في مصر.. ولولا نصح الناصحين لضاع تماما أي تراث مرئي للريحاني ولخسرنا خسرانا مبينا أن نرى فنانا عظيما بهذا الحجم..

أما إسماعيل يس فقد ترادف ظهوره الفني مع بداية ازدهار فن السينما في مصر.. إضافة إلى أن هناك عوامل كثيرة تحكم اختيارات الفنان وأغلبها مرتبط بظروفه الاقتصادية والاجتماعية.

فؤاد المهندس في حوار مع مفيد فوزي عندما سأله عن إسماعيل يس وسؤاله حمل قدرا من الازدراء – وهو شيء ليس بمستغرب على مفيد فوزي – وكان السؤال ( هل قالت كوميديا إسماعيل يس شيئا؟) أشاد المهندس بإسماعيل يس على استحياء قائلا أنه كان نجما مهما في وقته .

سأبدأ من عند فؤاد المهندس وقوله أن إسماعيل يس كان نجما في وقته فقط .. وهو زعم يدحضه مقالي هذا الذي اكتبه .. أنا وعديدون من أبناء جيلي تربينا منذ الصغر على حب أفلام إسماعيل يس.. الأطفال الصغار ما زالوا يعشقون أفلامه – ابني البالغ من العمر عشر سنوات يتعامل مع فيلم ابن حميدو وكأنه كورس علاجي، أما شقيقه فدائما ما يتحين فرصة أن يسأله أحدهم (اسمك إيه؟) ليجيب ضاحكا (حمودة ابن حميدو) – أزعم أنني وابناي لسنا حالة فريدة ففي اعتقادي سبقنا الكثيرون وسيعقبنا كثيرون في المستقبل إن شاء الله ما دام الفن.

ثم إني أتساءل عن معنى سؤال كهذا .. (هل قالت كوميديا إسماعيل يس شيئا؟) وما هو المنتظر من الكوميديا أن تقوله إلا الضحك والانبساط الجميل .. التساؤل نفسه يقودنا إلى إشكالية (الفن الهادف والفن الهايف) والتي أراها شيئا من قبيل السفسطة.. الفن من وجهة نظري  هدفه الأول التسلية والإمتاع (entertainment) هذا هو المسمى الإنجليزي المرتبط بالمهن الفنية من سينما ومسرح ودراما تليفزيونية .. ثم تأتي بعد ذلك أية أفكار قد يريد المخرج أو الكاتب تضمينها في عمله ، وقد لا يريد . العمل الفني يقوم على أساس فني لا أساس أخلاقي.. فإذا كان العمل يقدم سيناريو جيد وإخراج وتمثيل جيدين بالإضافة إلى بقية العناصر الفنية الأخرى فهو من وجهة نظري عمل يستحق المشاهدة.. وفي النهاية الأمر خاضع للذائقة الشخصية .. فقد يكون العمل جيدا ولا يعجبني في النهاية .

والسؤال من عندي أنا ( وهل قالت كوميديا فؤاد المهندس شيئا؟) .. المهندس أبدع وأمتع وأضحك كما فعل إسماعيل يس .. ترك الاثنان لنا تراثا جميلا نشاهده فنضحك ويزول عنا الهم فندعو لهما بالرحمة .. هذا هو ما قالته كوميديا المهندس وسمعة.

أجاد إسماعيل يس الكوميديا بنوعيها .. كوميديا الإفيه وكوميديا الموقف .. ساعده على هذا موهبته وخفة ظله الفطرية .. فهو قادر على أن يستخرج الضحكات من جملة عادية  ربما قد تمر مرور الكرام إذا ما قالها غيره ، وهو في هذا يتماس مع نجيب الريحاني .. إضافة إلى أنه كان كثيرا ما يضع لمسته الخاصة ، هناك مشاهد كاملة من أفلامه أكاد اجزم أنها لم تكن مكتوبة بكل تلك التفاصيل التي ظهرت بها .

نأتي إلى شلاضيم إسماعيل يس والتي تبدو وكأنها تسبب صداعا مزمنا للنقاد ولبعض زملاء مهنته.. وهذا بدوره يدفعنا للحديث عما يعرف في فن الأداء التمثيلي بالابتذال الحركي.. وهو باختصار المبالغة في استخدام أجزاء من الجسد لاستدرار ضحك المشاهدين.. وهو ما لم يبتكره سمعه فقد سبقه إليه كثيرون ولحقه كثيرون كذلك .. وعن ذلك يروي إسماعيل يس في حوار مع  الإذاعي ( طاهر أبو زيد) من برنامج جرب حظك  ” كنت ب امثل فيلم – يقصد فيلم عفريتة هانم –  وكانوا  مسمييني (بوقوه) إنما أنت لما تبص حضرتك لبوقي ما تلاقيهوش أبدا.. من هنا ابتدت الناس تاخد فكرة عن بوقي .. ولما لقيت الناس بيحبوا إنهم يعاكسوني ويقولوا لي يا (بوقوه) .. ابتديت اعمل مونولوج عن بوقي .. واتبتديت كل ما امثل في السينما وألاقي حاجة مش عاجباني أحطها في بوقي .. فمن هنا ابتديت استغل بوقي”.

انا شخصيا لا أميل للابتذال الحركي وأعترف أن من أسباب تفضيلي لمدبولي على المهندس أن المهندس كان يمارس هذا النوع من الإضحاك باستخدام مؤخرته وهو ما كان منفرا لي .. أما سمعه فأنا اتقبل منه تحريك شلاضيمه لأنني أحبه فأبلع له الزلط .. أو بالتعبير العامي (سمعه يعمل اللي هوه عايزه) خاصة إن شلاضيمه لا تنفرني كمؤخرة المهندس .. كوميديا الابتذال الحركي عموما هي أردأ أنواع الكوميديا.

الكلام عن خفة الدم الربانية والطلة المبهجة إسماعيل يس لا ينقطع خصوصا وهو من أغزر الممثلين إنتاجا .. يتراوح هذا الإنتاج ما بين المتميز والجيد والمتوسط والرديء في بعض الأوقات .. وهو ما أراه أمرا طبيعيا في مسيرة أي ممثل .. لكن من بين كل تلك الأفلام  تبرز مجموعة من الأفلام الرائعة خفيفة الدم يندر أن تجد منها فيلما على الأقل لا يحبه الصغار والكبار على السواء فمن تلك الأفلام :

  • حب وجنون
  • منديل الحلو
  • ليلة العيد (أحد أجمل ما رأيت من أفلام في تاريخ السينما العربية ، فيلم غنائي متميز بصحبة شادية وشكوكو ، أنصح من لم يشاهده بمشاهدته فهو لا يمل).
  • فاطمة وماريكا وراشيل
  • بنات حواء
  • عفريتة هانم
  • ليلة الدخلة
  • المليونير (أفيونتي المفضلة لزرع البهجة)
  • الزوجة السابعة (قلوب كتير للفيلم ده ووشوش بتضحك حتى البكاء)
  • الآنسة ماما (اكسير السعادة المجاني)
  • في الهوا سوا
  • حماتي قنبلة ذرية
  • حلال عليك
  • الهوا مالوش دوا
  • نشالة هانم
  • حرام عليك
  • بنت الأكابر (ليلى مراد – أنور وجدي- سليمان نجيب – زكي رستم)
  • الحموات الفاتنات (ثقل ظل كمال الشناوي وكاريمان لا يمكن ابتلاعه دون إسماعيل يس وماري منيب وميمي شكيب والنابلسي العظيم)
  • عفريتة إسماعيل يس (مع الجميلة دائما كيتي)
  • الستات ما يعرفوش يكدبوا (و تخيل معي الفيلم دون إسماعيل يس لتجد نفسك في أحضان مبالغة شكري سرحان في الأداء وتقطع شرايين معصميك)
  • الآنسة حنفي
  • إسماعيل يس في الجيش
  • صاحبة العصمة
  • إسماعيل يس في البوليس
  • إسماعيل يس في الأسطول
  • ابن حميدو (ذلك الترياق السحري القاتل للكآبة)
  • إسماعيل يس في مستشفى المجانين
  • إسماعيل يس بوليس حربي
  • حماتي ملاك (هذا الفيلم هو فيلم اسماعيل يس بلا منازع رغم أنه ليس بطله على الأفيش لكنك وأنت تشاهده تنتظر ظهور إسماعيل يس دائما ليخلصك من ثقل ظل يوسف فخر الدين وآمال فريد ومن مبالغة كمال حسين في الأداء، كما أن به مشهد من أروع مشاهد الإضحاك الصامتة  في تاريخ السينما)

  • العتبة الخضرا
  • إسماعيل يس بوليس سري
  • إسماعيل يس في الطيران
  • حلاق السيدات
  • الفانوس السحري
  • إسماعيل يس في السجن (وأطرف مشهد لتنفيذ حكم الإعدام في السينما العربية)
  • المجانين في نعيم
  • العقل والمال

وأما عن مونولوجاته  المحببة إلى روحي :

الدنيا دي متعبة – صاحب السعادة – عايز أروح – حما + حما – ما تستعجبشي – أصلي مؤدب – عيني علينا يا أهل الفن – ياللي ما شوفتش خيبة – ياللي تملي تحسد غيرك – أيظن – نبوية – سلم علي – أوبريت عنبر العقلاء – الفقر جميل – حفلة ومن غير معازيم – الحب بهدلة (مع شكوكو) – مراتي نساية – آه من لقاكي – لو اغمض عين وافتح عين – أمان أمان 

في كتابه المضحكون ربما يقدم محمود السعدني كغيره من النقاد هجاء إلى إسماعيل يس كتبه قبل وفاته وبعد اختفاء موضته إذا جاز التعبير، لكنه لم يخل من إنصاف واعتراف بموهبته وتفسير لسقوط نجمه:

“والذي لا شك فيه أن إسماعيل يس فنان موهوب وخفيف الدم إلى أبعد الحدود وله حضور لدى الجمهور ولا يزال قادرا على إضحاك البسطاء لأنه في النهاية بسيط مثلهم وغلبان مثلهم وضعيف الحيلة مثلهم واللوم كله يقع على عاتق صديقه أبو السعود الإبياري الذي تولى عنه مهمة الفهم!

إنه قادر في كل وقت على أن يضحكنا من الأعماق بشرط أن يفهم روح العصر وأن يدرك سر التغير الذي حدث في المجتمع وإلا فسيبقى ولكن كمأساة تصلح أن يغنيها المطرب حواس على الربابة..كأسطورة غريبة وسر غرابتها أنها حدثت بالفعل!”.

سمعه الجميل طيب الملامح خفيف الدم.. رفيق الطفولة ونجمها الأوحد .. وسلاحي الأول في مواجهة الاكتئاب وأنا هكذا (شحط) كبير .. سلام على روحك.

…………………………………..

*كاتب وممثل مصري. صدر له: “الوفاة المؤلمة لريسكي”. قصص، “أميرات الحكايات الجديدة”. قصص

 

مقالات من نفس القسم