سَماءٌ مُبْهِجَةٌ فوقَ رُؤوسِنا

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 22
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

البشير الأزمي

 أتذكر.َ.

أتذكر أنك رفعت وجهك إلى السماء وقلتَ:” لم تعد السماءُ مبهجةً فوق رؤوسنا”..

نظرتَ إلي، ابتسمتُ عَلَّ غيمةَ الحزن تسقط عن وجهك.

كان حلمك أن تبحر في الحياة من جديد، وتحلق في سماء مُبْهِجة فوق رؤوسنا..

ها أنت تُبْحرُ في سفينة مُصدعَةٍ.. غرقُك حاصلٌ لا محالة، لستَ رُبَّاناً عالماً بأسرار البحر.. ولستَ سبَّاحاً تستطيع أن تُنقذ نفسك وقت الغرق، لا يَاطِرَ لمركبك تلقيه إلى القعر حتى تهدأ العاصفة ويحفظ توازنه، لا بوصلة لك توجهك إلى مرفإ الأمان.. غارق أنت لا محالة.. غارقٌ لا محالة..

أتذكر..

أتذكر أنني أحسستُ بِوَجِيبِ قلبك وانفجار آلامك وأحلامك وأنت تحدثني عن البهجة الغائبة عن السماء.. أحلامك غدت شظايا.. كلامك، نظراتك أوقدت حزناً دفيناً ورغبة في البكاء..

أتذكر..

أتذكر أن عاصفة عنادك تمادت في هيجانها.. أحسستُ بشيء في نفسك يتهاوى.. يسقط.. أرى اليومَ الحزنَ يلتهم فرحك، وَوَجلاً واضطراباً يفتكان بك.. أنظر إليك بعيني الثالثة؛ عينِ الشفقة. وطأةُ المشاعر تُثْقِلُ عليك..  تضخَّم حزنك واستشرى، على وجهك كآبة ومللٌ ونظرتك تشي بالموت.. تخفض رأسك.. تتحاشى نظراتي.. لم تكن متحمساً لتسمعني.. تغمض عينيك في حزن ويأس..

أساكَ لعنةٌ متجذرة وأنت محاصرٌ في شعابٍ ضيقة، يحاصرك الفقرُ.. يحاصرك الحلمُ.. يحاصرك الهلع والخوف.. كَسِّرْ قيودك.. سِحْ في الأرض.. وابحث عن ذاتك.. انقذها من الاحباط.. انقذها من الفشل، انفذها من ضعفك، انقذها منك.. أنت قابعٌ في حجرتك وحيداً.. كتبٌ مرمية بفوضى في كل مكان، منفضةٌ ملأى بأعقاب سجائر، قنينةُ خمر فارغة وكأس ورائح تزكم الأنف..

أتذكر..

أتذكر أنك حكيتَ بشجو.. أشعر بالضجر وأنا أنصت إليك، حديثك لا يحده شاطئ، تبحر في حديثك وتغرق.. لا تستطيع التوقف، لا تتذكر ما قلته ولا تفكر في ما ستقوله.. كلامك ضعفٌ وانهزام.  كان حلمي أن ترميَ ضعفك وهزائمك في أودية النسيان..

تركتني أتحدث إليك وخرجتَ.. نامت المدينة وأنت الوحيد الذي لم ينم.. كنتَ وحيداً، لا لم تكن وحيداً صاحبتك في جولتك كلابٌ ضالة.. اقتربتْ منك، شَمَّت رائحتك، استأنست بك، حركت أذنابها وسارت وراءك.. ابتعدت وأنت تبكي.. تصرخ.. يضيع صدى صراخك في الآفاق..

أغمضتُ عينيَّ وَهَبَّتْ أحلامُ الذاكرة، رأيتك تنظر إليَّ وتهمس:” الليل قاسٍ وحزين”..

 لا لم يكن الليل حزيناً، أنت من كنتَ حزيناً.. أنت الحزنُ.. أقرأه في عينيك، في كلماتك.. في نظرتك في كل شيء فيك، كلامك، حديثك، صوتك، صمتك، في كل شيء يحيط بك؛ ثيابك، مقعدك، سريرك.. انكسارٌ خفي من عينيك الباهتتين.. الانهزام استوطن ضلوعك؛ أنت الانهزام.. أنت الهزيمة..

أتذكر أني خرجتُ باحثاً عنك بعد يومين من غيابك. عند الربوة وجدتكَ جثةً هامدةً، حفرتُ قبراً وضعتك فيه.. قعدتُ عند القبر، بَكَيْتُ.. بكيتُكَ.. بكيتُ فقدانَك.. رفعتُ عَينَيَّ، سَماءٌ مُبْهِجَةٌ فوقَ رُؤوسِنا وغربانٌ سُود تحلقُ على غير هدى..

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون