سيرة ذاتية مثيرة للجدل.. جون كيتس مدمن أفيون

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

راتان بهاتا شارجي   ترجمة: أحمد فاضل

مثل غموض سوناتات شكسبير، وابتسامة الموناليزا، وأبو الهول، يبقى الشاعر جون كيتس بسيرة حياته وقصائده أشد غموضا، وقد بقي صامتا عن العديد من الحوادث التي مرت من خلال حياته الشخصية، وكان يحتقر وبتصميم غير محسوس في قصائده حقائق الحياة، ولم يكن عاطفيا على الإطلاق، هكذا يحاول نيكولاس رو أن يثبت كل ذلك وأكثر في كتابه "جون كيتس" الصادر حديثا من جامعة بيل الأمريكية، مع أنه على العكس من ذلك، كان كيتس شابا يعشق الحياة ويذوب عاطفة أمام كل ما هو جميل كما في قصائده، قبل أن يسقط ضحية مرض السل القاتل، فإنه من المستحيل أن نصدق أن كيتس وهو الشاعر الذي يكتشف الجمال وسط خرائب القبح، أن يدمن على الأفيون لينسى الآلام والأحزان التي كانت تداهمه في حياته كما يحكي رو، فالخيال والجمال والحب كان لهم التأثير الكبير على شعره، فكان أكثر موضوعية بين شعراء الرومانسية واستطاع تجاوز همومه الشخصية في العديد من قصائده، وهي حالة نادرة جدا لم يعشها غيره من الشعراء على المستوى الشخصي في حياتهم.

 

نيكولاس رو في سيرته عن كيتس التي نشرت مؤخرا، تحدى فيها بعض الأفكار التقليدية التي عرفت عنه، وقد صب جل اهتمامه لشعره محاولا اكتشاف كيف كان يصنعه داخل عقله بدلا من عواطفه، وهي إشارة خبيثة يكاد يقولها “بعقله المسكون بالأفيون”، ومع ذلك تبقى طروحاته هذه محل نقاش بخلاف السيرة التي أطلقها الكاتب الإنكليزي أندرو موشن عام 1999 عنه، والذي لم يشر فيها على أنه كان يكتب قصائده تحت تأثير الأفيون، بل ركزت على قوة شخصيته وشعره وكيف كان يتحدى مرضه بكتابة الشعر.

الشيئ المحبط في سيرة رو هو أنه حاول أن يقدم كليشيهات مشوشة عن كيتس، كإدمانه على الأفيون وهي حجة تحتاج إلى دليل ولربما هي من تخميناته، لأن خطابات كيتس كانت تخلو من هذا الأمر، ومع ذلك فإنه لا يزال يتعين علينا التأكد من أنه كان مدمنا عليه أم لا ؟، ووفقا لنيكولاس رو فقد يكون لوفاة شقيقه توم الأثر القوي في تناوله الأفيون، وحتى لو كانت قصيدته “إلى العندليب” التي يشير إليها رو كدليل على تعاطيه ذلك المخدر، فإننا لو قمنا بتحليل القصيدة لعرفنا كيف كان كيتس يحتقر كل ما يمت بصلة لتلك السموم:

 

أوجاع قلبي

وآلام خدر النعاس

جسدي المعنى

كما لوكان لي من الشوكران حالة سكر

 أو بعضا من الأفيون

 

ومع أنه أشار إلى سم السموم الشوكران والأفيون والخمرة في هذه القصيدة، فمن الصعب جدا أن نصدق أن كيتس كان مدمنا، بدليل استخدامه كلمة “لو” التي تظهر بوضوح وهو ما كان يتمناه عقله الباطن، لتكون تلك السموم مهدئا لأوجاعه ليس إلا، رو وبعد قراءتنا لهذه الأبيات نجزم أنه ظلم كيتس الذي يقول عنه كولردج وهو من أبرز الوجوه الثقافية في إنكلترا زمن الحقبة الإبداعية:

– كان كيتس هو الأكثر استقرارا بين شعراء المدرسة الرومانسية، واستند في خياله على الأساطير اليونانية الهيلينية في تكوين بعض أجواء قصائده الجميلة والساحرة.

 

ما يطرحه رو من إدمان كيتس للأفيون يحتاج إلى إعادة نظر، لأنه قد يوصل رسالة خاطئة للقارئ واستنتاجات قاسية عن عبقرية كبيرة من دون دليل ملموس، وقد يخلق انطباعا خاطئا عنه سيما وأنه كان يستخدم الخيال كأحد إبداعاته، التي عرف بها داخل قصائده، فهناك فرق أساسي بين طبيعة خيال الشعراء نشعر به وهم يعيشون معاناتهم في الفقر أو الموت المبكر، ولكل منهم موهبته في توظيف هذا الخيال .

أما قصة حبه مع فاني براون التي لم يستطع الزواج منها، والتي تمثل له خسارة عاطفية ومأساوية، لكنها أعطت لشعره جمالية على مر السنين، ولا يمكن لرو ولغيره إعادتها إلى كومة متربة من التفكير لأنها زقزقة مشبعة بالعاطفة من المبدع كيتس.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

راتان بهاتا شارجي

كاتب هندي له عدة مؤلفات عن الأدب الإنكليزي والأمريكي، يعمل أستاذا مشاركا في قسم الدراسات العليا في اللغة الإنكليزية بجامعة كولكاتا بالهند، ويرأس حاليا مجلة صوت الكتاب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عن:  BOLOJI 23 سبتمبر 2012

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أحمد فاضل

ناقد ومترجم – العراق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم

محمد العنيزي
كتابة
موقع الكتابة

أمطار