«سيرة الجندي المجهول» لـ عبد الإله حبيبي بين التراجيديا  والقيم الإنسانية

سيرة الجندي المجهول
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

جواد مكاوي ¹

قبل أيام عديدة، انتهيت من قراءة رواية «سيرة الجندي المجهول»، الصادرة في أواخر سنة 2019، للأستاذ عبد الإله حبيبي. انتهيت من نصفها الأول بمدينة «أزرو» الأطلسية، والنصف الثاني بإحدى مقاهي مدينة الرباط الساحلية. تردد صوت العمل داخلي، و تقاطعت الرواية في وجداني مع أبعاد أخرى، و تداخل ما هو ذاتي بما هو مشترك محليا و كونيا، حتى أضحيت جزءا من العمل، بل و سكنني لدرجة وجدت نفسي في حوار مع سطوره وجمله، فقلما يصل ذلك مع عمل روائي، حتى تحذوك رغبة عارمة في امتلاك النص، و لا تجد مناصا من إعادة قراءته عسى أن تكشف لك القراءة الجديدة عناصر أخرى ربما غفلت عنها سابقا، و ناذرا ما يحصل أن يجعلك عملا أدبيا تغوص في تفاصيله و تسافر بين كلماته، حتى يتشعب المعنى، وتتكثف الدلالة، وتصبح نصا مفتوحا على تأويلات لا حصر لها. هكذا وجدت نفسي دون قرار أشارك هذه الانطباعات مع القارئ الكريم.

تحاول هذه القراءة البسيطة و المتواضعة، و التي لا تعبر بكل تأكيد عن دراسة  أدبية نقدية احترافية، و إنما تفاعل إيجابي مع العمل. قد يحالفنا الصواب و نأمل بأجرين، و قد نخطئ في تقديرنا، ونصبو لأجر المجتهد، أن تسلط بعضا من الضوء على روابط معلنة تارة، وخفية تارة أخرى بين الإنسان في تجلياته الكونية وحضوره المحلي، مع التراجيديا كشكل أدبي له فرادته و تميزه. كما أنها محاولة لبسط الفعل الأخلاقي النبيل المتمثل في المروءة وبسالة الموقف لدى إنسان بسيط، مجهول في حياته معلوما في شاهد قبره، من هامش منسي حضاريا وتاريخيا، كانت له الحياة خير مدرس، و أضحى متعلما متميزا و نموذجيا، استلهم الدروس بكل جدية، وأصبحت منهجا في الحياة، و مسلكا للوجود.

هكذا ستتجه هذه القراءة إلى منحيين: أولهما مرتبط بالبعد التراجيدي، و ثانيهما بالبعد القيمي الأخلاقي. وسنتجه في الشق الأول لدراسة البعد التراجيدي في العمل والذي سنرجعه إلى مصدرين أساسيين، هما التراجيديا الكونية المتمثلة في الأعمال الأدبية الكبرى، والتراجيديا المحلية  المتجلية بشكل بسيط في الأغنية الأطلسية. أما الشق الثاني سنرصد قيمتين  أساسيتين و هما قيمة المروءة والشجاعة، وقيمة الحب كانتصار للإنسان في زمن الشر المتجذر.

تمثل «سيرة الجندي المجهول» عملا جديدا ينضاف إلى الأعمال الأخرى التي صدرت في وقت سابق للأستاذ عبد الإله حبيبي، و لم تختلف هذه الأعمال في بعدها الفلسفي و الرؤيا العميقة بعيدا عن السطحيات، و القراءات المتسرعة للوقائع و الأحداث، كما أن هذه الأعمال تنطلق من مركزية جديدة تتثمل في إعادة الاعتبار للهامش أو المهمش تاريخيا و سياسيا، و ثقافيا. و من ثم فهذه الأعمال الثلاث التي أصدرها الكاتب («بيوس أو طفل الحكمة والطقوس»، «نحيب الأزقة» و «سيرة الجندي المجهول»)، تعمل على تفكيك البداهات و مساءلة المسلمات العامة التي تبدو عادية وبسيطة لعامة الناس، بيد  أن هذا الارتباط الفلسفي لأعمال السيد عبد الإله حبيبي لا تعبر عن التكرار، و الاجترار، بل هي وحدة المنهج. هكذا تصبح الفلسفة تفكيكا للثقافة وحفرا استراتيجيا للطقوس، مخرجا اياها من  لباسها الفلكلوري، باحثا عن المعنى و الدلالة في أماكن مفترض أنها تسكن خارج نطاق العقل و المعقولية، وبهذا فكتابات الرجل عامة، سعيا دؤوبا لإيجاد المنطق خلف اللامنطق الذي يلف العادات و التقاليد، كما أن الفلسفة تعمل هنا على تحليل ثقافة الشارع ومسلكياته اليومية، إضافة إلى هذا فالفلسفة تساءل التاريخ كمعطى و تسعى إلى إعادة بنائه، مناقشا في ذلك القيم و معيدا في ذلك الصراع الأبدي بين الخير و الشر.

تتخذ “السيرة” بعدا مأسويا – تراجيديا في  طابعها العام، متلحفة في ذلك بالأمل، وموت بطل السيرة في النهاية أصبح مقنعا للقارئ. بهذا تلتقي الرواية بالأدب التراجيدي  في الموضوع، وتبتعد عنه في الشكل. فأين يكمن اللقاء و التقاطع، و ما مكمن الاختلاف ؟

معروف أن أحد أقدم أشكال الأدب و التعبير كانت تراجيدية، و أن أكثرها تأثيرا تلك التي تلامس جروح الإنسان، وتتوقف عند الجروح المتقرحة والتي نال منها العفن، فلا شيء أصيل في  الإنسان أكثر من الحزن، و لا شيء أصدق من النواح، إن جوهر الإنسان –حقيقته و أصالته ـ تنبثق من آلامه، فلا يسكن هذه الجراح سوى التعبير عنها، و لا مهدئ أقوى من الكتابة عن أتراح الإنسان، فتتخذ الكتابة لبوس الترياق والبلسم الملطف. هكذا يصبح الأدب التراجيدي منذ القدم مواكبا للإنسان، و مفصحا عن إنسانيته  في صراعه المرير مع القدر تارة ومع سوء الحال تارة أخرى، فتجسد الأمر في ملحمتي الإلياذة و الاوديسا، حيث واجه أخيل قدره ببسالة، عندما قرر أن يخوض حربا ضروسا، حتى وإن كان يعرف مسبقا بأن مصيره محسوم، وقدره مكتوب، وقضى نحبه بعد انتصار مهيب، مصابا في كعبه الذي لم تمسسه المياه المقدسة، وبعده استمر أديسيوس، العبقري العظيم، صاحب فكرة الحصان الخشبي، مواجها الويلات بعد أن ازدرى الآلهة. و بشكل عام تبقى التراجيديا ترادف أحزان الإنسان و آلامه المتواترة، و عبر عن ذلك بلغة شعرية و تجسيد مسرحي مع تقديم عقدة لكل قصة أو حكاية. حسبنا هنا أن نشير إلى موضوع التراجيديا الذي اقترن بالحزن و الاتراح، و مواجهة المصير المحسوم مسبقا بقدر هائل من الأمل.

الطفل / الشاب / الجندي / المجند عبد الله المجهول / المعلوم يمكن القول عن سيرته أنها تراجيدية موضوعا وشيء آخر من ناحية الشكل، فالسيرة هنا تلتقي مع التراجيديا في التيمة، وتختلف عنها في الصفة، تبدأ الرواية بكآبة المساء، و عودة عبد الله إلى قريته، و تنتهي بموت عبد الله في بلدة تيغرمت إمدوكال، و بين كآبة المساء وموت عبد الله سلسة من الأحداث التي لا تعبر عنها كلمات بسيطة كالحزن و الشقاء و الكآبة،… أنها أكبر من ذلك بكثر، فبعد موت أب عبد الله  بحثا عن إيرني لسد الجوع أيام الجفاف، تزوجت أمه قسرا من عمه الذي لا يهمه سوى نهش لحم أرملة أخيه، و الاستيلاء على قطيع غنمه، فما كان من عبد الله إلا أن يهيم في أرض الله بحثا عن قدر جديد بعيد عن أسرته، عن قريته، عن  شياهه…فقاده المصير إلى ثكنة عسكرية استعمارية لا يهمها إلا المزيد من التروس البشرية لمواجهة القوى الألمانية التي لا تعرف المهادنة، انتقل عبد بعد ذلك إلى فرنسا، و بعد رحلة بحرية عان فيها إلى جانب رفاق السلاح كل الويلات على متن سفينة مهترئة، امتلأت  بالقيء الذي تسبب فيه دوار البحر، و بعد استراحة بالكاد أعلن الحب عن وجوده، اتجهت فرقة عبد الله إلى واجهة الحرب حيث يشتد صوت البنادق، و تختلط الدموع بالدماء، و يكثر النحيب، و تتلطخ الطبيعة بأحشاء أدمية،  أطلق عبد الله سيقانه للريح، متخطيا الحدود نحو بلدة ألمانية، هناك اقترن بفتاة أخرى غير حبه الخالص و قبل أن تضع مولودها حيكت لها مصيدة، و كنت له ضغينة، اقتيد على إثرها كسجين حرب، و ما أن وضعت الحرب أوزارها حتى تم تقديمه كخائن و رحل بعدها إلى وجهة غير معلومة تاركا خلفه قلوب مكلومة، و انتهى به المطاف كحارس غابة بعيدا عن موطنه و عن حبه و عن مولوده الذي لم و لن يراه أبدا.

أمام هذه الويلات و المنحى العام الذي اتخذته السيرة /الرواية، لا يمكن القول إلا أنها ذات موضوع تراجيدي، ومضمون مأساوي، حتى و أن لم يتبع الكاتب شكل الكتابة التراجيدية قديمها و حديثها، يسعنا  القول كذلك أن النفحة التراجيدية التي طبعت السياق العام للعمل، غرفت من منابع عديدة، حصرناها في منبعين أساسيين، و حسب تأويلنا، يمكن المجازفة و القول أن روح المؤلف متشبعة بالأدب التراجيدي العالمي القديم والحديث، فكما أسلفنا الذكر كان حضور غير معلن للتراجيديا الإغريقية القديمة خصوصا محن الأبطال اليونانيين القدامى، مع تحوير ذكي لفكرة البطل الشقي، الذي يدفعنا للتعاطف معه بكل جوارحنا،و تعترينا الشفقة تجاههم،نفس المشاعر تلفنا و نحن بصدد قراءة سيرة الجندي المجهول، و تجدنا نأمل أن يتغير مجرى الأحداث، حتى تنتهي الحرب، و يتوقف الشر، و ينتصر الخير، و يلتقي عبد الله بحبيبته، و يلم شملهما في سقف إنساني لا تحده الحدود، و لا تمنعه السياسة أو الدين أو العرق، أو الاختلاف الحضاري و الثقافي، تجعلنا أحداث الرواية نرجو نهاية أخرى  غير تلك التي سطرت مسبقا…كما أننا لمسنا حضورا للتراجيديا الحديثة والمعاصرة، خصوصا تلك الأشكال الأدبية التي رصدت أهوال الحروب، و نخص بالذكر هنا، مثالا لا حصرا، رواية الساعة الخامسة و العشرون، لصاحبها جورجيو قسطنطين، التي اتخذت بدورها محنة أسير حرب روماني موضوعا لها وشخصت مرض الإنسان في القرن العشرين، و توقفت عند أزمته فلسفيا و فكريا و تاريخيا… إضافة إلى هذا نستطيع إيجازا أن نشير إلى أن كاتبنا تشبع بتصورات الفلاسفة الذين ناقشوا الأدب التراجيدي خصوصا مقاربة نيتشه للتراجيديا الإغريقية، و أزمة العلوم الأوروبية كما شخصها هوسرل، والعقل الأداتي كما تناوله مفكرو مدرسة فرانكفورت، خصوصا الجيل الأول منها.

إذا كنا قد جازفنا في المصدر الأول للرواية و المتمثل في البعد التراجيدي الكوني و تأثر الكاتب به، فإننا بالتأكيد لا نجازف عندما نتحدث عن المصدر الثاني للرواية، فيسعنا القول هنا أن الكاتب كان متخما بالموروث الشفاهي / الغنائي على الخصوص، و نقصد هنا الأغنية والقصيدة الأطلسية، و كان هذا الموروث حاضرا و لو بصيغة غير مباشرة، بحيث أننا بالكاد نجد أغنية أو قصيدة أطلسية ( الأطلس المتوسط بالخصوص ) تخلو من اللحن الحزين (البياتي ) كما أن هذه الأغاني و القصائد تتغنى بأحزان الناس و مآسيهم، و تؤدي دور البلسم الشافي، وبالأحرى تؤدي دور المواساة، أو بلغة التحليل النفسي، تؤدي دور التنفيس، و يسعنا هنا أن نذكر القصيدة الشهيرة موحا أولحاج الذي عمل على نقل ما يخالجه من أحزان و شوق و مأساة بلحن حزين، و ما زلنا لحد الآن لا نستطيع أن نستمع لهذه القصيدة بحضور أمهاتنا بسبب التأثر الكبير الذي تخلفه عندهن، فما أن تبدأ القصيدة حتى يبدأ مسلسل من البكاء، تعبيرا منهن على التعاطف اللإرادي مع مأساة الرجل وشوقه الملتف بخطاب العتاب… كما أننا يمكن أن نستدل على هذا الرابط بين الرواية و الأغنية الأمازيغية من خلال الأغنية الشهيرة التي تغنى بها كبار المغنيين الأطلسيين ( مغني على الخصوص ) و التي تقول في لازمتها : خو ترو أثنا مي يغاب أمادوكل ذاتيغول… أج إمطاون إيثناغيفس إروران أيسلي ذ واشال.. ( مضمونها :لا تبكي يا من غاب حبيبها… ذري الدمع لمن وارته الثرى )…لعني أستطيع الآن أن أجازف و أن أقول بأن هذه اللازمة تلخص مضمون الرواية، و يسعنا في مقام آخر ان نقدم نقط التماس بينها و بين العمل، و يمكن القول الآن جملة بأن العمل الروائي الذي نحن بصدده يتمحور حول الصراع بين معطيات الواقع و الأمل  فلولا الأمل لما كان بمقدورنا أن نواجه بؤس الواقع، الأمل في لقاء عبد الله و لو بعد حين، هو  دافع ميشيل إلى مواصلة البحث، حتى و إن حاصرتها كل أسباب اليأس.

إن استلهام الكاتب لهذين المصدرين جعل  كتابه محليا ببعد كوني، فقد تختلف أشكال التعبير عن الألم، ولكنه يظل الألم هو نفسه في كل مرة، يتلون بلغة مختلفة، و هو ما عبر عنه وليام شكسبير في رائعته ” تاجر البندقية ” بالقول ” ألا يجرح اليهودي بنفس السلاح الذي يجرح به أي إنسان آخر “.

لعل ما شدنا إلى العمل أكثر من تعاطفنا مع محنة عبد الله و تنقله من محنة إلى أخرى أكبر منها، هو الأمل، و لكي يكون الأمل أجمل و أرقى لا بد أن يتسلح بالقيم الإنسانية الكبرى، خصوصا قيمة الحب في تجلياته الكبرى، و في لا محدوديته، فالحب حتى و إن ظهر في بادئ الأمر كحب  امرأة، إلا أنه تعدى ذلك، و تلحف بالمروءة والشجاعة، و التي تكون دائما رديفة الإنسان الذي تعلم على يد الحياة، و تربى داخل مبادئ كونية تتعدى الحدود الجغرافية و السياسية والثقافية…  فمروءة عبد الله و شجاعته بدأت تنمو منذ صغره، فقد تحمل وحده عبء الابن البكر لأسرة قروية، أخذت النصيب الأوفر من البؤس و الفقر، و تواطئ الطبيعة، تلك الأسرة التي تنحصر سعادتها القصوى في الحصول على نبتة إيرني ( الحلم –الأمن الغذائي في زمن الجفاف )  و عدم نيل الذئب من القطيع، كانت المروءة في هذا الباب خفية، لكنها أفصحت عن نفسها عندما رفض عبد الله أن يعدم فقيها بتهمة  مقاومة الاستعمار، رفض عبد الله  لهذا الفعل ينبع من احترام الإنسان و تقديره قبل شيء،  فلا شيء في نظره يبيح قتل إنسان أعزل، يعرف بالفطرة أن الإعدام فعل لا إنساني، و لا شيء بمقدوره أن يبرر ذلك، مروءة عبد الله تأصلت أكثر لما رفض أن يعامل بشكل خاص ، بعد أن صرحت له ميشيل أن أباها له مكانة مرموقة في الجيش الفرنسي، و يمكنه أن يبعده عن جبهة الحرب…إن عبد الله كان إنسانا قبل كل شيء.

مثالان فقط على مروءة عبد الله و بسالته، ما عمق هذا السمو الأخلاقي هو حب مشيل له حب ضاقت به نواميس التقاليد و العادات و الدين و السياسة، و الحضارة، و لكنه حب فياض، خرج من بؤس الواقع، وتسلق الحدود متجاوزا الأسلاك الشائكة التي وضعت أمامه، و تقمص عباءة الحب الإنساني و الكوني الذي لا يعترف بالحدود، و يسمح لنفسه أن يظهر ما يتحاشاه عادة عامة الناس، فهي الطفلة الوحيدة المدللة و التي كان بإمكانها أن تتبع القدر الذي رسم لها، والذي تمثل في أن تكون زوجة لشاب وسيم، من أسرة ارستقراطية، يغنيها عن شقاء الحياة، لكنها اختارت أن تضحي بكل شيء من أجل فتى قروي لا يتقن اللسان الفرنسي، و لا يعرف بروتوكلات الأسر البورجوازية، فقررت أن تقف في وجه كل من أراد أن تتخلى عن حبها، هكذا قررت أن تعمل نادلة في مقهى قرب الجبهة، عسى أن يرأف بها القدر و يرمي بعبد الله  في أحضانها، كان يسرها أن تقترب من مكان عبد الله طمعا في أن يسعفها الحظ فتلتقي به،.. عند نهاية الحرب  اعتقد الجميع أن اليأس سيتسلل إلى قلبها، عملت كممرضة  ممنية النفس بأن يأتيها عبد الله جريحا فتعالجه، جندت نفسها لإخراجه من السجن، و إسقاط تهمة الخيانة عنه، لم تمل ميشيل من بحثها عن عبد الله، حيث سافرت إلى المغرب، بل تسلقت جبال الأطلس حيث تشتد المقاومة المغربية ضد الاستعمار الفرنسي، بل و انضمت إلى المقاومين آملا في لقاء غير متوقع مع حبيبها…

جمالية الأدب عامة يمكننا إيجازها في قدرته على التعبير عما لا نستطيع البوح به، و قدرته على ملامسة مكنوناتنا، و التصريح بمشاعرنا في قالب راق، كما أن الجمالية الكبرى تتمثل أساسا في الرسالة النبيلة التي يحملها كل كتاب، و مدى نجاح الكاتب في نقل رسالته، و التعبير عن موقفه، و الدفاع عن دعواه، و يتوفق الكتاب في قولهم ما يسعون إليه بطرق مختلفة، و يمثل الأدب واحدا من هذه الوسائل التي تخفي وراء العبارة رسائل فذة للإنسانية، و لعل رسالة الكاتب هي الدفع بإمكانية انتصار الخير على الشر، انتصار الحب في زمن الحرب، فإذا كانت الحرب تسعى إلى تدمير الآخر، و قتله و تصفيته، و تجريده من هبة الحياة، فإن ميشيل اتخذت من التمريض وسيلة لإصلاح الحياة و ضخ الدماء فيها، فقد كان حبها لعبد الله و عشقها للحياة سببا في ذلك… هكذا واجهت الموت بسلاح الحياة، و واجهت الحرب بسلاح الحب… و تلكم كانت رسالة الكاتب من بين رسائل أخرى.

————————————————————————————–

–  1   باحث في الفلسفة والعلوم الإنسانية/ المغرب.

 

مقالات من نفس القسم