سلوى بكر: نعانى من مثلث الفتنة الطائفية والهوس الجنسى والتعصب الكروى

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاورها : خلف على حسن 

قبل أن تبدو طرفا فاعلا ومؤثراً فى أزمة الخلافات التى عصفت مؤخرا بأتيليه القاهرة، كانت الأديبة المبدعة سلوى بكر، صاحبة صوت قوى يعبّر عن عالم المغمورين والمغيّبين فى المناطق المهمّشة من المجتمع المصرى، تحكى عن واقع مقموع، تنبش فى ثنايا التاريخ والدين والقيم الموروثة، تمارس فى أعمالها التجديد والبحث عن الحياة وممارستها من خلال أسئلة الأدب. الروائية سلوى بكر تجيب فى هذا الحوار عن أسئلة تتعلق بمشروعها الإبداعى وفكرة التوريث والنهضة وأزمة أتيليه القاهرة فى سياق الحوار التالى.

? روايتك «البشمورى» التى اختارها منتدى الصحافة العالمية 2009 من أفضل 100 رواية عربية.. تستبقين فيها أى خلاف نشأ بين المسلمين والمسحيين، لو أعدت كتابتها فى الوقت الراهن فى ظل أحداث نجع حمادى وغيرها، كيف تكتبينها؟

 

– التناول لن يختلف، والبشمورى هى رواية ترصد التحولات الثقافية والحضارية التى جرت فى مصر بعد الفتح الإسلامى، حتى قبيل دخول الفاطميين، فمصر لم تكن دولة عربية إسلامية قبل دخول الفاطميين، بل كانت دولة يحكمها عرب مسلمون منذ عصر الولاة، وقبل دخول الفاطميين قامت مجموعة من الثورات ذات طابع اجتماعى اتحد فيها المصريون الأقباط، والعرب المسلمون الذين استوطنوا مصر ضد الحكم الإسلامى، هذه الثورة أطلق عليها ثورة «البشموريين»، وقامت بالأساس ضد الارتفاع الدائم المفروض على ضرائب فقراء الفلاحين والمشتغلين بالزراعة من قبل الدولة العربية الإسلامية، وضريبة الأرض «الخراج» إذن هذة الرواية تقف على ملابسات هذه الثورة لكى تقدم ملامح الهوية الحضارية والثقافية لمصر آنذاك.

 

? ألا يمثل اعتناق بطل روايتك «بدير» الدين الإسلامى فى آخر الرواية انحيازاً دينياً؟

 

– البشمورى تتناول الدين والفلسفة والعلم واللغة من منظور شعبى تارة ويمثله «بدير»، ومن منظور نخبوى ويمثله «ساونا» تارة أخرى، وبدير فى نهاية الرواية أسلم لأن الدين فى مصر وهو قديم جداً لدى الجماعة الشعبية ليس فلسفياً أو عقائدياً، لكنه ضرورة وجزء من الهوية القومية، أما «ساونا» الذى بقى على مسيحيته، كان الدين بالنسبة له مختلفاً تماماً فهو عقائدى وفكرى والعقل لديه حاضر فى اليقين الدينى على نحو مغاير تماماً، والسرد فى الروايات التأريخية ذات الطابع الأيديولوجى وهى تأريخات مسيحية أو إسلامية- فالمقدسى- مثلا وهو مؤرخ مسلم عربى يصف فتح مصر فيقول «فتحت ثلجاً» (أى دون صراع) أما المؤرخون الأقباط فيتحدثون عن عمليات مقاومة ومواجهة ضد القمع العربى، والحقيقة أن الأمر ليس هكذا أو ذاك، والمسألة ليست انحيازاً دينياً بقدر ما هى محاولة للقراءة المؤدية إلى ما هو إيجابى، فهذه الفترة الماضوية السائدة فى قراءة تاريخنا هى ضارة جداً بالحاضر، لأن القراءة الدينية كما ورد لدى مؤرخى القرون الوسطى أدت فى النهاية إلى إسقاط الفترة القبطية من التاريخ المصرى، وهى فترة مؤسسة وهمزة وصل بين ما قبلها وما تلاها من تاريخ، ونسبها إلى الرومان، وهو الأمر الذى ترتب عليه تجاهلها كما هو سائد فى الكتابات المدرسيه التاريخية والتى نشأ عليها ملايين المصريين، والتعامل مع هذا التاريخ القبطى بإهمال وتجاهل هو الذى يؤدى إلى أحداث الكشح ونجع حمادى وغيرها.

 

? من المسؤول عن تجاهل تاريخ الأقباط؟

 

– المسؤولية متراكمة تاريخيا، والقراءة التاريخية لأقباط مصر وتجاهلها يقعان على عاتق المؤرخين سواء مسلمين أو أقباط.

 

? «أحمل النخبة المثقفة مسؤولية التراجع الحضارى» هذه مقولتك والأخرى «النخبة ليست مطالبة بالنزول إلى الشارع والالتحام بالجماهير» من وجهة نظرك ما هو المطلوب من النخبة؟

 

– مبدئياً تجليات المأزق الحضارى تبدأ من أحداث نجع حمادى الأخيرة، وتنتهى بالهوس الكروى الذى يجتاح الشعب المصرى فى الوقت الراهن وما ينفق عليه، فى الوقت الذى نهمل فيه التعليم والصحة، والبنية الأساسية فى المجتمع، وهناك عدة وجوه لهذا المأزق منها «أن نصرف مليارات على المحمول بينما الخدمات الأساسية غائبة، أن نسير على طرق مهدمة، أن يكون لدينا بشر يسكنون المقابر تلك الظاهرة التى لا توجد فى أى دولة فى العالم، مأساة الدويقة، واتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء، تبديد الثروة القومية بصفة عامة (الساحل الشمالى اللى عملناه من أجل مجموعة من الناس يبلبطوا فى الميه، كان بيأكل الدولة الرومانية إبان حكمها لمصر، بحيرة المنزلة التى يقومون بردمها حاليا لإقامة أبراج عليها، علشان ياخذوا فلوسها)، هذا المجتمع المصاب بالهوس الجنسى والعصاب الدينى، والماضوية وانحطاط وضع المرأة كل ذلك يمثل تجليات وملامح المأزق الحضارى الذى نعيشه، والذى يتعمق بسبب أن النخبة المثقفة عاجزة على رفد المجتمع بأفكار تعينه على مشروع النهضة.

 

? فى اعتقادك.. هل نحن فى ظل أنظمة قابلة لمناقشة ما تطرحة النخب من أفكار؟

 

– مصر تاريخيا واقعة فى مسألة الاستبداد السياسى، ومنذ تاريخها الحديث كان محمد على يمثل- المستبد الكبير- لكن كانت هناك أفكار ضد هذا الاستبداد مثل ما كتبه «الجبرتى والشيخ محمد عبده والكواكبى»، وما كتبه رفاعة الطهطاوى ومطالبته بتعليم البنات وفتح مدارس لهن، تلك هى أفكار ومشاريع نهضة مرت بها مصر، أما حاليا فنحن فى مأزق فكرى، ونحتاج إلى إنتاج أفكار يتعلق بمواجهة هذة الأزمة الفكرية للخروج من ذلك، وبذلك يصبح أمام المواطن الاختيار بين الانضمام إلى حركة «كفاية» مثلا أو إلى جماعات الفيس بوك والإنترنت.

 

? ومسؤولية التغيير هل نحملها للشعب أم للنخبة؟

 

– النخبة طبعاً، والمشكلة أن هذا المجتمع يدار بآليات ما قبل الحداثة، وأن مؤسساته المدنية تقوم على العصبية والشللية والاستهواء والعلاقات الأسرية، وهذا ما «يرجع المجتمع إلى الوراء» فإذا كان المجتمع لا ينتخب أفضل عناصره لتمثيله وللنهوض به من كبوات التخلف والجهل، يبقى فى مأزق حقيقى، وفيما يخص مشروع التوريث الذى يسعى النظام حالياً لتكريسه فهو أحد تجليات المأزق الحضارى، «فالمجتمع بأكمله قائم على فكرة التوريث، فى كل المهن وكل الفئات، نجد ابن الطبيب يصبح بطريقة أو بأخرى طبيباً، وابن الممثل ممثلا، وابن الشاعر شاعراً، فإذا كان هناك من كان أبوه رئيس جمهورية فلماذا لا يكون رئيساً أيضاً.

 

? نعود إلى معركتك الأخيرة فى أتيليه القاهرة.. رأى البعض من أعضائه أنه كان بالإمكان تحاشى هذا الخلاف، والابتعاد به عن ساحات القضاء؟

 

– لماذا لم يأت هؤلاء، لم يكن هناك خلاف، بقدر ما هو تجلٍ واضح للمأزق الحضارى، أن يدار هذا المكان بأساليب ما قبل مدنية تعتمد على العلاقات الشخصية والمصالح الدنيا، وبين الجماعة التى تريد بالفعل تحويل هذه المنطقة الثقافية إلى بؤرة نخبوية منتجة للأفكار فى مجال الفن والإبداع، هذا هو جوهر الصراع، ولم يقم على مسائل شخصية أو خاصة كما حاول البعض الترويج لذلك.

 

والمسألة ليست مسألة الدولة إنما أزمة الأتيليه، التى اعتادت جماعته الثقافية السلبية لفترة طويلة فى اتخاذ القرار والمواقف، والجعجعة الكلامية فقط، فى هذة الأزمة أيضا كانت هناك مصالح للبعض تبدأ من المصالح الدنيا، وتنتهى بالمصالح ذات الطابع الميتافزيقى الوهمى، «كمن يظن أنه لاداع لمواجهة فلان لأنه على علاقة بالوزير أو مسؤول كبير» وهذه الروح الميتافيزيقية المهيمنة على كثير من المثقفين تنتج فى النهاية تراجعا ولا تنتج إيجابية.

 

? وهل كان علم إسرائيل سيرفع بالفعل على الأتيليه لولا خوضك هذه المعركة؟

 

– بالتأكيد كان سيرفع على مبنى الأتيليه، لأنه كانت هناك مؤامرة لتسليم المبنى إلى أصحابه ورثة السيدة اليهودية ذات الأصل الفرنسى «لندا كوهينكا»، وبدأت تلك المؤامرة فى محاولة استخدام الماده «42» من قانون الجمعيات التى تنص على «فى حالة تلقى أموال من الخارج يجب إبلاغ السلطات المختصة بذلك، وإلا سوف تحل الجمعية العمومية «بمعنى فى حالة حل الجمعية سيصبح عقد الإيجار باطلا ويؤول المبنى بذلك إلى أصحابه، وهم من اليهود». لسنا ضد اليهود كديانة وقد يؤول الوضع إلى ما هو أخطر، قد يتحول إلى مركز ثقافى إسرائيلى فى قلب القاهرة،أو يتم تسليمه إلى السفارة الإسرائيلية.

 

? وما علاقتك بترشيح الدكتور سيد القمنى لنيل جائزة الدولة التقديرية وما أثير حولها من جدل؟

 

– عندما عينت مفوضا عاما على أتيليه القاهرة، كان الأتلية بالفعل قد رشح الدكتور القمنى لنيل الجائزة، وهذا الترشيح يتم من خلال اجتماع رسمى للجمعية العمومية وبالتصويت المباشر،إذن لست طرفاً فى هذا الترشيح، وفى حالة قيامى بأعمال المفوض العام عن الأتيليه كان يجب علىّ اتباع تقاليده بإقامة احتفالية، وقمنا بالفعل بعمل هذه الاحتفالية وإستدعينا الدكتور القمنى للتحدث فى ندوة تعقد بمقر الأتيليه، لكنه اعتذر وأرسل ابنته السيده «إيزيس القمنى» لحضور هذه الاحتفالية نيابة عنه

مقالات من نفس القسم