سر الصبية .. سوريا بنكهة مصرية

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 51
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

خالد عبد العزيز

تبدو رواية ” سر الصبية ” للقاصة والروائية ” هديل محمود هويدي ” – دار العين للنشر والتوزيع 2016 – مهمومة بما جرى للسوريين بعد اندلاع الثورة السورية في 2011، ضمن موجات ما عرف بثورات الربيع العربي. وكأن الرواية تؤرخ وتسرد ماجرى لهم وماتعرضوا له من ظلم، لا أحد مستثنى من المشاركة فيه ولو بقدر يسير. لا تهتم الرواية فقط بما جرى لأبطالها داخل حدود وطنهم، لكنها تتبع مصائرهم داخل مصر، وهنا نكتشف كواليس ماجرى لهم من تنكيل،  شئنا أم ابينا، ما جرى لهم انتهاكاً لا يخفي على أحد . وهذا ما وثقته الرواية.

 البناء والسرد .. مشاهد سينمائية

اختارت الكاتبة أن يكون الصوت الرواي هنا صوتين، تبدأ جيداء الحكي، ثم تُكمل عصماء السرد، وهذا جعل القارئ يُدرك ويرى المشاهد والأحداث برؤية قد تكون أحياناً مُغايرة عن ما روي سابقاً أو ما سيروى لاحقاً، لكن الأهم أنه أضاف بُعداً آخر للأحداث ، مثل البعد الثالث للصورة. تبدأ الرواية بمشهد إمساك جيداء بورقة مُقتطعة من دفتر ما، لتظل هذه الورقة تطوف بخيال القارئ طوال قراءته للرواية، مُتتبعاً بشغف ما هذه الورقة التي سيتضح مصيرها وهويتها عند نهاية الأحداث.

تتكون الرواية من خمسة فصول، تم اختيار عناوينهم بدقة، فالفصل الأول ” قبل الفراق أشتاتاً ” المُقتطف من معلقة ” عمرو بن كلثوم ” تروي فيه جيداء وفق رؤيتها الخاصة ذكرياتها وما جرى قُبيل اندلاع الاشتباكات بين الجيش السوري وما يسمي بالجيش الحر وباقي التنظيمات المسلحة، لنطل على ريف إدلب، وأحلام صبية سورية، يتلخص كل حلمها في عريس حلبي، يجلب تجارته من تركيا، التي تتوق لزيارتها، ولا تدري أن القدر يُخبأ لها زيارة تركيا، لكن عبر طريق آخر لم يطف بخيالها قط. مثل السينما وبداية الفيلم باللقطة التأسيسية تبدأ هديل لقطتها التأسيسية بنظرتها للورقة الممزقة التي ردتها لذاكرتها أيام الطفولة و صورة الفراشة التي علقتها معلمتها على لوحة الفصل، في اشارة وتشبيه واضح لجيداء و عصماء بالفراشات كما يشبهمها ” شاهين ” والدهم. في اشارة سواء كانت مقصودة أم لا إلي الشبه المتطابق بينهما وبين الفراشات، فالفراشات تحتار الزهرة التي سترشف منها ريحقها وتنتقل من زهرة لأخرى في زهو وسعادة، جيداء وعصماء أيضاً فراشات، لكن انتقالهما المباغت من حياة لأخرى شوهه القدر بحرفية متقنة، جعلت من حياتهما بؤساً مُغلف بكأبة نادراً ما يطرقها الفرح.

التأثر بالسينما واضح بشدة في هذا النص، فتقنية المونتاج المتوازي اُستخدمت بطريقة بالغة الحرفية، جعلت القارئ مُنتبه لكل ما يجري أمامه من أحداث، فهو يتابع حدثين في نفس الوقت، ولكل منهما تأثيره على الشخصيات، ومن ثم على تغيير دفة السرد. ولعل أهم مشهد في الرواية تقاطع حكي باسل مع ذكريات جيداء بعد اختطافها من قِبل أسامة . ” في آخر الليل، استيقظت بعدما انهال علي أسامة ركلاً وضرباً وجدتني ملقاه على السرير، بعدما نزع عني العباءة فقط، كان باسل يحكي ويسترسل وأنا أتذكر ولا أبوح . سحبنا رجل في طابور .. نزلنا إلى غرفة أرضية تشبه القبو بعد أن نزعوا عنا الثياب، كانت الغرفة مُقسمة إلى مناطق ( حمص، حلب، الشام ) “.

السياسة .. ظلال وأشباح

السياسة وألعاب الساسة هي المحرك الفعلي للأحداث، لولا السياسة وألعابها الخفية و المرئية ما تبدل مصير جيداء وعصماء، لولا السياسة ولعبة الكرسي المُقيتة ما تشتت حياتهن وتبدلت بهذا الشكل. السياسة هنا ليست على المستوى السوري بأعتباره شأناً داخلياً ، لكنها تتطرق للمركز .. مصر، ليس بعدما نزحوا من تركيا إلى مصر، ولكن أثناء الثورة المصرية وتأثير مجرياتها على الواقع السوري، الذي بدأ يترقب ثورة مماثلة. لا يملك الشعب الذي أنقسم نصفين، أحدهما مع بشار والآخر يُساند الجيش الحر ألا مُتابعة الأحداث في صمت لا يُخففه سوى النزوح من مكان إلى آخر هرباً من الجحيم. لذا نجد عصماء التي تشبثت بالصمت كدلالة على رفض كل هذا، فالصمت أفضل ألف مرة من المقاومة بالسلاح، بإعتباره أعمق وأكثر بلاغة في صياغة الأحتجاج.

رغم أن السياسة هي الخلفية المُحركة للأحداث مثل الأشباح، لكن الأشباح ليست دوماً ظريفة، سرد الأحداث السياسية وكأنها خبراً صحفياً أثر بالسلب على مسار الأحداث وسلاسته، فبدا سرد الأحداث مثل الاشتباكات في سوريا أو بعض الأحداث السياسية في مصر مباشر للغاية، وأثقل النص إلى حد ما.

عودة إلى السرد .. دلالات واشارات

في الفصل الثاني ” أسفل مقصلة “. نجد أن أغلب الخيوط تجمعت وأحاطت بمصير الفتاتين، ذلك المصير الذي أكتمل بزواج جيداء من أسامة، لتكشف الرواية المسكوت عنه في زواج السوريات وألاعيب الجمعية الشرعية، وإدارتها ما يسمى بزواج السترة، و التعامل مع السوريات النازحات بأعتبارهن عاهرات، لكن هذه المرة وراء ستار الدين وبرعاية الجمعية الشرعية، فنجد في أحد المشاهد الحاجة نادية تُخبر هند أم جيداء بأنها لديها ابنتين مما يجعلها لا تحتاج لشئ حسب قولها. قبل هروب جيداء قامت بتمزيق الوسادة و نثر ريشها في الهواء، ثم يكتمل المشهد بإلقاء زجاجة العطر على المرآه لنجد أن صورتها تشظت في المرآه الي عدة صور ممزقة غير مُكتملة، وكأن طقس التحرر الذي أدته جيداء قبل رحيلها، لم يكن كاملاً فصورتها التي تكررت في المرآه ما هي ألا تكرار وتنويعة لما سيجري مُقدماً .. فالواقع أنها لم تتحرر من أسر أسامة ولا من طوق الجمعية الشرعية ولا الشيخ طلعت .. الثالوث المُطبق على أنفاس جيداء.

مثلما كان الصمت الذي تشبثب به عصماء هو طريقتها في التعبير عن رفضها لما يحدث، نجدها أيضاً تلجأ للفن في نهاية الرواية بأعتباره الملاذ الأخير الذي به ستتحرر من عذاباتها.. كما أنه ليس مصادفة أبداً أن تختار المايم للتعبير عن نفسها، عبرت أيضاً عن نفسها بالفن الصامت والحركات الإيحائية.

الخلاصة

سر الصبية الرواية الأولى لهديل هويدي، قدمت فيها تجربة تستحق المُتابعة، كاتبة مصرية تكتب عن سوريا بنكهة مصرية خالصة، ومما زاد الإحساس بقوة الجزء السوري في الرواية ليس فقط التحضير الجيد للمكان، بل اللهجة السورية التي بدت وكأن الكاتبة تتقنها بدرجة عالية .. سر الصبية ليست عن سوريا فقط .. بل عن تخاذلنا وعنا نحن الذين تخلينا عن قطعة منا وتركناها تزوي وحدها في مهب الريح.

مقالات من نفس القسم