زينب

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

شيرين فتحي

دارت على كل بيوت البلدة, بل وعلى بعض بيوت البلدان المجاورة، تبحث عن الفتاة المناسبة ذات المواصفات الخاصة، عدة أشهر مضت وهي تفكر وتخطط... تكتب كل يوم ورقة مواصفات جديدة ثم تمزقها..تلعن اليوم الذي صارحها فيه الوجيه برغبته في الزواج

 ـ جواز ايه دلوقتي ياعين أمك

ـ اللي من دوري عيالهم ماشية جمبيهم  ياحجة

 ـ وانت باغي الجواز للخلفة والا للمزاج ؟

يحني رأسه من الخجل متمنيا أن تبتلعه الأرض في تلك اللحظه ويرد متلعثما

ـ اللي تحسبيه ياست الكل… ويخرج مسرعا من حجرتها

تلعنه في سرها وتلعن بنت الحرام التي ستشاركها فيه…وتردد الوجيه ابن صفيه متاخدوش مَرَة.

تعيد كتابة المواصفات من جديد وتهتدي لمبتغاها بالصدفة في فرح إحدى قريباتها. كانت العروس فتاة عادية للغاية لا تلفت النظربأي شيء. بشرتها قمحية تميل للسمرة لكنها لا تملك جاذبية السمر ولا تمت لحلاوة البيضاوات بصلة ..قوامها معتدل لا تبدو فيه أية مواطن للإغراء كما اعتقدت وقتها. فأم العروس لم ترض أن تعري لها ابنتها كما طلبت صفيه

 ـ تبقا البت معيوبة

 ـ لو جوزها عاب عليها حاجة يردهالي ف صباحيتها

تتفحصها جيدا قبل أن تعرضها على الوجيه, تشعر بالارتياح كلما مرت بعينيها على صدرها الهزيل وتبتسم للجسد الذي لا تظهر عليه أي ملامح من الطراوة أو الجمال, الشعر مجعد إلى درجة مقبولة والعينان ضيقتان كي لا تسحره بهما.. حتى صوتها لم يبدُ عليه أنه على دراية بدلال البنات وغنجهن.

تربت على كتف البنت : ربنا يطرح فيكي ذرية الوجيه..

لا يعترض الوجيه على اختيار أمه .. ربما لم تعجبه، ولكنه أيضا لم ينفر منها. يُتمم مراسم زواجه بعد شهر واحد، فالخطبة الطويلة تفسد العقول وتجلب البلا كما قالت له صفية.

جهزت له شقة في الطابق الذي يعلوها  …فرشتها بأفضل الفرش… فالوجيه كان البكري اللي أحسن م الكل, بس متجالسوش مرة غير أمه… اللي يتجوزها تحبل وتولد وبس…تكرر تلك الجمل على نفسها كل ليلة وكأنها تؤكدها لنفسها أولا..

غاب عنها الوجيه يوم صباحيته، لم ينزل في السابعة كما وعد، انتظرته حتى العاشرة ثم جن جنونها واتصلت به. كان يقبل يديها بعد دقيقتين بالضبط

 ـ من ليلة واحدة نسيت امك

 ـ وانا أقدر يا أمي ده انتي الخير والبركة

لا تشعر بارتياح حتى بعدما تناول فطوره وشرب شايه معها تاركا عروسه لحالها بالأعلى. خافت من تلك اللمعة التي رأتها في عينيه.

 ـ هيعشقها ابن صفية

إحساسها لم يخنها . كل يوم كان يرتبط بعروسه أكثر، كان يختلق الحجج ليترك مجلسها وكلامها الذي لا ينتهي عن أخبار الدكان أو مشاكل بقية أشقائه. لم تستسلم لتلك المرأة التي أصبحت بالفعل تشاركها فيه..اصبحت تختلق المشاكل لهما كل يوم.. لم تعد تستطيع أن تغمض عينيها إلا بعدما تسمع صوت شجارهما وتتأكد من ذبول عينيه في اليوم التالي أن مكيدتها قد أفلحت.

كانت زينب فتاة عادية جدا كما اختارتها الأم. لكن كان لها نهدان يضيئان كلما أظلم الوجيه الحجرة…بهته النور الذي انبعث منهما حين رآه لأول مرة…لم يعرف كيف يضيئان ويلمعان هكذا رغم لون بشرتها الداكن. بمرور الوقت نهداها كانا يكبران ويستديران ويتملكانه بذاك الوهج الصاعد . في كل مرة كانت أمه تختلق سببا للوقيعة بينهما .. كانت زينب تخاصمه وتفرد نهديها أمامه بعدما تظلم الحجرة وتتلذذ بذله لها لكي ترضى عنه وتسمح له بلمسهما أو حتى تشمم رائحتيهما عن قرب..

لم تهنأ صفية لليلة واحدة بعد زواج الوجيه الذي لم يعد معها كما كان قبل زواجه  …فبعد كل مكيدة كان يتمادى هو في الذبول ويزداد وجه زينب بالوهج و السطوة.

هداها شيطانها في مرة للفكرة التي ستنهي بها كل شيء وستمكنها من التخلص من تلك اللبؤة التي أسرت البكري وملأت قلبه بالقسوة عليها. حكت له أنها رأت سيد أخيه الأصغر خارجا من شقته بالأمس وأثناء وجوده هو في الدكان…ظلت تحكي كيف لاحظت هي الحكاية من فترة وكيف كانت تلاحظ تدلل زينب على السيد وتقربها منه

ـ مكانتش تستحي تحك جتتها ف جتته ف الراحة والجاية, وتتقصد تلبسله المكشوف والشفاف. أخوك غلبان برضك هيا اللي مُلعب مطمرش فيها الحلال.

لعب الشيطان برأس الوجيه لما تخيل أن السيد قد تطلع ولو من بعيد لصدرزينب المكشوف…شده من قميصه ثم جرجره على السلالم ودخل به إلى مخدع زينب التي كانت بالداخل تعتلي  فراشها كإلهٍ. ..بل بدت وكأنها قد حضرّت حكمها وعقوبتها التي ستعاقبهم  بها جميعا.

لما غاب الوجيه وأخيه بالأعلى …اختلج صدر صفية وسحبتها قدماها إلى الأعلى…. كان الوجيه راكعا أمام فراش زينب مطأطئ الرأس وفي يمينه رأس أخيه  الذي تمدد جسده المنحور على يساره. كان النور الذي تراه صفية لأول مرة لازال ينبعث من صدر زينب التي حدجتها بنظرات أشعرتها بأن لهيبا قد اتقد ما بين لحمها وجلدها، ولا طاقة لها بتحمله فصرخت وركضت وهي تموء كقطةٍ مذبوحة على السلالم التي تعثرت عليها عدة مرات حتى اضطرت لاستخدام يديها لتساعداها في النزول. وظلت تموء بعدها لعدة سنواتٍ حتى ماتت.

………..

*فازت القصة بالمركز الأول في مسابقة “ربيع مفتاح” للقصة القصيرة

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون