زلزال كيارستمي .. يضرب بقوة الحلم

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام
عمر علوي ناسنا* ستبقى رقصة غامضة، ملتبسة، مرعبة في عمقها الساحر، تلك الرقصة التي تشتعل بين الحياة والفن، لتصدح من إيقاع رقصتهما أسئلة الحدود والتداخل، الاتصال والانفصال. في ذلك اللقاء المحتدم الدامي وفي ذلك الانفصال المريع، في التشابك الذي يصل حد التماهي وفي الانفصال الذي يتجاوز حدود الخصام، في هذه المسافات اتصالا وانفصالا يولد المخرج الحقيقي، المخرج الذي يعرف كيف يخرج الميت من الحي وكيف يخرج الحي من الميت، الألوهية ممكنة في حرب الفن وسلامه وفي سلام الحياة وحربها. للزلازل أسبابها الطبيعية لكن لها ايضا بواعثها الثقافية والفنية والوجودية والسينما هي أحد تلك البواعث، المخرج هو أحد اسباب وقوع الزلازل حين يكون مخرجا حقيقيا. السينما لا يصنعها السلام القاتل، ولا الحياة الرخوة التي تفوح منها رائحة الموت الذي لا حماس فيه. في يوم ذي مسغبة فنية ولدت في إيران بذرة زلزال عرفت كيف تشق طريقها بذكاء في تجاويف الجسد الإيراني، بذرة ستحمل إسم عباس كيارستمي، المخرج الذي عرف عبر سيرته السينمائية الخلاقة كيف يعرض فيلمه على شاشتين شاشة خارجية تتسع للوجود وشاشة داخلية هي فيك بكل أبعادها الخرافية، مخرج  يعرف كيف يقف في المنتصف بين الشاشتين، ينصت للتجاوب الموسيقي بينهما، ينصت للأصوات التي يحدثها ارتطام الصورة بعظامك ولنقر المشاهد على أوتار أعصابك، يرفض أن يفرق بين السينما والحياة يدعو لحفلة جنس جماعي لا يقربها الطاهرون ودعاة الحدود. في فيلمه عبر أشجار الزيتون يصر كيارستمي على أن يجعله زلزالا حقيقا يهدم كل شيء، يهدم الحدود بين الحياة والفن ويهدم الحدود بين الإنسان وأسئلته، ويفجر العلاقات بين الخارج والداخل، يقف المخرج أمام ركام من اللبنات والطوب، أمام بقايا الحياة والعمران والإنسان ويطرح سؤال البناء من جديد، سؤال الحياة الذي يولد بعد الكارثة، مسلحا بفلسفة لم تبرحه يوما هي فلسفة عمر الخيام الذي يقرأ دائما بذرة الحياة في التماس المريع والاقتراب الحارق من الموت. يبدأ الفيلم بمشهد طرفين يولي كل واحد منهما ظهره للآخر الممثل الذي يؤدي دور المخرج وخلفه جماعة من الفتيات رشحن أنفسهن للقيام بدور الفتاة طاهرة، أول مشهد إذن هو بين ما ينتمي لمفردات الحياة وبين ما ينتمي لفضاء الفن. أثناء أخذ أسماء المرشحات نقف أمام تقابل آخر بين طرفين طرف الجماعة التي يعطي كل فرد فيها اسمه دون سؤال وبين فتاة تطرح بمفردها اعتراضا في صيغة سؤال حول إن كان الفيلم سيعرض أم لا؟ جماعة الفتيات يقبلن التصوير الفتاة وحدها تحتفظ بسؤالها بصيغة حارقة إذا كنت ستصور فينبغي أن يعرض، وإذا عرض ينبغي أن نشاهده، وهذه أول إشارة إلى كادر الفن الذي لا يستع للحياة، الحياة المقصية في هذا المجال الجغرافي، هذه الفكرة البذرة هي التي سيبنى عليها الفيلم ذكاءه الفني ماذا يظهر في الكادر وماذا يغيب عنه؟ ما الذي نراه وما الذي لا نراه؟ وما الذي نراه فقط بسماعه وما الذي نسمعه فقط برؤيته، تختلط الحواس في كيمياء فنية تتبادل فيها العين والأذن الأدوار. مع عباس كيارستمي ينبغي أن تتعلم كيف تفقأ العين لتبحث كيف يمكن أن نرى في العتمة، وتقطع اللسان لتختبر اللغة التي تبدأ من الحلق في اتجاه الأحشاء. في جدل ما ينتمي للحياة وما ينتمي للفن ينشأ صراع وجدال ورقص يشتغل عليه كيارستمي في أكثر من سياق ويمكننا أن نقف على ذلك من خلال كثير من الوضعيات، فالفتاة المقترحة للدور تجلب فستانا من اختيارها، فستانا تحب هي أن ترتديه، وهو ما سيكون موضوع اعتراض من قبل السيدة المكلفة بكثير من تفاصيل العلاقة مع الكاستينغ ومفردات المشاهد حيث تحاول أن تقنعها أن المطلوب هو لباس امرأة قروية، وهنا تقترح الفتاة إمكانية تعديل الفستان، إنه بداية الصراع بين نصين ، نص الحياة والنص القالبي الذي يقترحه الفن،صراع بين نص سيناريو جاهز يفرض على المجتمع الإيراني بكل تفاصيله السياسية والدينية والثقافية،وبين روح الإنسان وبساطته وهويته في حربه مع جبروت بنية قالبية جاهزة. تقول السيدة المكلفة  بغضب: " أن أقول لها أن تغير الفستان وهي  تتحدث عن رتوشات". تدافع الفتاة عن سلطة وبلاغة الواقع ومتغيرات اللحظة بعبارة : لم يعد أحد يلبس ذلك على أيامنا، إنها عبارة تحملها الروح الإيرانية التي تريد أن يعانق الإنسان لحظته دون أن يكون مضطرا لأن يلبس أجداده، أن يرتدي حاضره وغده بدل أن يلبس جثث ماضيه، هنا تجابهها السيدة المكلفة بعبارة تحمل كل عنت وجبروت السلطة والمرجعية القاتلة: الفستان يناسبك ولكنه لا يناسبنا، الحوار صيغ بذكاء بين ما يعود على الجماعة "نحن" المحتمية بالقداسة والمرجعية وبين ما يعود على الفرد "أنت"، مرة أخرى يقول كيارستمي فكرته بهدوء وذكاء ودون مباشرية وصراخ. الواقعة الثانية هي واقعة الأطفال الذين يقدمون ورودا لكي يتم توظيفها في المشاهد فتعترض السيدة المكلفة على أنها يابسة وجافة فيخبرها الطفل : ليس هناك غيرها، مرة أخرى مواجهة بين متطلبات فنية ثابتة وبين بلاغة الواقع، الفن يحاول أن يشق طريقه لكن بلاغة الواقع يمثلها أيضا ركام الطوب الذي تجده سيارة السيدة المكلفة وسوف يدور حوار بين سياقين سياق الحياة وسلطتها وسياق الفن وهنا ينجز كيارستمي وضعية خلاقة جدا عندما يركز على الشاب الذي سيلعب دوره مع الفتاة والذي اندمج في دوره كممثل وهو يتصرف على أساسه خارج الكادر وخارج المشهد حتى أنه لا يلتفت للسيدة وهي تطلب توجيها لمعرفة طريقها مما سيحملها على أن تسخر منه عندما يسألها لماذا لم تسأله عن المسار وهو من أهل القرية فتخبره بأنه الآن ممثل ولم يعد بناء ، هذه السخرية تزيد من حدة العلاقة وتوترها بين سياق الحياة وسياق الفن. الحياة تعترض طريق الفن، الفن الذي لا يعرف كيف يحاورها مثال هنا بوضعية البنائين ومثال آخر بالفتاة التي لا تتكلم بسبب وجود الفتى. في سياق التصادم بين لغتين ترفض الفتاة أن تمتثل للسيناريو الذي يفرض عليها أن تنطق بعبارة السيد حسين لكنها تستعمل فقط  صيغة حسين وينتهي المشهد الذي تمت إعادته مرات كثيرة بإذعان المخرج لسلطة السيناريو الذي لك يكتبه ، سيناريو الحياة الذي سيشرحه له الشاب مخبرا إياه بأنه في القرية لا يتم التخاطب بتلك الصيغ وبأن ذلك ليس نشازا ولن يبدو المشهد مفتعلا. عملية الإعادة المتكررة تشتغل على فكرة بسيطة وعميقة في آن واحد، الإعادة ليس سببها عدم اتقان التمثيل، الإعادة سببها التمثيل، التمثيل الذي يزيد من فداحة المسافة بين الفن والحياة، وهي فرصة كيارستمي ليطرح مفهومه للواقعية التي تعني بناء رقصة ناجحة بين الحياة والفن حيث لا يمكن الرقص إلا بجسدين حقيقين جسد الفن وجسد الحياة. خلال مسار الفيلم سيركز كيارستمي على سحرية العلاقة بين ما يظهر في الكادر وبين الصوت الخلفي وبين ما نراه وما يقع خارج الكادر ويصلنا بالصوت، اللحظات الحميمية المتصلة بالحياة هي إما تقع خارج الكادر أثناء التصوير أو تقع داخله عندما يقع يتوقف التصوير. في سياق آخر نرى في الكادر الشاب وهو ينظر للفتاة وهي تقرأ  ولكن خارج الكادر نسمع حوارا حول تفاصيل فنية للمشهد وهنا تحديا يفجر كيارستمي قصيدته الفنية الخلاقة فالمشهد كما يقترحه السيناريو يفرض على الشاب أن يطلب من الفتاة الاهتمام بكل تفاصيله ويلومها على تقصيرها كزوجة بخصوص مكان جواربه لكن المشهد الذي نراه يخبرها الشاب بأنه لا يوافق على ما سيقوله لها في المشهد وأن ما يهمه هو سعادتها وسوف يساعدها كي تكمل دراستها وتكون امرأة حرة في هذه اللحظة المشرقة بينهما حيث يسألها هل قلبك معي منتظرا جوابها الذي يعني الحياة يبدأ تصوير المشهد ليبدأ مسار مالا يريده، الحياة تختبئ وتحاول أن تتنفس في لحظة انشغال الفن بإعداد وسائله. سيختار كيارستامي بذكاء  أن يمرر كثيرا من الرسائل عبر أشجار الزيتون فالمخرج الذي يوقف التصوير قائلا لننتظر هناك غيوم تحجب الشمس هي الفرصة المناسبة التي في سياقها سيجد الشاب فرصة لمكاشفة الفتاة ولنا أن نفهم هنا الغيوم الكثيفة التي تلبدت بها سماء إيران سياسة وثقافة ودينا من وجهة نظر كيارستمي. الحب كثقافة انتصار يجري الاشتغال عليه في الفيلم في أكثر من سياق، ففي سياق سيناريو الفيلم يتحدث الشاب عن أن الزواج وقع في اليوم الموالي للزلزال مع أنه سقط من أقاربه عدد كبير من الضحايا وفي السيناريو الذي تكتبه لغة الحياة في حربها على سيناريو الفيلم يتحدث الشاب عن أن بداية حبه هي نظرة من الفتاة في المقبرة، هذا الربط الذكي بين حدث الزلزال والزواج وبين الحب ونظرة الفتاة في المقبرة هو اللغة الخفية للفيلم ورسالته العميقة التي تمحو الحدود وهنا يطرح المخرج كيارستمي بدائله دون ادعاء ودون مباشرية فجة من خلال بناء يريد أن يبني في الفيلم ويبني في الحياة لأنه يملك القدرة الوحيدة التي تنتصر للحياة قدرة البناء من خلال صراعه مع جدة الفتاة التي ترفضه والتي يساويها بالأغنياء وأصحاب المصانع طالبا من الفتاة أن تنصت للحب والتفهم والذكاء والعلم ممثلا في سيرة المخرج الذي درس في طهران وأقنعه بأن الذين ماتوا لم يكونوا يعرفون ذلك لذلك ينبغي الحرص على البناء كلغة حياة بدل ثقافة الموت، لذلك يقول للفتاة لسنا أقل من ىلآخرين سنبني بيوتا مثلما فعلوا. في المشاهد الأخيرة يحرص كيارستمي على أن يبدع أكثر من خلال المخرج الذي انتهى به الأمر إلى أن يهتم بالسيناريو الذي لم يكتبه ، السيناريو الذي ينكتب أمامه مشهدا مشهدا فيزلزل  السيناريو المعد سلفا، فعندما تنصرف الفتاة يفهم المخرج كل شيء حكاية الحياة التي لايستطيع السيناريو القالبي أن يسجنها أو يستوعبها فيتآمر مع الحياة ويوحي للشاب بأن يتعقب الفتاة التي ذهبت لوحدها لتسلط طريقا مختصرا بعد غرق الفريق في تفاصيل وحيثيات النقل، وكأن الرسالة هي نحن نختصم في الفن اذهب وتصالح في الحياة، ثم يراقبه وهو يتبعها. لكن الفتاة لا تجيبه على أي من دفاعاته عن الحب والحياة والتمرد على وصاية الأجيال والماضي، وهنا وفي سياق يأس جارح ينظر الشاب نظرة  مغتصب متوثب، اغتصاب استوعبته العينان، اغتصاب المحب الذي تدفعه تراجيديا التناقضات ليتساوى عنده الاغتصاب بالمدى المتفجر للحب الذي لا يجد أرضا ينبت فيها. وفي الطريق المتعرج وسط مساحة خضراء لا يظهر للمشاهد سوى نقطتين ببياض دال نقطتان صغيرتان يتعقب المشاهد حركتهما فهو معني بهما وبمسارهما، وفي لحظة فارقة يعود الشاب في اتجاه المخرج يعود وكأنها دلالة على تراجيديا انتصار البنيات القالبية على الحياة. مرة أخرى نحتاج مخرجين يثق فيهم الجنون، ويثق أنهم لن يبيعوه في سوق العقل. نحتاج مخرجا مثل عباس كيارستمي  الذي فجر الحدود بين الفن والحياة وفجر المشاهد والدلالات، فجر الفن بالحياة والحياة بالفن وعرف كيف يصور فيلما يفجر الحياة من زلزال وينبت الحب من نظرة في مقبرة.  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب مغربي                عمر علوي ناسنا* ستبقى رقصة غامضة، ملتبسة، مرعبة في عمقها الساحر، تلك الرقصة التي تشتعل بين الحياة والفن، لتصدح من إيقاع رقصتهما أسئلة الحدود والتداخل، الاتصال والانفصال. في ذلك اللقاء المحتدم الدامي وفي ذلك الانفصال المريع، في التشابك الذي يصل حد التماهي وفي الانفصال الذي يتجاوز حدود الخصام، في هذه المسافات اتصالا وانفصالا يولد المخرج الحقيقي، المخرج الذي يعرف كيف يخرج الميت من الحي وكيف يخرج الحي من الميت، الألوهية ممكنة في حرب الفن وسلامه وفي سلام الحياة وحربها. للزلازل أسبابها الطبيعية لكن لها ايضا بواعثها الثقافية والفنية والوجودية والسينما هي أحد تلك البواعث، المخرج هو أحد اسباب وقوع الزلازل حين يكون مخرجا حقيقيا. السينما لا يصنعها السلام القاتل، ولا الحياة الرخوة التي تفوح منها رائحة الموت الذي لا حماس فيه. في يوم ذي مسغبة فنية ولدت في إيران بذرة زلزال عرفت كيف تشق طريقها بذكاء في تجاويف الجسد الإيراني، بذرة ستحمل إسم عباس كيارستمي، المخرج الذي عرف عبر سيرته السينمائية الخلاقة كيف يعرض فيلمه على شاشتين شاشة خارجية تتسع للوجود وشاشة داخلية هي فيك بكل أبعادها الخرافية، مخرج  يعرف كيف يقف في المنتصف بين الشاشتين، ينصت للتجاوب الموسيقي بينهما، ينصت للأصوات التي يحدثها ارتطام الصورة بعظامك ولنقر المشاهد على أوتار أعصابك، يرفض أن يفرق بين السينما والحياة يدعو لحفلة جنس جماعي لا يقربها الطاهرون ودعاة الحدود. في فيلمه عبر أشجار الزيتون يصر كيارستمي على أن يجعله زلزالا حقيقا يهدم كل شيء، يهدم الحدود بين الحياة والفن ويهدم الحدود بين الإنسان وأسئلته، ويفجر العلاقات بين الخارج والداخل، يقف المخرج أمام ركام من اللبنات والطوب، أمام بقايا الحياة والعمران والإنسان ويطرح سؤال البناء من جديد، سؤال الحياة الذي يولد بعد الكارثة، مسلحا بفلسفة لم تبرحه يوما هي فلسفة عمر الخيام الذي يقرأ دائما بذرة الحياة في التماس المريع والاقتراب الحارق من الموت. يبدأ الفيلم بمشهد طرفين يولي كل واحد منهما ظهره للآخر الممثل الذي يؤدي دور المخرج وخلفه جماعة من الفتيات رشحن أنفسهن للقيام بدور الفتاة طاهرة، أول مشهد إذن هو بين ما ينتمي لمفردات الحياة وبين ما ينتمي لفضاء الفن. أثناء أخذ أسماء المرشحات نقف أمام تقابل آخر بين طرفين طرف الجماعة التي يعطي كل فرد فيها اسمه دون سؤال وبين فتاة تطرح بمفردها اعتراضا في صيغة سؤال حول إن كان الفيلم سيعرض أم لا؟ جماعة الفتيات يقبلن التصوير الفتاة وحدها تحتفظ بسؤالها بصيغة حارقة إذا كنت ستصور فينبغي أن يعرض، وإذا عرض ينبغي أن نشاهده، وهذه أول إشارة إلى كادر الفن الذي لا يستع للحياة، الحياة المقصية في هذا المجال الجغرافي، هذه الفكرة البذرة هي التي سيبنى عليها الفيلم ذكاءه الفني ماذا يظهر في الكادر وماذا يغيب عنه؟ ما الذي نراه وما الذي لا نراه؟ وما الذي نراه فقط بسماعه وما الذي نسمعه فقط برؤيته، تختلط الحواس في كيمياء فنية تتبادل فيها العين والأذن الأدوار. مع عباس كيارستمي ينبغي أن تتعلم كيف تفقأ العين لتبحث كيف يمكن أن نرى في العتمة، وتقطع اللسان لتختبر اللغة التي تبدأ من الحلق في اتجاه الأحشاء. في جدل ما ينتمي للحياة وما ينتمي للفن ينشأ صراع وجدال ورقص يشتغل عليه كيارستمي في أكثر من سياق ويمكننا أن نقف على ذلك من خلال كثير من الوضعيات، فالفتاة المقترحة للدور تجلب فستانا من اختيارها، فستانا تحب هي أن ترتديه، وهو ما سيكون موضوع اعتراض من قبل السيدة المكلفة بكثير من تفاصيل العلاقة مع الكاستينغ ومفردات المشاهد حيث تحاول أن تقنعها أن المطلوب هو لباس امرأة قروية، وهنا تقترح الفتاة إمكانية تعديل الفستان، إنه بداية الصراع بين نصين ، نص الحياة والنص القالبي الذي يقترحه الفن،صراع بين نص سيناريو جاهز يفرض على المجتمع الإيراني بكل تفاصيله السياسية والدينية والثقافية،وبين روح الإنسان وبساطته وهويته في حربه مع جبروت بنية قالبية جاهزة. تقول السيدة المكلفة  بغضب: " أن أقول لها أن تغير الفستان وهي  تتحدث عن رتوشات". تدافع الفتاة عن سلطة وبلاغة الواقع ومتغيرات اللحظة بعبارة : لم يعد أحد يلبس ذلك على أيامنا، إنها عبارة تحملها الروح الإيرانية التي تريد أن يعانق الإنسان لحظته دون أن يكون مضطرا لأن يلبس أجداده، أن يرتدي حاضره وغده بدل أن يلبس جثث ماضيه، هنا تجابهها السيدة المكلفة بعبارة تحمل كل عنت وجبروت السلطة والمرجعية القاتلة: الفستان يناسبك ولكنه لا يناسبنا، الحوار صيغ بذكاء بين ما يعود على الجماعة "نحن" المحتمية بالقداسة والمرجعية وبين ما يعود على الفرد "أنت"، مرة أخرى يقول كيارستمي فكرته بهدوء وذكاء ودون مباشرية وصراخ. الواقعة الثانية هي واقعة الأطفال الذين يقدمون ورودا لكي يتم توظيفها في المشاهد فتعترض السيدة المكلفة على أنها يابسة وجافة فيخبرها الطفل : ليس هناك غيرها، مرة أخرى مواجهة بين متطلبات فنية ثابتة وبين بلاغة الواقع، الفن يحاول أن يشق طريقه لكن بلاغة الواقع يمثلها أيضا ركام الطوب الذي تجده سيارة السيدة المكلفة وسوف يدور حوار بين سياقين سياق الحياة وسلطتها وسياق الفن وهنا ينجز كيارستمي وضعية خلاقة جدا عندما يركز على الشاب الذي سيلعب دوره مع الفتاة والذي اندمج في دوره كممثل وهو يتصرف على أساسه خارج الكادر وخارج المشهد حتى أنه لا يلتفت للسيدة وهي تطلب توجيها لمعرفة طريقها مما سيحملها على أن تسخر منه عندما يسألها لماذا لم تسأله عن المسار وهو من أهل القرية فتخبره بأنه الآن ممثل ولم يعد بناء ، هذه السخرية تزيد من حدة العلاقة وتوترها بين سياق الحياة وسياق الفن. الحياة تعترض طريق الفن، الفن الذي لا يعرف كيف يحاورها مثال هنا بوضعية البنائين ومثال آخر بالفتاة التي لا تتكلم بسبب وجود الفتى. في سياق التصادم بين لغتين ترفض الفتاة أن تمتثل للسيناريو الذي يفرض عليها أن تنطق بعبارة السيد حسين لكنها تستعمل فقط  صيغة حسين وينتهي المشهد الذي تمت إعادته مرات كثيرة بإذعان المخرج لسلطة السيناريو الذي لك يكتبه ، سيناريو الحياة الذي سيشرحه له الشاب مخبرا إياه بأنه في القرية لا يتم التخاطب بتلك الصيغ وبأن ذلك ليس نشازا ولن يبدو المشهد مفتعلا. عملية الإعادة المتكررة تشتغل على فكرة بسيطة وعميقة في آن واحد، الإعادة ليس سببها عدم اتقان التمثيل، الإعادة سببها التمثيل، التمثيل الذي يزيد من فداحة المسافة بين الفن والحياة، وهي فرصة كيارستمي ليطرح مفهومه للواقعية التي تعني بناء رقصة ناجحة بين الحياة والفن حيث لا يمكن الرقص إلا بجسدين حقيقين جسد الفن وجسد الحياة. خلال مسار الفيلم سيركز كيارستمي على سحرية العلاقة بين ما يظهر في الكادر وبين الصوت الخلفي وبين ما نراه وما يقع خارج الكادر ويصلنا بالصوت، اللحظات الحميمية المتصلة بالحياة هي إما تقع خارج الكادر أثناء التصوير أو تقع داخله عندما يقع يتوقف التصوير. في سياق آخر نرى في الكادر الشاب وهو ينظر للفتاة وهي تقرأ  ولكن خارج الكادر نسمع حوارا حول تفاصيل فنية للمشهد وهنا تحديا يفجر كيارستمي قصيدته الفنية الخلاقة فالمشهد كما يقترحه السيناريو يفرض على الشاب أن يطلب من الفتاة الاهتمام بكل تفاصيله ويلومها على تقصيرها كزوجة بخصوص مكان جواربه لكن المشهد الذي نراه يخبرها الشاب بأنه لا يوافق على ما سيقوله لها في المشهد وأن ما يهمه هو سعادتها وسوف يساعدها كي تكمل دراستها وتكون امرأة حرة في هذه اللحظة المشرقة بينهما حيث يسألها هل قلبك معي منتظرا جوابها الذي يعني الحياة يبدأ تصوير المشهد ليبدأ مسار مالا يريده، الحياة تختبئ وتحاول أن تتنفس في لحظة انشغال الفن بإعداد وسائله. سيختار كيارستامي بذكاء  أن يمرر كثيرا من الرسائل عبر أشجار الزيتون فالمخرج الذي يوقف التصوير قائلا لننتظر هناك غيوم تحجب الشمس هي الفرصة المناسبة التي في سياقها سيجد الشاب فرصة لمكاشفة الفتاة ولنا أن نفهم هنا الغيوم الكثيفة التي تلبدت بها سماء إيران سياسة وثقافة ودينا من وجهة نظر كيارستمي. الحب كثقافة انتصار يجري الاشتغال عليه في الفيلم في أكثر من سياق، ففي سياق سيناريو الفيلم يتحدث الشاب عن أن الزواج وقع في اليوم الموالي للزلزال مع أنه سقط من أقاربه عدد كبير من الضحايا وفي السيناريو الذي تكتبه لغة الحياة في حربها على سيناريو الفيلم يتحدث الشاب عن أن بداية حبه هي نظرة من الفتاة في المقبرة، هذا الربط الذكي بين حدث الزلزال والزواج وبين الحب ونظرة الفتاة في المقبرة هو اللغة الخفية للفيلم ورسالته العميقة التي تمحو الحدود وهنا يطرح المخرج كيارستمي بدائله دون ادعاء ودون مباشرية فجة من خلال بناء يريد أن يبني في الفيلم ويبني في الحياة لأنه يملك القدرة الوحيدة التي تنتصر للحياة قدرة البناء من خلال صراعه مع جدة الفتاة التي ترفضه والتي يساويها بالأغنياء وأصحاب المصانع طالبا من الفتاة أن تنصت للحب والتفهم والذكاء والعلم ممثلا في سيرة المخرج الذي درس في طهران وأقنعه بأن الذين ماتوا لم يكونوا يعرفون ذلك لذلك ينبغي الحرص على البناء كلغة حياة بدل ثقافة الموت، لذلك يقول للفتاة لسنا أقل من ىلآخرين سنبني بيوتا مثلما فعلوا. في المشاهد الأخيرة يحرص كيارستمي على أن يبدع أكثر من خلال المخرج الذي انتهى به الأمر إلى أن يهتم بالسيناريو الذي لم يكتبه ، السيناريو الذي ينكتب أمامه مشهدا مشهدا فيزلزل  السيناريو المعد سلفا، فعندما تنصرف الفتاة يفهم المخرج كل شيء حكاية الحياة التي لايستطيع السيناريو القالبي أن يسجنها أو يستوعبها فيتآمر مع الحياة ويوحي للشاب بأن يتعقب الفتاة التي ذهبت لوحدها لتسلط طريقا مختصرا بعد غرق الفريق في تفاصيل وحيثيات النقل، وكأن الرسالة هي نحن نختصم في الفن اذهب وتصالح في الحياة، ثم يراقبه وهو يتبعها. لكن الفتاة لا تجيبه على أي من دفاعاته عن الحب والحياة والتمرد على وصاية الأجيال والماضي، وهنا وفي سياق يأس جارح ينظر الشاب نظرة  مغتصب متوثب، اغتصاب استوعبته العينان، اغتصاب المحب الذي تدفعه تراجيديا التناقضات ليتساوى عنده الاغتصاب بالمدى المتفجر للحب الذي لا يجد أرضا ينبت فيها. وفي الطريق المتعرج وسط مساحة خضراء لا يظهر للمشاهد سوى نقطتين ببياض دال نقطتان صغيرتان يتعقب المشاهد حركتهما فهو معني بهما وبمسارهما، وفي لحظة فارقة يعود الشاب في اتجاه المخرج يعود وكأنها دلالة على تراجيديا انتصار البنيات القالبية على الحياة. مرة أخرى نحتاج مخرجين يثق فيهم الجنون، ويثق أنهم لن يبيعوه في سوق العقل. نحتاج مخرجا مثل عباس كيارستمي  الذي فجر الحدود بين الفن والحياة وفجر المشاهد والدلالات، فجر الفن بالحياة والحياة بالفن وعرف كيف يصور فيلما يفجر الحياة من زلزال وينبت الحب من نظرة في مقبرة.  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب مغربي               عمر علوي ناسنا* ستبقى رقصة غامضة، ملتبسة، مرعبة في عمقها الساحر، تلك الرقصة التي تشتعل بين الحياة والفن، لتصدح من إيقاع رقصتهما أسئلة الحدود والتداخل، الاتصال والانفصال. في ذلك اللقاء المحتدم الدامي وفي ذلك الانفصال المريع، في التشابك الذي يصل حد التماهي وفي الانفصال الذي يتجاوز حدود الخصام، في هذه المسافات اتصالا وانفصالا يولد المخرج الحقيقي، المخرج الذي يعرف كيف يخرج الميت من الحي وكيف يخرج الحي من الميت، الألوهية ممكنة في حرب الفن وسلامه وفي سلام الحياة وحربها. للزلازل أسبابها الطبيعية لكن لها ايضا بواعثها الثقافية والفنية والوجودية والسينما هي أحد تلك البواعث، المخرج هو أحد اسباب وقوع الزلازل حين يكون مخرجا حقيقيا. السينما لا يصنعها السلام القاتل، ولا الحياة الرخوة التي تفوح منها رائحة الموت الذي لا حماس فيه. في يوم ذي مسغبة فنية ولدت في إيران بذرة زلزال عرفت كيف تشق طريقها بذكاء في تجاويف الجسد الإيراني، بذرة ستحمل إسم عباس كيارستمي، المخرج الذي عرف عبر سيرته السينمائية الخلاقة كيف يعرض فيلمه على شاشتين شاشة خارجية تتسع للوجود وشاشة داخلية هي فيك بكل أبعادها الخرافية، مخرج  يعرف كيف يقف في المنتصف بين الشاشتين، ينصت للتجاوب الموسيقي بينهما، ينصت للأصوات التي يحدثها ارتطام الصورة بعظامك ولنقر المشاهد على أوتار أعصابك، يرفض أن يفرق بين السينما والحياة يدعو لحفلة جنس جماعي لا يقربها الطاهرون ودعاة الحدود. في فيلمه عبر أشجار الزيتون يصر كيارستمي على أن يجعله زلزالا حقيقا يهدم كل شيء، يهدم الحدود بين الحياة والفن ويهدم الحدود بين الإنسان وأسئلته، ويفجر العلاقات بين الخارج والداخل، يقف المخرج أمام ركام من اللبنات والطوب، أمام بقايا الحياة والعمران والإنسان ويطرح سؤال البناء من جديد، سؤال الحياة الذي يولد بعد الكارثة، مسلحا بفلسفة لم تبرحه يوما هي فلسفة عمر الخيام الذي يقرأ دائما بذرة الحياة في التماس المريع والاقتراب الحارق من الموت. يبدأ الفيلم بمشهد طرفين يولي كل واحد منهما ظهره للآخر الممثل الذي يؤدي دور المخرج وخلفه جماعة من الفتيات رشحن أنفسهن للقيام بدور الفتاة طاهرة، أول مشهد إذن هو بين ما ينتمي لمفردات الحياة وبين ما ينتمي لفضاء الفن. أثناء أخذ أسماء المرشحات نقف أمام تقابل آخر بين طرفين طرف الجماعة التي يعطي كل فرد فيها اسمه دون سؤال وبين فتاة تطرح بمفردها اعتراضا في صيغة سؤال حول إن كان الفيلم سيعرض أم لا؟ جماعة الفتيات يقبلن التصوير الفتاة وحدها تحتفظ بسؤالها بصيغة حارقة إذا كنت ستصور فينبغي أن يعرض، وإذا عرض ينبغي أن نشاهده، وهذه أول إشارة إلى كادر الفن الذي لا يستع للحياة، الحياة المقصية في هذا المجال الجغرافي، هذه الفكرة البذرة هي التي سيبنى عليها الفيلم ذكاءه الفني ماذا يظهر في الكادر وماذا يغيب عنه؟ ما الذي نراه وما الذي لا نراه؟ وما الذي نراه فقط بسماعه وما الذي نسمعه فقط برؤيته، تختلط الحواس في كيمياء فنية تتبادل فيها العين والأذن الأدوار. مع عباس كيارستمي ينبغي أن تتعلم كيف تفقأ العين لتبحث كيف يمكن أن نرى في العتمة، وتقطع اللسان لتختبر اللغة التي تبدأ من الحلق في اتجاه الأحشاء. في جدل ما ينتمي للحياة وما ينتمي للفن ينشأ صراع وجدال ورقص يشتغل عليه كيارستمي في أكثر من سياق ويمكننا أن نقف على ذلك من خلال كثير من الوضعيات، فالفتاة المقترحة للدور تجلب فستانا من اختيارها، فستانا تحب هي أن ترتديه، وهو ما سيكون موضوع اعتراض من قبل السيدة المكلفة بكثير من تفاصيل العلاقة مع الكاستينغ ومفردات المشاهد حيث تحاول أن تقنعها أن المطلوب هو لباس امرأة قروية، وهنا تقترح الفتاة إمكانية تعديل الفستان، إنه بداية الصراع بين نصين ، نص الحياة والنص القالبي الذي يقترحه الفن،صراع بين نص سيناريو جاهز يفرض على المجتمع الإيراني بكل تفاصيله السياسية والدينية والثقافية،وبين روح الإنسان وبساطته وهويته في حربه مع جبروت بنية قالبية جاهزة. تقول السيدة المكلفة  بغضب: " أن أقول لها أن تغير الفستان وهي  تتحدث عن رتوشات". تدافع الفتاة عن سلطة وبلاغة الواقع ومتغيرات اللحظة بعبارة : لم يعد أحد يلبس ذلك على أيامنا، إنها عبارة تحملها الروح الإيرانية التي تريد أن يعانق الإنسان لحظته دون أن يكون مضطرا لأن يلبس أجداده، أن يرتدي حاضره وغده بدل أن يلبس جثث ماضيه، هنا تجابهها السيدة المكلفة بعبارة تحمل كل عنت وجبروت السلطة والمرجعية القاتلة: الفستان يناسبك ولكنه لا يناسبنا، الحوار صيغ بذكاء بين ما يعود على الجماعة "نحن" المحتمية بالقداسة والمرجعية وبين ما يعود على الفرد "أنت"، مرة أخرى يقول كيارستمي فكرته بهدوء وذكاء ودون مباشرية وصراخ. الواقعة الثانية هي واقعة الأطفال الذين يقدمون ورودا لكي يتم توظيفها في المشاهد فتعترض السيدة المكلفة على أنها يابسة وجافة فيخبرها الطفل : ليس هناك غيرها، مرة أخرى مواجهة بين متطلبات فنية ثابتة وبين بلاغة الواقع، الفن يحاول أن يشق طريقه لكن بلاغة الواقع يمثلها أيضا ركام الطوب الذي تجده سيارة السيدة المكلفة وسوف يدور حوار بين سياقين سياق الحياة وسلطتها وسياق الفن وهنا ينجز كيارستمي وضعية خلاقة جدا عندما يركز على الشاب الذي سيلعب دوره مع الفتاة والذي اندمج في دوره كممثل وهو يتصرف على أساسه خارج الكادر وخارج المشهد حتى أنه لا يلتفت للسيدة وهي تطلب توجيها لمعرفة طريقها مما سيحملها على أن تسخر منه عندما يسألها لماذا لم تسأله عن المسار وهو من أهل القرية فتخبره بأنه الآن ممثل ولم يعد بناء ، هذه السخرية تزيد من حدة العلاقة وتوترها بين سياق الحياة وسياق الفن. الحياة تعترض طريق الفن، الفن الذي لا يعرف كيف يحاورها مثال هنا بوضعية البنائين ومثال آخر بالفتاة التي لا تتكلم بسبب وجود الفتى. في سياق التصادم بين لغتين ترفض الفتاة أن تمتثل للسيناريو الذي يفرض عليها أن تنطق بعبارة السيد حسين لكنها تستعمل فقط  صيغة حسين وينتهي المشهد الذي تمت إعادته مرات كثيرة بإذعان المخرج لسلطة السيناريو الذي لك يكتبه ، سيناريو الحياة الذي سيشرحه له الشاب مخبرا إياه بأنه في القرية لا يتم التخاطب بتلك الصيغ وبأن ذلك ليس نشازا ولن يبدو المشهد مفتعلا. عملية الإعادة المتكررة تشتغل على فكرة بسيطة وعميقة في آن واحد، الإعادة ليس سببها عدم اتقان التمثيل، الإعادة سببها التمثيل، التمثيل الذي يزيد من فداحة المسافة بين الفن والحياة، وهي فرصة كيارستمي ليطرح مفهومه للواقعية التي تعني بناء رقصة ناجحة بين الحياة والفن حيث لا يمكن الرقص إلا بجسدين حقيقين جسد الفن وجسد الحياة. خلال مسار الفيلم سيركز كيارستمي على سحرية العلاقة بين ما يظهر في الكادر وبين الصوت الخلفي وبين ما نراه وما يقع خارج الكادر ويصلنا بالصوت، اللحظات الحميمية المتصلة بالحياة هي إما تقع خارج الكادر أثناء التصوير أو تقع داخله عندما يقع يتوقف التصوير. في سياق آخر نرى في الكادر الشاب وهو ينظر للفتاة وهي تقرأ  ولكن خارج الكادر نسمع حوارا حول تفاصيل فنية للمشهد وهنا تحديا يفجر كيارستمي قصيدته الفنية الخلاقة فالمشهد كما يقترحه السيناريو يفرض على الشاب أن يطلب من الفتاة الاهتمام بكل تفاصيله ويلومها على تقصيرها كزوجة بخصوص مكان جواربه لكن المشهد الذي نراه يخبرها الشاب بأنه لا يوافق على ما سيقوله لها في المشهد وأن ما يهمه هو سعادتها وسوف يساعدها كي تكمل دراستها وتكون امرأة حرة في هذه اللحظة المشرقة بينهما حيث يسألها هل قلبك معي منتظرا جوابها الذي يعني الحياة يبدأ تصوير المشهد ليبدأ مسار مالا يريده، الحياة تختبئ وتحاول أن تتنفس في لحظة انشغال الفن بإعداد وسائله. سيختار كيارستامي بذكاء  أن يمرر كثيرا من الرسائل عبر أشجار الزيتون فالمخرج الذي يوقف التصوير قائلا لننتظر هناك غيوم تحجب الشمس هي الفرصة المناسبة التي في سياقها سيجد الشاب فرصة لمكاشفة الفتاة ولنا أن نفهم هنا الغيوم الكثيفة التي تلبدت بها سماء إيران سياسة وثقافة ودينا من وجهة نظر كيارستمي. الحب كثقافة انتصار يجري الاشتغال عليه في الفيلم في أكثر من سياق، ففي سياق سيناريو الفيلم يتحدث الشاب عن أن الزواج وقع في اليوم الموالي للزلزال مع أنه سقط من أقاربه عدد كبير من الضحايا وفي السيناريو الذي تكتبه لغة الحياة في حربها على سيناريو الفيلم يتحدث الشاب عن أن بداية حبه هي نظرة من الفتاة في المقبرة، هذا الربط الذكي بين حدث الزلزال والزواج وبين الحب ونظرة الفتاة في المقبرة هو اللغة الخفية للفيلم ورسالته العميقة التي تمحو الحدود وهنا يطرح المخرج كيارستمي بدائله دون ادعاء ودون مباشرية فجة من خلال بناء يريد أن يبني في الفيلم ويبني في الحياة لأنه يملك القدرة الوحيدة التي تنتصر للحياة قدرة البناء من خلال صراعه مع جدة الفتاة التي ترفضه والتي يساويها بالأغنياء وأصحاب المصانع طالبا من الفتاة أن تنصت للحب والتفهم والذكاء والعلم ممثلا في سيرة المخرج الذي درس في طهران وأقنعه بأن الذين ماتوا لم يكونوا يعرفون ذلك لذلك ينبغي الحرص على البناء كلغة حياة بدل ثقافة الموت، لذلك يقول للفتاة لسنا أقل من ىلآخرين سنبني بيوتا مثلما فعلوا. في المشاهد الأخيرة يحرص كيارستمي على أن يبدع أكثر من خلال المخرج الذي انتهى به الأمر إلى أن يهتم بالسيناريو الذي لم يكتبه ، السيناريو الذي ينكتب أمامه مشهدا مشهدا فيزلزل  السيناريو المعد سلفا، فعندما تنصرف الفتاة يفهم المخرج كل شيء حكاية الحياة التي لايستطيع السيناريو القالبي أن يسجنها أو يستوعبها فيتآمر مع الحياة ويوحي للشاب بأن يتعقب الفتاة التي ذهبت لوحدها لتسلط طريقا مختصرا بعد غرق الفريق في تفاصيل وحيثيات النقل، وكأن الرسالة هي نحن نختصم في الفن اذهب وتصالح في الحياة، ثم يراقبه وهو يتبعها. لكن الفتاة لا تجيبه على أي من دفاعاته عن الحب والحياة والتمرد على وصاية الأجيال والماضي، وهنا وفي سياق يأس جارح ينظر الشاب نظرة  مغتصب متوثب، اغتصاب استوعبته العينان، اغتصاب المحب الذي تدفعه تراجيديا التناقضات ليتساوى عنده الاغتصاب بالمدى المتفجر للحب الذي لا يجد أرضا ينبت فيها. وفي الطريق المتعرج وسط مساحة خضراء لا يظهر للمشاهد سوى نقطتين ببياض دال نقطتان صغيرتان يتعقب المشاهد حركتهما فهو معني بهما وبمسارهما، وفي لحظة فارقة يعود الشاب في اتجاه المخرج يعود وكأنها دلالة على تراجيديا انتصار البنيات القالبية على الحياة. مرة أخرى نحتاج مخرجين يثق فيهم الجنون، ويثق أنهم لن يبيعوه في سوق العقل. نحتاج مخرجا مثل عباس كيارستمي  الذي فجر الحدود بين الفن والحياة وفجر المشاهد والدلالات، فجر الفن بالحياة والحياة بالفن وعرف كيف يصور فيلما يفجر الحياة من زلزال وينبت الحب من نظرة في مقبرة.  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب مغربي                عمر علوي ناسنا* ستبقى رقصة غامضة، ملتبسة، مرعبة في عمقها الساحر، تلك الرقصة التي تشتعل بين الحياة والفن، لتصدح من إيقاع رقصتهما أسئلة الحدود والتداخل، الاتصال والانفصال. في ذلك اللقاء المحتدم الدامي وفي ذلك الانفصال المريع، في التشابك الذي يصل حد التماهي وفي الانفصال الذي يتجاوز حدود الخصام، في هذه المسافات اتصالا وانفصالا يولد المخرج الحقيقي، المخرج الذي يعرف كيف يخرج الميت من الحي وكيف يخرج الحي من الميت، الألوهية ممكنة في حرب الفن وسلامه وفي سلام الحياة وحربها. للزلازل أسبابها الطبيعية لكن لها ايضا بواعثها الثقافية والفنية والوجودية والسينما هي أحد تلك البواعث، المخرج هو أحد اسباب وقوع الزلازل حين يكون مخرجا حقيقيا. السينما لا يصنعها السلام القاتل، ولا الحياة الرخوة التي تفوح منها رائحة الموت الذي لا حماس فيه. في يوم ذي مسغبة فنية ولدت في إيران بذرة زلزال عرفت كيف تشق طريقها بذكاء في تجاويف الجسد الإيراني، بذرة ستحمل إسم عباس كيارستمي، المخرج الذي عرف عبر سيرته السينمائية الخلاقة كيف يعرض فيلمه على شاشتين شاشة خارجية تتسع للوجود وشاشة داخلية هي فيك بكل أبعادها الخرافية، مخرج  يعرف كيف يقف في المنتصف بين الشاشتين، ينصت للتجاوب الموسيقي بينهما، ينصت للأصوات التي يحدثها ارتطام الصورة بعظامك ولنقر المشاهد على أوتار أعصابك، يرفض أن يفرق بين السينما والحياة يدعو لحفلة جنس جماعي لا يقربها الطاهرون ودعاة الحدود. في فيلمه عبر أشجار الزيتون يصر كيارستمي على أن يجعله زلزالا حقيقا يهدم كل شيء، يهدم الحدود بين الحياة والفن ويهدم الحدود بين الإنسان وأسئلته، ويفجر العلاقات بين الخارج والداخل، يقف المخرج أمام ركام من اللبنات والطوب، أمام بقايا الحياة والعمران والإنسان ويطرح سؤال البناء من جديد، سؤال الحياة الذي يولد بعد الكارثة، مسلحا بفلسفة لم تبرحه يوما هي فلسفة عمر الخيام الذي يقرأ دائما بذرة الحياة في التماس المريع والاقتراب الحارق من الموت. يبدأ الفيلم بمشهد طرفين يولي كل واحد منهما ظهره للآخر الممثل الذي يؤدي دور المخرج وخلفه جماعة من الفتيات رشحن أنفسهن للقيام بدور الفتاة طاهرة، أول مشهد إذن هو بين ما ينتمي لمفردات الحياة وبين ما ينتمي لفضاء الفن. أثناء أخذ أسماء المرشحات نقف أمام تقابل آخر بين طرفين طرف الجماعة التي يعطي كل فرد فيها اسمه دون سؤال وبين فتاة تطرح بمفردها اعتراضا في صيغة سؤال حول إن كان الفيلم سيعرض أم لا؟ جماعة الفتيات يقبلن التصوير الفتاة وحدها تحتفظ بسؤالها بصيغة حارقة إذا كنت ستصور فينبغي أن يعرض، وإذا عرض ينبغي أن نشاهده، وهذه أول إشارة إلى كادر الفن الذي لا يستع للحياة، الحياة المقصية في هذا المجال الجغرافي، هذه الفكرة البذرة هي التي سيبنى عليها الفيلم ذكاءه الفني ماذا يظهر في الكادر وماذا يغيب عنه؟ ما الذي نراه وما الذي لا نراه؟ وما الذي نراه فقط بسماعه وما الذي نسمعه فقط برؤيته، تختلط الحواس في كيمياء فنية تتبادل فيها العين والأذن الأدوار. مع عباس كيارستمي ينبغي أن تتعلم كيف تفقأ العين لتبحث كيف يمكن أن نرى في العتمة، وتقطع اللسان لتختبر اللغة التي تبدأ من الحلق في اتجاه الأحشاء. في جدل ما ينتمي للحياة وما ينتمي للفن ينشأ صراع وجدال ورقص يشتغل عليه كيارستمي في أكثر من سياق ويمكننا أن نقف على ذلك من خلال كثير من الوضعيات، فالفتاة المقترحة للدور تجلب فستانا من اختيارها، فستانا تحب هي أن ترتديه، وهو ما سيكون موضوع اعتراض من قبل السيدة المكلفة بكثير من تفاصيل العلاقة مع الكاستينغ ومفردات المشاهد حيث تحاول أن تقنعها أن المطلوب هو لباس امرأة قروية، وهنا تقترح الفتاة إمكانية تعديل الفستان، إنه بداية الصراع بين نصين ، نص الحياة والنص القالبي الذي يقترحه الفن،صراع بين نص سيناريو جاهز يفرض على المجتمع الإيراني بكل تفاصيله السياسية والدينية والثقافية،وبين روح الإنسان وبساطته وهويته في حربه مع جبروت بنية قالبية جاهزة. تقول السيدة المكلفة  بغضب: " أن أقول لها أن تغير الفستان وهي  تتحدث عن رتوشات". تدافع الفتاة عن سلطة وبلاغة الواقع ومتغيرات اللحظة بعبارة : لم يعد أحد يلبس ذلك على أيامنا، إنها عبارة تحملها الروح الإيرانية التي تريد أن يعانق الإنسان لحظته دون أن يكون مضطرا لأن يلبس أجداده، أن يرتدي حاضره وغده بدل أن يلبس جثث ماضيه، هنا تجابهها السيدة المكلفة بعبارة تحمل كل عنت وجبروت السلطة والمرجعية القاتلة: الفستان يناسبك ولكنه لا يناسبنا، الحوار صيغ بذكاء بين ما يعود على الجماعة "نحن" المحتمية بالقداسة والمرجعية وبين ما يعود على الفرد "أنت"، مرة أخرى يقول كيارستمي فكرته بهدوء وذكاء ودون مباشرية وصراخ. الواقعة الثانية هي واقعة الأطفال الذين يقدمون ورودا لكي يتم توظيفها في المشاهد فتعترض السيدة المكلفة على أنها يابسة وجافة فيخبرها الطفل : ليس هناك غيرها، مرة أخرى مواجهة بين متطلبات فنية ثابتة وبين بلاغة الواقع، الفن يحاول أن يشق طريقه لكن بلاغة الواقع يمثلها أيضا ركام الطوب الذي تجده سيارة السيدة المكلفة وسوف يدور حوار بين سياقين سياق الحياة وسلطتها وسياق الفن وهنا ينجز كيارستمي وضعية خلاقة جدا عندما يركز على الشاب الذي سيلعب دوره مع الفتاة والذي اندمج في دوره كممثل وهو يتصرف على أساسه خارج الكادر وخارج المشهد حتى أنه لا يلتفت للسيدة وهي تطلب توجيها لمعرفة طريقها مما سيحملها على أن تسخر منه عندما يسألها لماذا لم تسأله عن المسار وهو من أهل القرية فتخبره بأنه الآن ممثل ولم يعد بناء ، هذه السخرية تزيد من حدة العلاقة وتوترها بين سياق الحياة وسياق الفن. الحياة تعترض طريق الفن، الفن الذي لا يعرف كيف يحاورها مثال هنا بوضعية البنائين ومثال آخر بالفتاة التي لا تتكلم بسبب وجود الفتى. في سياق التصادم بين لغتين ترفض الفتاة أن تمتثل للسيناريو الذي يفرض عليها أن تنطق بعبارة السيد حسين لكنها تستعمل فقط  صيغة حسين وينتهي المشهد الذي تمت إعادته مرات كثيرة بإذعان المخرج لسلطة السيناريو الذي لك يكتبه ، سيناريو الحياة الذي سيشرحه له الشاب مخبرا إياه بأنه في القرية لا يتم التخاطب بتلك الصيغ وبأن ذلك ليس نشازا ولن يبدو المشهد مفتعلا. عملية الإعادة المتكررة تشتغل على فكرة بسيطة وعميقة في آن واحد، الإعادة ليس سببها عدم اتقان التمثيل، الإعادة سببها التمثيل، التمثيل الذي يزيد من فداحة المسافة بين الفن والحياة، وهي فرصة كيارستمي ليطرح مفهومه للواقعية التي تعني بناء رقصة ناجحة بين الحياة والفن حيث لا يمكن الرقص إلا بجسدين حقيقين جسد الفن وجسد الحياة. خلال مسار الفيلم سيركز كيارستمي على سحرية العلاقة بين ما يظهر في الكادر وبين الصوت الخلفي وبين ما نراه وما يقع خارج الكادر ويصلنا بالصوت، اللحظات الحميمية المتصلة بالحياة هي إما تقع خارج الكادر أثناء التصوير أو تقع داخله عندما يقع يتوقف التصوير. في سياق آخر نرى في الكادر الشاب وهو ينظر للفتاة وهي تقرأ  ولكن خارج الكادر نسمع حوارا حول تفاصيل فنية للمشهد وهنا تحديا يفجر كيارستمي قصيدته الفنية الخلاقة فالمشهد كما يقترحه السيناريو يفرض على الشاب أن يطلب من الفتاة الاهتمام بكل تفاصيله ويلومها على تقصيرها كزوجة بخصوص مكان جواربه لكن المشهد الذي نراه يخبرها الشاب بأنه لا يوافق على ما سيقوله لها في المشهد وأن ما يهمه هو سعادتها وسوف يساعدها كي تكمل دراستها وتكون امرأة حرة في هذه اللحظة المشرقة بينهما حيث يسألها هل قلبك معي منتظرا جوابها الذي يعني الحياة يبدأ تصوير المشهد ليبدأ مسار مالا يريده، الحياة تختبئ وتحاول أن تتنفس في لحظة انشغال الفن بإعداد وسائله. سيختار كيارستامي بذكاء  أن يمرر كثيرا من الرسائل عبر أشجار الزيتون فالمخرج الذي يوقف التصوير قائلا لننتظر هناك غيوم تحجب الشمس هي الفرصة المناسبة التي في سياقها سيجد الشاب فرصة لمكاشفة الفتاة ولنا أن نفهم هنا الغيوم الكثيفة التي تلبدت بها سماء إيران سياسة وثقافة ودينا من وجهة نظر كيارستمي. الحب كثقافة انتصار يجري الاشتغال عليه في الفيلم في أكثر من سياق، ففي سياق سيناريو الفيلم يتحدث الشاب عن أن الزواج وقع في اليوم الموالي للزلزال مع أنه سقط من أقاربه عدد كبير من الضحايا وفي السيناريو الذي تكتبه لغة الحياة في حربها على سيناريو الفيلم يتحدث الشاب عن أن بداية حبه هي نظرة من الفتاة في المقبرة، هذا الربط الذكي بين حدث الزلزال والزواج وبين الحب ونظرة الفتاة في المقبرة هو اللغة الخفية للفيلم ورسالته العميقة التي تمحو الحدود وهنا يطرح المخرج كيارستمي بدائله دون ادعاء ودون مباشرية فجة من خلال بناء يريد أن يبني في الفيلم ويبني في الحياة لأنه يملك القدرة الوحيدة التي تنتصر للحياة قدرة البناء من خلال صراعه مع جدة الفتاة التي ترفضه والتي يساويها بالأغنياء وأصحاب المصانع طالبا من الفتاة أن تنصت للحب والتفهم والذكاء والعلم ممثلا في سيرة المخرج الذي درس في طهران وأقنعه بأن الذين ماتوا لم يكونوا يعرفون ذلك لذلك ينبغي الحرص على البناء كلغة حياة بدل ثقافة الموت، لذلك يقول للفتاة لسنا أقل من ىلآخرين سنبني بيوتا مثلما فعلوا. في المشاهد الأخيرة يحرص كيارستمي على أن يبدع أكثر من خلال المخرج الذي انتهى به الأمر إلى أن يهتم بالسيناريو الذي لم يكتبه ، السيناريو الذي ينكتب أمامه مشهدا مشهدا فيزلزل  السيناريو المعد سلفا، فعندما تنصرف الفتاة يفهم المخرج كل شيء حكاية الحياة التي لايستطيع السيناريو القالبي أن يسجنها أو يستوعبها فيتآمر مع الحياة ويوحي للشاب بأن يتعقب الفتاة التي ذهبت لوحدها لتسلط طريقا مختصرا بعد غرق الفريق في تفاصيل وحيثيات النقل، وكأن الرسالة هي نحن نختصم في الفن اذهب وتصالح في الحياة، ثم يراقبه وهو يتبعها. لكن الفتاة لا تجيبه على أي من دفاعاته عن الحب والحياة والتمرد على وصاية الأجيال والماضي، وهنا وفي سياق يأس جارح ينظر الشاب نظرة  مغتصب متوثب، اغتصاب استوعبته العينان، اغتصاب المحب الذي تدفعه تراجيديا التناقضات ليتساوى عنده الاغتصاب بالمدى المتفجر للحب الذي لا يجد أرضا ينبت فيها. وفي الطريق المتعرج وسط مساحة خضراء لا يظهر للمشاهد سوى نقطتين ببياض دال نقطتان صغيرتان يتعقب المشاهد حركتهما فهو معني بهما وبمسارهما، وفي لحظة فارقة يعود الشاب في اتجاه المخرج يعود وكأنها دلالة على تراجيديا انتصار البنيات القالبية على الحياة. مرة أخرى نحتاج مخرجين يثق فيهم الجنون، ويثق أنهم لن يبيعوه في سوق العقل. نحتاج مخرجا مثل عباس كيارستمي  الذي فجر الحدود بين الفن والحياة وفجر المشاهد والدلالات، فجر الفن بالحياة والحياة بالفن وعرف كيف يصور فيلما يفجر الحياة من زلزال وينبت الحب من نظرة في مقبرة.  ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب مغربي          عمر علوي ناسنا* ستبقى رقصة غامضة، ملتبسة، مرعبة في عمقها الساحر، تلك الرقصة التي تشتعل بين الحياة والفن، لتصدح من إيقاع رقصتهما أسئلة الحدود والتداخل، الاتصال والانفصال. في ذلك اللقاء المحتدم الدامي وفي ذلك الانفصال المريع، في التشابك الذي يصل حد التماهي وفي الانفصال الذي يتجاوز حدود الخصام، في هذه المسافات ات

مقالات من نفس القسم