زحام

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 11
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

محمد صلاح العزب

سيارة ميكروباص تصعد مطلع كوبري 6 أكتوبر في آخر البطل أحمد عبد العزيز ببطء شديد بسبب الزحام، معلق عليها من الخلف ورقة مكتوب عليها: “للبيع بجد.. كيا موديل 99 آلات جر تويوتا 2003 رخصة سنة.. المخابرة مع السائق”.

المفروض أن خط سير الميكروباص في السيرفيس كالتالي: (بولاق الدكرور – شارع السودان – شارع جامعة الدول – كوبري 15 مايو – الإسعاف) والعكس، لكن الأسطى ياسر برشامة، وهو راجع في الدور السابق شاهد سيارة نصف نقل مقلوبة على الجانب الآخر في ميدان سفنكس مما أوقف الطريق العائد تماما، فسب الدين ثم قرر أن يأخذ الفردة التالية وهو عائد عن طريق البطل أحمد عبد العزيز ثم كوبري أكتوبر، وربنا يفرجها في نزلة التحرير.

اصطباحة الأسطى ياسر هذا الصباح كانت مضروبة، فسب الدين للولد ناصر الحرامي الذي أعطاه نصف إصبع حشيش مضروب مخلوط بإسبرين وحناء، وقرر أن يتشاجر معه حين يراه في المساء، ثم لام نفسه وقال إن طفلته الرضيعة شهد كانت أولى بهذه النقود ثم قرر أن يشتري لها في المساء علبة لبن “نان 2” من الصيدلية، ثم تذكر زوجته صفاء، فسب لها الدين ولصدرها الذي جف منه اللبن بعد الولادة بشهر ونصف.

فكر ياسر حين رأى السيارات حوله لا تتحرك كأنها في جراج كبير أنه ربما لو أخذ طريقه العادي لكان أفضل، وفكر في شهد التي بدأت الكلام وتقول: با ما با با، فابتسم، ثم كشر، ورفع فرامل اليد، وسب الدين للزحام وسفنكس و6 أكتوبر وللسيارات النصف نقل بوجه خاص وللسيارات كلها بوجه عام.

بجوار الميكروباص تصعد بنفس البطء سيارة ملاكي شيفروليه أوبترا سوداء اشتراها الباشمهندس حسين بالتقسيط على 60 شهرا بزيادة 23 ألف جنيه عن سعرها الحقيقي من بنك NSGB، ورفض المحاسب أن يكتب حرف الميم بجوار اسمه في أوراق البنك لأنه خريج كلية حقوق وليس هندسة، وتحايل حسين على مبلغ التأمين الإجباري ضد الحوادث واختار أقل شريحة تأمينية لا تغطي شيئا تقريبا، وعندما لامته إيناس زوجته قبلها على خدها كما يفعل عندما يريد أن ينهي مناقشة بينهما وقال لها إن الساتر ربنا.

حسين يعيش حياته كلها كباشمهندس حقيقي لدرجة أنه اشترى خوذة ووضعها بشكل ظاهر من الزجاج الخلفي للسيارة، وحين يعرف نفسه لأي شخص لا يعرفه يقول له: الباشمهندس ياسر، وزملاؤه في العمل في سيراميكا كليوباترا لا ينادونه إلا بالباشمهندس لأنه يرسم تصميمات السيراميك.

ركن حسين السيارة منذ أن اشتراها وذهب إلى مدرسة لتعليم القيادة، ونفذ نصيحة زميله الباشمهندس تامر، وتعلم على سيارة مانيوال رغم أن سيارته أوتوماتيك، لأن من يتعلم على مانيوال ستصبح الأتوماتيك بالنسبة له مثل سيارة الملاهي، هكذا قال تامر.

أنهى حسين دورة القيادة، لكن قيادة الأوبترا كانت أصعب بكثير من سيارة الملاهي، فأصبح يقودها بحذر شديد لمدد قصيرة يوميا، تمهيدا لمشوار المرور، ثم تهور أكثر وصار يذهب بها إلى العمل أحيانا، دون حتى أن تكون معه رخصة قيادة، وعندما لامته زوجته إيناس ضربها على مؤخرتها برفق كما يفعل عندما يريد أن يتباهى بنفسه، وقال لها إن ابن خالته ضابط الشرطة سيخرجه من أي مشكلة.

دخل عم عبد الرسول بمقشته وأفروله الأخضر بين الميكروباص والأوبترا وهز المقشة كأنه يكنس الأسفلت، وهو ينظر في عين الباشمهندس حسين الذي نظر إلى الجهة الأخرى متجاهلا نظرات عم عبد الرسول المتوسلة، وعبد الرسول يفكر في جهاز أسماء، لأن أم أسماء تؤنبه يوميا، وأسماء تخبره أنها “تستعر” لأنه “كناس”.

المفروض أن أسماء خرجت من بيتها في بولاق الدكرور وتمشت في شارع ناهيا وصعدت كوبري المشاة المزدحم ونزلت في شارع السودان وركبت الميكروباص الكبير الـ26 راكب (كوبري الخشب – جيزة) الذي ارتفعت أجرته من 75 قرشا إلى جنيه ومن جنيه إلى جنيه وربع بعد مشاجرات طويلة بين الركاب والسائقين انتصر فيها السائقون، لتقف وهو يلف أمام فنون تطبيقية لتقول للسائق: “الباب الرئيسي لو سمحت، وتنزل وتدخل الجامعة وتحضر محاضرة المحاسبة الحكومية التي لا تفهم منها شيئا، ثم تخرج من باب تجارة وتشتري ملزمة المراجعة بـ14 جنيها، كما قالت لأبيها في الليلة السابقة، فترك لها 17 جنيها، 14 للملزمة و2 ونصف للمواصلات و50 قرشا للظروف.

أسماء لم تفعل من هذا سوى أنها خرجت من بيتها في بولاق الدكرور، وتمشت في شارع ناهيا، وقابلت شريف الذي يقف في محل الموبايلات المجاور لبيتها، والذي تعرفت عليه بعد أن ترددت على المحل أكثر من مرة لأنها اكتشفت أنه يبيع كروت الشحن بالسعر الرسمي، ويشحن على الهواء الخمسة بخمسة، ولأنه في المرات الأولى كان حين يشحن لها يسألها: “كام الرقم يا جميل”، فتبتسم رغما عنها، فينظر في عينيها ويبتسم، وفي المرة الثالثة أرسل لها رسالة نصية كتب فيها: “التحية اللي جاية مني دي عشان بس أقولك إنك عسلية يا عسلية”، ثم أرسل لها رصيدا بخمسة جنيهات.

اتصلت أسماء بشريف على تليفون المحل لتشكره على الخمسة جنيهات التي أرسلها لها، ولم تغلق الخط إلا حين انتهت الجنيهات الخمسة، فحاولت الاتصال مرة أخرى فأتاها الصوت الآلي يخاطبها بلهجة المذكر: عفوا، رصيدك الحالي لا يكفي لإتمام المكالمة، برجاء شراء كارت خدش وإعادة المحاولة.. تيت تيت تيت.

ذهبت أسماء إلى شريف في المحل فوجدت معه فتاة أخرى بمفردهما ولم تدر على وجه الدقة هل كان يقبلها أم أنها تخيلت لكنها دخلت ونظرت لشريف نظرة الزوجة المخدوعة ثم جرت وشريف يتابعها بنظراته.

وقفت أسماء في موقف الميكروباصات تبكي غير عابئة بتحرشات لفظية من 3 تباعين وسائق واحد وسبعة مواطنين عاديين حتى رن تليفونها برقم شريف فلم ترد إلا في المرة الخامسة وأخبرته بمكانها فأخبرها أنه “جاي حمامة”.

استدار عبد الرسول فلمح سائق تاكسي بلحية كبيرة، فقال في سره: أعوذ بالله، فهو بكره كل الملتحين بسبب الشيخ طارق جاره الذي يقابله في النزلة والطلعة ويطلب منه بلزوجة تغيير اسمه لأن الرسول لا يعبد من دون الله، ولأن اسم عبد الرسول هو شرك بين، ولأن عم عبد الرسول لم يعتد أن يتشاجر مع أحد فإنه يهز رأسه له بنفس الطريقة كل مرة وينصرف.

اتصلت إيناس بحسين وطلبت منه أن يمر على كارفور وهو راجع وأن يشتري عبوة بامبرز حجم توفير مقاس 4 من أجل شهد لأنها “بتسهل”، وعلبة برسيل جيل لأن عليها عرضا علبة صغيرة مجانا، ومعجون أسنان سنسوداين لأن الأنواع الأخرى “بتسيب ريحة البق وحشة”، وأن يشتري جبنة رومي ولانشون وفلمنك وشيدر ومخلل من أجل الساندوتشات.

لم يتمكن حسن من حفظ كل الأصناف فصرخ في إيناس بأنه ليس “دليفري” وأنه لن يتذكر كل هذا، وأن ترسل ما تريد على “الواتس آب”.

شريف أمسك يد أسماء وأنكر تماما أي علاقة بينه وبين فتاة المحل وعرض عليها أن يذهبا إلى الكورنيش، فسألته عن المحل فأخبرها أنه ترك أخوه واقفا، وسأل شريف شابا وقال له “يا شبح” عن “العربية اللي طالعة”، فأشار له الشبح الذي لم يكن سوى الأسطى ياسر برشامة، فركب شريف وأسماء وبرشامة نظر إلى مؤخرتها وسب الدين للمؤخرات الكبيرة.

عبد الرسول صرف نظره عن السائق الملتحي وخبط على زجاج المهندس حسين وهو يشير إلى فمه بمسكنة بأنه جائع، وحسين يصرفه بيده وبرشامة يراقبه.

شريف وأسماء يجلسان في الكرسي الخلفي وبجوارهما عجوز نائم و3 أطفال، وشريف يحاول أن يقبل أسماء وهي تتمنع وتشير له إلى الناس، فيسب الناس.

عبد الرسول ترك حسين ووقف أمام سائق السيارة المجاورة لأسماء وشريف.. يمد له يده.

إيناس أرسلت رسالة بالطلبات على واتس آب حسبن.

تبّاع سيارة برشامة أخبره بأن السيارة “لبن” في الخلف، وأشار له إلى شريف وأسماء.

شريف يحاول أن يقبل أسماء.

حسين يقرأ الطلبات.

برشامة ينظر إلى شريف وأسماء في المرآة وهو يرفع رجله من على الفرامل ويضغط “سنة” بنزين.

عبد الرسول بجوار أسماء والرجل يمد يده له بجنيه معدني.

برشامة يصدم سيارة حسين.

موبايل حسين يسقط في الدواسة.

عبد الرسول يستدير ليرى الحادث.

شريف يرفع شفتيه من فوق شفتي أسماء.

عبد الرسول وأسماء تلتقي عيناهما وهو يتسول وهي في حضن شريف.

برشامة وحسين ينزلان.

وتبدأ المعركة.

………….

*من المجموعة القصصية “ستوديو ريهام للتصوير” ، ترجمت إلى الإنجليزية فى لندن ضمن “كتاب القاهرة”، الذي يضم عشر قصص ترسم ملامح المدينة.

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون