ريح الجنوب من الرواية إلى الفيلم .

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

كريمة الإبراهيمي

السينما فن قبل كل شيء.إنها لا تقدم متعة فقط بل تسعى إلى تقديم الحقيقة. تسعى إلى  منح مشاهدها أجمل صورها. وحينما تصبح الثقافة السينمائية في المجتمع  تقليدا جماهيريا فاءنه سيفهم دور السينما.سيفهم دورها على أنه توعية وتثقيف و أنها عملية فكرية لا تقل أهمية عن الفنون الأخرى.

إن المهمة الأولى للعمل الإبداعي هي تكسير الحواجز، والمبدع حر منذ البداية وبدون ذلك لا يكون جنون المبدع شكلا مفيدا حين ينبه للأشياء المحيطة به حتى ولو انتقد1.هذا ما قالته المخرجة الجزائرية –حفصة زيناي كوديل- التي ترى أن الانتقال من الكتابة إلى الإخراج حلم.لأنه خلق لشخصيات كانت فوق الورق.ومن هنا فتحويل نص مكتوب إلى نص مرئي يتطلب تقنيات عديدة وعمل مضاعف.

هي الحقيقة التي تخاف السينما من أن تخل بها من خلال تعاملها مع النص الأدبي قصة كان أم رواية.الخوف من أن يفقد النص الأدبي محتواه بعد تحويله من لغة مكتوبة إلى لغة مرئية.

لقد اقتربت السينما من الأدب وخاصة الرواية في جل الآداب.وكان للسينما الجزائرية نصيب في اقترابها من الرواية .ورغم الحصيلة القليلة في هذا الميدان إلا أنها تبقى تجربة غنية، عرفت بالواقع الجزائري ونقلته إلى شريحة أكبر من المشاهدين.

تحاول هذه الدراسة الخوض في موضوع السينما والرواية من خلال البحث عن صورة الرواية الجزائرية على الشاشة الفضية.كيف كانت هذه العلاقة؟هل انبنت على وفاق أم على تصادم؟هل استطاعت السينما الجزائرية أن تبرز وجه المجتمع الجزائري من خلال بعض النماذج المقتبسة إليها؟.وهل وفق – ريح الجنوب- كفيلم مأخوذ عن رواية في ربط العلاقة بين فنين مختلفين؟

والأدب الجزائري في رحلته الطويلة قبل الاستقلال وبعده، احتل مكانة هامة على مستوى الآداب العالمية وليست العربية فقط. تجلى ذلك من خلال النصوص وخاصة الروائية المكتوبة باللغتين الفرنسية والعربية على حد سواء.

لقد شكل الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية نقطة هامة في تاريخ الأدب الجزائري الحديث.فقد اتخذ أولئك الكتاب من لغة المستعمر وسيلة للتعبير ،لكنه لم يفقد روحه الأصلية.فمن-طاوس عمروش-و-جميلة دباش-إلى  –محمد ديب-و–مالك حداد-ومن -مولود فرعون-و–مولود معمري-إلى –كاتب ياسين-و-آسيا جبار-ووصولا إلى الذين كتبوا بعد الاستقلال بالفرنسية كانت رحلة الأدب الجزائري.كما شكلت الأعمال الأدبية المكتوبة بالعربية رصيدا لهذا الأدب أيضا.

وإذا كانت الرواية الجزائرية قد عرفت تطورا ،فاءن السينما الجزائرية كان لها حضورها أيضا  وتأتي في مقدمتها السينما الثورية التي طرحت قضية ثورة التحرير بكل ما فيها من ألم وقوة وقهر وأمل.ولعل اعتراف كبار مخرجي العالم بعظمة السينما الجزائرية لدليل على قيمتها وقيمة ما قدمته.

لقد ولدت السينما الجزائرية أثناء حرب التحرير، ويعود الفضل في ظهور أول عمل وثائقي حول هذه الحرب التحريرية للمخرج الفرنسي الذي التحق بصفوف جبهة التحرير وهو المخرج-رينيه فوتييه-بفيلمه-الجزائر تحترق-.وعام 1957 بدأ العمل السينمائي الجزائري بمجموعة من السينمائيين منهم جمال شندرلي وأحمد راشدي ومحمد لخضر حامينا. ثم توالت الأفلام السينمائية مثل-الليل يخاف من الشمس-لمصطفى بديع عام 1965 وفيلم-ريح الأوراس- للخضر حامينا عام 1966 وفيلم-تحيا ياديدو- لمحمد زينات عام 1971وغيرها من الأفلام .وقد انتعشت السينما الجزائرية في السبعينات والثمانينات بالعديد من الأفلام ، وخاصة الأفلام التي حاولت أن تستمد وجودها من الواقع الجزائري وتصوير أوضاعه سلبا وإيجابا.كما شكلت الأفلام التي قامت على نصوص أدبية علامة مميزة في مسيرة السينما الجزائرية وعلى رأسها-الأفيون والعصاL’opium et le baton  -عن رواية الكاتب-مولود معمري- والمخرج-أحمد راشدي-.

إن السينما الجزائرية ومن خلال الأفلام التي قدمتها ،أبرزت الدور الذي يمكن أن تلعبه السينما عموما كوسيلة اتصال جماهيري.فمنذ انطلاقتها الأولى وفي مرحلة هامة من تاريخ –الجزائر- وهي مرحلة حرب التحرير الوطنية ساهمت السينما الجزائرية في إيصال صورة – الجزائر- الحقيقية إلى العالم أجمع وإظهار صورة –فرنسا- الاستعمارية المزيفة التي  حاولت تقديمها عن  وجودها في بلد كانت تدعي أنها جاءت لتحضره. 

ولم تقف السينما الجزائرية عند الأعمال التي تناولت الثورة ،بل تعدتها إلى موضوعات أخرى تمس المجتمع الجزائري.أي قضايا الجزائر بعد الاستقلال.ومن هذه الأفلام ،-ريح الجنوب-عن رواية للروائي –عبد الحميد بن هدوقة- ومن إخراج –محمد سليم رياض-.

و-عبد الحميد بن هدوقة- كاتب وسيناريست ومهتم بالسينما.وروايته-ريح الجنوب- تعتبر من الروايات الأولى باللغة العربية في الجزائر.

إن فيلم-ريح الجنوب-من الأفلام التي ارتكزت على نص أدبي .ومادة الفيلم هي الأرض والمرأة.هي الأب الإقطاعي-عابد بن القاضي-الذي يقرر التضحية بابنته وتزويجها دون رغبتها من شيخ البلدية-مالك-لأجل الحفاظ على مصالحه بعد صدور قانون الإصلاح الزراعي.والابنة-نفيسة-الرافضة، المتمردة على أعراف القرية .هي الشابة التي حاول المخرج تصويرها كامرأة مثقفة تثور على وضعها وتأبى الانصياع لأوامر والدها الذي قرر عدم عودتها إلى الدراسة بالعاصمة.

وبعد أن تفشل في إقناع والدتها بجدوى التعليم وأمام إصرار والدها على تزويجها اختارت الحل الذي رأته لمشكلتها وهو الهرب والعودة إلى العاصمة مهما كلف الأمر.وأثناء محاولة الهرب متنكرة في زي رجل تصاب رجلها وهناك  يراها الراعي –رابح- ويحملها إلى بيته ليعالجها.وبعدها يقرر بدوره الرحيل معها إلى العاصمة للالتحاق باءحدى التعاونيات الفلاحية.ويتجهان صوب المحطة، ويعلم بأمرهما-ابن القاضي- فيمتطي حصانه ويستل سكينه ويسرع إلى المحطة.وبين الحافلة التي توقفت لتقلهما و-ابن القاضي-مسرعا بفرسه .خطوات فقط جعلته لا يدرك ابنته والراعي ممتطيين الحافلة إلى العاصمة وابتسامة متبادلة بينهما وبها كانت خاتمة الفيلم.

ريح الجنوب..من الكلمة إلى الصورة:

ريح الجنوب رواية تقع في أكثر من 300صفحة.اختصرها المخرج-محمد سليم رياض- في ساعة وخمس وثلاثين دقيقة.

تبدأ الرواية بمشهد الصباح وهو يطلع على القرية بعد ليلة عاصفة.يظهر-ابن القاضي-وابنه الصغير يساعدان-رابح- الراعي بإخراج القطيع من الممر ويتهيآن للتسوق.ثم مشهد ل-نفيسة- تحاور نفسها في مونولوج طويل وتتذكر حياتها في العاصمة.

ثم تتوالى مشاهد للقرية ونشاطها خاصة المتعلق بتدشين مقبرة لشهدائهاواعداد الوليمة بهذه المناسبة.يلي هذا مشهد للأم تخبر-نفيسة-بعدم عودتها إلى الدراسة لأن والدها قرر زواجها .

بعدها مشاهد للراعي وهو يتذكر بيت-ابن القاضي- وإعجابه ب-نفيسة- ثم محاولته تسلق بيتها ووصوله إلى غرفتها دون عناء ووقوفه أمام جسدها العاري وتفكيره في الارتماء عليها ثم تراجعه ووضعه ليده على فمها وانتفاضها مذعورة وهو يهمس لها بأنه الراعي ثم طردها له وعودته خائبا إلى بيته مع الصباح.تلي هذا مشاهد للفتاة وهي تفكر في طريقة للهرب وقرارها ثم إصابتها في الغابة وحمل الراعي لها إلى بيته ومعالجتها ثم قرارهما الهرب معا إلى العاصمة.

الرواية والفيلم:      

فهل حافظ سيناريو الفيلم على ماجاء في الرواية؟

يبدأ الفيلم بمنظر للراعي وقطيعه ثم تظهر –نفيسة- تتحدث عن غضبها من القرية وعودتها إلى الوراء وتذكر حياتها بالعاصمة.ثم مشاهد لبيت –ابن القاضي-واستقبال العجوز –رحمة-من طرف العائلة وحديث عن عقلية القرية المتحجرة كما تراها الفتاة.ثم لقطات لأهل القرية وتدشين المقبرة والاحتفال ببيت-ابن القاضي- ورؤية-مالك- للفتاة التي لم تثره ولم تعده إلى الوراء كما في الرواية لتذكر خطيبته-زليخة-.

بعدها لقطة للأم وابنتها إذ تبلغها بعدم عودتها إلى العاصمة وقرار الفتاة بالعودة مهما كلفها الأمر. يتأزم الأمر فتظهر –نفيسة-قلقة ويظهر الراعي-رابح-يعاني نفس القلق بعد تذكره للاهانة التي تلقاها من –نفيسة-التي وصفته بالكلب ورميه لأمتعة الرعي في النار وقراره بالتوقف عن هذه المهنة.

وللإشارة فمشهد تسلق الراعي لبيت الفتاة ووقوفه أمام جسدها العاري كما في الرواية اختصره المخرج في ثوان تجسدت في لقطة متوسطة تظهره وهو يتأمل النار ويتذكر الجملة التي أسمعته إياها –نفيسة-( يا الراعي الكلب) والمشاهد للفيلم لا يفهم ماحدث إذ أن الحدث كان سريعا والانتقال من اللقطة السابقة إلى هذه اللقطة لم يعبر بشكل جيد عن المشهد الذي صوره الكاتب أثناء الرواية.

ويلي هذا مشاهد للقرية وللراعي وتذمره من حرفة الرعي ومشهد طويل جدا يتعلق بموت العجوز-رحمة- والذي أخذ جل وقت الفيلم.وينتقل المخرج إلى لقطات للفتاة ومرضها ثم قرارها الهرب بعد أن تتأكد من المسافة بين البيت والمحطة وساعة مرور الحافلة من أخيها.ثم تنكرها في زي رجل ومغادرتها البيت وإصابتها في الغابة وإسعاف الراعي لها وحديثها معه عن الدراسة وأهميتها وعن الفلاحة أيضا وبعدها قرارهما الرحيل معا إلى العاصمة.

ثم يظهر –ابن القاضي-وهو يستل السكين ويمتطي الفرس ويلحق بهما وهنا يحدث توازي في اللقطات إذ يظهر الوالد مسرعا على فرسه ومن الجانب الآخر ابنته والراعي يسرعان نحو المحطة لمدة دامت الخمس دقائق وعند وصول الحافلة وتوقفها أمامهما كان –ابن القاضي- خلفهما بالحصان ويمتطيان الحافلة ويحاول اللحاق بهما ويفشل وينتهي الفيلم وهما ينظران إلى بعضهما مبتسمين.وهذا بخلاف الرواية التي أراد فيها الكاتب لأبطاله نهاية أخرى تمثلت في فشل هرب الفتاة وعودتها إلى البيت.

تلقي الفيلم والرواية(تأثير الموسيقى، اللون، الممثل..):

وإذا كان فن السينما يعتمد على اللقطة ، فاءن تصوير ما هو مهم هو الذي يمنح الفيلم قيمته.ومنه فنجاح الفيلم السينمائي يكمن في توجيه الكاميرا أكثر من أي شيء آخر.و-ريح الجنوب- اعتمد لقطات قريبة وكبيرة وأخرى بعيدة ومتوسطة.

والمعلوم أن اللقطة القريبة تبرز ملامح الممثل بوضوح ويكون لها الأثر في تطور أحداث الفيلم، غير أنه وفي اللقطة التي يظهر فيها الراعي وهو يتأمل نافذة-نفيسة- يظهر مباشرة في لقطة تبين ملامحه وهو يتأمل النار تارة ومنزل –ابن القاضي- تارة أخرى.هذه اللقطة القريبة لوجه-رابح-لم تبرز غضبه ومن خلال تقلص عضلات وجهه بدا عاديا وكأن ما وقع له مع الفتاة لم يؤثر فيه والحقيقة هي العكس، فقد ترك مهنة الرعي ثم كان رحيله إلى العاصمة.كما أنه في لقطة ل-نفيسة- تظهر تبرمها وغضبها من قرار والدها فتظهر غاضبة من خلال لقطة قريبة لملامح وجهها المتقلص ثم مباشرة تظهر في الغابة ترتدي برنسا وتحمل حقيبة وكأن هناك قطع في الأحداث وكان يجب أن تفصل اللقطتين لقطة أخرى تبين تفكيرها في كيفية الهرب وقبله التفكير في الانتحار.

كما أن التركيز على أهم الأحداث في الفيلم هو ما يكسبه جماله،وعليه فالمخرج ملزم باختيار أدق وأهم العناصر الدرامية والاستغناء عما لا أهمية له ولعل هذا ما أكده-بودفكن-.

وأن هذه الإمكانية التي تتوفر للسينما، إمكانية إبراز العناصر الهامة وحذف ما لاحاجة إليه،وهي التي تتوقف عليها عملية المونتاج وهي العملية الأساسية في الخلق الفني السينمائي.

وهذا قد افتقده فيلم –ريح الجنوب-حيث ركز مخرجه على عناصر لم يكن لها أي دور في تطور الفيلم أو حتى في تركيبه.فلقد ركز المخرج على أحد العناصر وهو موت العجوز-رحمة- وأطال في تصوير الفيلم مرضها وموتها ونقل جنازتها وحديث النسوة عنها فاستغرق حوالي عشرين دقيقة من وقت رغم أن هذا العنصر لا دور له ويمكن الاستغناء عنه نهائيا دون أن يحدث خلل في الفيلم.

في حين كان إهمال مشهد هام في الفيلم وهو تسلق –رابح-الراعي ودخوله إلى غرفة-نفيسة-وما كان له أثر في تطور أحداث الفيلم.فا لاكتفاء بلقطة للراعي يتذكر فيها جملة-يا الراعي الكلب- لم يسهم في درامية الأحداث والإشارة بجملة لم تكن كافية.إضافة إلى تصوير الأب-ابن القاضي-في لقطات قليلة، في حين أنه شخصية أساسية وهامة في الفيلم، إذ أن دوره وموقفه هو الذي يدفع إلى هرب الفتاة ومنه نهاية الفيلم.

ولعل هذا ما جعل المخرج المجري-ميكلوش يانتشو- صاحب فيلم-تراتيل حمراء- يقول:”قلة منا( يعني المخرجين) أولئك الذين ينجحون  في أن يقولوا بجلاء ما يشاؤون وما يحسون.ومن هنا منشأ الشكل المعقد باءفراط، المفهوم أحيانا من قبل دائرة من الناس محدودة للغاية.طبيعي أن لغة الفن ينبغي ألا تكون بدائية، لكن وضوح القول شرط ضروري لا بد منه لوجود الفن السينمائي كفن جماهيري وديمقراطي”2.فالفن ومنه الفيلم يجب أن يُقدم بطريقة توصيلية للجماهير وهذا يعتمد أساسا على إدارة المخرج للممثلين ومراقبة حركاتهم وأقوالهم أثناء التصوير.

وفيلم –ريح الجنوب- قُدم بلغة مهتزة، إذ بدت في بعض اللقطات وكأنها مقحمة على الفيلم وهذا بعد نقل المقاطع اللغوية كما وردت في الرواية.ففي المشهد الذي جمع- مالك-وصديقه- المعلم يقوم المعلم تاركا –مالك- وهو يردد بالفصحى بعد أن كان الحوار بالعامية:إن نهايات الكلمات نوافذ تشرف على آفاق لا تحد.فالطريقة التي تفوه بها الممثل بهذه الكلمات بدت غير صادقة ومتطفلة جدا وخارجة عن نطاق الحوار.

كما أن لغة البطلة-نفيسة- كانت بعيدة عن جو الفيلم وكأنها تعيش في عالم منفرد.كما بدت متكلفة وهي تقرأ تلك الجملة( في الأوقات الصعبة تبقى لنا حرية الاختيار)فقد بدت وكأنها تحفظ جملة صعُب عليها حفظها وكان يستحسن أن تردد تلك الجملة ترديدا داخليا حتى يكون لها صدى.

ولعل كل ذلك كان بسبب أن السيناريو كتب باللغة الفرنسية3.أما الشخصية التي أقنعتنا بدورها فكانت شخصية العجوز-رحمة- إذ بدا حديثها صادقا، نابعا من عمق امرأة عايشت وضع القرية وخبرت الحياة.فدورها في –ريح الجنوب- لم يختلف عن دورها في –ريح الأوراس-4.إذ قال فيها أحد النقاد السينمائيين:”…فيلم بسيط، لا يعتمد على سخاء الإنتاج الضخم مثل -وقائع سنوات الجمر- ولكن ينطلق مع بطلته كلثوم السيدة العجوز في رحلة بحث طويلة مضنية عن ابنها الوحيد محمد شويخ .الأم في هذا الفيلم، قوة روحية هائلة، استشهد زوجها وتم القبض على ابنها والزج به في أحد معاقل المعسكرات…استشهاد الأم هنا يبدو كمرثية رقيقة، مفعمة بالتعاطف والتبجيل لكل الأمهات العربيات اللاتي دفعن الكثير من أجل الأبناء..والوطن”5.فشخصية العجوز-رحمة- بدت قوية تحمل كل معاني الكرم البدوي والبساطة القروية.

إن صورة الممثل تلعب دورا هاما في الفيلم.لأنه يبدو للمشاهد في صورة ماثلة أمامه وهذا يتطلب من الممثل جهدا كبيرا ليقنع المشاهد به.وهذا على عكس الممثل الإذاعي  الذي يترك للمستمع تكوين صورته كيفما شاء، وهذا ما جعل-جورج برنز- يصف الفرق بين الإذاعة والتلفزيون الذي يظهر فيه الممثل مثله مثل السينما فيقول:”…أعتقد أن الإذاعة كانت أيسر بكثير لأن المستمع كان يخلق صورتك في ذهنه ويحدد بأحاسيسه رأيه فيك كيفما يريد، أما في التلفزيون فعليك أن تحقق له هذه الصورة وهي بالنسبة لي تحتاج لعمل كثير من الماكياج للوصول إليها”6.فشخصية الممثل تسهم في بناء الفيلم، من حيث قوتها وقدرتها على تقمص الدور المسند إليها وإقناع المتفرج بها.

والشخصية التي لم تكن مقنعة أكثر في الفيلم هي شخصية الأب-عابد بن القاضي-.إذ تصوره الرواية الرجل القوي والإقطاعي المتلهف على جمع المال بشتى الطرق، وهو الأب المتسلط في أسرته والمالك لمستقبل أبنائه فهو يصرخ في وجه زوجته:”أنا قررت أن تتزوج وقراري قضاء”7.وقد بدت شخصيته في الفيلم، شخصية عادية لا تبدو عليه علامات التسلط والطمع.بل بدا رجلا بسيطا يملك قطيعا من الغنم كما بدا بيته لا يختلف عن بيوت أهل القرية بحيث لا تبدو عليه مظاهر الغنى.ولا تبدو سلطته على أسرته إلا في لقطة يحدث فيها زوجته بأنه أعطى كلمته ولا يمكنه التراجع عنها.

وأما الشخصية الثانية التي لا يمكن التعاطف معها فهي شخصية –نفيسة-إذ حاولت الممثلة-نوال زعتر- أن تمنحها طاقة لكنها بدت في الرواية ، شخصية متمردة لا تشبه النساء الأخريات” إنها تكره العمل، تكره أن تكون مثل أي بنت…”8.وهي ترفض أن تكون كبش فداء لحسابات لا علاقة لها بها، كما ترفض هذه الأنوثة التي لم تجلب لها إلا الذل:”الذل الذي عشت فيه أنت لن أعيشه…لست امرأة.أفهمت؟ لست امرأة.”9.أما في الفيلم فقد جاءت شخصيتها ضعيفة رغم محاولتها الهرب والعودة إلى العاصمة حيث نجحت في نهاية الفيلم.

لقد جاء تمثيلها مصطنعا ليس فيه أي إحساس فني، قد يعود ذلك إلى المخرج الذي لم يوجه الممثلين جيدا ولكن هذا لا ينفي كون التمثيل موهبة وخبرة” الممثل ليس أعجوبة ميكانيكية تستطيع أن تتظاهر بعدد من العواطف”10.وإنما هو كائن يقوم بتمثيل أدوار يجسد من خلالها حالات الآخرين تجسيدا مقنعا.

كما أن للديكور دور في إعطاء الفيلم صبغة فنية وواقعية. فالتصوير قد يكون في مواقع حقيقية وهذا يمنح الفيلم صدقا إذ يجعل المشاهد يقتنع بواقعية ما يشاهده.وقد يلجأ المخرج إلى ديكور اصطناعي يحاول من خلاله تجسيد المنظر الواقعي قدر المستطاع.وفيلم –ريح الجنوب- صور برية واقعية، شبه صحراوية تكاد تطابق الوصف الذي أصبغه عليها الكاتب في الرواية.

والموسيقى مثلها مثل باقي العناصر تلعب دورا في تناسبها مع الحدث والتعبير عنه.والفيلم رافقته موسيقى بدوية أثناء الجينيريك وفي بعض اللقطات على مدار الفيلم.غير أن ما يلاحظ على بعض المشاهد، هو الموسيقى التي ابتعدت كثيرا عن مدلولها.ففي اللقطة التي يظهر فيها –رابح- بعدأن طردته –نفيسة- بدت عادية ولم يكن فيها أي تعبير عن الأثر النفسي الذي تركه فيه صد الفتاة.كما أنه عند هروبه رفقة الفتاة رافقتهما موسيقى هادئة وكان الأفضل لو رافقتهما موسيقى تحدث في نفس المتفرج نوعا من القلق والتشويق للنهاية.

وخلاصة القول، إن العلاقة بين الأدب والسينما، علاقة تأثير وتأثر.فلا الأدب يستغني عن السينما من حيث توظيفه لتقنياتها كالمزج والقطع والاسترجاع، ولا السينما تستغني عن الأدب كونه محركها الأساسي.فلا سينما بدون نص.

ويمكن القول بأن فيلم -ريح الجنوب-فيلم شكل نقطة هامة في تاريخ السينما الجزائرية وشكل تواصلا هاما بين السينما والأدب، ومنه بين الكلمة والصورة.كما يبقى من الأعمال السينمائية الجزائرية الرائدة التي شكلت  نقطة  تحول من مرحلة السينما الثورية أو الأفلام التي تناولت حرب التحرير ووجهها المشرق ،إلى  مرحلة لا تقل أهمية عن الأولى ألا وهي إبراز صورة المجتمع الجزائري بعد الاستقلال والظروف التي عايشها خاصة في السنوات الأولى التي تلت 1962.

 

 

هوامش:

 

1-حفصة زيناي كوديل.من الكتابة إلى الإخراج.جريدة الجيل.عدد11.من 10الى 16 فيفري 1993.ص17.

2-سعيد مراد.جولات في عوالم سينمائية.دار الفارابي ط1. 1988..ص116.

3-نوال زعتر.في حوار لي معها.1999.

4-ريح الأوراس.أول فيلم للمخرج محمد الأخضر حامينا.

5-كمال رمزي.احتجاجات متوالية من أجل العدالة.مجلة العربي.تصدر عن وزارة الإعلام الكويتية.ص116.

6-والتر كينجسون،روم كاو جيل،رالف ليفي.الإذاعة بالراديو والتلفزيون.ت/نبيل بدر.المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر.الدار المصرية للتأليف والترجمة.1965.ص03.

7-ريح الجنوب.ص90.

8-ريح الجنوب.ص28.

9-ريح الجنوب.ص89.

10-والتر كينجسون،روم كاوجيل، رالف ليفي.المرجع السابق.ص05.

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قاصة وناقدة من الجزائر

مقالات من نفس القسم