رواية “بيت السنارى”.,. حكاية عجيبة من تاريخ مصر المنسي

بيت السناري
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

سعيد نصر

العشق بجنونه وخيالاته، والسياسة بقذارتها ودمويتها وعفويتها، والتاريخ بما يبوح به من أسرار، والسحر الذي يطل من عيون الجميلات ومعمار البيوت وحديث البسطاء، يمكن أن يكون الدرب الذي يسير عليه من يمضي في قراءة رواية عمار علي حسن “بيت السناري” التي صدرت طبعتها الأولى عام 2016 عن الدار المصرية اللبنانية، وهي فائرة بجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الأدبي.

 فيمكن لأى قارىء أمين للنص ومدلولاته أن يضع يده على كل هذا بوضوح فى معظم الإيحاءات اللفظية والمشاهد الحركية لشخصيات الرواية، خاصة بطلها إبراهيم كتخدا السنارى ومعشوقته “زينة”، و حسن جعيدى الشاب المصرى “ابن البلد”، والضابط الفرنسى “دوبريه” العسكرى الحالم، وكلاهما متيمان بـ “زينة”، ولكن كل على طريقته، وشيخ الجامع جابر العيوطى، وحسن باشا القبطان، ومراد بك، وشخصيات أخرى عديدة من بينها الشيخ الخضيرى، وهي شخصيات بعضها حقيقي وبعضها من خيال الكاتب.

ورغم كونها أقرب للرواية التاريخية ، إلا أنها تغوص كثير من الزوايا الإنسانية والاجتماعية للحدث التاريخى الذى تدور حوله وتتخذه مرتكزا لها، وتقدم صورة حية خالية من ألاعيب ومواءمات المؤرخين، لفترة مهمة من تاريخ مصر، وهى فترة تكالب الغزاة الأتراك والفرنسيون والإنجليز على أرض الكنانة فى آن، وخداعهم لشعب مصر، ومكرهم به، واستغلالهم له كورقة لضرب الخصوم بلا أى مقابل، سوى الخضوع والخنوع والرضا بفرمانات وقرارات السلب والنهب لمقدرات بلده ، وذلك كله وسط خيانة المماليك لأبناء البلد وخفوت صوت أزهرها، وسطحية وانتهازية دينية، من جانب بعض مشايخها، ومؤامرات عثمانية تتسع دائرتها لتشمل الوالى والباب العالى، ليس لمصر والمصريين فيها ناقة ولا جمل ، وهذا كله وسط معادلة حكم سيئة للغاية يلعب فيها المماليك دور ” بيت الدمية” لمن غلب.

وأجمل ما فى شخصيات الرواية رمزيتها، فشخصية “زينة” باعتبارها محور ارتكاز الرواية، تعكس صورة مصر بأصالتها وحضارتها وقدرتها على تمصير كل من يقترب منها ويعيش فيها، فما اقترب منها أحد إلا وأحبها لخلقها وطمع فيها من فرط جمالها، فهى التى أسرت قلب السنارى لدرجة أنه  قال لها أنت أجمل من القاهرة ولو كان الأمر بيدى لسميتها على اسمك، وهى الروح الذى لأجله هانت على ديبوريه فرنسا بكل ما فيها ، فاختار مصر متمثلة فى “زينة” قبلة ووطنا له ، بدافع البقاء إلى جانب محبوبته، وهى المعشوقة التى خاطر “حسن جعيدى” وحمل روحه على كفه فى سبيل إرضائها والفوز بها،  وثالثهم الوالى العثمانى حسن باشا القبطان.

وظلت “زينة” أبية وعصية غير مفرطة فى شرفها، ومحافظة لأبعد مدى على ميثاقها وعهدها مع صاحب بيت السنارى رغم إغراءات النظرات الحادة من متيمين لها أثناء غربة صاحبها الطويلة ، وضغوطات التهديدات المباشرة وغير المباشرة التى انتهت بطردها من بيت السنارى بإيعاز من “حسن باشا القبطان” الوالى العثمانى، ولكنها لم تنجح فى تركيعها، وكأن الكاتب يريد أن يقول إنها مصر التى ركع الغزاة فى نهاية المطاف لها ، وذابوا فيها ، فى حين ظلت هى على ثباتها ولم تتغير هويتها، وليس أدل على ذلك أكثر من قولها فى سياق مقارنة نفسها بزينب البكرى التى ضمها سارى عسكر بونابرتة إلى نسائه: “أنا أحلى منها، والسنارى عندى أكبر من كل كبار الفرنسيس”.

الحب والجمال المصحوبان بالعشق وحلاوة الروح أحد المحددات الرئيسية للسلوك الإنسانى فى رواية “بيت السنارى”، حيث يظهر بقوة فيها، فحب زينة وجمالها جعل صاحب السلطان والجاه إبراهيم كتخدا السنارى يذوب عشقا فيها ، ويجعلها مكمن أسراره ويطلعها على الخبيئة “الكنز الكبير” ، ويخصها هى وحدها فقط بـ “رسالة ما بعد الموت” ، ويكشف لها فيها عن الكذبة التى ضخمها الناس، وهى كذبة السحر الأسود التى فتحت أمامه الطريق للمال والسلطان، وهى رسالة تشعر قارئها بأنها كما لو كانت رسالة فى حب الوطن، من رجل دولة لم تكن مصر بالنسبة له، مجرد رحلة فى قطار الزمن. 

وهذا الجمال هو الذى جذب إليها الضابط الفرنسى “ديبوريه” وجعله يتودد لها ويبكى أمام عتبتها ويقدم لها خدمات لعل وعسى قلبها يلين ويرضى، وقد ظهرت بوضوح رمزية زينة المتمثلة فى مصر بأصالتها وحضارتها وكينونتها المحبة للخير والسلام والمدافعة عنهما، والتى تأسر قلب من يدخلها، فيعيش فيها إلى الأبد، فى قول “دوبريه” لـ “السنارى” وهو يتخفى و يأخذه على حماره، حيث بيت السنارى: “أنا لن أرحل، سأبقى هنا، فقد وقعت فى هوى المحروسة”.

 قلب “زينة” فى الرواية ، والذى يستشف من حواراتها مع شخصيات الرواية، يعكس  نبض أرض مصر وخبرته بنوازع نفوس المماليك والأتراك والفرنسيين، فهى تدرك أن مراد بك خائن وغدار، ليس فقط بسبب قتله لأبيها، أو بسبب خيانته لسيدة من أجل إمرأة، وهو ما أخفاه عنها “السنارى “، وإنما بسبب نظرتها العامة للمماليك، بدليل أنها تمنت الخلاص منهم على أيدى الفرنسيين، وقد قالت “زينة” عنه “ما قرب شخص منه إلا قتله”، وذلك عندما كانت تنصح “السنارى” بالحذر منه ، قبل ذهابه لملاقاته بالفيوم، للترتيب لمقاومة الغزاة الفرنسيين.   

 طموح “زينة” فى الحفاظ على مكانة “السنارى”، ورغبتها فى أن يحكم مصر من خللف الستار، من خلال حرصها الشديد على إعلامه برسالة الفرنسيس، لايعكس من وجهة نظرى خيانة أو عملا بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة،  وإنما يعكس تصرفا بروح الرمزية من شخصية قد تكون أشبه بشجرة الدر مع اختلاف الدافع فى تحقيق الهدف، مفاده رغبة مصر كلها فى الخلاص من فساد الأتراك والمماليك معا، وإيقاف مسلسل سلبهم ونهبهم لخيرات البلد، وسط معادلة حكم يتربص فيها كل طرف للأخر ويخونه، بدليل قول مراد بك لإبراهيم كتخدا السنارى: “أقطع ذراعى إن لم يكن الترك قد باعونا لـ “بونابرته”.

كل شخصية فى رواية بيت السنارى لها دور قوى ولها رسالة، فلا توجد شخصية يمكن وصفها بأنها “كمالة عدد”، أو أنها محشورة فى النص “بلا داعى”، فإبراهيم كتخدا السنارى شخصية محورية ، حيث كان عبدا وتم شراؤه وبيعه، واستغل حيلة إيهامه للناس بقدرته على السحر فى امتلاك قلب مراد بك وعلية القوم من المماليك والترك، وتشعر من خلال النص أن الخير بداخله دائما ما ينتصر على الشر، كما تشعر أنه يحب مصر ويعشقها ، رغم حنينه العابر ذات مرة لمسقط رأسه “سنار” ، ولا يخفى هنا أيضا عنصر الرمزية التى تتميز بها شخصيات الرواية ، حيث يشعر القارىء للنص بخياله ووجدانه أن حب الرجل لـ “زينة” وحبه لمصر متحدان وغير منفصلين، ولعل أحد الدلائل على ذلك قوله لها: “أنت عندى أجمل من القاهرة”.

وتظهر محورية شخصية حسن جعيدى فى أنها تتحدث عن حب فطرى برىء ، يصادفه ويعايشه معظم المصريين ، من قديم الزمان وحتى الآن،  وهو حب بنت الجيران ، المصحوب بالرغبة الشديدة والشهوة الجامحة، والمغلف فى الوقت ذاته بالعفة والشرف، والرامى إلى علاقة عاطفية يكون أساسها الزواج ، والمقرون بالتضحية والفداء فى سبيل إرضاء المحبوبة، وهى حالة يشعر فيها المحب بأن حبيبته هى الحياة والوطن، وهو ما يجعلها شخصية رمزية تجمع بين عشقه لـ “زينة” وحبه لـ” مصر”، وقد استطاع الدكتور عمار على حسن أن يرسم ملامح هذه الشخصية ببراعة، من خلال حوارات ومواقف مؤثرة لهذه الشخصية ومهام مصحوبة بمخاطر جمة قام بها من أجل نيل رضا بنت الجيران التى سرقها “السنارى” منه فى غفلة من الزمن، كان أخطرها رحلته إلى الفيوم على ظهر الحصان الأبلق ، ورحلته إلى البحيرة لتسليم “السنارى” رسالة من “زينة” تحذره فيها من النوايا الشريرة للضابط الفرنسى “ديبوريه”.

وفضلا عن عنصرى الإثارة والتشويق فى الوصف والحكى والسرد الروائى، وهو ما يظهر بوضوح، فى تجانس لغة الحوار مع طبيعة الحدث، لدرجة أن من يبدأ قراءتها لا يستطيع التوقف إلا فى نهايتها،  فقد تميزت الرواية بطابع أخر ، يمكن وصفه بـ “طابع الحياد الفكرى و العلمى” ، فلا توجد شخصيات شيطانية وأخرى ملائكية، وإنما توجد شخصيات بشرية لها مالها وعليها ما عليها، وهى رؤية مسايرة للمنطق وليست متنافرة معه ، ففى الوقت الذى خان فيه أحد الأقباط المماليك والمصريين، لحساب الفرنسيين، ظهر أناس على صدورهم صلبان، وبعضهم يبكى فى حرقة، ويقولون: “نحن معكم ولسنا عليكم”، وذلك عندما خرج المصريون من الشقوق والشوارع لمقاومة الفرنسيس الغزاة تحت شعار ماكر وخادع ” نشر الحضارة !”.   

ويزيد الحياد هذا الرواية إثارة، كما يزيد من حالة الجدل حولها، ويلعب دورا مهما يتمثل فى إزالة الغبار الذى علق بأحداث ودول وشخصيات تاريخية بفعل كتبة التاريخ، سواء كان السبب هو التلميع أو التشويه أو إخفاء الحقائق عن المصريين والعرب والمسلمين، وكان الكاتب موفقا فى استخدامه لغة المقارنة لإيصال رسالته، خاصة أنها طريقة مؤثرة ومقنعة، حيث تناولت الرواية مشايخ الأزهر فى حينه، بشكل موضوعى، حيث قالت ” ومشايخ الأزهر إن كانت لهم مكانة فليس لديهم خبرة بإدراة شئون العباد، ولن يسمع كلمتهم اللصوص”، وقارنت الرواية بين الشيخ جابر العيوطى باعتباره نموزج سيىء وبين رجل الأزهر زياد الخضيرى الذى وصفته بأنه “صادق وعدول”،وأظهرته دائما صديقا وفيا ومخلصا ومؤتمنا لـ “السنارى”.

  و فى السياق ذاته قارنت الرواية بين الأتراك ممثلى الخلافة العثمانية وبين الفرنسيين ممثلى الحضارة الغربية، وكشفت أن الأتراك لايعرفون من الدين إلا قشوره، لأن العبرة بـ “التصرف” ، وليست بـ “اللفظ”، فالتجار المصريون يشهدون للفرنسيس بأنهم كرماء ويدفعون أكثر من السعر الذى يحددونه للسلعة، وأخرون يشهدون لهم بالعدل بسبب قيامهم بشنق شخص فرنسى على شجرة بالأزبكية بعد اتهامه بالسرقة، وهى أمور لم يفعل مثلها الأتراك مطلقا، على الرغم من أنهم يحكمون تحت مظلة ما يسمونها بـ “الخلافة الإسلامية” ، وقد وصل ظلمهم للمصريين واستهانتهم بهم إلى حد قيام جندى تركى بقتل 9 مصريين برصاص بندقيته بسبب شربة عرق سوس، ورفضه دفع ثمنها للبائع. 

وقد وضع الكاتب فى الرواية يده على حقيقة تخص مصر والمصريين، وتتمثل فى أنهما صناع المقاومة للمحتل وأول شعب يفعلها ويتعلمها منه الأخرون ، بما فيها المقاومة بالأحجار ، والتى شاهدنا منها جولات للفلسطينين فى غزة والضفة الغربية فى آواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات ضد الاحتلال الإسرائيلى، حيث قال الكاتب فى الحكى الخاص بثورة المصريين على الفرنسيس “وأمسكوا فى أيديهم( قطعًا صغيرة من الحجر)، وعصيًا طويلة وبُلطًا، ومن وجد فى بيته بندقية متهالكة أحضرها”.

ومن خلال قراءة النص ولأول وهلة، تدرك أن الكاتب يريد تبيان حقائق بعينها، منها أن ظواهر مثل الرشوة والسحر والشعوذة والدعارة والسبوبة و”أبجنى تجدنى”، والتى تعانى مصر من بعضها فى الوقت الحالى، كلها ظواهر موروثة من العهدين المملوكى والعثمانى،فحسن جعيدى استخدم الأموال التى أعطته له زينة فى تسهيل مأموريته مع الجنود وقطاع الطرق و اللصوص ،أثناء رحلته لتسليم رسالة الفرنسيس لـ”السنارى”، والشيخ جابر العيوطى استغل فقر زينة وأسرتها وقادها إلى بيت مصطفى بك الكبير، كما لو كان قوادا ، وذلك مقابل حصوله على حفنة من المال،و اتفق حسن جعيدى وزينة فى حوار لهما على أنه”رجل يبيع نفسه من أجل صرة ريالات”، وعلى غرار كتخدا السنارى نسمع من الحين للأخر، فى وقتنا الحالى، أن شخصا فى مصر حقق أموالا طائلة من العلاج بالسحر والشعوذة وفك السحر الأسود.

 ومن المؤكد أن عدم قدرة الأزهر على التأثير على اللصوص، والتى أشار لها الكاتب فى رواية “بيت السنارى” ، هى ظاهرة مستمرة  حتى الآن، بدليل تزايد حالات الفساد فى السنوات التى سبقت ثورة 25 يناير 2010، على الرغم من تواجد الأزهر وعلمائه والأوقاف وأئمتها بطول البلاد وعرضها، فضلا عن مطالبة دوائر مصرية عديدة للأزهر فى السنوات الأخيرة بضرورة تجديد الخطاب الدينى.

الكاتب أيضا حاول تقديم مفاهيم غاية فى الأهمية من خلال روايته، لعل أهمها أن كل الحروب التى حدثت على مر التاريخ باستثناء القليل منها، كانت لتحقيق مجد شخصى، وقد تم إيصال هذا المفهوم على لسان الكاتب فى وصف حال الضابط الفرنسى “ديبوريه”، بعد هزيمة الفرنسيس”بل شعر أنه لا يصلح أن يكون مقاتلًا من الأساس، يزهق أرواحًا بضغطة بسيطة على تتك بندقيته من أجل أن يساهم فى دفع رجل واحد إلى قمة التاريخ”.

وجاءت اللغة التى استخدمها الكاتب فى رواية “بيت السنارى”،باعتبارها رواية تاريخية وواقعية، ملائمة لأحداث وشخصيات الرواية، وأضفت جمالا وإثارة على الأحداث كافة، خاصة أن الكاتب استخدم مصطلحات وإيفهات العصر نفسه الذى حدثت فيه الرواية، وهو ما يؤكد على تمكن الكاتب من أدواته ومفرداته اللغوية ، وقد ظهر ذلك جليا فى استخدامه كلمات مثل قنبر وتعنى قنبلة، وإنبابة وتعنى إمبابة والورايق ، والتبان وزرمحبوب والمدينى والتختبوش والمجروشة وغيرها من الكلمات التى كانت متداولة فى العصر نفسه.

وما جعل للغة بريقا خاصا وجاذبا للقارىء هو أنها اعتمدت فى جانب منها على التراث الشعبى والدينى المتمثل فى الحكم والأمثال والمواعظ ، وربما يكون الكاتب أراد من وراء ذلك أن يربط الماضى بالحاضر ، من خلال صور لغوية وحوارية ، تجعل المتلقى كما لو كان أمام شريط سينمائى ، يشاهد بواسطته ملامح مصر اليوم وكأنها لم تتغير عن ملامح مصر الأمس، وهى طريقة بدت موفقة لتماشيها قلبا وقالبا، مع أهم أربع شخصيات فى الرواية ، وهم زينة والسنارى وجعيدى وديبوريه، والذين ثبتوا على مواقفهم من البداية إلى النهاية، “السنارى” فى ولائه التام لمراد بك، باعتباره صاحب فضل كبير عليه، وزينة فى حبها للسنارى كرجل وجدت فيه فارس الأحلام المشبع والممتع ، والأب الحانى والصديق الوفى وصاحب الفضل الكبير عليها، والذى لم يعاملها يوما على أنها جارية،  و”جعيدى” فى عشقه لزينة وتضحياته الكبيرة من أجلها، ودوبريه وتمسكه بحقه فى مواصلة الحياة فى مصر وعدم مغادرتها لباريس، وقبوله فى العمل مع الترك بدافع حرصه الشديد على تحقيق هدفه، المتمثل فى الفوز بقلب زينة، وهو موقف منبعه الأساسى اتسامه بالإرادة والتحدى ، وهى سمة متعلقة بتراثه الدينى والثقافى، والذى اختلط إلى حد الذوبان فى التراث المصرى ، بدليل استعداده للتحول إلى الإسلام وتسمية نفسه محمد أو على ، متأسيا فى ذلك  بما فعله القائد الفرنسى مينو.

 واستخدم الكاتب بعض لغة الموروث الشعبي فى مواقف ومشاهد كثيرة، ليعكس من خلالها المكنون الإيمانى والصوفى والشعبى لشعب المحروسة، وقد ظهر التراث الشعبى فى لغة السنارى ، بما يؤكد ذوبانه وانصهاره فى مصر ، برغم أنه غريب عنها ، حيث قال “السنارى” لمراد بك بدافع تبديد مخاوفه من شبح الفرنسيس “ياما دقت على الراس طبول”، فالكل يدرك أن تلك الطبول هى الغزوات التى صدتها مصر طوال تاريخها، سواء بطرد الغازى أو تمصيره، ومن المأثور الشعبى أيضا قول زينة بصوت غير مسموع، “من فات قديمه تاه”، عندما أخبرها ديبوريه بأنهم سينتقلون إلى بيت السنارى القديم، وذلك عقب تحويل بيته الجديد إلى “مرسم” للرسامين الفرنسيين، وظهر التراث الشعبى أيضا فى قول حارس بيت السنارى “خير، خير..  إزعق يا طير.. وإن كان شر خده وانجر”، وذلك عندما شاهد سيده السنارى يقطع رقبة الغراب ، كنوع من السحر،  قبل ذهابه للاجتماع مع مراد بك، كما ظهر المكنون الشعبى فى أبهى صوره فى سب المصريين للغزاة والمحتلين بلفظ يا “ولاد الكلب” ، وذلك للتأكيد على رفض شعب مصر باستمرار ، وعلى مر التاريخ لأى غازى ولأى ظالم مهما كان منطقه ومهما كان شعاره، فى حين ظهر الموروث و المكنونى الإيمانى فى مواقف عديدة منها قول “السنارى” لمراد بك قبيل ملاقاة الفرنسيس” لاينفع حذر من قدر” ، وهى الجملة التى قالها أيضا مراد بك للسنارى ومحمد بك الحسنى وأضاف إليها عبارة “ولا تنسوا أنكم مسلمون”، وظهر كذلك فى قول رجل من أبناء البلد و بصوت مخنوق: ـ”يا خفى الألطاف نجنا مما نخاف”، وذلك عندما شاهد بعينه مدافع الفرنسيس وأسلحتهم الفتاكة الأخرى، وهى عبارة تعكس الموروثين الإيمانى والصوفى فى آن .

 

مقالات من نفس القسم