رسالة إلى الذي يقرأ ولا يرد: تسعة أعوام من الغُبار

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

رسالة إلى الذي يقرأ ولا يرد: تسعة أعوام من الغُبار

* تنبيهات :

1ـ كُتبت هذه التنبيهات في صباح يوم الجمعة، 29 مايو من نفس عام كتابة الرسالة.

2ـ كُتبت هذه الرسالة بإثارة من خيال مشروع غادة خليفة، الرسائل.

3ـ صدقوا الإنسان البدائي، الذي كان يرسم على جدران الكهوف، حيوانات صيده، كي يستدعيها، لقد استدعت هذه الرسالة، مَنْ كُتبت له، على الأقل جرى لقاء وحيد، بعد كتابة هذه الرسالة، ربما بسبب كتابة هذه الرسالة، وخلال الشهر نفسه.

4ـ أخيرًا، لم يُغيِّر اللقاء حرفًا في المتن.

* متن الرسالة :

حين أكتبُك أنا لا أسرق حياتك، أنا فقط أسرقُ سرقتك.

الخيطُ السحري، الذي صنعتُ منه ردائي، فقد قدراته الخارقة، لم يعد يلون الحدائق، ولا يُطيِّر النعام، لم يعد يضحك، لقد ارتد لوجوده الأول، قطعة قماش عادية، عادية حد أنها تُستخدم لإزالة الغُبار من فوق الأسطح العارية في البيوت القديمة.

تسعة أعوام من الغُبار، دون يأسٍ ولا أملٍ، دون وصلٍ ولا بعادٍ، دون قُبلة دون اشتياق.

كيف يُمكننا أن نسمي هذا حبًا يا صديقي ؟ كيف ؟

إحساس يتشكل لا أدري إلى أين يمكن أن يقودني”، قُل لي متى مات إحساسك؟ ومن أي أم ولد؟ كنتُ أعرفُك لا تومن بالمُعجزات، حين وقعتُ في محبة سُترتك وأنا أراك تخلعُها أول مرة، كنتُ مثلك، لا أومن بالمعجزات، على الأرض، يومها، رأيتُ رجلًا يناسبُ جرأة أحلامي، وطهارتها، يبعث الابتسامات الخبيثة، إليّ، واحدة وراء واحدة، وفي الآن نفسه إلى زميلتي في المقعد المُجاور، جعلتنا نحترق سويًا، دون أن نفكر في افتعال شجار منطقي على قلب رجل واحد، هو أنت، كبديل، اختلسنا أزمنة قصيرة نحكي عن اسمك، ونُربي ولع صبية صغيرة بك، الصبية مع الوقت توقفت عن الاحتراق، وأنا استدار نهداي أكثر.

رغم كل ما جرى، وسيجري، أقولُ بصدق، لقد كنتَ معجزتي يومها.

هل تُناسب هذه الكتابة غرورك؟ هل ستشحنُ أكثر نرجسيتك؟

هُراء يا صديقي، هُراء، لم يعد بإمكاني أن أزيد غرورك، ولو جاهرتُ باسمك في فم العالم، سافرتُ إلى حيثُ لم تسافر، وفي النهر الجاري، رأيتَك لا شئ، مجرد ورقة شجر يجرفها التيار، دون أن تعترض، دون أن تحاول، دون حتى أن تأبه، ليس بوسعي إدانتك أبدًا، إنني مثلُك، أسبحُ إلى حيثُ لا يمكنُ إيقافي، إلى حيثُ لا يمكنُ استعادتي، أديرُ العالم داخل هذا النص فقط، ووفقًا لإرادته؛ في الواقع، في النهر الجاري، نحن معًا مجرد لا شيء كبير، يجري إلى حيث سيجري الجميع. كل ما أفعل أنني سأختصرُ عليّ نوبة اكتئابي، بسبب الدورة الشهريّة، تلك التي لم تزرك مرّة، لأنك أنت غير أنا، لأنهما، أقصد أنت وأنا، ليسا متماثلين… أليس كذلك؟

هذا ليس غضبًا منك، فقدتُ مقدرتي على الغضب الحقيقي، قُل إن هذه دهشة.

دهشة لأنني لم أُقبَّلك حتى الآن، لأنني لن أُقبَّلك أبدًا، كل هذا الغُبار دون قُبلة واحدة.

أي خيال روائي بائس نسج لنا هذه الحكاية؟

.

ليلتُها ماذا يقولون، مارستُ الحُب معك للمرة الأولى، أغلقتْ شاشة اللاب توب المُنيرة جدًا، وتركتُني لك، وأخذتُك منك، إلى المغطس، كنتُ أصرخ “إحساس يتشكل لا أدري إلى أين يمكن أن يقودني”، كأي مُراهقة سنتمنتالية، أضأتْ الشموع على حافة مرآة الوجه، سكبتُ الماء على جسدك، كي يعلو اشتهاؤك أكثر، ودون أن أُغمض، رأيتُ الكواكب التي خلقناها من تيهنا، الخيط الذي استعرتُه من الفراق بين سنتيّك الأماميتين، وربطتُ به خيالاتي مع الكواكب التي ظهرت توًّا، كان كل شيء حقيقيًا، كان كل شيء حقيقيًا حد أنني رأيتُنا معًا مائلين جدًا على ظهر الأرض، ولم نسقط.  كانت أول مرّة، أكثر من مرّة، ودون أن أستعمل يدي في الوصول، وصلتُ.

كان وصولي يعني وصولك إليّ، صدقتُ أن إحساسك الذي يتشكّل يخلقُ مجرات جديدة، تتجاوز عن إثمي في محبة رجل متزوج.

فيما بعد سأعرفُ أنك لست متزوجًا من أخرى، أنتَ زوجُ أبديُ لنفسك، نفسك الوحيدة جدًا.

لم ترَ النهر مثلي، لذا أنت وحيد جدًا، وهذا مضحك لأنني أيضًا وحيدة، وحيدة مع أنني رأيتُ النهر، وحيدة حد أنني أكتب رسالة مُغبَّرة لرجل كان سيصير رجلي، في زمن لم يقع خارج النص.

أين أنت الآن؟ في أي سطر، تضيقُ عينيك وتبتسم، ينقبضُ صدرك، وتقول هذه المجنونة كان يمكنُ أن تكون حبيبة مثالية، تشاركني أوقات الضجر، واللا جدوى، كان يمكنُ أن تحبَّ جسدي أكثر مني، كان يمكنُ أن تتحمل نوبات هزأي ولا مبالاتي حتى بها، كان يمكنُ أن تنصاع لغضبي المكتوم في المراوغة، ولحزني المنصوب فخاخًا في الرسائل القصيرة.

أنا سأُطمئنك، كان يمكن أن أحبك أكثر مما أحبتّك أمك، أكثر بكثير.

.

تقول غادة عن الحُب، هو المرآة التي نرى فيها أرواحَنا، وأفكرُ أنني لم أحبك، كنتُ أراك كما كتبتُ في نص ما “صورة ذكورية من ذاتي”، لهذا لم أقبل بالمفارقات، لم أقبل بالمفاجآت التي كُنت تحملها في الليل أو في النهار، داخل رسائل الإيميل المُقتضبَة، التي كُنت تُرد بها عليّ. لم يحدث أن تلقيت ردًا حقيقيًا منك، سوى مرّة “إحساس يتشكل لا أدري إلى أين يمكن أن يقودني“.

بصراحة … هل كان هذا فخًا أيضًا؟

كان يمكن أن أحبك أكثر مما أحبتّك أمك، لكن كبديل أخذتُ أتحول إلى بروفة عميقة على الحُب، بروفة لم تُحرر العرض أبدًا، وهذا سر عظمتها.

لستُ أدري هل كنتُ سأفكرُ في الانتحار أيضًا، لو كنتُ أمضيتُ ليلتها في المغطس معك حقيقةً لا داخل النص؟

الوطنُ الذي يُحبك فيه الناس، الوطن الذي لم تزل تقع البنات فيه في غرامك، هذا الوطن أنا أكرهه.

وطنُك ليس وطني، مع أننا نتحدث نفس اللغة، أتدري لمَ؟

ربما، لأننا لم نلتقي مرّة، أقول ربما.

وأنا أقُطع الطماطم بالأمس مدهوشة من رائحتها الحمراء العارفة بكل ما لستُ أعرفه، فكرتُ أن أراسلك، وأسألُك بوضوح “ألا نلتقي؟“.

أعرفُ قرارك، لذا كبديل أكتب لك رسالة، لأنني لا أملكُ سوى الكتابة، وتراكم الغبار، ومجرى النهر، فقط. أملكُ الأشياء التي لا يمكنُ امتلاكها، لهذا أكتبُ الآن ثم أغلقُ شاشة الاب توب المُنيرة جدًا هذه، وأضعُ كفي أسفل رأسي في وضع أفقي مريح، وأنام، مُطمئنة الخاطر، لأنك لست قريبًا، ولا بعيدًا، لأنك لست أصلًا.

كُل هذه المحبَّة، لن تشتري لي وطنًا، يا صديقي، كل هذه المحبة، لا تدفعُ إلا ثمن مساحة مجانيّة لنشر رسالة إليك، فكيف أُبعد عن رأسي سؤال الانتحار؟

.

هل قالت لك أمك ذات يوم وهي تمسحُ الغُبار من فوق كُتبك، أنك أجمل مما تظن؟ أنك أجمل مما تظن بكثير؟

إذا لم تكن قالتها، فصدقها يا صديقي، لأن المرأة لا يُمكنها أن تُخْبرَ الكذب، وهي حائض.

 

23/4/2015  و 29/4/2015

مقالات من نفس القسم

محمد العنيزي
كتابة
موقع الكتابة

أمطار