رجل يمشى على الطوار

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 11
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عبد العزيز دياب

  كأنها كانت مؤامرة، وإلا ما معنى أن يختفي الرجل الأربعيني أو الخمسيني عن المرور على الطوار كما كان يفعل كل يوم، يتأمل السماء والبنايات العالية، ويواصل مشواره، هزني اختفاؤه مرة واحدة كأن منظمة ضليعة في أعمال الشر قامت باختطافه.

   الحقيقة أنه من بين كل الجموع البشرية، التي تزحف في فضاء الشارع، هو الذى لفت انتباهي، أنا الجالس في شرفة شقتي بالدور الثالث، رجل أربعيني أو خمسيني، بهيئته الفريدة، يبدأ مروره كل يوم، في تمام الساعة الرابعة قبل الغروب، بعد أن يخف زحام الشارع، لا يتغير زيه أو هيئته: بدلة رمادية داكنة، الكاسكيت على رأسه، المظلة معلقة بذراعه وهو يتصفح الموبايل.

   أراه كل يوم في ذلك الوقت من النهار يمشى على الطوار، ينحني أمام امرأة تفترش بدانتها الرصيف، يزن كفها شيئًا وهميًا، يضع في راحتها ما فيه القسمة والنصيب، يواصل طريقه وبيده الأخرى ورده يقدمها بكل حب لعاملة نظافة أمام محل “شملا”، تحمل عنه السيدة المظلة والموبايل ليتمكن من إشعال سيجارته الكيلوبترا، يستكمل مشواره المقدس، يدخل السوبر ماركت يغيب لحظات لا أكثر فقد عرفوا طقسه الحميل، يخرج وعلبة كانز معلقة بين أصابعه، يهديها لعسكري الأمن المركزي الواقف داخل الكشك الصغير في محل خدمته، وفى جوف الشارع يقذف بقبلة طائرة لسائق أتوبيس خَطْ “عبد المنعم رياض”، ذراع الرجل تكون خارج الشباك، يلتقطها بكفه ويقذفها فوق رؤوس البشر مكللة بقهقهات مرحة.

   طقس منظم بترتيب لا يختل، يمارسه الرجل كل يوم في مشواره المقدس وأنا أراه من شرفة شقتي، أُنَحِّى رواية “قبلات سينمائية” لإيريك فوتورينو” بعد أن تفتحت أمامي مغاليقها، أهمل قهوتي وسجائري كي لا تفوتني لحظة مروره، أجلس منتبهًا خاشعًا كأنني في حضرة قديس.

   فجأة اختفى كأنه ذهب إلى العدم، أمام  ذلك الغموض لم أفكر كثيرًا، وجدتني وقد لبست بدلة رمادية داكنة، اشتريت مظلة في نفس لون مظلته، علقتها بذراعي وأنا أتصفح موبايل، أعيش حالة وهمية خالصة بأنني أخوض نفس مشواره المقدس، أتأمل السماء والبنايات العالية، أنحنى أمام امرأة بدينة تفترش بدانتها الرصيف، تزن بكفها شيئًا وهميًا، أضع في راحتها ما فيه القسمة والنصيب، عملة نحاسية أشاهدها تسقط على الرصيف، كذلك أقف أمام عاملة نظافة أمام محل “شملا”، أقدم لها وردة، وكأنني هو، تحمل عنى المظلة والموبايل لأتمكن من إشعال سيجارتي، أواصل مشواري/مشواره، علبة كانز المعلقة بين أصابعي أخرج بها من سوبر ماركت باسم “زيزينيا”، أهديها لعسكري الأمن المركزي الواقف في الكشك الصغير محل خدمته، وألوح له بكفى، أقذف بقبلة طائرة لسائق أتوبيس خط عبد المنعم رياض.

   في اليوم التالي، بعد أن تأكدت قناعة لدى بأن الرجل لم يعد له علاقة بهذا الشارع، وليس أمامي إلا العودة لروتين حياتي اليومي، جلست في الشرفة لأستكمل رواية “قبلات سينمائية” وأنا أدخن سيجارتي، ولم أكن أتوقع أنني في نفس ساعة مروره، الساعة الرابعة قبل الغروب أشاهد شبحًا يمر على الطوار ببدلة رمادية داكنة، الكاسكيت على رأسه، مظلة معلقة بذراعه وهو يتصفح موبايل، انحنى أمام سيدة تفترش بدانتها الرصيف، قذف إليها بقطعة نقود نحاسية لامعة، سمعت رنتها وأنا في مكاني بالشرفة، بعدها- وهو يواصل مشواره على الطوار- قذف بوردة لونها باهت أمام محل “شملا” لعاملة نظافة، لم تكن لديه رفاهية إشعال سيجارة والمظلة معلقة بذراعه، وفى جوف الشارع دخل محل “زيزينيا”، خرج ومعه علبة كانز معلقة بين أصابعه، أهداها لعسكري الأمن المركز الواقف في محل خدمته داخل الكشك الصغير، وقذف بقبلة طائرة لسائق أتوبيس خط “عبد المنعم رياض”، ولا أعرف إن كان ذلك الشبح هو شبحي أم شبح رجل كان يمشى على الطوار.

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون