Rambo 4 أو رامبو – 4 (2008) بطل مشوَّه وحرب قذرة!

رامبو4
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أحمد عبد الرحيم

لماذا تعيد استخدام، أو بالأحرى تُحيى، رامبو بعد 20 سنة من فيلمه الأخير؟ الأمر بسيط. الاسم له شهرته، والنجم الذى مثَّله، سلڤستر ستالون، لايزال حيًا، ويحتاج – وقتها – بشدة إلى أى فيلم ناجح بعد أن خبا نجمه وهبطت أسهمه، ولا توجد كتابة “أصلية” فى هوليوود منذ التسعينيات!

..ولكن ربما هناك ظروف دفعت شخصية چون رامبو – ليس كجندى جريح، وإنما كماكينة قتل – ليكون شيئًا جذابًا ومطلوبًا فى 2008. ظروف لن تجعله “أثرًا” من مستنقع الحرب الأمريكية-الڤيتنامية (بين 1961 و1973)، أو “أنتيكة” من 3 أفلام هوليوودية سابقة (بين 1982 و1988)، وإنما ستجعله رمزًا لصمود المحارب الأمريكى، وترويجًا لأهمية الحرب أيضًا!

فى الأساس، تُطلق كلمة “حرب ڤيتنام” على الحرب الأهلية التى شبَّت بين ڤيتنام الشمالية و ڤيتنام الجنوبية سنة 1955، وانتهت بانتصار ڤيتنام الشمالية سنة 1975. ويجىء التدخل الأمريكى فى هذه الحرب مبكرًا جدًا. فلأن ڤيتنام الشمالية كانت ذات نظام شيوعى مدعوم من حلفاء الشيوعية وأولهم الاتحاد السوڤييتى، كان من الطبيعى أن تساند أمريكا ڤيتنام الجنوبية ذات النظام الرأسمالى، المدعوم منها ومن دول رأسمالية أخرى، للحفاظ على النفوذ الأمريكى هناك، ولقطع الطريق أمام توغل المعسكر الشيوعى الذى كانت تعيش معه حربًا باردة. لكن بعد سنوات من مساعدات بسيطة شملت إرسال مستشارين عسكريين، بدأت أمريكا فى التورط فعليًا فى هذه الحرب سنة 1961 بإرسالها 400 جندى، تضاعفوا بعدها لآلاف مؤلفة، على امتداد 12 سنة لاحقة من عمر المعارك الحربية بينها وبين ڤيتنام الشمالية. وهكذا، نُفِى الشباب الأمريكى إلى أرض غريبة، ليحترقوا فى أتون حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، مدمرين أمة من أفقر أمم العالم، ومرتكبين جرائم حرب يندى لها جبين الإنسانية؛ من أول الاغتصاب الجنسى، إلى الرش الكيماوى للحقول والبشر، وصولًا للمذابح الجماعية التى شملت النساء والشيوخ والأطفال، لتُعرَف ڤيتنام بـ”مقبرة الضمير الأمريكى”.

چون رامبو كان واحدًا من هؤلاء الشباب الذين سوقوا إلى المستنقع الڤيتنامى ليغرقوا فى ممارسة الظلم والخسة والهمجية. هو جندى خارق المهارة، علّمه جيشه ممارسة القتل كالتنفس، مما حوّله إلى ما يشبه وحش فرانكنشتاين*؛ كائن مشوّهًا، مرفوضًا، يكره نفسه والعالم.

فى أول أفلامه First Blood أو الدماء الأولى (1982)، المأخوذ عن رواية لديڤيد موريل، يهيم رامبو فى مدن أمريكا بعد نهاية الحرب، مُقرِّرًا زيارة أحد زملاء القتال فى بلدة صغيرة، لكنه يقابل تعسفًا واضطهادًا من مأمورها، وهو ما يعيده إلى ذكريات الحرب، ويثير الوحش الرابض، لينطلق كقنبلة فى وجه الجميع. بدا الأمر هنا أن رامبو ينتقم من “السلطة” الغبية التى أرسلته إلى حرب غبية، ليفقد إنسانيته، وكأن وحش فرانكتشاين يثأر من صانعه. فى الجزء الثانى Rambo 2 أو رامبو 2 (1985)، يُستدعَى الوحش لإنقاذ أسرى أمريكان فى ڤيتنام، ليعيش الحرب الأولى نفسها، لكن ضد قادة سوڤييت متحالفين مع الڤيتناميين، تماشيًا مع حالة الحرب الباردة وقتها بين أمريكا والاتحاد السوفييتى، ليهلِّل الجمهور للبطل هذه المرّة، والذى يستثمر إمكانياته العبقرية لحساب دولته، بدون نسيان اصطدامه بسلطتها مجددًا، والتى تظهر كمخادعة وأنانية وحمقاء. فى الجزء الثالث Rambo 3 أو رامبو 3 (1988)، يستكمل رامبو خدمة أمريكا-الحرب الباردة، بالوقوف مع المجاهدين الأفغان ضد الغزو السوڤييتى لأفغانستان، وطبعًا ينتصر انتصارًا لا يقل عن سابقه. مثل 2، و3، يستأنف Rambo 4 أو رامبو 4 (2008) حرب رامبو ضد أعدائه غير الأمريكيين، وذلك عندما نراه وقد قارب الستين من العمر واعتزل الحياة، مستقرًا فى قرية بتايلاند قرب حدود بورما، بائعًا للثعابين، وناقلًا للمواطنين فى قاربه، وكيف يؤجِّره قس مسيحى كى ينقل بعثة إنسانية، ستعالج ضحايا التمرد ضد الحكم العسكرى الدموى فى بورما. لكن بعد أن يهاجم الجيش البورمى البعثة، ليقتل 2 منها ويأسر الباقى، يستنجد القس برامبو، الذى يتجه مع مجموعة مرتزقة لإنقاذ أفراد البعثة، وهو ما ينجح فيه بالفعل، لكن ليس قبل ذبح وفرم وشوى الجيش البورمى عن بكرة أبيه!

ينتمى الفيلم لنوعية Gorilla War أو فيلم حرب الجوريلا؛ القائم على مجموعة مرتزقة، يستخدمون تكتيكات حربية وأسلحة خفيفة وحركة حرة، ويحاربون قوة عسكرية أضخم حجمًا وتسليحًا وأكثر ثباتًا، وذلك – فى الأغلب – بهدف تحرير أسرى حرب، عبر معارك تدور فى غابات. هذه الأفلام انتشرت فى الثمانينيات، عبر قائمة طويلة تضم – كأمثلة – Uncommon Valor أو شجاعة غير عادية (1983)، Let’s Get Harry أو هيا لنُرجع هارى (1986)، و Delta Force 2أو القوة دلتا 2 (1990). بالإضافة إلى ذلك، ينتمى رامبو 4 لفروع أخرى فى الفيلم الحربى، مثل فيلم العملية الحربية الواحدة، سواء انتمت لحرب معلنة؛ مثل الحرب العالمية الثانية بين دول المحور والحلفاء فىThe Bridge on the River Kwai  أو جسر على نهر كواى (1957)، أو حرب غير معلنة؛ مثل التدخل العسكرى الأمريكى فى الصومال سنة 1993، والذى اُستوحِى منه فيلم Black Hawk Down أو سقوط الصقر الأسود (2001). كذلك فيلم المحارب المنفى؛ الذى يشبهِّه الكاتب ستانلى جيه. سولومون فى كتابه “أنواع الفيلم الأمريكى” – ترجمة الأستاذ مدحت محفوظ، صـ342 – بأسطورة شمشمون “الذى كان محاربًا جبارًا يومًا ما، ثم تضعف قواه، ويُسجن فى أرض أعدائه” ليبدو زاهدًا فى الحياة، غير مبالٍ بالأحداث العظمى حوله، ولكن عندما تناديه الظروف، يُوقظ البطل داخله، وينخرط فى المعركة، مُحقِّقًا مبادئه الكامنة، ومُحطِّمًا عدوه، وأبرز مثال لهذا الفرع فيلم Casablanca أو كازابلانكا (1942). ناهيك عن ظنى بأن رامبو 4 ينتمى أيضًا لنوعية فيلم الحرب الدعائى، الذى يروِّج للقوة الحربية لدولة، وذلك – هنا – من خلال محاربها الذى لا يشق له غبار؛ فإذا كان رامبو، وحده، قادرًا على دحر جيش بأسره، فماذا بشأن جيش من محاربين مثله؟!  

هذا الفيلم ضايقنى وأزعجنى على أصعدة كثيرة. بادئ ذى بدء، هو فيلم فقير، وبليد، وبلا تميز يذكر فى أى من عناصره الفنية؛ بداية من السيناريو الذى كتبه ستالون، وصولًا للإخراج الذى اضطلع به ستالون. تبدو فكرة الفيلم كخليط غير مبهر من أفلام الثمانينيات المذكورة، يكرِّر استهلاك نقاط متعددة منها بدون إبداع أو حيوية. ستالون، كممثل، كان فى أسوأ حالاته. باستثناء المشهد الأخير الذى يعود فيه لموطنه، قدم أداء متداعيًا، يتراوح بين ملامح مرتعشة ووجه نعسان. بدا الحوار – ظاهريًا – عميقًا، بينما هو فى الواقع شديد الركاكة والسخف؛ فقط تذكر جملة الفيلم الأشهر “عش من أجل لا شىء، أو مت من أجل شىء” كى تتأمل الاستفزاز. تتابعات الأكشن لم تكن على مستوى الثلاثة أفلام السابقة، أو حتى شىء قريب منها. إنها مجرد مشاهد قتالية تقليدية، لا يمكن مقارنتها إلا بأفلام الأكشن DTV أو الأفلام المصنوعة خصيصًا للفيديو، والتى تتصف بانخفاض الميزانية والموهبة. ذروة الأحداث كانت ضعيفة. ستالون، ككاتب مع السيناريست آرت مونتراستيلى، عمد إلى حل كل شىء بمدفع مجنون فوق جبل؛ يحصد أرواح كل الأعداء فى جميع الأماكن! اختصر هذا المعركة لتتابع شبيه جدًا بالمحاكاة الكوميدية لرامبو فى نهاية الفيلم الساخر Hot Shots 2 أو طلقات ساخنة 2 (1993)، لدرجة أن أكثر عشاق رامبو، أو أفلام الأكشن، إخلاصًا لابد أن يغادروا مقاعدهم غير راضين.

إليك ما هو أخطر. رامبو الأول (1982) كان يُفترض أنه فيلم ضد الحرب، والفيلمان التاليان فى (1985) و(1988) على التوالى، كانا ضد أمريكا، بعض الڤيتناميين، والاتحاد السوڤييتى، من خلال حرب جهنمية فى كل مرّة. لذلك، دعنا لا نكن شاعريين فى المكان الخطأ؛ فأفلام رامبو ليست سوى أفلام حركة / حربية، هدفها الدعاية للمحارب الأمريكى الصنديد، وامتاع المشاهدين بمعادلة “جيش واحد” يواجه “جيشًا من رجل واحد”. ورغمًا أن ستالون يعرف جيدًا أن رامبو وحش صناعة أمريكية (لذا رفض فكرة لهذا الجزء، يعمل فيها رامبو كدبلوماسى فى الأمم المتحدة، وله زوجة وابن)، ورغمًا أن فكرة الوحش كان لها أن تصنع دراما قوية، أو دراما—فإن ستالون لم يستغل إلا الجانب السطحى من هذا “الوحش”، مع الإفراط فى استعراض وحشيته، زائد صياغة رسالة تعجز هذه المرة عن الزعم بأنها ضد الحرب، لأنها فى حقيقتها ضد السلام!

رامبو – كالمعتاد – دخل حربًا، ضد أشرار متجبرين، كى ينتصر فيها. ثم اختار فى النهاية أن يعود – أخيرًا – إلى موطنه فربما روحه التائهة تجد خلاصها، ولكن ليس قبل واحد من أكبر حمامات الدم التى يمكنك أن تشهدها فى فيلم سينمائى. إنه لم يحارب من أجل الانتصار، بقدر ما حارب من أجل الإبادة الجماعية، متحوّلًا إلى سلاح دمار شامل يمشى على قدمين، والفرق الوحيد بينه وبين القنبلة الذرية أنه لا يترك إشعاعًا دائمًا مطرح انفجاره!

راقب ماذا فعل عندما حاول قائد الجنود البورميين الهرب، لقد مزقه بسكينه حتى نزع أحشاءه؛ وهى – بالمناسبة – طريقة شنيعة للقتل كان يستخدمها جيش Viet Cong الڤيتنامى الشيوعى فى أوائل الستينيات؛ أى أن رامبو – المُفترض مجيئه من دولة أكثر تحضرًا – صار فى همجية أعدائه القدامى. ثم انظر له فى المعركة الأخيرة وهو يمحو جنود بورما من على وجه الأرض، بدون أن يأخذ أسرى، أو يقبل مستسلمًا، أو يترك أحدًا حيًا لوجه الله؛ لتكتشف أنه أصبح أكثر شرًا من أعدائه الحاليين!

على عكس وحش فرانكنشتاين، الذى ينتهى كمجرم مطلوب من العدالة، وقاتل يطارده الندم، ينتهى رامبو فى هذه الجولة كبطل فى أعين أعضاء البعثة السلمية، والذين ينبهرون بجرائمه (عدد قتلاهم: 2، وعدد قتلى الجنود البورميين حوالى: 230!)، وكأن الفيلم يثبت أن سبيل رامبو كوحش قبيح مخبول هو السبيل للنجاة فى هذا العالم، وأنه كمسخ يعجز عن كبح عنفه المتطرف، ويستمرئ محو الإنسانية فيه وفيمن حوله، هو نموذج نحتاج إليه، أو نحتاج إلى أن نكونه. بهذا الشكل المنحرف، يبتعد رامبو عن كونه أيقونة لسينما الأكشن المسلية، ويقترب من سفاحى أفلام الرعب؛ مثل فريدى فى سلسلة A Nightmare on Elm Street أو كابوس شارع إيلم، وچيسون فى سلسلة Friday the 13th أو جمعة 13، كسفاح لا يتوقف عن حصد الأرواح مثلهم، لكن على نحو أكثر شراهة منهم، حاملًا هالة البطل المنقذ فى الوقت ذاته. وهو ما سيجعلك، لأول مرة، تتمنى أن ينتهى الجزء الأول بنهايته الأصلية – التى لم يتم الاستعانة بها رغم تصويرها – حين ينتحر رامبو راحمًا نفسه والعالم من وحشيته المنفلتة!

مع هذا التحوُّل إلى ماكينة قتل ضارية، وظيفتها تغذية غريزة الهمجية فيك إلى ما بعد التخمة، وصناعة الأموال فى شباك التذاكر، عليك أن تنسى أى ادعاء بكون رامبو شخصية درامية لها أعماق ومعانٍ. لذلك، فإن عودته لوطنه فى مشهد الختام تبدو مفرغة المعنى. من ناحية، ستسأل مرارًا: لماذا لم يفعل ذلك منذ البداية؟! ومن ناحية أخرى، أنت تعلم أن هذه العودة ليست خلاصه الذى يبحث عنه، أو فوزه بسلامه الداخلى المفقود منذ عقود، فالحرب صارت هى خلاصه وسلامه، كـ”الشىء الذى يموت من أجله”، ولا “حياة” بدونه. يتكامل مع ذلك ما أُعلن مؤخرًا من أن رامبو سيعود قريبًا فى فيلم جديد / حرب جديدة، عبر جزء خامس من تأليف وأخراج وبطولة ستالون، وهو ما يحسم أن وطن رامبو هو القتل ولا شىء غيره!**  

تبتعد عن هذا المعنى المزعج.. كى يصدمك الفيلم بأمر مزعج آخر. من المؤكد أن ستالون، كمخرج، سأل نفسه ماذا سيفعل بميزانية متهالكة مثل 50 مليون دولار كى يجذب الجمهور؟ (رامبو 3، المنتج قبلها بـ20 عامًا، تكلّف 63 مليون دولار)، كيف سينافس أفلام أكشن فى السنة نفسها تكلّفت ميزانيات فلكية؛ كفيلم إنديانا چونز The Kingdom of the Crystal Skull أو مملكة الجمجمة الكريستالية، المُنتج بـ185 مليون دولار، وفيلم چيمس بوند Quantum of Solace أو كم العزاء، المنتج بـ219 مليون دولار، و The Chronicles of Narnia 2 أو تاريخ نارنيا 2، المُنتج بـ246 مليون دولار؟ كيف سيدهش ستالون الجيل الجديد ببطله القديم القادم من الثمانينيات؟ والحق أنه وجد الإجابة. إنها ليست فى المأزق الدرامى، أو البعد الفلسفى، أو حتى الأكشن العظيم. إنها فى اللحم المفروم!  

ذهب ستالون بالعنف فى فيلمه إلى درجة R فى التصنيف الرقابى، ليصوِّر كل ما يحلو له من رءوس تتفجَّر، وأجساد تتقطَّع لأشلاء، وجالونات لا حصر لها من الدماء، فى عنف لا إنسانى، أو صناعة سينما لا إنسانية! أنا لا أستطيع نسيان المعركة الختامية، عندما يقف رامبو وراء مدفعه الشيطانى، كى يقتل فى مذبحة كبرى كل الأعداء، محوّلًا إياهم إلى مئات الأوصال الممزقة، وأطنان من اللحم المفروم، منهيًا نصف كومبارس هوليوود بالإضافة إلى معدتى! هذا شىء مريض، ومُمرِض، يختلف تمامًا عن العنف الكارتونى الذى شاهدناه فى الأفلام الثلاثة الأولى؛ والتى كان الجندى فيها يتلقى رصاصة، ثم يمثل السقوط، ودمتم. إن هذا التتابع هو أقرب ما يكون للكابوس الذى عاشه چون رامبو نفسه فى ڤيتنام، وحكى جزءً منه فى نهاية الفيلم الأول، حينما انفجر جسد زميله أمامه، ثم التصقت أجزاء من لحمه به. وبناءً على ذلك، كما ترى، فإن هذا الفيلم أصبح شريرًا كالحرب، ونحن – كالمشاهدين المساكين – صار علينا التحوُّل إلى معقدين نفسيًا مثل رامبو!  

إذا كان هذا مزعجًا؛ فإليك أكثر أوجه الفيلم إزعاجًا على الإطلاق. بمشاهدة متأنية، سترى أن هذا الفيلم يقدم حرب رامبو فى ڤيتنام، قبل انسحاب القوات الأمريكية سنة 1973، وإن تم ذلك بطريق غير مباشر. فجنود النظام البورمى يبدون كجنود الجيش الڤيتنامى، وفلاحو بورما الفقراء يبدون كفلاحى ڤيتنام الفقراء، وخلفيات المكانين واحدة، بل إنهما متقاربان على الخريطة، وحقوق الإنسان مهدرة فى الحالتين، خاصة معارضى السلطة القمعية، ورامبو ليس إلا “شمشون الذى سُجن فى أرض أعدائه”، ووجب عليه استعادة قوته واستحضار قدراته، كى يلعب دور المُخلِّص الأمريكى الشهم، ويُكمل مهمته الأمريكية المقدسة فى بداية الألفية الجديدة، معطيًا النموذج المعلِّم، والقدوة الحسنة، لكل مجند أمريكى شاب، خاصة هؤلاء الذين كانوا يُشحَنون إلى العراق وقت عرض الفيلم، تحت شعارات صريحة الكذب مثل نشر الحرية والديموقراطية.

لتدعيم هذه النظرة، تأمل المبدأ المستفز للبطل “عش من أجل لا شىء، أو مت من أجل شىء”! بشكل ما، يمكنك قراءتها كستالون، الذى أعلن أن مناهضى الحكم فى بورما سنة 2008، الذين هرّبوا الفيلم بعد منعه رقابيًا فى بلدهم، ردّدوها ضد طغيان الديكتاتورية العسكرية هناك، ليعتبر ذلك “أكثر لحظة فخر عاشها فى عمره الفنى”. ولكن بشكل آخر، يمكنك أن تقرأها كنداء دعائى للتجنيد، يساند الجيش الأمريكى، ويجلب مزيدًا من الجنود لحرب العراق، وهى حرب ڤيتنام الثانية، التى صُنع فيها اللحم المفروم الحقيقى لسنوات امتدت بين 2003 و2011. والعجيب أن ذلك يتوافق مع قرارات الرئيس الأمريكى چورچ بوش الابن فى العام السابق مباشرة، 2007، التى طلبت أكثر من 21 ألف جندى جديد للسفر إلى العراق. ليظهر الفيلم كدعوة إلى حرب قذرة جديدة، تفرّخ آلاف الجنود المشوّهين نفسيًا، والذين يقتلون على نحو إبادى مرعب، مهدرين حقوق وحياة الإنسان، بشكل أفظع من العدو الذى يحاربونه (تشير إحصائيات أجرتها جامعات أمريكية وكندية وعراقية أن ضحايا الغزو الأمريكى للعراق وصلوا لأكثر من 450 ألف عراقى، مقابل أقل من 4500 جندى أمريكى)، وإلا عليك أن تسأل ببديهية: لماذا لا يكون مبدأ البطل “عش من أجل شىء” كنوع من التغيير؟!

رامبو 4 فيلم حربى كريه مثل بطله، يزدحم بصور فظيعة يعوِّض بها غياب السيناريو الجيد والميزانية الكبيرة. أسوأ ما فيه؛ إعلاؤه لأسطورة محارب مسخى، لا يرحم كالطاعون. وأخبث ما فيه؛ ترويجه للحرب التى تمحو العدو من الوجود، كهدف نبيل يجعل للحياة قيمة.

****************

*الشخصية الخيالية للروائية البريطانية مارى شيلى، فى روايتها “فرانكنشتاين” المنشورة سنة 1818، لكائن مشوه صنعه أحد العلماء.

**وافقت شركة مالينيم فيلمز، مالكة حقوق الشخصية، على إنتاج جزء خامس سنة 2009، من تأليف واخراج وبطولة ستالون، يدور حول إنقاذ رامبو لفتاة اختطفتها عصابات تهريب المخدرات على الحدود الأمريكية-المكسيكية. لكن مع مرور السنوات، تعثّر المشروع، ثم توقّف تمامًا. وبعد تصريح ستالون فى مجلة Variety يناير 2016 أنه اعتزل شخصية رامبو، أعلنت شركة الإنتاج فى العام نفسه عن فيلم reboot لرامبو، أو بداية جديدة للسلسلة، لن يضم ستالون. ثم بعد عقد كامل من التعثُّر، ظهر الفيلم أخيرًا سنة 2019، بعنوان Rambo: Last Blood أو رامبو: الدماء الأخيرة.

……

نُشرت فى مجلة أبيض وأسود / العدد 39 / مارس 2015.

 

 

 

 

مقالات من نفس القسم