خمسة عشر دقيقة

خمسة عشر دقيقة
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

 

 

إنجي همام

كنا نمشي  بالعشرات ثم صرنا مئات أو ربما آلاف ،، لا أذكر بالضبط نوع الهتاف الذي كنا نردده أو إذا ما كنا نردد شيئا من الأساس أم نسير صامتين ،، ما أذكره جيدا أننا كنا رافعوا الأيدي ،، جميعنا كان يرفع يديه نحو السماء ،، أذكر أين كنا بالضبط ،، في شارع طلعت حرب إلى جانب  فندق "إفر جرين"  متجهين نحو ميدان طلعت حرب ، كان الوقت في مستهل المساء أو قبل ذلك بقليل حينما باغتتني الرصاصة  التي أصابت مؤخرة رأسي ،،

 رأيتها تطير في الهواء و كأنما أُطلقت  بالتصوير البطيء وللمرة الثانية “فأنا أذكر أني فعلتها من قبل” أخرج الرصاصة من مؤخرة رأسي بسرعة وهدوء ،، أتحسس مكان الطلقة فأجد فوهة كبيرة ،، لم يشعر بي أحد ممن كانوا يسيرون معي  أعطيت السائر بجانبي الرصاصة التي استخرجتها من رأسي و أشرت له على مكان جرحي فرأيت الفزع في وجهه لكنني ظللت متماسكة ولم يغشى علىً ،،  لا أدري ماذا حدث بعدها بالضبط  فقط أذكر أن الظلام بدأ يحل و أني كنت جالسة على أحد الأرصفة عندما أعتمت السماء تماما  ، لم أكن وحدي أيضا بل كثيرين غيري.. المكان كان مكتظ بعناصر الأمن ، هم من أمرونا بافتراش الأرصفة ، لم يكن يُسمح لأينا بمغادرة مكانه قبل مرور خمسة عشر دقيقة على هذا الحال لكل منا ، بعد قضاء مدتي المفروضة على الرصيف دخلت إحدى دورات المياه العمومية ، كانت نظيفة على غير عادتها ، حاولت الاهتمام بجرحي المهمل .. شاهدتني إحدى الفتيات -لم أكن أعرفها-  حاولت مساعدتي في تنظيف الجرح وتطهيره وقضيت ليلتي هناك بصحبة بنات كثيرات لم أكن أعرف أى منهن ولكن فيما يشبه حظر التجوال تم حبسنا بدورة المياه العمومية  .. في صباح اليوم التالي كنت لم أزل بالشارع السكنات العسكرية حالت دون وصولي لمنزلي فبين كل ساعتين يتم إيقاف حركة الشارع تماما ونؤمر بالجلوس خمسة عشر دقيقة على أقرب الأرصفة لكل منا ، بعد انتهاء مدتي الجديدة حاولت المرور بشوارع داخلية احتميت بالأزقة والحارات لربما لا تكفي أعدادهم لاحتلال كل شبر ، أنهكني السير والألم الذي تذكرته فجأة من أثر الطلقة التي أصابت رأسي قبل يوم وقبل أن أضطر للمرور بأحد الشوارع الرئيسية مجددا فكرت في الاستراحة لبعض الوقت ، كنت مختبئة بإحدى المدارس المغلقة حينما باغتتني “رضوى” صديقتي المقربة لم أعرف كيف وصلت أو كيف عرفت مكاني وأمر جرحي .. عرفت فقط أنها جاءت لتنقذني، لم تتحدث كثيرا بل مطلقا أشارت لي باتباعها بهدوء ففعلت،، أعرف كم هي مدهشة دوما ولكن أن يصل الأمر لتقوم بتهريبي داخل عربة تابعة لإحدى الجهات العسكرية فلم يكن يخطر ببالي ،، قبل أن أطلق دهشتي بوجهها الجاد أكثر من اللازم أشارت لي أن أركب بسرعة كنت أتصورها هي من سيقود بنا العربة ولكنني بوغت مرة أخرى عندما وجدت أن من يُقلنا أحد عناصر الأمن ، انطلقت العربة بسرعة شديدة لدرجة أني لم ألحظ معالم الطريق وجدتني بعد دقائق معدودة أقف بصحن المنزل منزل جدتي القديم أذكر أن أخوالي قد باعوا المنزل منذ سنوات فكيف بقي على حاله، كل شيء في مكانه لم يتغير ، أخذت رضوى من يدها وصعدنا الدرج مستندتين على أوجاعنا وبعض الأمل ، على الأريكة الخضراء البلدية التي تتوسط غرفة المعيشة جلست رضوى أمام التلفاز  ناولتها صحن كبير ممتلء بالبطيخ وجدته على طاولة المطبخ رغم أننا كنا بالشتاء، جلسنا نأكل سويا ونحن نبدل في قنوات التلفاز ، كل القنوات كانت تذيع أفلاما بالأبيض و الأسود عدا قناتنا المفضلة كانت تذيع فيلما بالأبيض فقط ، تركنا قنوات الأفلام وأدرنا المؤشر على نشرة الأخبار ، لم نسمع ما كانت تقوله المذيعة الشقراء فقط التهينا بابتسامتها المحكمة التي لا تفارق ثغرها أبدا أيا كان ما تقول كانت ابتسامة  باردة ربما أبرد من هذا البطيخ الشتوي ..

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 كاتبة مصرية 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون